الزمان : 21/5/2001
المكان : على مقعد الحديقة بجامعة كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأمريكية
كان بداخلى بحر عميق من الحب .. اشواق لاتنتهى .. مشاعر بلاحدود ، لكن كل شئ حولى كان يكتم هذه المشاعر وهذه الأشواق ، رغم أن هذا الـ " كل شئ " هو نفسه الذى يفجر كل هذه المشاعر والأشواق ، ولايتركنى أنساها قليلا حتى يعيد تذكيرى بها .
لا أمشى يمينا أو يسار أو إلى الأمام أو حتى إلى الخلف إلا وأتعرض لما يثير كيانى وعاطفتى نحو هذا الكائن الذى يسمى المرأة .
مشاهد الحب التى تملأ الجامعة .. الروايات المنتشرة فى الكتب وعلى الصحف .. الأفلام والمسلسلات .. حكايات الأصدقاء حول قصة الحب التى يعيشها كل منهم .
أفهم تماما أن كل هذا خطأ ، وكل المشاهد والقصص رأيت نهايتها التى لم تكن ابدا سعيدة .. لكنها تثير فى نفسى كل المعانى الساكنة .. معانى الاحتواء والمودة والرحمة والسكن والاستقرار بكل ماتبعثه هذه المعانى من أشواق الحب والعاطفة حتى اصبحت أعيشها بلازوجة وأشعرها حتى نحو الفراغ .
بل تدرجت الأمور حتى اصبحت أرى الطفل الصغير قتجتاحنى معانى الأبوة والرحمة والعطف وسائر هذه المعانى المتدفقة نحو اللاشئ .
ثم ينتزعنى الواقع من عالم مشاعرى لأجدنى أعجز عن الزواج الذى لا املك تكاليفه ، كما لا أستطيع ولا أقبل لنفسى ممارسة معصية لما عُرف عنى من التدين والالتزام .
يالحظ تلك المرأة التى كتب لها القدر أن تكون زوجتى ، ستجد بحرا من الحب والعواطف والمشاعر مخزونة عبر السنين تتدفق نحوها بلا نهاية .
كانت فرحتى بلاحدود حين علمت ان الجامعة قبلت طلبى بإكمال الدراسة فى أمريكا .. لم اكن اعرف بالضبط لماذا فرحت ؟ .. ألأننى سأسافر إلى مكان طالما تمنى الكثير من أقرانى السفر إليه ؟؟ .. أم لأنه دليل تميزى وتفوقى على غيرى ممن أرادوا نفس الأمر ولم يُقبلوا ؟؟ .. أم لأن أمريكا بالفعل أرض الأحلام حيث الحياة السهلة الميسرة والإمكانيات العلمية المبهرة ، واسلوب الدراسة المتميز ؟؟
حقا .. لم أكن أدرى لماذا غمرتنى كل هذه الفرحة ؟؟
تمت إجراءات السفر وتوديع الأهل كما هو معتاد دائما .. وارتفعت بى الطائرة إلى أرض الأحلام .. وهناك اشتعلت كل عواطفى وأشواقى دفعة واحدة .
فعلى رغم كل مايجتاح بلادنا من مظاهر الفساد إلا أن امريكا شئ مختلف تماما .. أنت فى أمريكا حر لدرجة أن تخلع كل شئ حتى آدميتك فى عرض الشارع .
وبقدر ما أثارت مشاهد الطرقات والمواصلات فى نفسى من الامتعاض بقدر ما أشعلت فى نفسى كل مشاعر التكامل مع الأنثى .
بالفعل لا أتذكر متى تعرفت عليها .. لربما أن ماتلا هذا التعارف من احداث أنسانى كيف تعرفت عليها .. وأول ما أتذكره الآن هو أن هيأت لها ذراعى فتأبطه بشدة كأنها تتعلق به .. إنها لحظة لا انساها .
كان ذلك فى أول أيام الجامعة .. تعرفت على شاب كان بجوارى فى قاعة الدراسة وعرفت أنه من اليونان ، وتعرفت على أخرى فى نفس اليوم ثم نسيت عنها كل شئ الآن .
الحياة هنا تمضى فى سلاسة غريبة ، حتى أننى اتعارف على الجميع ببساطة مدهشة .
أول ما أتذكر من مواقف هو عندما جرت نحوى وأمسكت ذراعى مستغيثة من شابين يلاحقانها .. لم افهم الموضوع .. و لم أحاول التفكير أصلا .. بل دخلت معهما فى معركة سريعة ساعدنى فيها ضعف بنيتهما ، ثم التفت إليها فطالعتنى ابتسامة ساحرة من ملامحها الشرقية الغربية .. لا ادرى كيف ؟ .. ولكنى اشعر بروحها الشرقية منطلقة من ملامحها الغربية .
قلت لها : هيا بنا نجرى قبل أن يتجمعوا لنا .. فهذه البلاد ايضا بلاد الجريمة .
وامسكت بيدها وانطلقنا نجرى بحيث لايكتشف أحد خط سيرنا ، حتى انتهينا إلى مكان واسع متطرف فى حديقة الجامعة المترامية الأطراف ، ثم تذكرت أنى لا اعرف اسمها بعد ، فسألتها عن اسمها .
سكتت لحظة ، وتجمدت ملامحها للحظة ثم قالت بابتسامة : " بيلين "
وببساطة قررت أن تدعونى لمشاهدة فيلم بالسينما ، وقبلت دعوتها بنفس البساطة .
حينما دخلنا من الباب الخارجى للمبنى الضخم لم ادر لماذا حملتها فجأة فى هدوء تام وقبلت جبينها قبلة أفرغت فيها مشاعر السنين ..
وحينها شعرت وكأنى فى عالم آخر ..
كأنما ألقيت هما ضغط على صدرى طويلا ..
أو كأنما استقر ذلك الشئ الذى كان مضطربا دائما .
وفجأة وبلاسابق تفكير أو مقدمات .. تذكرت انى لم اصل العصر .. فاستأذنتها ، ولم انتظر رد فعلها ، لكنها سارت معى حتى المسجد ولم تدخله .
لم ألق بالا لهذا الأمر ولم أفكر فيه ، وإنما دخلت وصليت ورأيت الصفوف وهى تنتظم ، وحلقت فى الوجوه التى تمثلت لى وكأنها وجوه الصحبة الصالحة التى تركتها فى بلدى حتى ظننت أنهم هم .
وبعد الصلاة أعدت النظر إلى وجوههم ثم هيئ لى أنى أخاطبهم قائلا : " وداعا الآن .. معى بالخارج ملاكى "
خرجت من المسجد فلم أجدها .. بحثت يمنة ويسرة فلم اجدها .. مشيت إلى الأمام وإذا بلمسة على كتفى فالتفت فإذا بسمتها المتألقة تمتع عينى ، وكانما أحسست جزءا منى قد عاد إلىّ .
صارحتها مندهشا كيف اقتربت منها ولم اعرف عنها إلا اسمها ، سألتها : " ماذا عن بلدك ؟ "
صمتت لحظة وتجمدت ملامحها ثم نظرت إلى فى جدية وقالت : " إسرائيل " .
دارت بى الأرض ..
واختلطت فى عينى كل الألوان حتى تداخلت واسودت ..
وأغمضت عينى ..
لقد تلقيت آخر صدمة كنت أتخيلها ..
حاولت نفسى للحظة أن تمضى فى العلاقة .. لكن كل حواسى تذكرت مافعلوه ويفعلوه بإخواننا فى فلسطين .. ورفضت مجرد الفكرة .
حاولت هى أن تقول ، ولكن فى غمرتى لم أفهم إلا أنها كانت تغمغم بأن الوضع الحالى لاشك غير دائم ، وانه لابد سيسود الحب والسلام .
لم أكن مستعدا لأسمع فقلت فى حزم قاهر : لا أريد أن أسمع شيئا .. ليتنا لم نتعارف .
سكتت لحظة ثم تجمدت ملامحها .. ولكن هذا الوجه كان يحمل فى هذه المرة ملامح الدموية والقسوة ، ثم قالت فى اقتضاب : فليكن .
عدت ادراجى إلى الجامعة ، جلست على أقرب مقاعدها .. عاودنى اشتعال عواطفى الذى عزمت ألا أصرفه إلا لذات الدين التى اثق أن الله يخبئها لى فى صفحات الغيب .
وقررت حينها أن أرجع عهد عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - .
المكان : على مقعد الحديقة بجامعة كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأمريكية
كان بداخلى بحر عميق من الحب .. اشواق لاتنتهى .. مشاعر بلاحدود ، لكن كل شئ حولى كان يكتم هذه المشاعر وهذه الأشواق ، رغم أن هذا الـ " كل شئ " هو نفسه الذى يفجر كل هذه المشاعر والأشواق ، ولايتركنى أنساها قليلا حتى يعيد تذكيرى بها .
لا أمشى يمينا أو يسار أو إلى الأمام أو حتى إلى الخلف إلا وأتعرض لما يثير كيانى وعاطفتى نحو هذا الكائن الذى يسمى المرأة .
مشاهد الحب التى تملأ الجامعة .. الروايات المنتشرة فى الكتب وعلى الصحف .. الأفلام والمسلسلات .. حكايات الأصدقاء حول قصة الحب التى يعيشها كل منهم .
أفهم تماما أن كل هذا خطأ ، وكل المشاهد والقصص رأيت نهايتها التى لم تكن ابدا سعيدة .. لكنها تثير فى نفسى كل المعانى الساكنة .. معانى الاحتواء والمودة والرحمة والسكن والاستقرار بكل ماتبعثه هذه المعانى من أشواق الحب والعاطفة حتى اصبحت أعيشها بلازوجة وأشعرها حتى نحو الفراغ .
بل تدرجت الأمور حتى اصبحت أرى الطفل الصغير قتجتاحنى معانى الأبوة والرحمة والعطف وسائر هذه المعانى المتدفقة نحو اللاشئ .
ثم ينتزعنى الواقع من عالم مشاعرى لأجدنى أعجز عن الزواج الذى لا املك تكاليفه ، كما لا أستطيع ولا أقبل لنفسى ممارسة معصية لما عُرف عنى من التدين والالتزام .
يالحظ تلك المرأة التى كتب لها القدر أن تكون زوجتى ، ستجد بحرا من الحب والعواطف والمشاعر مخزونة عبر السنين تتدفق نحوها بلا نهاية .
كانت فرحتى بلاحدود حين علمت ان الجامعة قبلت طلبى بإكمال الدراسة فى أمريكا .. لم اكن اعرف بالضبط لماذا فرحت ؟ .. ألأننى سأسافر إلى مكان طالما تمنى الكثير من أقرانى السفر إليه ؟؟ .. أم لأنه دليل تميزى وتفوقى على غيرى ممن أرادوا نفس الأمر ولم يُقبلوا ؟؟ .. أم لأن أمريكا بالفعل أرض الأحلام حيث الحياة السهلة الميسرة والإمكانيات العلمية المبهرة ، واسلوب الدراسة المتميز ؟؟
حقا .. لم أكن أدرى لماذا غمرتنى كل هذه الفرحة ؟؟
تمت إجراءات السفر وتوديع الأهل كما هو معتاد دائما .. وارتفعت بى الطائرة إلى أرض الأحلام .. وهناك اشتعلت كل عواطفى وأشواقى دفعة واحدة .
فعلى رغم كل مايجتاح بلادنا من مظاهر الفساد إلا أن امريكا شئ مختلف تماما .. أنت فى أمريكا حر لدرجة أن تخلع كل شئ حتى آدميتك فى عرض الشارع .
وبقدر ما أثارت مشاهد الطرقات والمواصلات فى نفسى من الامتعاض بقدر ما أشعلت فى نفسى كل مشاعر التكامل مع الأنثى .
بالفعل لا أتذكر متى تعرفت عليها .. لربما أن ماتلا هذا التعارف من احداث أنسانى كيف تعرفت عليها .. وأول ما أتذكره الآن هو أن هيأت لها ذراعى فتأبطه بشدة كأنها تتعلق به .. إنها لحظة لا انساها .
كان ذلك فى أول أيام الجامعة .. تعرفت على شاب كان بجوارى فى قاعة الدراسة وعرفت أنه من اليونان ، وتعرفت على أخرى فى نفس اليوم ثم نسيت عنها كل شئ الآن .
الحياة هنا تمضى فى سلاسة غريبة ، حتى أننى اتعارف على الجميع ببساطة مدهشة .
أول ما أتذكر من مواقف هو عندما جرت نحوى وأمسكت ذراعى مستغيثة من شابين يلاحقانها .. لم افهم الموضوع .. و لم أحاول التفكير أصلا .. بل دخلت معهما فى معركة سريعة ساعدنى فيها ضعف بنيتهما ، ثم التفت إليها فطالعتنى ابتسامة ساحرة من ملامحها الشرقية الغربية .. لا ادرى كيف ؟ .. ولكنى اشعر بروحها الشرقية منطلقة من ملامحها الغربية .
قلت لها : هيا بنا نجرى قبل أن يتجمعوا لنا .. فهذه البلاد ايضا بلاد الجريمة .
وامسكت بيدها وانطلقنا نجرى بحيث لايكتشف أحد خط سيرنا ، حتى انتهينا إلى مكان واسع متطرف فى حديقة الجامعة المترامية الأطراف ، ثم تذكرت أنى لا اعرف اسمها بعد ، فسألتها عن اسمها .
سكتت لحظة ، وتجمدت ملامحها للحظة ثم قالت بابتسامة : " بيلين "
وببساطة قررت أن تدعونى لمشاهدة فيلم بالسينما ، وقبلت دعوتها بنفس البساطة .
حينما دخلنا من الباب الخارجى للمبنى الضخم لم ادر لماذا حملتها فجأة فى هدوء تام وقبلت جبينها قبلة أفرغت فيها مشاعر السنين ..
وحينها شعرت وكأنى فى عالم آخر ..
كأنما ألقيت هما ضغط على صدرى طويلا ..
أو كأنما استقر ذلك الشئ الذى كان مضطربا دائما .
وفجأة وبلاسابق تفكير أو مقدمات .. تذكرت انى لم اصل العصر .. فاستأذنتها ، ولم انتظر رد فعلها ، لكنها سارت معى حتى المسجد ولم تدخله .
لم ألق بالا لهذا الأمر ولم أفكر فيه ، وإنما دخلت وصليت ورأيت الصفوف وهى تنتظم ، وحلقت فى الوجوه التى تمثلت لى وكأنها وجوه الصحبة الصالحة التى تركتها فى بلدى حتى ظننت أنهم هم .
وبعد الصلاة أعدت النظر إلى وجوههم ثم هيئ لى أنى أخاطبهم قائلا : " وداعا الآن .. معى بالخارج ملاكى "
خرجت من المسجد فلم أجدها .. بحثت يمنة ويسرة فلم اجدها .. مشيت إلى الأمام وإذا بلمسة على كتفى فالتفت فإذا بسمتها المتألقة تمتع عينى ، وكانما أحسست جزءا منى قد عاد إلىّ .
صارحتها مندهشا كيف اقتربت منها ولم اعرف عنها إلا اسمها ، سألتها : " ماذا عن بلدك ؟ "
صمتت لحظة وتجمدت ملامحها ثم نظرت إلى فى جدية وقالت : " إسرائيل " .
دارت بى الأرض ..
واختلطت فى عينى كل الألوان حتى تداخلت واسودت ..
وأغمضت عينى ..
لقد تلقيت آخر صدمة كنت أتخيلها ..
حاولت نفسى للحظة أن تمضى فى العلاقة .. لكن كل حواسى تذكرت مافعلوه ويفعلوه بإخواننا فى فلسطين .. ورفضت مجرد الفكرة .
حاولت هى أن تقول ، ولكن فى غمرتى لم أفهم إلا أنها كانت تغمغم بأن الوضع الحالى لاشك غير دائم ، وانه لابد سيسود الحب والسلام .
لم أكن مستعدا لأسمع فقلت فى حزم قاهر : لا أريد أن أسمع شيئا .. ليتنا لم نتعارف .
سكتت لحظة ثم تجمدت ملامحها .. ولكن هذا الوجه كان يحمل فى هذه المرة ملامح الدموية والقسوة ، ثم قالت فى اقتضاب : فليكن .
عدت ادراجى إلى الجامعة ، جلست على أقرب مقاعدها .. عاودنى اشتعال عواطفى الذى عزمت ألا أصرفه إلا لذات الدين التى اثق أن الله يخبئها لى فى صفحات الغيب .
وقررت حينها أن أرجع عهد عمر بن عبد العزيز - رضى الله عنه - .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق