من الكتب التاريخية المشهورة جدا التى ينقل عنها كثير من الباحثين فى تاريخ الخلفاء الراشدين كتاب "الإمامة والسياسة " المنسوب للإمام ابن قتيبة .
ويعد هذا الكتاب من اخطر الكتب التى يستند إليها من يريد الصيد فى الماء العكر وتشويه صورة الخلفاء الراشدين ، إذ أفرد هذا الكتاب للكلام فى الفتنة والحديث عنها ، ثمانية أضعاف ما أفرده لتاريخ الراشدين جميعا .
لذا فقد كان هذا شيئا يتعارض مع المنطق ومع ماعرفه المسلمون عن الإمام ابن قتيبة المحدث الثقة المشهور صاحب كتاب ( المعارف ) ، وثبت بعد البحث أن هذا الكتاب منسوب ظلما وبهتانا للإمام ابن قتيبة ، وهذه هى الأدلة فى إيجاز ، أنقلها كما أوردها المؤرخ العظيم الدكتور على الصلابى فى كتابه ( الدولة الأموية : عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار )
___________________
من أخطر الكتب التى شوهت تاريخ صدر الإسلام كتاب " الإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة ، ولقد ساق الدكتور عبد الله عيلان فى كتابه " الإمامة والسياسة فى ميزان التحقيق العلمى " مجموعة من الأدلة تبرهن على أن الكتاب المذكور منسوب إلى الإمام ابن قتيبة كذبا وزورا من هذه الأدلة :
• إن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه ألف كتابا فى التاريخ يدعى " الإمامة والسياسة " ، ولانعرف من مؤلفاته إلا كتاب " المعارف "
• إن المتصفح للكتاب يشعر أن ابن قتيبة أقام فى دمشق والمغرب فى حين أنه لم يخرج من بغداد إلا إلى الدينور
• إن المنهج والأسلوب الذى سار عليه المؤلف " الإمامة والسياسة " يختلف تماما عن منهج وأسلوب ابن قتيبة فى كتبه التى لدينا ، فمنهج ابن قتيبة أن يقدم لمؤلفاته بمقدمات طويلة يبين فيها منهجه والغرض من مؤلفه ، وعلى خلاف ذلك يسير صاحب الإمامة والسياسة ، فمقدمته قصيرة جدا لاتزيد على ثلاثة اسطر ، هذا إلى جانب الاختلاف فى الأسلوب ، ومثل هذا المنهج لم نعهده فى مؤلفات ابن قتيبة .
• يروى مؤلف الكتاب عن أبى ليلى بشكل يُشعر بالتلقى عنه ، وان أبى ليلة هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه قاضى الكوفة توفى سنة 148هـ ، والمعروف أن ابن قتيبة لم يولد إلا نة 213 هـ ، أى بعد وفاة ابن أبى ليلى بخمة وستين عاما .
• إن الرواة والشيوخ الذين يروى عنهم ابن قتيبة عادة فى كتبه لم يرد لهم ذكر فى أى موضع من مواضع الكتاب .
• إن قسما كبيرا من رواياته جات صبيغة التمريض ، فكثيرا مايجئ فيه: ذكروا عن بعض المصريين ،وذكروا عن محمد بن سليمان فى مشايخ اهل مصر ، وحدثنا بعض مشايخ أهل المغرب فذكروا عن بعض المشيخة ، وحدثنا بعض المشيخة .
ومثل هذه التراكيب بعيدة كل البعد عن اسلوب وعبارات ابن قتيبة ، ولم ترد فى كتاب من كتبه .
إن مؤلف الإمامة والسياسة يروى عن اثنين من كبار علماء مصر ، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ من هاذين العالمين .< عقيدة الإمام ابن قتيبة ، على العليانى ، صـ 90 >
• ابن قتيبة يحتل منزلة عالية لدى العلماء فهو عندهم من اهل السنة ، وثقة فى علمه ودينة ، يقول السلفى : كان ابن قتيبة من الثقات واهل السنة ، ويقول ابن حزم : كان ثقة فى دينه وعلمه ، وتبعه فى ذلك الخطيب البغدادى ، ويقول عنه ابن تيمية ، وإن ابن قتيبة من المنتصرين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة < لسان الميزان 3/357 ، تحقيق مواقف الصحابة 2/144 >
ورجل هذه منزلته لدى رجال العلم المحققين ، هل من المعقول أن يكون مؤلف كتاب الإمامة والسياسة الذى شوه التاريخ ، وألق بالصحابة الكرام ماليس فيهم < تحقيق مواقف الحابة 2/144 >
يقول الدكتور على نفيع العليانى فى كتابه " عقيدة الإمام ابن قتيبة " عن كتاب الإمامة والسياسة : بعد قراءتى لكتاب الإمامة والسياسة قراة فاحصة ، ترجح عندى أن مؤلف الإمامة والسياسة رافضى خبيث أراد إدماج هذا الكتاب فى كتب ابن قتيبة نظرا لكثرتها ، ونظرا لكونه معروفا عند الناس انتصاره لأهل الحديث ، وقد يكون من رافضة المغرب ، فإن ابن قتيبة له سمعة حسنة فى المغرب < الفتاوى لابن تيمية 17/391 > ، ومما يرجح أن مؤلف الإمامة والسياسة من الروافض ما يلى :
• ان مؤلف الإمامة والسياسة ذكر على لسان علي – رضى الله عنه – أنه قال للمهاجرين : " الله الله يامعشر المهاجرين ، لاتخرجوا سلطان محمد فى العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ، ولاتدفعوا أهله فى مقامه فى الناس وحقه فوالله يامعشر المهاجرين لنحن أحق الناس به ، لأنا اهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ... والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله < الإمامة والسياسة 1/12 >
ولا أحد يرى ان الخلافة وراثية لأهل البيت إلا الشيعة
• إن مؤلف الإمامة والسياسة قدح فى صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قدحا عظيما ، فصور ابن عمر رضى الله عنه جبانا ، وسعد بن أبى وقاص حسودا ، وذكر أن محمد بن مسلمة غضب على على بن ابى طالب لأنه قتل مرحبا اليهودى بخيبر ، وان عائشة رضى الله عنها أمرت بقتل عثمان < الإمامة والسياسة 1/54 ، 55 > والقدح فى الصحابة من أظهر خصائص الرافضة ، وإن شاركهم الخوارج إلا أن الخوارج لايقدحون فى عموم الصحابة . < عقيدة الإمام ابن قتيبة صـ 91 >
• إن مؤلف الإمامة والسياسة يذكر أن المختار بن أبى عبيد قُتل من قبل مصعب بن الزبير ، لكونه دعا إلى آل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ولم يذكر خرافاته وادعاءه للوحى < الإماة والسياسة 2/20 > ، والرافضة هم الذين يحبون المختار بن أبى عبيد لكونه انتقم من قتلة الحسين ، مع العلم أن ابن قتيبة رحمه الله ذكر المختار من الخارجين عن السلطات وبيّن أنه كان يدّعى أن جبريل يأتيه < المعارف صـ 401 >
• إن مؤلف الإمامة والسياسة كتب عن خلافة الخلفاء أبى بكر وعمر وعثمان خمسا وعشرين صفحة فقط ، وكتب عن الفتنة التى وقعت بين الصحابة مائتى صفحة ، فقام المؤلف باختصار التاريخ الناصع المشرق ، وسوّد الصحائف بتاريخ زائف لم يثبت منه إلا القليل ، وهذه أخلاق الروافض المعهودة ، نعوذ بالله من الضلال والخذلان .
• يقول السيد محمود شكرى الألوسى فى مختصره للتحفة الاثنا عشرية : ومن مكايدهم – يعنى الرافضة – انهم ينظرون فى أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة فمن وجدوه موافقا لأحد منهم فى الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعى إليه ، فمن لا وقوف له من اهل السنة ( يعنى لم يكن عليما بالرجال .. إلهامى ) يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ، ويعتد بروايته كالسدى ، فإنهما رجلان أحدهما السدى الكبير والثانى السدى الصغير ، فالكبير من ثقات أهل السنة ، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضى غال . وعبد الله بن قتيبة رافضى غال ، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة ، وقد صنف كتابا سماه بالمعارف ، فصنف ذلك الرافضى كتابا سماه بالمعارف ايضا قصدا للإضلال <مختصر التحفة الاثنا عشرية للألوسى صـ 32 > وهذا مما يرجح ان كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الرافضى وليس لابن قتيبة السنىّ الثقة ، وإنما خلط الناس بينهما لتشابه الأسماء ، والله أعلم ، وللأسف فإنه اغتر بهذا الكتاب كثير من الباحثين وبنوا على رواياته المكذوبة كثيرا من الأحكام الباطلة .
_____________________
انتهى
كتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار - د. على محمد الصلابى - جـ2 - صـ 632 : 635 - ط1 - مؤسسة اقرأ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق