الأحد، يونيو 20، 2021

هل السيسي حريص على الأزهر حقا؟!

 المسألة لا هي مسألة أزهر ولا مسألة تخصص، وإنما حقيقة الأمر أن السلطة تريد دينا على هواها ومزاجها


فالسلطة نفسها أعدمت 9 من شباب الأزهر بتهمة اغتيال النائب العام، وسلطت إعلامها على شيخ الأزهر نفسه لأنه "تعب السيسي" -قليلا-.. والدولة نفسها تسلط كلابها على عبد الله رشدي وتمنعه من الخطابة وهو أزهري!


ومن الجدير بالذكر أن الدولة تغضب على فكر عبد الله عزام وعمر عبد الرحمن -بل ومحمد حسان- والثلاثة حصلوا على الدكتوراة من الأزهر!!


وفي المقابل تفتح الدولة إعلامها وصحافتها لإبراهيم عيسى وخالد منتصر وإسلام البحيري وطابور طويل ممن لم يعرفوا الأزهر وهم يتكلمون في الإسلام كما شاءوا.. بل ويتسلط هؤلاء على أشهر رمز أزهري في مصر، وهو الشيخ الشعراوي، وكل هذا على قلب الدولة "زي العسل"!!


جدير بالذكر أن الأزهر حافل بالإخوان وبالسلفيين، أي أنه لا يمكن إيجاد خط فاصل أبدا بين الأزهري من جهة وبين الإخواني أو السلفي من جهة أخرى.. بل إن أشهر رمز أزهري مستقل في هذا العصر هو فقيه الإخوان المسلمين، وهو القرضاوي.. وثاني أشهر شيخ مصري في علم الحديث عند السلفيين أزهري وهو الشيخ مازن السرساوي.


المعادلة ببساطة: هل تقدم دينا يجعل السيسي إلها من دون الله، ويجعل رغباته شريعة دون الإسلام؟


إذا كنتَ هذا فأنت شيخ أزهري وسطي معتدل تحارب التطرف والإرهاب.. فإن لم تكن أزهريا فأنت أيضا مفكر وسطي معتدل تحارب الإرهاب ولن يسألك أحد عن التخصص!!


أما إن كنت غير هذا، فأنت متطرف.. أزهريا أو غير أزهري!!!


بل لئن كنتَ أزهريا، واستسلمت لحكم السيسي واعترفت به، ولكنك تحتفظ لنفسك ببعض الوقار والتحفظ  ولو في قضايا المرأة والأحوال الشخصية، فأنت كذلك في مرمى سهام الدولة، سواء كنتَ أحمد الطيب أو عبد الله رشدي.. فالدولة لا تبحث عن صحيح الإسلام.. الدولة تبحث عمن يُعبِّد الناس لها من دون الله!!


وأما الأزهر، فلا يختلف أحد على أنه كان قلعة الإسلام والمسلمين قرونا طويلة، حتى نزلت به نازلة الدولة العلمانية الحديثة منذ الجبار الطاغية محمد علي باشا، ولم يزل ينحدر وينحدر حتى وصل إلى بؤسه الحاضر.. ولن تجد عاقلا من المسلمين -سلفيا أو غير سلفي- إلا وهو يتمنى نهضة الأزهر واستقلاله وأن يعود إلى استئناف دوره التاريخي الحضاري من جديد.


وتراث الأزهر حافل زاخر بمواقف الأئمة والمشايخ ضد ظلم السلطة وإجرامها، وفتاوى الأزهر حافلة بما لو أعيد بعثه وبثه ونشره لكان فيها ما هو بميزان "الدولة" أشد تطرفا مما تجد عن السلفيين!!


يجب أن نعي شيئا مهما.. الشيء الذي تسميه الدولة "تطرفا وإرهابا" هو في الحقيقة مما اتفق عليه المسلمون أنه من الدين.. وهي الأمور التي يمكن لأي باحث أن يأتيك فيها بفتاوى من الأزهريين والسلفيين وعلماء الهند والمغرب، على اختلاف اتجاهاتهم من سلفية وأشعرية وصوفية وعلى اختلاف مذاهبهم الفقهية.


نحن الآن في عصر يستهدف صميم الدين، ولهذا فصميم الدين هذا هو ما يسمونه تطرفا وإرهابا.. لكنهم يضربون بعض الاتجاهات ببعض.. فتحت عنوان الأزهر يضرب السيسي الإخوان والسلفيين، ولو لم يوجد الأزهر لالتمس له عنوانا آخر.. وانظر إلى السعودية والإمارات والأردن والمغرب.. كلهم يضربون خصومهم باتخاذ عناوين الاعتدال وصحيح الدين والمنهج الأشعري والمذهب المالكي و... و... و... إلخ!!


ولست تجد فيهم واحدا يلتزم في نفسه وأهله وماله وتسيير الحكم في بلده لا بمذهب ولا بمعتقد، اللهم إلا مذهب الرئيس الأمريكي والحكومة الإسرائيلية!

الخميس، يونيو 17، 2021

موقف الشيخ محمد حسين يعقوب في المحاكمة أقرب إلى العزيمة

كان الشيخ #محمد_حسين_يعقوب حديث الليلة الماضية في مصر المحبوسة المخروسة، وذلك أن محكمة مصرية استدعته كشاهد نفي في قضية لا علاقة له بها، والواقع أنها أقامت له محكمة تفيش.. فلم يُسأَل عن متهم يعرفه، ولا سُئِل عن واقعة بعينها.


وأدنى من له علم بالاتجاهات الإسلامية يعرف أن اتجاه الشيخ محمد حسين يعقوب "السلفية العلمية" لا علاقة له بالفكر الجهادي ولا بداعش ولا بقاعدة، بل بينهما ما صنع الحداد.. ثم إن يعقوب تحديدا من بين الذين ركزوا على أبواب التزكية والتربية ولم يكن يخوض في أمور الدولة والسياسة.

 

كان الهدف، من خلال قراءة أسئلة القاضي، أن يعترف يعقوب بأن الفكر السلفي هو أساس فكر القاعدة وداعش، وأن الدعاة السلفيين حين يدعون إلى الله ويذكرون الناس به، فإنما يُفَرِّخون العناصر التي تنتهي إلى مقاومة "الدولة المصرية" أو مجاهدة الأمريكان والروس وغيرهم من المحتلين.

 

الطريف في هذه الجلسة أنها كانت بين طرفين: القاضي والشيخ.. وكان الوضع الطبيعي المنطقي أن يشتعل بعدها نقد عنيف لهذا القاضي الغبي الجاهل الذي يجهل مبادئ الموضوع الذي يقضي فيه، والذي صدرت عنه طرائف وعجائب وغرائب تدل على أنه مبتدئ في هذا الموضوع كله.. حتى إنه لا يستطيع أن ينطق اسم ابن عثيمين نطقا صحيحا..

 

ولكن عورة القاضي ظلت مستورة لأن الحملة الإعلامية برعاية الدولة، بينما انطلقت موجة الهجوم على الشيخ لأن هذا ما تريده الدولة وما يريده إعلامها.. وانساق خلف هذه الموجة كثيرٌ من العلمانيين والسيساوية -وهؤلاء مجرمون بطبعهم- ثم تبعهم آخرون لحسابات حزبية "جماعاتية"، بينما أشهد أن إجابات الشيخ يعقوب كانت أفضل بكثير من المتوقع، وسآتي لذلك فيما بعد.

 

لكني لا أريد أن أُفوت فرصة الحديث عن هذا القاضي الجاهل الغبي الذي يتحكم بأرواح الناس وأعمارهم، فيحكم بالإعدام وبالسجن على من لم يفهم شيئا من دوافعه ولم يعرف شيئا عن موضوعه.

 

فالقاضي لم يفهم أن كتاب ابن تيمية "مجموع الفتاوى" من سبعة وثلاثين مجلدا، كان يظنه كتابا واحدا، وظن حين سمع رقم 37 أنها مؤلفات ابن تيمية!! ثم إنه من فداحة جهله نقل عبارة قالها المتهم في التحقيقات ونسبها لابن تيمية، فكأنما صار ابن تيمية يكفر الدولة المصرية ورجال الجيش والشرطة ويحرض عليهم.. ولما اندهش الشيخ يعقوب وكرر عليه السؤال والاستفسار "ابن تيمية قال كده؟!" ظل القاضي الغبي مصرًّا على أنه قول ابن تيمية في مجموع الفتاوى.. وأخيرا قال يعقوب "أجزم أن هذا ليس كلام ابن تيمية"!!

 

القاضي الطريف أيضا يسأل يعقوب: ما حكم هدم المساجد والكنائس والأضرحة؟.. هكذا سؤالا واحدا كأنما حكم هدم المساجد كهدم الكنائس كهدم الأضرحة!! ويريد إجابة واحدة وسريعة وقاطعة!!

 

وحين قال له الشيخ يعقوب: أنا أكلم العوام بينما غيري يكلم الملتزمين وطلبة العلم، يقول له القاضي: ألم تخاطب مرة الشباب والنساء؟ (كأن الشباب والنساء شيء والعوام شيء آخر؟!!)

 

القاضي يسأل يعقوب عن شروط العالِم؟ ولا يفهم الفارق بين العالِم والمجتهد.. ولا يفهم كذلك الفارق بين أن يكون عالِما بكتاب الله وأن يكون حافظا لكتاب الله!!

 

يسأل القاضي أيضا عما هو "الفكر السلفي التكفيري"، ويزعم أن المتهم قال أنه تنقل من التدين العادي إلى الفكر السلفي إلى الفكر السلفي التكفيري.. يا أيها القاضي الأحمق، أخبر ضابط أمن الدولة الذي كتب هذا النص أنه لا يوجد أحد حتى من الجماعات التكفيرية يرى نفسه تكفيريا!!!

 

يسأل القاضي أيضا: ما حكم قتل رجال الجيش والشرطة؟ فيقول الشيخ يعقوب: قتل المسلم حرام.. فيقول القاضي: لا أسأل عن قتل المسلم، أسأل عن قتل الجيش والشرطة!!

 

لا أدري، هل يحسب هذا القاضي أن للجيش والشرطة فقه خاص بهم، مثلما لهم بنود خاصة ومميزات خاصة في قانونه الوضعي؟!! أم أنه يشهد عليهم أنهم غير مسلمين؟!!

 

لا يفهم القاضي معنى "باء بها أحدهما".. ولما فهم معناها يريد أن يُنْزِل على القائل حُكْم المرتد.. وبهذا فطالما قال إنسان لآخر أنت كافر فلا بد أن يُقتل أحدهما!!!.. ثم إنه لا يعرف وسيلة لتنفيذ القتل غير الإعدام؟!! ودخلته العصبية وهو يقول لكاتب الجلسة: "أنت تعطلني عن نقاش الشيخ، أنا أريد أن أبارزه وأناظره".. فهل هذا قاضي أم خصم؟!

 

يكون الإنسان في محنة حين يتسلط عليه جاهل كهذا، لا هو يحسن السؤال ولا هو يحسن الفهم، ثم إن له سلطة نافذة يأمر بها وينهى، ويتحكم بها ويقضي.. ولذلك استعاذ رسول الله من حكم "سفهاء الأحلام".

 

نأتي بعد ذلك لإجابات الشيخ يعقوب..

 

ولكي أريح القارئ المتصيد الذي يحب الصراحة، وأيضا للمخبرين الذين ينسخون الكلام ويكتبون التقارير، أقول: الشيخ يعقوب يمثل اتجاها علميا دعويا، وهذا الاتجاه حسنته الكبرى في أنه يعرف الناس بالدين ويذكرهم بالله ويهديهم إلى طريقه. ولكن سيئته الكبرى أنه يتوقف بهم عند كون الدين عبادة وتزكية وصدقة ودعوة.. وقد يُفضي به هذا التوقف ليكون طعنة في ظهور العاملين واتجاها توظفه أجهزة الأمن ضد من يُفَعِّلون الإسلام في أبواب السياسة والاقتصاد والاجتماع والمقاومة.. وهذا التوقف عند أبواب التزكية والدعوة يعزل أهل هذا الاتجاه عن متابعة الحياة فإذا هم أقل الناس فهما لطبيعة الصراع وتطوراته وطبيعة ما يُراد بالأمة وطبيعة الأفكار التي تغزوها والنوازل التي تنزل بها.

 

لذلك كثيرا ما تشتعل معركة فلا يساهمون فيها، يحسبون أنها لا تعنيهم ولن تؤثر عليهم نتائجها.. أو تلوح لهم فرصة فلا يستثمرونها ويظنون أنها لا تفتح لهم أبوابا عظيمة.. وكثيرا ما يُخدعون، ومنهم من يطول به الخداع دهورا، لا سيما إذا لبس الحاكم ثوب الدين كما هو الحال في السعودية.

 

ولقد كان يجب على هؤلاء أن تكون لهم وقفة ضخمة، بل معركة صفرية مع الانقلاب، لكنهم لم يشعروا أبدا أنها معركة حياة أو موت، وأن مصيرها قد يصيبهم.. وتلك الغفلة هي التي تسببت في شلل قطاعات كبيرة من الأمة كانت لتتحرك خلفهم لو تحركوا.

 

لا يمكن أن يقارن هؤلاء ببرهامي وأتباعه، ولا بالمداخلة، ولا بشيوخ السلطان كخالد الجندي وعلي جمعة وأسامة الأزهري وسعد الهلالي وأحمد الطيب

)وهنا أتوقف لأقول: لا أدري كيف يتسق مع نفسه ذلك الذي يحتفي بأدنى كلمة فيها شبهة حق يقولها أحمد الطيب، ثم هو لا يريد من يعقوب وحسان والحويني إلا موقف سيد الشهداء وسلطان العلماء؟؟!!!)

 

ومما لا أحبه في الشيخ يعقوب -تحديدا- تشدده في مسائل فروعية كثيرة، وجزمه فيما الخلاف فيه مشهور، وشدته على من يسأله، وتنقيصه من الاتجاهات الأخرى.. ومع ذلك فأنا أتذكر له جيدا موقفه الداعم للإسلاميين في مراحل الثورة (ليس كعمرو خالد أو معز مسعود أو غيرهم ممن وقف في كل مرحلة مع العلمانيين)، ونزوله إلى ميدان مصطفى محمود يوم فض رابعة، ودعمه لاعتصام رابعة طول فترته.. وهو رجل لا يُتَّهم في دينه والله حسيبه.

 

ثم أقول:

 

لو كانت إجابات الشيخ يعقوب أدنى وأقل وأسوأ مما قاله لكان معذورا.. فهذا الذي يؤتى به إلى محكمة في اليوم التالي لأحكام الإعدام على قيادات الإخوان كيف يكون حاله؟!

 

نعم، ينبغي أن يكون موقف الشيوخ موقف العزيمة لا الرخصة.. والواقع أن إجابات الشيخ يعقوب في هذه الشهادة كانت أقرب إلى العزيمة منها إلى الرخصة.. لقد كان يستطيع أن يكذب ويفجر وهو يتحدث عن الإخوان والقاعدة وداعش وحسن البنا وسيد قطب.. ولكنه لم يفعل! بل اختار السكوت!

 

ولو أنه قال ما يعتقده هو فيهم، وهو كلامه القديم من قبل الثورة، لأرضى هذا القاضي واستبرأ لنفسه، فهو لم يقل شيئا لا يعتقده.. ولكنه لم يفعل.. وهذه، في هذا الموطن، عزيمة.

 

إن حسن البنا وسيد قطب عندي من عظماء الإسلام الكبار.. وبغير أي انتقاص من الشيخ يعقوب أو من سواه، فإن أثر البنا وقطب لا يساويه ولا يدانيه مائة شيخ كيعقوب وحسان.

 

ومع ذلك فإني أتفهم جدا نقد الحالة السلفية لسيد قطب، هذه مدرسة علمية تكونت بشكل خاص لها معاييرها وأصولها، وبناء على هذه المعايير والأصول فسيد قطب وحسن البنا -في أحسن الأحوال- مخلصون قد اجتهدوا ولهم أخطاء.

 

وحين سئل الشيخ يعقوب عن البنا وقطب كان كلامه منضبطا وفق معاييره ونظرته، فهو حين يقول إن قطب لم يدرس على يد شيخ (على نحو ما هو في المدرسة السلفية) فهو لا يقصد الطعن فيه، بل سياق كلام يعقوب أنه يعذره، يعذر أنه أديب استخدم عبارات أدبية في معان شرعية.

 

وحتى حين قال يعقوب عن البنا إنه كان يريد الوصول إلى الحكم، لم يكن يقولها انتقاصا ولا طعنا.. بل كان سياقه واضحا جدا.. كان يقول: أراد أن يصل إلى الحكم ليعيد الخلافة، لأنه أسس جماعته بعد سقوط الخلافة.. إن هذه منقبة لحسن البنا، ولم يكن كلام يعقوب طعنا في البنا.

 

يجب أن نفرق دائما، وفي كل معركة، أين تقع سهامنا.. وهل يستعملنا العدو ليقضي علينا جميعا؟!.. إن الإسلاميين الذين انطلقوا طعنا في الشيخ يعقوب وقعوا في نفس ما وقع فيه المغفلون الجهلاء في 30 يونيو.. أولئك الذين استخفهم العسكر وركبهم ليكونوا غطاء شعبيا لغدره وانقلابه ومذابحه.

 

الآن، تريد الدولة في مصر رأس المشايخ، بل رأس الدين.. لا تريد رأس يعقوب وحسان والحويني.. ليس السيسي وليس قاضيه الغبي الجاهل ممن يبحث عن صحيح الإسلام.. بل أولئك يريدون النسخة العلمانية من الإسلام، النسخة التي يقدمها لهم خالد الجندي وسعد الهلالي وعلي جمعة!

 

لما سئل يعقوب عن حكم الانضمام للجماعات أجاب بعبارة جميلة لابن تيمية، ولأن القاضي لم يفهمها فقد مررها.. وهذه من مواطن أن يكون الغباء نعمة! ولا بد للناس من تنفيس!

 

أختم هذا الكلام الطويل بنقطتين ستقفزان إليّ في التعليقات حتما.. وهي:

 

1. يعقوب قال "غزوة الصناديق" وشوّه الإسلاميين، وقال "اللي مش عاجبه يهاجر كندا"، وكان من عوامل شق الصف!!

 

والجواب: أول من شق الصف وحرص على شقه وتوسيعه وتمزيقه هم العلمانيون، ووسائل إعلامهم انطلقت ضد الإسلاميين في اليوم التالي لتنحية مبارك كالكلاب المسعورة، واخترعت وقائع هدم الأضرحة وقطع أذن القبطي و... و... و... إلخ!

 

وكلمة "غزوة الصناديق" كلمة عادية جدا.. فكل الناس تتحدث عن الاستفتاء والانتخابات بعبارة "المعركة الانتخابية".. فالمعركة عند الناس هي الغزوة عند الإسلاميين.. ولكنكم قومٌ بُهت.

 

وأصلا هو كان يرد على ساويرس لما سُئل: ماذا ستفعل لو حكم الإخوان؟ فقال: سأهاجر إلى كندا.

 

2. يعقوب تزوج 22 مرة

 

والجواب: ولو تزوج خمسين أو مائة مرة.. فليس هذا عيبا، طالما أنه زواج شرعي.. ولو أخرجنا ملفات العلمانيين من أي جهاز أمني فسنجد لأقل واحد منهم 22 حالة علاقات خارج الزواج.. هذه التي تسمونها علاقات رضائية وحرية شخصية!!!

عرض معلومات أقل


الثلاثاء، يونيو 01، 2021

كيف تشكلت معركة الصراع الحضاري العالمي

 


بعد استعراض تاريخي وسياسي طويل، كان من بين ما استخلصه د. جمال حمدان –الجغرافي والمفكر المصري المعروف- خلاصة سماها المعادلة العالمية لأساسيات الصراع في المستقبل، هذه المعادلة العالمية تتألف من عدة متتاليات إقليمية على هذا النحو:

-      "مصير الإمبريالية العالمية يتوقف على مصير العالم الثالث

-      مصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربي

-      مصير العالم العربي يتوقف على مصير فلسطين/ إسرائيل"[1].

إنه من الخطأ تصوّر أن المعركة في فلسطين هي مشكلة بين العرب والإسرائيليين، أو هي مشكلة بين المسلمين واليهود، بل ولا هي مشكلة أرض محتلة. بل التصور الصحيح لها أنها مركز الصراع الحضاري العالمي. وهذا التصور هو وحده ما يفسر كيف أن اشتعال المواجهة في فلسطين تتردد أصداؤه في عواصم الشرق والغرب، وتنفعل له الشعوب والحكومات، ويحظى باهتمامٍ لا تحظى به كوارث إنسانية أخرى في العديد من مناطق العالم.

أحاول في هذه السطور إلقاء الضوء على مسألة أن إسرائيل هي المولود الطبيعي للحضارة الغربية، تحمل خصائها وجيناتها، وأن الغرب إنما صنع هذه المشكلة ثم غرسها في بلادنا قسرا وقهرا، وتعهدها بالرعاية والعناية والحراسة، وذلك عبر استعراض تاريخي سريع موجز لجذور هذه النشأة.

(1)

عانت أوروبا من الحروب الدينية المهلكة في عصورها الوسطى المظلمة، وتعددت المذابح التي نفّذتها السلطات الدينية في المخالفين، وابتكرت أوروبا محاكم التفتيش التي تمارس التعذيب الوحشي وتعاقب بالإحراق لكل من ثبت عنده اتباع الشياطين. واختلطت هذه الحروب الدينية بالصراعات السياسية، وبقدر ما لبست الأطماع السياسية ثوب الدين والروح الصليبية، بقدر ما ألهبت الروح الصليبية الحروب السياسية. ولأن العالم الإسلامي يحيط بأوروبا من جهتي الشرق والجنوب، ولا يوجد في الشمال والغرب إلا البحار، فإن أوروبا كانت تأكل نفسها ما دامت الدول الإسلامية قوية، فإذا ضعفت الدول الإسلامية بدأت أوروبا في التمدد إليها وتصدير مشكلاتها ومحاربيها وروحها الصليبية إلى الأراضي الإسلامية، وهو الأمر الذي ابتدأ في الحروب الصليبية شرقا وفي اجتياح الأندلس والشمال الإفريقي غربا وجنوبا.

(2)

عبر فصول طويلة ومعقدة من الصراع الداخلي الأوروبي، توصل الأوروبيون إلى بعض الحلول لهذه المشكلات المزمنة والمهلكة. كان من بينها: فكرة القومية. والقومية ببساطة هي أن تكون أعراق الناس أو لغتهم هي معيار التقسيم بينهم، فأولئك الذين يجمعهم عرق وأرض، أو تجمعهم لغة وأرض، هم قوم من دون الناس.

ومن هنا يُعَدّ صلح وستفاليا (1648م) لحظة فارقة تاريخيا، حيث صارت الدول تعبيرا عن قوميات، وصار لكل دولة سيادة، وصار الاعتداء على سيادة الدولة مبررا لشن الحروب. وتراجعت منزلة الدين بحيث يكون محكوما بالدولة، وبحيث تكون مصلحة الدولة فوق رؤية الدين، وتتولى الدولة منح حق المواطنة للأفراد بغض النظر عن اختلاف الدين.

ما يهمنا الآن أن هذه الفكرة القومية هي التي اعتمدت عليها الصهيونية في إنشاء وطن لليهود، إذ هم قوم بلا دولة، ولكي تنتهي المشكلات التي يعانيها اليهود في أوروبا وروسيا، أو يعانيها الأوروبيون والروس من اليهود، فيجب العمل على إنشاء دولة لليهود. وحيث لن تفرط أي دولة أوروبية في قطعة من أرضها لليهود، فقد بحثوا عن دولة يقيمها اليهود في إحدى الدول التي احتلتها أوروبا في إفريقيا أو آسيا. ثم انتهى التدبير إلى إقامتها في فلسطين.

وهكذا دفع العرب والمسلمون ثمنا فادحا للفكرة القومية التي ولدتها أوروبا لتحل بها مشكلاتها!

(3)

ومن الحلول التي تمخض عنها الصراع الأوروبي الداخلي: فكرة التخلص من سيطرة الكنيسة، وهي الفكرة التي سميت بالإصلاح الديني الذي تمثل في البروتستانتية، أو ذهبت بعيدا نحو التخلص من الدين كله والذي تمثل في: العلمانية.

لنبدأ بالبروتستانتية، التي هي الحاضنة الطبيعية للصهيونية غير اليهودية، وذلك أن مارتن لوثر في إطار محاربته لسيطرة الكنيسة وباباواتها وتفسيراتهم للدين، اتخذ مواقف وتفسيرات مضادة لهم ولتفسيراتهم، بل إنه أقدم على طباعة الكتاب المقدس، ثم تُرجم فيما بعد إلى اللغات القومية الأوروبية، وهي الخطوة الخطيرة التي فككت سيطرة الكنيسة وأضعفتها في أوروبا، ولكن الأخطر من ذلك –فيما يهمّنا نحن- أن الأفكار التي اعتنقها لوثر والبروتستانتية من بعده تؤكد على أن اليهود هم أصحاب فلسطين، وأنهم شعب الله المختار، وأنهم سيعودون إلى فلسطين، ثم يأتي المسيح بعد عودتهم لينصرهم وليقودهم في المعركة الكبرى هرمجدون، ليبدأ بعدها العهد الألفي السعيد.

وعبر مراحل تاريخية مختلفة سادت البروتستانتية على نصف ألمانيا وعلى هولندا، وسادت –وهذا هو الأهم- على بريطانيا ثم على أمريكا. ومن ثَمَّ صارت الأفكار الدينية السائدة في هذه الأنحاء هي حجر الأساس والبيئة المناسبة التي استثمرتها الحركة الصهيونية وطوَّرت مشروعها اعتمادا عليها. لقد بذل هرتزل وحاييم وايزمان –وخصوصا هذا الأخير- مجهودا مضنيا في التمكين للصهيونية من هذا الباب، ولكن هذا المجهود المضني اعتمد أساسا على الأفكار التي تختمر لثلاثة قرون في أوروبا منذ عصر مارتن لوثر وحتى القرن العشرين، والتي أنتجت كثيرا من الأدبيات والمؤلفات والأشعار بل والمباردات الفردية والصغيرة للهجرة إلى فلسطين، بل والمحاولات السياسية غير المكتملة لإنشاء وطن لليهود في فلسطين.

وهكذا دفع العرب والمسلمون ثمنا فادحا للإصلاح الديني الذي ولدته أوروبا كحل لمشكلة السيطرة الكنسية على شعوبها!

(4)

ثم نأتي لحل العلمانية الذي أخرجته أوروبا في إطار تخلصها من سيطرة الكنسية، فمن لم يخرج من الكاثوليكية إلى البروتستانية، فإنه خرج من سيطرة الكنيسة إلى العلمانية، ليتخلص من سيطرة الدين تماما، وظهرت في أوروبا الدول العلمانية التي لم تتخلص تماما من روحها الصليبية، وإنما استثمرت هذه الروح في التمكين لمصلحة الدولة وإلهاب معنويات الجيوش التي تحتل البلاد الأخرى، وفي تنصير الشعوب الأخرى لتضمن خضوعها وتسلب منها مقاومتها إلى الأبد.

وما يهمنا في هذا أن النزعة العلمانية بطبيعتها نزعة لا أخلاقية، فقد سعت العلمانية الغربية إلى حل مشكلات الداخل الأوروبي بتصديره إلى البلاد المحتلة، وسعت إلى استثمار الحركة الصهيونية التي تحث على هجرة اليهود من أوروبا ليتحقق بذلك مصلحة التخلص من اليهود في الغرب، ومصلحة تمزيق الأمة الإسلامية بإنشاء دولة في قلب الأرض الإسلامية تكون بمثابة القاعدة الغربية العسكرية المتقدمة، التي تستنزف الطاقة الإسلامية وترتبط ارتباطا حتميا بالأب الغربي. وقد استفادت الصهيونية من هذه النزعة، فوضعت نفسها في إطار النزعة الإمبريالية الغربية، وطرحت نفسها باعتبارها المشروع الأنسب الذي يوفر على الغرب الحروب المباشرة والسيطرة المباشرة في المنطقة، مع تخليصهم من المشكلة اليهودية، لتكون إسرائيل هي المشروع الغربي الاستعماري الذي يستحق الاستثمار فيه، لتحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف المباشرة.

وهذا هو معنى أن إسرائيل "دولة وظيفية"، تلك الفكرة التي أطال المفكر المعروف عبد الوهاب المسيري في شرحها والتنظير لها، سواء في موسوعته عن الصهيونية أو في كتاباته الأخرى التي تناقش العلمانية وتجعل الصهيونية ثمرة من ثمار العلمانية المادية.

ومن أوضح ما يدل على الطبيعة اللا أخلاقية للعلمانية الغربية، أنها دعمت إنشاء وطن قومي لأصحاب دين بعينه، وسهرت على حراسة هذه الدولة الدينية العنصرية، في خيانة ظاهرة لكل المزاعم العلمانية التي تتحدث عن حقوق المواطنة وعن مناهضة العنصرية وعن عدم التفريق بين المواطنين على أساس العرق واللون والدين.

وهكذا دفع العرب والمسلمون ثمنا فادحا للعلمانية التي أنتجتها أوروبا كحل لمشكلة السيطرة الكنسية على شعوبها!

(5)

بقي أخيرا أن نشير إلى أن إسرائيل هي بنت الحضارة الغربية عمليا، فما كان للصهيونية أن تتحول إلى دولة بغير الدعم الهائل المتعدد الأنواع والمستويات: سياسيا وعسكريا واقتصاديا وأمنيا وعلميا وحتى ثقافيا.

لقد كان المشروع الإسرائيلي على جدول أعمال القادة الغربيين على اختلاف أنواعهم ورؤاهم، منذ نابليون مرورا بدزرائيلي وبالمرستون ولويد جورج وبلفور وصولا إلى ترمب وبايدن. إن دعم إسرائيل هو واحد من ثوابت السياسة الدولية الغربية مهما تغيرت الوجوه والمذاهب. ولا تضطرب العلاقة بين إسرائيل وأمهاتها الغربية: فرنسا وبريطانيا وأمريكا حتى في اللحظات التي يعمل فيها الإسرائيليون ضد مصالح هذه الدول.

وفي سبيل إنشاء إسرائيل وحمايتها، رسمت الدول الكبرى منذ بريطانيا وحتى أمريكا سياستها تجاه الأنظمة العربية المهمة، لا سيما أنظمة دول الطوق، وأشرفت على تنصيب هذه الأنظمة وعلى تدريب جيوشها وتسليحها، ورسم سياساتها، حتى صار المتطلع في بلد ما إلى منصب سياسي يعلم بالبديهة أن الطريق يمر عبر إسرائيل، فيجتهد في نيل الرضا الإسرائيلي وتقديم ما يثبت أن الإسرائيليين سيكونون معه في حال أفضل من حالهم مع غيره. وهذه قصة تطول وتستغرق الفصول والفصول، أقلها معروف مكشوف وأكثرها مغمور مجهول.

(6)

لهذا كله، فإن المعركة في فلسطين ليست معركة الفلسطينيين، ولا هي مجرد قصة احتلال، بل هي مركز الصراع الحضاري العالمي، الذي يترتب عليه ويتغير به الوضع العالمي كله، إن المعركة هناك تختزل صراع الحق والباطل، صراع المستضعفين والمستكبرين، صراع الشعوب والطغاة!

إنها ليست حروبا صليبية جديدة، إنها امتداد الحروب الصليبية، بعدما أضيف إليها الروح الصهيونية، والنزعة العلمانية المادية!!

إنه الصراع المركب المتعدد الطبقات والمستويات، ولذلك تجد هذا الصراع كاشفا للغاية، فكلما تجدد كلما تمايز الناس به إلى طائفتين متقابلتيْن، لا يلتقي أحدهما مع الآخر ولو امتزج الزيت بالماء!


نشر في مجلة المجتمع الكويتية، يونيو 2021



[1] جمال حمدان، استراتيجية الاستعمار والتحرير، ط1 (القاهرة: دار الشروق، 1983م)، ص351.