الثلاثاء، أكتوبر 19، 2010

وهكذا سُرق مني "الموبايل"!

اللهم لك الحمد.. أعطيت الكثير وأنعمت بالكثير فضلا .. ومنعت بعضا وأخذت شيئا رحمة منك وحكم..

كان الأمس -18/10/2010- يوما طريفا..

كنت قبل أسابيع قد وصلت إلى "حقيقة " تقول بأنه لابد من شراء الكمبيوتر المحمول "لاب توب" لأن كثيرا من الوقت يضيع لظروف انتقالاتي غير المستقرة، ما يترتب عليه أن كثيرا من الأوقات التي كان يمكن صرفها في القراءة والكتابة تضيع في ما هو أقل شأنا من هذا.. وقد بلغت الحاجة -في تقديري- مبلغا يجعل الاقتراض من أجلها لا يخالف الشرع.. وعزمت على الاقتراض، وحدثت بذلك صديقا كريما فأمهلني أياما..

وقبل أن تنقضي الأيام إذا برزق من الله ينزل علي فجأة دون حساب ولا حتى توقع، ومن طريق لم يخطر لي على بال.. فيسر الله تعالى -صاحب الفضل والنعمة والعظمة .. الرحيم العليم- فاشتريت هذا الجهاز وكان معي صباح الأمس.

بعد انتهاء العمل، وبينما أسير في طريقي إلى المترو، وكنت أحادث خطيبتي المصونة، وإذ بي أشعر أن يدا تمتد فتأخذ الهاتف، في لمح البصر رأيت اثنين قد اختطفاه وانطلقا بدراجتهما البخارية -الموتوسيكل- وكان جريي وراءهما لا يسمح باللحاق لفارق السرعة بالطبع.. ولقد دهش الناس الذي وصلهم صياحي فلم يستطيعوا أن ينتبهوا إلا بعد أن كان السارقان قد ابتعدا جدا..

ألهمني الله تعالى أن أقول "الحمد لله".. وأن آخذ الأمر بلطف وهدوء، قال لي أحدهم: ادع عليهم، قلت في مودة خالصة وصافية "ربنا يهديهم".. هاج الرجل وصرخ في وجهي: "ربنا مش هيهديهم.. دول كذا وكذا".. (ألفاظ لا تصلح للكتابة) غير أني لم أكن ساخطا.. وهذا شيء عجبت له من نفسي.

وإلى هذه اللحظة لست بساخط عليهما، ولقد دعوت لهما طول الليل بالهداية وأن تكون آخر سرقاتهما، ولا أتخيلهما إلا فقراء يحتاجون المال، أو حتى مدمني مخدرات.. إنني أتخيلهما -لا أدري لم- ضحايا يستحقون التعاطف.

هذا رغم أن هذا الهاتف المحمول لم يمض معي سوى شهرين، بعد عناء مع سابقه الذي انتهى عمره الافتراضي فزادني رهقا، ولقد اشتريته أيضا برزق نزل من عند الله، ومن باب لم أتوقعه ولم يخطر لي على بال.

بعد اليأس من استرداده واصلت طريقي نحو المترو، وهناك أخرجت مائة جنيه كانت معي لآخذ تذكرة المترو.. لم يكن مع الرجل سيولة ولم يكن معي أقل من هذه المائة.. وإذا بشاب صغير ربما في أوائل العشرينات يدفع من نفسه تذكرة ثم يقول لي: هذه لك يا شيخ لكي لا تعطل نفسك ويضيع وقتك في الانتظار.

لا أعرفه ولا يعرفني، أدهشني جدا، وأدهشني إصراره وهذه اللفتة اللطيفة.. ربما رأى لحيتي فظن أني من الصالحين فكانت عاطفته أسبق من عقله، أو ربما غير ذلك.. إلا أنه موقف مسح نفسي وغسل قلبي ومنعني من الاحتفاظ بموقف السوء الذي كان قبل قليل..

في هذا اليوم.. رزقني الله بالكمبيوتر المحمول، وبالتعاطف، وبهذا الفتى اليافع.. وأخذ مني الهاتف المحمول..

فاللهم لك الحمد.. أعطيت بنعمتك وفضلك.. وأخذت برحمتك وحكمتك..

الثلاثاء، أكتوبر 12، 2010

حمار الأعرابي الأحمق مات!!


روى ابن الجوزي في "أخبار الحمقى والمغفلين" أن أعرابيا مرض له حمار، فنذر لله إن شُفِيَ حماره أن يصوم عشرة أيام، فشُفيَ الحمار، فصام الرجل الأيام العشرة، فما إن قضاها حتى تُوفي الحمار، فنظر الأعرابي إلى السماء وقال: غررتني يارب، والله لأقضينها من رمضان!!

لقد ظن الأعرابي أن الصيام كُلْفة ومشقة، ولم يفطن إلى أنه مدرسة.. فلولا أنه كان من المغفلين للبث في حمد الله وشكره، وعبادته والصوم له إلى يوم يُبعثون.

لقد طَرَقَ الخاطرَ ونحن في آخر شوال أن شوال قد انتهى، ألا ما أبعد ما بينه وبين انتهاء رمضان، فكأننا في آخر شوال غير الناس الذين كانوا في آخر رمضان، وما بينهما إلا شهر واحد.

الصيام مدرسة، فيها التأديب والتهذيب والتربية، فكان الذين خرجوا من مدرسة الصيام أرق قلوبا وأطيب أفئدة، وأكثر إيمانا وأعمق يقينا.. ما يزال لسانهم رطبا من ذكر الله، وما تزال الوجوه تعلوها مسحة الإيمان ولمسة شفافة كتبها على الجباه قيام الليل.

فكيف تبدو الوجوه، ومن ورائها القلوب، بعد انتهاء شوال؟ أما كان حالنا في نهاية رمضان خيرا من حالنا في نهاية شوال؟

إني أربأ بمن عبدوا الله في رمضان أن يكونوا قد عادوا سيرتهم الأولى، فلم يخطر هذا بالبال أبدا، بل ما زال أثر رمضان في قلوبهم ووجوههم وأعمالهم، إلا أني أتحدث عن الفارق، والفارق واضح وملموس، يراه المرء في نفسه قبل أن يراه غيره فيه.

تلك العزيمة الرمضانية التي كانت تنصب أقدام المرء ساعات في صلاة القيام، لا يمل فيها من القيام ولا من سماع القرآن، فإذا دخل عليه الاعتكاف وَدَّ لو أن الدنيا تتوقف عن المسير، حتى إذا جاء اليوم الأخير رأيت الحزن باديا على الوجوه، ومحسوسا في انكسارة القلوب. ووالله لولا أن الله أمرنا بالفرحة في العيد لما استطاع المؤمن أن يفرح وهو يودع رمضان!

الآن، هذه العزيمة مفقودة، تأتي بعد جهاد ومعاناة، كأنما تُنْتَزع من بين أنياب الدنيا حيث الوقت ضيق والمشاغل كثيرة، والأرض جذَّابة، وهموم تطوف بالبال وتسكن الروح فكأنها لم تترك فيها فسحة لعزم من أهل السماء!!

في رواية أسمعها ولم أهتد لها في كتب الحديث، يروى أن النبي  قال: "لو تعلم أمتي ما في رمضان من الخير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان"، وسواء صحت الرواية أو حتى كانت إحدى الحِكَم التي هي ضالة المؤمن يأخذها من أي فم خرجت، سواء هذا أو ذاك، فمعناها –حقا- دقيق، خرج من قلب استشعر أمر الصيام كما أراده الله للناس.

رجل رأى في الصوم مدرسة.. لا كهذا الأحمق صاحب الحمار!!

الأحد، أكتوبر 03، 2010

خواطر الوليد

قريبي، ولد له مولود، فنظرت في شوق إلى الوليد،
كان مغمض العينين غارقا في رقود،
تمليت في الوجه الصغير وقلت له:
قد كنت ولم تكن من قبل شيئا، فمن الذي سواك خلقا؟
من الذي أودعك هذه الروح؟
من الذي سوى هذه الملامح؟
من الذي يرعاك وأنت في ذلك الرقود المكين؟..
أين كنت أيها الوليد منذ عام؟
ترى هل ستعيش طويلا أم قريبا تموت؟
وإذا كبرت فما هي طباعك وأحلامك وميولك وآثارك؟
ما هي أفعالك وأقوالك؟
ماذا ستكتب في التاريخ، وماذا سيكتب عنك التاريخ؟ ..

من ذا الذي يعلم كل هذا ويراه كأنه قد كان؟؟

وإذا كبرت يا أيها الوليد، فإنك لاشك ستموت.. ولدت وستموت، كما كل الناس تموت، كما سيموت كل من ينظر إليك الآن، كما سأموت أنا يوما، كما مات كل الذين ولدوا.. كذلك سيموت أمك وأبوك، وأهلك وبنوك..

يا إلهي لماذا ننسى هذه الحقائق ونتوه في الأيام وتشغلنا التفاصيل؟؟

يارب رحماك رحماك.. بصرنا وعلمنا وفهمنا.. واجعلنا نعبدك ونخشاك كأننا نراك.. واجعل خير أيامنا يوم لقاك