الخميس، ديسمبر 29، 2011

عن الإخوان وإعلامهم والاشتراكيين الثوريين!

"Fear and lack of trust is what controls the MB now; what they want is the stability of the state, in the quickest way possible, with any concessions possible," former Brotherhood member Mohamed Elhamy told DNE.

"The RS represent the opposite of this, and the MB does not want any confrontation with the ruling military council, which will eventually lead to a conflict with radical revolutionary forces like the RS," he added.

Elhamy believes that Tag's complaint was probably met with approval inside the MB, but the once-banned group had to pressure him to avoid being seen as betraying their former allies.

"This image of the MB as a strictly strong hierarchical organization that is run with an iron fist that controls everything is simply not true," Elhamy said, describing the performance of MB’s media outlets as not necessarily following the orders of the group’s guidance office.

"The guidance office does not know how every member inside the organization is acting, so you cannot say it directly controls the performance of its media outlets," he added.

Elhamy said the group is frightened by the possibility of a repeat of the 1954 scenario, when the military crushed them.

"Two contradictory conspiracy scenarios are currently controlling the MB, a scenario that they will not be allowed to reach power in parliament, and a scenario where they will be embroiled with total powers in such a critical time," he explained.

"Believing these conspiracies causes all this confusion in the performance of the MB."


"الخوف وانعدام الثقة هو ما يهيمن على سياسة الإخوان المسلمين الآن، إنهم يريدون استقرار البلاد في أسرع وقت ممكن وبأي تنازلات ممكنة" هكذا قال العضو السابق في الإخوان المسلمين محمد إلهامي لـ DNE

وأضاف: "الاشتراكيون الثوريون يمثلون النقيض لهذا التفكير، بينما الإخوان لا يرغبون في أي مواجهة مع المجلس العسكري، بما يعني معارضتهم لأي حركة ثورية راديكالية قد تتسبب في مواجهة من هذا النوع مثل الاشتراكيين الثوريين"

ويرى إلهامي أن جمال تاج، مقدم البلاغ، قد يكون تعرض لضغط لسحب هذا البلاغ كي لا تبدو الصورة وكأن الإخوان خانوا حلفاءهم السابقين في النضال.

"صورة الإخوان باعتبارهم تنظيما صارما حديديا، بحيث يكون كل تصرف من أحد أفراده بناء على أوامر ليست صحيحة"، هكذا وصف إلهامي صورة وسائل الإعلام الإخوانية، فهي تتحرك بناء على التوجه العام وليس بأوامر مباشرة من مكتب الإرشاد، وأضاف: "مكتب الإرشاد لا يعرف ماذا يفعل كل فرد داخل الجماعة بالتحديد، ولهذا فلا يمكن القول بأن سيطرة مباشرة تتحكم في التغطية الإعلامية للإخوان.

وذكر إلهامي أن الجماعة خائفة من تكرار سيناريو 1954، وهذا الخوف يدفع باتجاه توقع المؤامرات دائما، حتى إن ثمة مؤامرتان متناقضتان تسيطران على التفكير، فمن ناحية يظل الخوف من إلغاء الانتخابات والانقلاب على الديمقراطية، ومن ناحية يعارضون تسلم السلطة عبر البرلمان خشية أن تكون مؤامرة لتوريطهم في السلطة.. هذا الخوف والشعور بالمؤامرة هو ما يفسر كل هذا الارتباك في أداء الإخوان المسلمين.

الاثنين، ديسمبر 26، 2011

قراءة افتكاسية في السيرة النبوية

عثر المؤرخ الذكي، المفتكس اللوذعي، على هذه القطعة المجهولة البهية، من إحدى كتب السيرة النبوية، وكان المخطوط محروقا، والورق مخروقا، فلم يعرف للكتاب مؤلف، ولا عُثِر فيه على اسم المصنف..

ورأى المؤرخ المفتكس أن هذه القطعة مفيدة في تحليل الوضع السياسي المصري فوضع لها هذا العنوان:

"دَلِيلُكَ الكَامِلُ بَالْخَلْطَةِ.. لِلنَّجَاةِ مِنَ التَّوَرُّطِ فِي الْسُّلْطَةِ"!

***

وحين وصل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة رفض رفضا قاطعا أن يتولى الرئاسة في المدينة رغم أن الإسلام منتشر في بيوت المدينة، وذلك من عظيم حكمته وبعد نظرته (صلى الله عليه وسلم) لأن المدينة في ذلك الوقت كانت على أربعة أنواع:

1. المشركون الذين ما زالوا يعبدون الأوثان، وهؤلاء تسيطر عليهم العصبية القبلية فيرفضون أن يحكمهم واحد من خارج يثرب وبيوتها وقبائلها العريقة، كما أنهم لن يقبلوا برئاسة صاحب دين جديد على غير دينهم، ثم إنه مطرود من أرضه وقومه، فلسان حالهم يقول: كيف للشريد المطرود أن يأتي ليحكمنا؟!

2. أتباع عبد الله بن أبي بن سلول، وهو الزعيم القوي في المدينة والذي تدين له العديد من المجموعات بالولاء، ولم يكن من الحكمة الدخول في نزاع مع هذا الرجل في بداية تكوين الدولة.

3. اليهود، وهؤلاء كانوا أعداء الدعوة الإسلامية منذ بزوغ فجرها في مكة، وكانت لهم محاولات خبيثة بالتعاون مع المشركين لإظهار النبي في ثوب الكذاب المفتري، الذي جاء بدين من عنده لا علاقة له بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين.

4. ثم المسلمون الذين اتبعوا النبي، وهؤلاء وإن كان عددهم كثير ومؤثر إلا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يغره أن هؤلاء ما زالوا في بداية تعرفهم على الإسلام، وما زالوا في حاجة إلى مزيد من التربية والتكوين والتأهيل قبل أن يستطيعوا الجهاد في سبيل هذا الدين..

لقد آمن النبي (صلى الله عليه وسلم) بضرورة البحث عن رئيس توافقي يحكم المدينة في ظل هذه المرحلة الحرجة، موقنا أن تيارا واحدا لا يمكنه النهوض بالمدينة في ظل التحديات الداخلية والخارجية المفروضة عليها.. فهل تعلم ما هي هذه التحديات:

1. السياسة الخارجية: حيث اتخذت مكة –وهي حاضرة العرب- موقفا عدائيا من المدينة بعد هجرة النبي إليها، وكان معها في هذا كل العرب، فكان من المستحيل تحدي الإجماع الدولي المتكون ضد الدعوة.

2. الوضع الداخلي: حيث يمكن لليهود بالتحالف مع المشركين وأتباع عبد الله بن سلول من تفجير نزاعات قبلية واضطرابات أهلية في المدينة، ولا أدل على هذا من محاولة شاس بن قيس التي كاد يفجر بها الصراع مرة أخرى بين الأوس والخزرج.

3. الاقتصاد المنهار للمدينة: وذلك أن المدينة كانت تعتمد على الاستيراد من الخارج، وكان إنتاجها الذاتي لا يكفي حاجتها من الموارد برغم أنها أرض زراعية.

4. مشكلة البطالة: حيث أتى المهاجرون من أرض تجارة –وهي مكة- وهم لا يجيدون الزراعة التي تميز اقتصاد المدينة.

5. ومشاكل أخرى لا مجال لعرضها في هذه العجالة.

من هنا، كان لا بد من التفكير في رئيس توافقي يوحد الجبهة الداخلية للمدينة صفا واحدا، وتتعاون تحته جميع التيارات والطوائف في حل هذه المشكلات العويصة للمدينة، خارجيا وداخليا، وكمحاولة لتجنب الاستقطاب المتوقع حدوثه فيما لو اختار النبي مبدأ "المغالبة لا المشاركة" واستأثر بحكم المدينة، وكمحاولة للتبرؤ من الاتهامات التي سيكيلها له الإعلام المكي ومعه الإعلام السلولي من أنه طامع بالسلطة وحريص عليها، وأنه لا يتقبل الآخر ولا يعترف به شريكا في الوطن..

رفض النبي محاولات توريطه في السلطة في هذه المرحلة الحرجة والظروف الصعبة، وقرر وضع "الدستور أولا"، فوضع وثيقة المدينة بالتعاون مع الأقليات الموجودة في المدينة، وحرص على أن تكون اللجنة ممثلة لكافة أطياف الشعب اليثربي، وحذف منها كل ما من شأنه أن يثير الخلافات بين الفرقاء داخل المدينة، لكنه تمسك بالمادة التي تقول إن "مبادئ الشريعة (وليس أحكامها) مصدر رئيسي للتشريع"، فصنع بهذا إنجازا كبيرا كان البذرة لقيام الدولة الإسلامية الراشدة بعد عقود من الزمان، اكتملت فيها سنة التدرج الكونية وتحول فيها الناس تدريجيا من الكفر إلى الإيمان ومن الظلمات إلى النور.

***

شاهد: محاضرة "كيف نبني نظاما جديدا" – محمد إلهامي – بتاريخ 20/4/2010 م.

http://www.youtube.com/watch?v=N7B0HFZL8w0

نشر في رابطة النهضة والإصلاح وشبكة رصد الإخبارية

السبت، ديسمبر 24، 2011

تسليم السلطة في يناير.. والإخوان!

"تسليم السلطة في يناير لرئيس مجلس الشعب المنتخب، ليشرف على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في فبراير".. هذا هو جوهر الفكرة المطروحة لتسليم مبكر للسلطة إلى المدنيين وعودة الجيش إلى ثكناته.

وفي هذه الفكرة عدة فوائد:

1. أنها تنسف كثيرا من المخططات التي خططتها جميع الأطراف بناء على معلومة تسليم السلطة في يونيو 2012.. لا سيما ما توقعه الإعلامي والباحث القدير أحمد منصور من أن المهمة الحقيقية لحكومة الجنزوري هي إغراق البلاد بفيض من الديون ذات الفائدة العالية والاتفاقيات الاقتصادية التي تكبل عمل أي حكومة قادمة على غرار ما فعلته حكومة السبسي في تونس. على أن هذه الخطة هي الأهون فيما يبدو بالنسبة لما يدور خلف الكواليس ومواقع إسرائيل وأمريكا في خريطة الصراع.

2. أنها لا تقفز على أية إرادة شعبية، فالمجلس القادم هو مجلس منتخب في أفضل انتخابات مرت على مصر –على ما فيها من شوائب مريبة في بعض اللجان، وعلى مجهولية ما سنقدم عليه في المرحلة الثالثة- وبالتالي فهذا المجلس هو التعبير الوحيد، بل والأوحد، حتى هذه اللحظة عن الإرادة الشعبية.

3. أن المهمة الأساسية لرئيس مجلس الشعب المنتخب في هذه الحالة هي الإشراف على انتخابات رئاسية مبكرة لا إدارة البلاد بصفة رئاسية، وهذا بحكم الضرورة الواقعية وشذوذ الوضع الدستوري القائم حتى الآن.

ولكن ثمة تخوفات يقول بها البعض ممن يرتاب في هذه الدعوة، منها: أن في هذا تجاوزا للإعلان الدستوري القائم والذي ينظم خريطة الطريق كالآتي: مجلس شعب، شورى، دستور، رئاسة..

والرد بسيط:

1. أن خريطة الطريق هذه أصلا غير شرعية بل مخالفة للاستفتاء الشعبي في 19 مارس، والذي كان معناه الواضح: مجلس شعب وشورى ورئاسة ثم دستور. فخريطة الطريق الجديدة هذه لم تنشأ إلا في وثيقة "الأحزاب – عنان" والتي لا تمثل أي شرعية شعبية أصلا، إضافة إلى تراجع عدد من رؤساء الأحزاب وسحب توقيعاتهم على هذه الوثيقة.

2. الأوضاع الخاصة تحمل شذوذا قانونيا ودستوريا بطبيعتها، ليس أولها تكليف مبارك للمجلس العسكري بإدارة البلاد، وليس آخرها أن يشكل المشير طنطاوي حكومة ليس فيها وزير دفاع أو هو وزير الدفاع في ذات الوقت!! ولكن الكل يقبل بهذا أو يتقبله لضرورة الواقع غير الطبيعي.

3. الإعلان الدستوري ليس مقدسا، لا سيما وقد تم انتهاكه كثيرا، أبرزها تمديد قانون الطوارئ بالمخالفة الصريحة لما ورد فيه بخصوص إنهاء قانون الطوارئ بعد ستة أشهر لا يجوز تمديدها إلا باستفتاء شعبي (وتراجع في هذا مقالات المستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا)

4. وضع المجلس العسكري قبل ذلك مادة في الإعلان الدستوري لا تجيز للأحزاب ترشيح كوادرها على المقاعد الفردية، وهي المادة التي وضعت سرا ونشرت في الوقائع المصرية سرا ثم تراجع عنها في جلسة الأحزاب عنان.

5. ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن كل ما في الإعلان الدستوري قد سقط، فالذي لا يجوز تجاوزه هو ما جاء في الاستفتاء الشعبي فحسب، فهو الإرادة الشعبية الوحيدة القائمة حتى الآن.

6. كما انتقلت صلاحيات الرئيس إلى المجلس العسكري بتكليف منه وتنازل عن منصب الرئيس، فيمكن أن تنتقل صلاحيات المجلس العسكري إلى رئيس مجلس الشعب لفترة مؤقتة بموجب هذا التنازل عن السلطة.

7. ما الذي يجعل المجلس العسكري (غير المنتخب) أفضل في الإدارة المؤقتة من رئيس مجلس الشعب (المنتخب مرتين) في إدارة فترة زمنية أقصر.

هل هي محاولة لتوريط الإسلاميين في حكم دولة هم لم يتهيأوا لها وغير مستعدين لإدارتها؟ ربما تكون مؤامرة لإظهار فشلهم؟

في الحقيقة ربما تكون مؤامرة، كل شيء قد يكون مؤامرة وقد يكون فرصة، وحيث أننا لا نملك علم الغيب، فلا ينبغي أن ننطلق من دافع الخوف والتحفز والترقب، لننطلق من دافع المصلحة والترجيحات، وكم من مؤامرات انقلبت على أصحابها، وكم من مؤامرات كانت فرصا لا تقدر بثمن!

لكننا سنبقى أمام احتمالين لا ثالث لهما:

1. المجلس العسكري حريص بالفعل على نقل السلطة في أسرع وقت والعودة إلى الثكنات، وساعتها سيكون المجلس العسكري كله من عوامل تأمين المرحلة الثالثة من الانتخابات وتأمين الانتخابات الرئاسية ليحقق حرصه هذا.. ثم سيكون من عوامل ضمان نجاح التجربة في نقل السلطة إلى المدنيين.

2. المجلس العسكري مراوغ ولا يريد ترك السلطة مطلقا، أو لا يريد تركها إلا بوضع خاص في الدستور والصلاحيات، وساعتها فإن المجلس العسكري لن يسلم السلطة لا في يناير ولا في يونيو ولا في رمضان ولا في أمشير.. ساعتها سيكون المجلس العسكري من عوامل تفجير الوضع في المرحلة الثالثة، ومن عوامل تفجير انتخابات الشورى، وتفجير لجنة وضع الدستور، وتفجير الانتخابات الرئاسية.. وليس من بأس أن يفكر في إلغاء الانتخابات كلها كما فعل الجيش الجزائري، أو حتى الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب كما فعل الجيش التركي والباكستاني أكثر من مرة. وعليه، فإن لحظة الدفع الثوري هي في صالح القوى الشعبية، وكل يوم يمضي إنما يزيد وضع المجلس العسكري قوة، ويزيد وضع الحركات الوطنية ضعفا.

***

لقد صعقني حقا أن يُستخدم نقدي للنهج غير الثوري للإخوان –جماعتي سابقا- على يد العلمانيين والمتطرفين الكنسيين ليسيئوا إلى صورة الإخوان كلها ومواقفهم كلها، وكانوا –كالعهد بهم- يأخذون الكلام من سياقه وموقفه ليخدم أغراضهم، ويعلم الله أنه ما ساءني نقد من نقدني أو حتى سب من سبني من الإخوان وغيرهم بقدر ما ساءني مدح من مدحني من العلمانيين والكنسيين.. فهو مدح لا يشرفني على الإطلاق ولم أطلبه يوما ولا يسعدني إذا حدث..

والموقف من الإخوان على غير ما يفقه هؤلاء، وخلاصته أني أعيش رعبا هائلا يملك عليّ كل كياني من تكرار سيناريو 1954، وكلما بدا أن الأمور سائرة في هذا الطريق كلما كان الرعب أكبر، لأن هذا المسار يؤول إلى خيارين لا ثالث لهما: السجون والمعتقلات مرة أخرى أو النفي والطرد خارج الأوطان لسنين لا يعلمها إلا الله.

والمشكلة الأكبر أن النهج الإصلاحي في اللحظات الثورية قد يعني طعنات بالغة في ظهر الثورة وتفتيتا لكلمة الحركات الوطنية وانقساما واستقطابا لا يستفيد منه إلا من يمتلك القوة المسلحة بفعل الأمر الواقع، فمن هنا كانت الصدمة الهائلة في اختيارات الإخوان في موقفين بالتحديد: توقيعهم على وثيقة "الأحزاب – عنان" وهي التي وضعت خريطة طريق طويلة وممطوطة ولا ملامح لآخرها، وجددت قانون الطوارئ بالمخالفة للاستفتاء الشعبي والتزمت شرفيا بمبادئ فوق دستورية.. والموقف الثاني هو رفضهم صراحة مبادرة نقل السلطة في يناير واعتبارهم إياها مخالفة للإعلان الدستوري الذي أعادوا تفسيره بما يجعل وضع الدستور أولا بمخالفة الإرادة الشعبية وبالتراجع عن مواقفهم هم أنفسهم والقائل بالانتخابات أولا!

هذه هي الخلاصة، ويظل للإخوان أنهم لم ينافقوا سلطة مستبدة، ولم يستفيدوا منها على حساب منهجهم وثوابتهم، ولم يكونوا ضد الثورة في أي من مراحلها، (بخلاف الكنيسة الشنودية، وبخلاف التيار العلماني وإعلام رجال الأعمال) وظلوا –بخلاف هذين الموقفين- داعمين للإرادة الشعبية المتمثلة في استفتاء 19 مارس..

ولهذا أعلن أنا –محمد إلهامي- العضو السابق في الإخوان المسلمين أن نقدي لجماعتي السابقة غير صالح للاستخدام العلماني والكنسي، فالإخوان أطهر وأشرف منهم مليون مرة، لكنهم يفتقدون الثورية!

نشر في: رابطة النهضة والإصلاح، وشبكة رصد الإخبارية

تصورات فاسدة لدى الحركة الإسلامية

فهم، وإخلاص، وجهاد..

لاشك أن واحدا أو أكثر من هذه الثلاثة مفقود في الحركة الإسلامية المعاصرة، والدليل هو ما آلت إليه الأوطان العربية الإسلامية، ذلك أن "الإسلام" صالح لكل زمان ومكان، بمعنى أنه قادر على إصلاح الأحوال مهما كانت الظروف المحيطة شرط أن يتصف حاملوه بهذه الصفات المجتمعة معا..

أما الفهم فلأنه يحدد الرؤية والطريق، ويرسم الحدود والضوابط، ويقرر الثوابت والمتغيرات فيصنع المنطلقات ويدير المناورات. وأما الإخلاص فهو العاصم من الهوى والمقاوم للشهوة والحارق لحب الراحة وطلب السلامة وهو قبل كل ذلك وبعده الأمر الفاصل بين مصلحة الإسلام ومصلحة الفرد أو المجموعة أو الكيان، وأما الجهاد فهو الشرط الذي وعد الله بتحقيق الهداية إن هو كان (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين).

ثم يزداد الأمر تعقيدا حين تتحول الكيانات والجماعات والأحزاب إلى أصنام تعبد من دون الله، ليست العبادة بمعنى الركوع والسجود لها، بل بمعنى قبول كل ما جاء منها قبولا لا يشوبه نقاش، والدفاع عنه دفاعا لا يتناوشه تردد، والترويج له ترويج من يراه عين الحكمة بل ويكاد يراه نور الوحي!

عندئذ تتحول الجماعات وقياداتها إلى كيانات مقدسة، لا يخطئون، يرون ما لا يرى أحد، ويعلمون ما لا يعلمه أحد، ويخططون كما لم يخطط أحد.. وتتحول المكاسب الهامشية إلى إنجازات كبرى، كما يتحول الفشل الذريع إلى ابتلاء الله للمؤمنين، فمن استمر على السمع والطاعة فهو الأخ المجاهد، ومن عارض وانتقد فهو من المتساقطين على طريق الدعوة (ونسأل الله الثبات!) الذي لم يثبت ولم يصبر و.... و.... و.... إلى آخر قائمة طويلة يصنعها الجهاز التبريري الذي تم تصنيعه للحفاظ على الكيان أمام تراجعاته المستمرة وفشله الواضح للعيان!

حسب من يكتبون في المجال العلمي أن يركزوا على الجانب الأول، وهو جانب الفهم، فلا سبيل لأحد على "الإخلاص" ولا على "الجهاد".. فهذه مناطها النفوس والقلوب، ولا يطلع عليها غير الحق سبحانه وتعالى..

من هنا كانت ضرورة مناقشة هذه "التصورات الفاسدة" التي تظهر في حديث وتصريحات وأدبيات الكثيرين من الرموز الإسلامية المعروفة، وهي تصورات بلغت أن تكون من الثوابت والمُسَلَّمات رغم أنها لا تثبت عند النقاش العلمي.

(1)

"كما تكونوا يُولَّى عليكم"

وهي المقولة الذائعة الشائعة المنسوبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) والتي تُحَمِّل الشعوب مسؤولية ما نزل بهم من استبداد وقهر وذل، وتجعل الطريق راجعا إلى إصلاح الشعوب وحدها كطريق واحد لصلاح البلاد، فابتعد الكثيرون عن السياسة والحكم وقبعوا في المساجد والزوايا يظنون أنهم بالخطب والدروس يستطيعون إصلاح ما أفسده الإعلام والتعليم والقوانين!!

وبالعودة إلى كتب السنة للبحث عن الحديث تجد أن الحديث أحسن أحواله أن يكون ضعيفا، وقد يكون موضوعا، وقد أجمل الشيخ الألباني العيوب في طُرُقه بقوله:

"أخرجه الديلمي من طريق يحيى بن هاشم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده عن أبي بكرة مرفوعا، والبيهقي في "الشُعَب" من طريق يحيى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق مرسلا، ويحيى في عداد من يضع. لكن له طريق أخرى عند ابن جميع في "معجمه" (ص 149) والقضاعي في "مسنده" (47/1) من جهة أحمد بن عثمان الكرماني عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا. قال ابن طاهر: والمبارك وإن ذُكِر بشيء من الضعف فالتهمة على من رواه عنه فإن فيهم جهالة، كذا في "المناوي"، وقال الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف" (4/25): وفي إسناده إلى مبارك مجاهيل. قلت (الألباني): ومن هذا الوجه رواه السلفي في "الطيوريات" (1/282)"[1].

أي أن الطريق الأول مروي عن رجل متهم بالوضع (أي اختراع الأحاديث ونسبتها إلى النبي)، والطريق الثاني مروي عن مجهولين يرونه عن راوٍ ضعيف! وكفى بهذا دافعا لإسقاط هذه الرواية.

إلا أن الشيخ الألباني عَلَّق بعدئذ بقول نفيس رائع دَلَّ على بصيرة بالتاريخ لم يدركها بعض الدعاة ممن تخصصوا في التاريخ، قال: "ثم إن الحديث معناه غير صحيح على إطلاقه عندي، فقد حدثنا التاريخ تولي رجل صالح عقب أمير غير صالح والشعب هو هو!".

إن التاريخ يثبت دائما أن الأمة كانت خيرا من حاكمها، ومنذ تولى سيدنا معاوية –رضي الله عنه- الخلافة في وجود من هو أفضل منه من الصحابة حتى هذه اللحظة وهذه المعادلة مستقرة، ولا أدل على هذا من تاريخنا المعاصر الذي يشهد بأن أراذل الناس وأسوأهم سيرة وسريرة هم من حكموا بالقهر وتغلبوا بالسيف وأوردوا بلادهم المهالك!

من ذا الذي يقبل الآن بأن الشعب الليبي كان كالقذافي أو المصري كمبارك أو السوري كالأسد أو اليمني كصالح أو العراقي كصدام؟؟ وكيف يكون الشعب الفلسطيني حامل راية الجهاد بينما يسرح ممثلوه في دهاليز المفاوضات اللانهائية؟

أين نذهب بتاريخ الخيانات التي اجترها الحكام وتاريخ الجهاد الذي سطرته الشعوب؟ لقد ظل مسلمو الأندلس يتوارثون عبادات الإسلام أربعة قرون سرا تحت حكم الإسبان[2] فأين هذا الصمود الجبار من خنوع الأحمر الصغير الذي سَلَّم البلاد مقابل ضمانات شخصية[3]؟!

أليس الشعب المصري الذي حكمه شاور وضرغام هو هو ذات الشعب الذي حكمه بعد قليل أسد الدين شيركوه وصلاح الدين؟؟.. أين دعوى التغير والتبدل؟؟ وقل مثل هذا عن الشام قبل وبعد عمر بن عبد العزيز وقبل وبعد نور الدين محمود؟؟ وكيف انقلب العراقيون بعد استحقاقهم ملكا كالرشيد إلى استحقاق خليفة كالأمين ثم كيف انقلبوا مرة أخرى ليكونوا المأمون ثم مرة أخرى ليكونوا كالمعتصم ثم كالمنتصر.. وكل هذه أنماط مختلفة من الكفاءات والمواهب والخيرية؟؟

الحق الذي يشهد له التاريخ هو ما قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وهو ما جرى في أمثال العرب قديما في أقوالهم الكثيرة التي فاضت بها كتب الأدب ودواوين الشعر: "الناس على دين ملوكهم"، "الناس أتباع من غلب"، "إذا تغير السلطان تغير الزمان"،

حتى قال أبو العتاهية:

ما الناسُ إِلاَّ مَعَ الدُنيا وَصاحِبِها ... فَكَيفَ ما اِنقَلَبَت يَوماً بِهِ اِنقَلَبوا

يُعَظِّمونَ أَخا الدُنيا وَإِن وَثَبَت ... يَوماً عَلَيهِ بِما لا يَشتَهي وَثَبوا[4]

لكل هذا وغيره، كان من أسباب خشية النبي (صلى الله عليه وسلم) على المسلمين حُكم الأئمة المضلين كما في الحديث: "... وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين"[5]، وكذا قال عمر (رضي الله عنه) لزياد بن حدير: " هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين"[6].

يذكر ابن تيمية أن الوليد بن عبد الملك كان مولعا بالعمران، وهو الذي بنى قبة الصخرة هذا البناء البديع ليجذب الناس لزيارة بيت المقدس، فكان أن "ظهر من ذلك الوقت من تعظيم الصخرة وبيت المقدس ما لم يكن المسلمون يعرفونه بمثل هذا، وجاء بعض الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها، حتى روى بعضهم عن كعب الأحبار، عند عبد الملك بن مروان، وعروة بن الزبير حاضر: "إن الله قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى"، فقال عروة: "يقول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وأنت تقول: إن الصخرة عرشه؟!" وأمثال هذا"[7].

ويُجمل هذا ابن كثير في قوله: "كانت همة الوليد في البناء، وكان الناس كذلك يلقى الرجل الرجل فيقول: ماذا بنيت؟ ماذا عمرت؟ وكانت همة أخيه سليمان في النساء، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم تزوجت؟ ماذا عندك من السراري؟ وكانت همة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك، يلقى الرجل الرجل فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت البارحة؟ والناس يقولون: الناس على دين مليكهم، إن كان خمارا كثر الخمر، وإن كان لوطيا فكذلك وإن كان شحيحا حريصا كان الناس كذلك، وإن كان جوادا كريما شجاعا كان الناس كذلك، وإن كان طماعا ظلوما غشوما فكذلك، وإن كان ذا دين وتقوى وبر وإحسان كان الناس كذلك"[8].

يقول الشيخ رشيد رضا: "وقد مضت سنة الاجتماع في تقليد الناس لأمرائهم وكبرائهم، فكل ما راج في سوقهم يروج في أسواق الأمة، وإذا كان حديث (الناس على دين ملوكهم) لم يُعرف له سند يصل نسبه ويرفعه، فمعناه صحيح وهو ضروري الوقوع في الحكومات المطلقة الاستبدادية"[9].

وإذا كان الحاكم في الممالك القديمة يستطيع التأثير بما يصبغ المملكة على نمطه حتى في الممالك القديمة، فكيف يبلغ التأثير الآن بعد أن أعطت الدولة المركزية للسلطة قوة خارقة لم يُعطَها ملك أو سلطان من قبل، فصارت السلطة تمتلك من وسائل التأثير عبر الإعلام والقوانين ما يمكنها من دخول كل بيت.. إنه لتأثير ضخم، ونحن نراه بأعيننا! تأثير جعل الثائر العظيم جمال الدين الأفغاني يقول: "لا يصلح في الشرق "كما تكونوا يولى عليكم"، ولكن: "كما يولى عليكم تكونون".

من أعجب العجب أن نجادل في هذا في هذه الأيام ونحن القوم الذين نبت فيهم منذ ستمائة عام من وضع أسس علم الاجتماع وقال بصريح العبارة: "فصل في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده".. رحم الله ابن خلدون!

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث



[1] الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/490، 491.

[2] راجع في هذا وثائقي أنتجته قناة الجزيرة في برنامجها "تحت المجهر" بعنوان "المساء الأخير" وبثته لأول مرة في 26/8/2010.. وفيه بالدلائل أن مسلمي الأندلس قاموا بجهد جبار للحفاظ على دينهم طوال هذه القرون حتى استطاعوا مرة أخرى ممارسة شعائرهم بحرية!

الرابط: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/0D9458E3-F0CD-483C-AB40-24FA55D5ED41.htm

[3] مجهول: نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر، ضبطه وعلق عليه: ألفريد البستاني، مكتبة الثقافة الدينية - مصر، الطبعة الأولى، 1423هـ=2002م. ص121 وما بعدها.

[4] الثعالبي: التمثيل والمحاضرة، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الدار العربية للكتاب، الطبعة الثانية، 1401هـ - 1981م. ص473، و حسين بن محمد المهدي: صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، وزارة الثقافة اليمنية، 2009م. ص81، 82.

[5] رواه أحمد (17156)، وأبو داود (4252)، والترمذي (2229)، والحاكم في المستدرك (8390) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وغيرهم، وصححه الألباني (انظر: السلسلة الصحيحة 4/110) وشعيب الأرناؤوط في التعليق على مسند أحمد، وحسين سليم أسد في التعليق على سنن الدارمي.

[6] رواه الدارمي (214)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيخ (269)، وحسين سليم أسد في التعليق على الدارمي.

[7] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق: ناصر عبد الكريم العقل، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، 1419هـ - 1999م. 2/348.

[8] ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1408هـ - 1988م. 9/186.

[9] مقال بمجلة المنار 4/896، عنوانه "الخمر أم الخبائث".

الثلاثاء، ديسمبر 20، 2011

مصر.. جَلَد الفاجر وعجز الثقة


(ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا، هو أقرب للتقوى، واتقوا الله)

"ما رأيت مظلوما تواطأ الناس على هضمه كالحقيقة" - الشيخ محمد الغزالي

* التعميم الوارد في المقال لا يعني الجميع بطبيعة الحال

***

لا أحد يريد أن يرى الصورة كاملة..

الإسلاميون يعتبرونها مؤامرة عليهم لتفويت الانتخابات، قد يكون ذلك حقا، لكن هل معنى هذا أن الواقفين أمام العسكر بلطجية وعاهرات ومدمني مخدرات؟؟

العلمانيون يرون ما حدث جريمة أخرى من العسكر ودليلا آخر على دياثة الإسلاميين ونفاقهم وتجارتهم بالدين، قد يكون ذلك حقا، لكن: من الذي طالب بتأجيل الانتخابات وإطالة الفترة الانتقالية ليستعد؟؟

الإسلاميون يعتبرون أن الحكمة في تفويت الفرصة، قد يكون ذلك حقا، لكن متى انتصر ذو حق على عدو مخادع يزرع الفخاخ وينصب الكمائن لأنه كان ماهرا في سحب الذرائع وتفويت الفرصة؟

العلمانيون احترقوا لعرض المرأة التي عُريَت وللشباب الذين طُحِنوا، وثاروا يسألون عن النخوة والرجولة والدين، لا بأس، لماذا لا تكونون رجالا ذوي نخوة ودين تقبلون بخسارتكم الحقيقية في الانتخابات أمام من يريدون تطبيق الدين في الحياة؟

الإسلاميون لا ينزلون إلى الشارع لحقن الدماء، ليكن، لماذا لم ينزلوا إلى جنازة الشيخ الشهيد عماد عفت؟

العلمانيون يصرون على أن الإسلاميين لم يشاركوا لا في الثورة ولا في الاعتصامات بل ركبوها أبو باعوها، ربما، لكن أين نضع: الشيخ عماد عفت ومصعب الشاعر ومصطفى الصاوي؟ أين نضع حملة حازم أبو إسماعيل وائتلاف دعم المسلمين الجدد والجبهة السلفية ورابطة النهضة والإصلاح؟؟

الإسلاميون يدينون محاولات ركوب الثورة من البرادعي والأسواني وممدوح حمزة، ويخشون أن يوفروا الغطاء لهؤلاء لمحاولة الانقلاب على مسار تسليم السلطة، لعلهم محقون، لكن هل يكون البديل الوحيد هو وضع كل البيض في سلة العسكر ليصير البديل المطروح إما عسكريا وإما علمانيا؟ إذا كنتم تناوئون حتى حازم أبو إسماعيل.. فما هو البديل الشعبي الذي تقدمونه؟

العلمانيون صاروا أحرص الناس على دماء الشهداء وحقوق الجرحى، ورغم هذا لا نجد أحدا من ساكني الفضائيات مرة في الميدان أو في خطوط المواجهة، نجدهم في الصحف وفي الفضائيات، يوجهوننا وينصحوننا ثم ينزلون بعد الهدوء ليفرضوا علينا البرادعي باعتباره اختيار الميدان!!

الإسلاميون اضطربت لديهم الموازين، لأنهم متعلقون بتقديرات قياداتهم وشيوخهم، من الصعب على من عاش زمنا يثق في عقلية ورؤية الشيخ الكبير أو القيادة الخبيرة أن يعيش عذاب الشعور بالخدعة، لذا يقومون بما هو حرام لتبرير سكوتهم، حرام يصل إلى قذف العرض للفتاة المنتهكة العرض باعتبارها لم تلبس المزيد من الثياب أو التساؤل: لماذا نزلت من بيتها أصلا؟ أو القول بأن الصور "فوتوشوب".. لقد كانت الفضيحة قاسية حين جاء الفيديو!

العلمانيون يريدون تصفية الحسابات مع الإسلاميين على جثث الشهداء.. وزاد في غيظهم ما حققوه من تقدم في الانتخابات، لا حبا في الشهادة ولكن كرها في الإسلاميين!! كيف يتكلم إنسان فيه ذرة من عقل أو ذرة من وطنية في هذه اللحظات بإلغاء الانتخابات والبداية من جديد؟؟؟؟؟ البداية من جديد تحت حكم العسكر!!

الإسلاميون رغم تقدمهم في الانتخابات لا يقفون بقوة وثبات ليتحدثوا باسم الشعب.. والعلمانيون حين انصرف الشعب عنهم بدأوا في شتمه كما تعودوا دائما.. رحم الله سيدنا عمر "اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة"

***

العسكر لن يسلموا السلطة إلا إذا وُضِعوا بين هذين الخيارين: خروج آمن أو محاكمات.. بغير هذا سيظلون يطمحون لوضع في الدستور ولنصيب في السلطة.

الخارج لن يتعامل مع خيار الشعب إلا إذا علم أنه لا طريق آخر، ولن يعلم هذا إلا حين يعرف أن عملاءه من العسكر والنخبة فشلوا في مهمتهم.. هذه مهمة الإسلاميين في الحقيقة، مهمتهم ولو كان الثمن هو الشهادة، فالموت نصيب الإسلاميين بعد كل الثورات الفاشلة، ولكنه موت في السجون والمعتقلات، فلتكن شهادة ترفع الوطن لا موتا في الزنزانة يعيد الوطن إلى الاستبداد من جديد.

***

ثمة مقترح بأن يتم تسليم السلطة في يناير إلى رئيس مجلس الشعب ليدير انتخابات رئاسية في فبراير.. لو أن النفوس تريد مصلحة الوطن فسيمكنهم الضغط على العسكر!

الأربعاء، ديسمبر 14، 2011

عن محمد نور فرحات أمين المجلس الاستشاري

تقريبا منذ عشر سنوات اصطدمت باسم "محمد نور فرحات"، وكان هذا في كتاب الأستاذ فهمي هويدي "تزييف الوعي"، في هذا الكتاب قام هويدي بالرد على أربعة من منظري العلمانية الذين خاضوا الحرب ضد التيار الإسلامي نهاية الثمانينات وأوائل التسعينات، وهم: فرج فودة، وفؤاد زكريا، وحسين أحمد أمين، ومحمد نور فرحات..

وقد صدق فيهم قول الله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، فأما فرج فودة فقد قُتِل على يد شباب لم يمتلك أعصابه من فجور ما يكتب، وهو اغتيال أرفضه وإن كنت لا أُدِينه.. فمن يعرف كتابات فرج فودة يعرف ما أعني، لا سيما حين كان الشباب والإسلاميون لا يجدون فرصة للرد والتفنيد مثلما هو الحال الآن مع فضاء الانترنت الذي اتسع لما ضاقت له السلطات فنَفَّس كثيرا من الغضب المكبوت. وأما فؤاد زكريا وحسين أحمد أمين ومحمد نور فرحات فقد ألقتهم السلطات التي استعملتهم في أقرب مزبلة، كالقفاز الذي يُستخدم في الأعمال القذرة، وعادوا جميعا لمواقع تأثيرهم المجهرية الضئيلة، واعترف حسين أحمد أمين في مذكراته بأن المستشار طارق البشري قد نبهه إلى هذا: سيستعملونه ثم يلقونه مهانا.

وعلى حين مات فؤاد زكريا في مجاهله، بقي حسين أحمد أمين، وكلاهما ما زال له بعض أثر طفيف يبزغ بين الحين والآخر لمن يتابع الساحة الفكرية، فزكريا يصنف كفيلسوف وله ترجمات مهمة كترجمة "حكمة الغرب" لبراتراند رسل، وحسين أحمد أمين يحظى بالتفاتات بين الحين والآخر من قِبَل بعض المثقفين من أعداء التيار الإسلامي (وقليل ماهم) بالإضافة لترجماته أيضا مثل: نهاية التاريخ لفوكوياما، وفضل الإسلام على أوروبا لمونتجمري وات وغيرها.

وكان محمد نور فرحات هو الذي اختفى تماما، حتى لقد ظننت أنه في عداد الأموات لولا أني قرأت اسمه ذات صباح من بين من يتسلمون جوائز من مبارك لا أتذكر الآن ما هيتها بدقة، ثم عاد إلى الخفاء حتى أعيد بعثه مرة أخرى فيما بعد الثورة ليشارك في المناحة القائمة الدائمة ضد الإسلاميين، ولكي يبرر مع أمثاله من القانونيين استبداد العسكر ويُقنن استبعاد التيار الإسلامي ويصدر مشاريع دستورية ومبادئ فوق دستورية بالاشتراك مع الفريق القانوني الشهير (حسام عيسى، سامح عاشور، تهاني الجبالي ...)، وقد تدرج في المناصب حتى وصل إلى "الأمين العام" للمجلس الاستشاري الذي أنشأه المجلس العسكري كقفاز آخر بعد الجمل والسلمي.

بحثت عن كتبه فيما استطعت من مكتبات فلم أجد له أثرا، بحثت على الانترنت فلم أجد كذلك اللهم إلا بعض مقالات لا تمثل إضافة، وهكذا تمخض الفارس الأخير من الأربعة الذين كانوا رأس حربة قبل سنين، وصدق الله (فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).. فأين ما بلغه فرسان العلمانية مما بلغته التيارات الإسلامية.

لم يعد من طريق إلا العودة لكتاب فهمي هويدي لنلقي ضوءا على أفكار الرجل، وسنفاجأ أنه:

1. يعيش جو المؤامرة العالمية الكبرى، ويتخيل أن المؤسسات الاقتصادية تمول التيار الإسلامي، يقول: "إننا إذا انتبهنا إلى تنامي التيار الديني، وإلى دور المؤسسات الاقتصادية المالية في تمويل الحركة الدينية الإسلامية وفي الزعم بأن هناك اقتصادا إسلاميا، لأدركنا حجم المؤامرة التي تحاول إفساد الحياة المصرية، وقهر المجتمع المصري".. ولم يفكر –وهو القانوني- في تقديم الدليل!

2. يرى أن البداية يجب أن تكون بضرب القناعات الإسلامية التي تعتبر أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، يقول: "أحد المرتكزات الرئيسية للتأثير في الأغلبية الصامتة هو ضرب المرتكزات الأساسية التي تنطلق منها هذه الاتجاهات الدينية، وأهم هذه المرتكزات قولهم أن هناك نصوصا ثابتة، صالحة للتطبيق في كل مكان وزمان، فإذا ألقينا الضوء على هذه النصوص، وبيَّنَّا أنها متغيرة تتغير باختلاف الزمان والمكان، سنكون قد خطونا خطوة كبيرة".

3. وفي كتابه "المجتمع والقانون والشريعة" لم يُخفِ فرحته بإلغاء العمل بالشريعة الإسلامية التي كانت تمثلها المحاكم الشرعية واعتبره "أمرا ألحت عليه الظروف الاجتماعية والاقتصادية والحضارية" رغم أنه يعلم أن الذي ألح بذلك وفعله هو الاحتلال الإنجليزي.. وطبيعي أن يبدي سعادته بإنشاء المحاكم الأهلية (التي طبقت القانون الفرنسي) معتبرا إياها "تتويجا لنضال الطبقة الوسطى التي بدأت في النمو منذ عهد محمد علي باشا".. أرأيت أيها المصري كيف حقق الاحتلال الإنجليزي آمال أجدادك المناضلين؟!!

4. ولا يُخفي رفضه الكامل للشريعة الإسلامية، وإن قال ذلك بعبارة بهلوانية ملتوية: "أما عن تطبيق ما يظنه البعض تنظيما دينيا لأحوالنا الاجتماعية فهذا ما نرفضه ويرفضه معنا كثيرون".. (الكثيرون الذين يسكنون الفضائيات طبعا!)

5. وهو يعتبر أن آيات القرآن وأحاديث النبي "في مجملها دلائل للاستنباط والاسترشاد في ظل وقائع اجتماعية متباينة، دون أن تقدم حلولا تفصيلية لكل حادثة مستجدة.. أي أن هذه النصوص بذاتها لا تمثل نظاما قانونيا متكاملا يمكن أن يُطلق عليه اسم الشريعة".

6. وأحيانا يكون الدكتور ظريفا لطيفا، فهو يقول بأن "هناك فارقا دقيقا لا يتبينه الكثيرون بين الدعوة إلى الإسلام والدعوة إلى تطبيق الشريعة"!!!

7. وأحيانا يكون مثيرا للشفقة حين يدعي أن جماعة الإخوان المسلمين كانت صدى لصيحات أبي الأعلى المودودي، في حين يعرف أبسط المتابعين للحركة الإسلامية أن الإخوان أنشئت في أواخر العشرينات بينما جماعة المودودي نشأت في الهند في أوائل الأربعينات!!

في النفس كلام كثير، ولكن.. ألا يتعظ هؤلاء من أننا صرنا نأتي بكلامهم من كتب خصومهم التي خلدت بينما فنيت كتبهم؟ ألا يمل هؤلاء من كونهم قفازات يُستعملون في لحظات ثم لا يُلقي أحد لهم بالا ولا يعرف أحد لهم طريقا؟ ألم يدركوا بعد أنهم يحاربون القَدَر حين يحاربون الشريعة؟ ألا يرون أين بلغت أفكارهم وأفكار خصومهم في وجدان الناس.. أفلا يُبصرون؟

اقرأ:

شهادة قانوني غربي للشريعة قبل مائة عام

رأيت النخبة في سورة البقرة