الاثنين، يوليو 27، 2020

أخصر المختصر في ملامح النظام السياسي الإسلامي


أخصر المختصر في ملامح النظام السياسي الإسلامي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ما زالت تزداد قناعتي كل يوم بأن المعضلة المعاصرة التي تواجه المسلمين ليست معضلة شبهات تحتاج إلى ردود وتوضيح وبراعة في البيان والتفسير والتفصيل، بل هي معضلة عجز وإخفاق تحتاج إلى كفاءة في العمل والإنجاز والبناء والتكوين.

فالشبهة مهما كانت متهافتة فإنها تستمد قوتها إذا نطق بها القوي الغالب المتمكن، والحق مهما كان سديدا فهو مخدوش مُزْدَرى إذا نطق به الضعيف المهضوم، تلك طبيعة النفس البشرية، فإذا انقلبت موازين القوى فإذا بالشبهة المتمكنة التي كانت تهيمن في زمن القوة تزول كأنها غمامة صيف تنقشع، وإذا المهضوم المزدرى إذا غَلَبَ انتصرت أفكاره وأقبل عليها الناس بلا عسر.

ومع هذا كله، فلا بد من البيان فإنه أول العمل، وقد جعل البخاري بابا في صحيحه بعنوان "باب العلم قبل القول والعمل"..

ثم أقول: وما زالت تزداد قناعتي كل يوم بأن الإنتاج المعاصر في باب السياسة الشرعية ليس قليلا ولا هو ضعيف أو ضحل، وإنما هذا كلام من لم يكن لهم حظٌّ من الاطلاع على ما أنتجه المعاصرون في باب السياسة الشرعية أو ما صار يسمى "الفقه السياسي الإسلامي"، والواقع عكس ذلك، فإن قضية الدولة الإسلامية كانت هي القضية الأكثر حرجا لدى المهمومين بقضايا الإسلام، طوال قرنٍ أو قرنين على الأقل، وأنتجوا فيها كثيرا جدا. إلا أن أكثر هذا الإنتاج غير معروف ولا مشتهر، وما ذلك إلا لأن موازين القوى –والتي من بينها منافذ الإعلام والثقافة- تسهم في طمر هذا الإنتاج وغمره. وإنما المنشور كثير جدا، وأكثر منه غير المنشور الذي لا يزال رابضا على رفوف المكتبات في الرسائل العلمية بكليات الشريعة والقانون والحقوق والاقتصاد والسياسة، فكثير من طلاب هذه الكليات عبر هذه العقود بحثوا الموضوعات المعاصرة والقضايا الملحة في الإسلام أو مقارنا بغيره من النظم الوضعية. وهذا فضلا عن إنتاج المجامع الفقهية ومراكز البحوث الإسلامية المتعددة التي حاولت سد هذه الثغرات وتقديم مشروع إسلامي.

ولكن، وبسبب ما ذكرناه من هيمنة العلمانية على المجال العام ومنافذ التعليم والثقافة، فلا تزال الحاجة ماسة لتعريف المسلمين بملامح النظام السياسي الإسلامي، وكيف أنه متفرد متميز عن غيره. كما لا تزال الحاجة ماسة إلى تبسيط هذه المادة العلمية وتقديمها بمختلف الصور ووسائل الشرح لتحقق أكبر انتشار بين عموم المسلمين، وعموم غير المسلمين أيضا.

وفي النهاية، فمهما كان ثمة نظرية عظيمة متقنة محكمة، فلا مجال لرؤية عظمتها إذا لم تكن ثمة فرصة للتطبيق والتنزيل، وهنا تظهر بشكل أقوى موازين القوى التي لا تسمح بأدنى قدر من تحقق الفكرة في واقع الحياة. فمهما امتلكنا من البلاغة والفصاحة وأحسنَّا الشرح والبيان والتفصيل، فلن يتغير شيء في الواقع.

لهذا الذي سبق كله، حاولت في هذه السطور القادمة اختصار أهم الأفكار التي أرى أن عموم المسلمين في حاجة لاستيعابها جيدا في ملامح النظام السياسي الإسلامي، وليس لي إلا غرض واحد فيها لو أنه تحقق فقد تمَّت النعمة، وهو: تجميع هذه الأفكار المتناثرة في خيط واحد لدى العقل المسلم، خيط يتصل فيه ما هو ديني بحت بما هو دنيوي بحت، يتصل فيه معنى التوحيد العقدي بشكل النظام السياسي، وهذا الاتصال هو الذي أستشعر كثيرا في نقاشاتي مع الشباب أنه مفقود أو غير واضح.

ووضعت هذه الأفكار في نقاط، حاولت أن تسلم كلُّ واحدة منها للتي بعدها، فأسأل الله أن أكون قد وفقت في هذا:

1.    اختلف معنى كلمة "السياسة" عبر الزمن، وفي زماننا هذا يُقسم المعاصرون "السياسة" إلى ثلاثة فروع كبرى هي: النظرية السياسية، النظم السياسية، العلاقات الدولية.

2.    مهما جاء أحدٌ بمشروع تغيير وإصلاح، فإنه لا يستطيع أن ينفكَّ عن واقعه ولا أن يبدأ من الفراغ، وإنما يأخذ من واقعه لمشروعه، ويعاني مضايقاته، ويتصرف في اضطراراته، ويوازن بين المصالح والمفاسد حتى يبلغ ما يريد. ولم يستطع المثاليون المتعلقون بالأحلام المستعلنون برفض الواقع المتعالون على السنن، أن ينجزوا التغيير في واقع الحياة.

3.    الموازنة بين المصالح والمفاسد، مهما كُتِب فيها نظريا، فإنها متعلقة بحكمة العاملين وقوة فهمهم للسنن وحسن بصيرتهم في تقدير المآلات، ومن ثمَّ فالحديث النظري إنما هو رسم للخطوط العامة والقواعد العريضة وتوضيح للأهداف والغايات، فهو كالهداية والإرشاد وليس قيدا لتعطيل العمل أو القعود بالعاملين. وهو تحديد للوجهة والطريق وليس حثًّا على المسارعة في هدم الواقع ومخالفة سنن التدرج ومراعاة الطبائع والتقيد بحكم الضرورة والاضطرار.

4.    تراجعت حركة الاجتهاد في الفقه السياسي لظروف عديدة: سياسية وعلمية، فالمجتهد في باب الفقه السياسي بحاجة إلى إدراك ثلاثة أمور: علم السياسة الشرعية، والعلم بالواقع المعاصر، وإدراك الفوارق بين النموذج الإسلامي والمعاصر على مستوى التنظير وعلى مستوى التطبيق التاريخي والواقعي. وهذه الأمور يتعذر تحصيلها في الأوطان التي يحكمها الاستبداد وينشر فيها التخلف العلمي.

5.    ومن شأن هذا أن يقع الخلاف الكثير والواسع أحيانا بين مكونات وأطياف العمل السياسي الإسلامي، فالخلاف قد يحدث في الاجتهاد نفسه، وقد يحدث في تنزيل هذا الاجتهاد على الواقع، وقد يحدث في كليهما. كما أن التطبيق العملي لهذا الاجتهاد قد يتناوله الخطأ، والعبرة بمجمل أحوال العاملين، ويجب أن تتسع الصدور لمن دلَّت مجمل أحواله على الرغبة الصادقة لخدمة الإسلام والمسلمين، مهما وقع الخلاف بيننا في التأصيل أو في التنزيل أو في التطبيق.

6.    الأصل الأول الكبير الذي قام عليه الإسلام هو التوحيد، الذي هو شهادة "لا إله إلا الله"، ومن هذا الأصل الكبير تتفرع سائر الأصول والفروع التي تمثل نظام الإسلام في واقع الحياة. ومن ثم، فإن التوحيد يمثل صلب النظرية السياسية الإسلامية.

7.    تتمثل أهم آثار "التوحيد" في "النظرية السياسية الإسلامية" في أنه يحسم الإشكاليات الكبرى المعضلة التي اختلفت فيها النظريات السياسية الوضعية، وذلك لوضوح التصور العام والقيم الأساسية والأهداف النهائية وطبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية.

8.    إن الله تبارك وتعالى قد اختص نفسه بالخلق والأمر {ألا له الخلق والأمر}، ومن ثم فإن البشر سواء، ولا فضل للحاكم على المحكوم وإنما هو وكيل عنهم، وهم جميعا –الحاكم والمحكوم- يعملون لتنفيذ أوامر الله التي أنزلها على رسوله، ومن هنا نزع الإسلام كل الأصول والقواعد التي يقوم عليها الطغيان، فالحاكم ليس إلها ولا شبه إله ولا ينحدر من نسل الآلهة، كما أن القوانين والشرائع التي تهيمن على المجتمع ليست من إنتاج الحاكم أو النخبة الحاكمة وليست وثيقةً كتبها المنتصر في لحظة ما، بل هي شريعة الله التي يعلمها ويخضع لها الجميع.

9.    وكل محاولة للطغيان على البشر تبدأ منذ اللحظة التي يتغلب فيها أحدهم، فيكتب في لحظة نصره الوثائق والقوانين التي يحكم بها الناس، ليتحول انتصاره إلى حالة شرعية وتتحول مقاومته إلى حالة خروج عن الشرعية تستوجب العقوبة. هذا الطغيان على الناس يراه الإسلام "عبودية لغير الله"، ويعتبر المسلمون أن من مهماتهم إنقاذ الناس بإخراجهم من عبادة غير الله إلى عبادة الله، وبذلك يخرجون من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

10.          هذا التأسيس العقدي للتوحيد يتفوق على كل تأسيس آخر فكري ونظري، لأنه يستمد قوته من كونه دينا وعقيدة، وليس مجرد فكرة أو فلسفة، وبهذا يتحول المسلم –من هذه الزاوية- إلى طاقة عملية جبارة في التغيير، لا إلى مجرد عنصر يحمل فكرة ثورية فحسب!

11.          وبعد هذا التأسيس العقدي، فإن الإسلام يبني نظامه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بحيث يقلص الصلاحيات الممنوحة للحاكم ويجعلها في الحد الأدنى اللازم لإدارة وتدبير شأن الناس، وفي نفس الوقت يزيد من التكتل الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، بحيث تكون القدرة على اضطهادهم واستعبادهم أصعب ما يكون، إذ هي خروج على الشريعة وعلى النظام الاجتماعي الراسخ في نفس الوقت.

12.          بهذا صار مستقرا لدى المسلمين، حتى في عصور هيمنة الإمبراطوريات التي يزعم حكامها أنهم يحكمونها بقداسة إلهية، أن الحاكم مجرد بشر وأنه وكيل عنهم وأن مهمته تنفيذ الشريعة ورعايتها، وأنهم مكلفون برقابته والنصح له وتقويمه سرا وجهرا، وأن خروجه عن الشريعة يسقط شرعيته ويبيح الخروج عليه. وهذه الأصول والثوابت لم تصل إليها الأنظمة المعاصرة حتى الآن، ويبقى على المسلمين مهمة الاجتهاد المعاصر في التحقيق الأمثل لهذا النموذج، كتدبير شأن اختيار الحاكم وتدبير طرق رقابته وتقويمه، ومقاومته وعزله.

13.          وبملاحظة التطبيق التاريخي للنموذج الإسلامي في مقابل النظم الأخرى بما فيها الديمقراطية المعاصرة، يمكن القول بوضوح بأن أشد حكام التاريخ الإسلامي استبدادا كانت صلاحياته أقل كثيرا من أكثر حكام الديمقراطية المعاصرة، وهذا الحاكم الأشد استبدادا في الحضارة الإسلامية كان محكوما في تصرفه –رغبا أو قسرا- بقيود أخلاقية لا يلتزم بها أكثر حكام الديمقراطية المعاصرة.

14.          تتمثل المعضلة الأساسية في الواقع المعاصر في أن الاستعمار الأجنبي والأنظمة التي أنشأها في بلادنا قد أزاحت هيمنة الدين من واقعنا، لتحل محلها هيمنة الدولة، وعملت الدولة بكل طاقتها على أن يتحول الدين إلى شأن شخصي وطقوس شعائرية لا دخل لها في المجال العام، إلا أن يكون هذا التدخل في خدمة الدولة، وبالتالي يصير الدين خادما للدولة بدلا من أن تكون الدولة خادمة للدين.

15.          وحيث جرت إزاحة الدين فقد ارتكبت هذه الدولة الكثير من الجرائم في حق الأمة، ولكن هذه الجرائم كانت تُقَدَّم باعتبارها حداثةً وتطورًا وسياسات دنيوية. ومن هذه الجرائم التعدي على كرامة الناس وحريتهم بالتدخل المتغول في شؤونهم ومنعهم من التنقل ومن الزواج ومن التجارة ومن البناء ومن التدريس ومن أي نشاط بدون تصريح مسبق، وإجبارهم على أنشطة اقتصادية وتعليمية وثقافية تحددها هي، ومنها التعدي على أموال الله كالأوقاف وفرض الضرائب عليهم وهو عدوان على أموال الناس بغير حق، فضلا عن إشاعة الفاحشة والانحلال والتفلت الأخلاقي، وغير ذلك كثير. إلا أن المشكلة الأساسية أنه لا يمكن تقييم هذه الأفعال على أنها جرائم إلا بوجود الميزان الإسلامي، فإذا فُقِد هذا الميزان أو أزيح فإن هذه الأفعال تُصَوَّر باعتبارها سياسات حديثة!

16.          وهذه الدولة التي صنعها الاستعمار هي ذاتها وحدة في شبكة دولية أسس لها هذا الاستعمار الأجنبي وسمَّاها "النظام العالمي"، وفي هذا النظام العالمي يتجسد معنى الطغيان الذي حاربه الإسلام، فقد وضع المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية جملة من الوثائق والقواعد والنظم التي ترسخ هيمنتهم على العالم، وقدموها باعتبارها "النظام العالمي" و"الثقافة العالمية" و"القانون الدولي" و"الشرعية الدولية"، وأعطوا لأنفسهم حق معاقبة الخارج عليها بأنواع العقوبات التي تبدأ بعدم الاعتراف وتمر بالحصار وتنتهي بالاحتلال العسكري.

17.          بُني النظام السياسي الإسلامي على نظريته السياسية، وكان تطبيقا عمليا لها، وقد وقع فيه سائر ما يقع في أي عمل إنساني، وهو وجود مسافة بين التنظير والتطبيق ناتجة عن الخطأ والقصور الذي يصيب أي عملية بشرية، ولكنه مع ذلك ظل أفضل نموذج تطبيقي لتجربة سياسية في التاريخ {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، وبينما تمثلت لحظته النموذجية في عصر النبوة ثم عصر الخلافة الراشدة، فقد بدأ النقصان التدريجي مع عصر الدول الأموية والعباسية والعثمانية، ثم انهار مع سقوط الخلافة الإسلامية (1924م).

18.          تمثلت أهم ملامح النظام السياسي الإسلامي في التطبيق العملي لكون الأمير وكيلا عن الشعب، يأتي لهذا المنصب باختيار الأمة وتفويضها، ويظل تحت مراقبتها ولها حق نصحه وتقويمه، وحق مقاومته وعزله إن خرج عن الشريعة، ومع أنه قد حصل انحراف مبكر لمسألة اختيار الحاكم، إلا أن ذلك لم يتحول أبدا إلى عمل مشروع في كتب الفقه والسياسة الشرعية بل ظل هو خلاف الأصل وجائزا للضرورة، ولم يستطع ملك أو سلطان مهما كانت إنجازاته أن يبدل الأساس العقدي –الفكري والنظري- فيجعل نفسه مكتمل الشرعية وقد جاء بالتغلب.

19.          كذلك تمثلت في كون النظام السياسي الإسلامي قد حقق أكبر قدر معروف من التمكين المجتمعي في أي نظام سياسي، لقد كان من آثار العبادات والمعاملات الإسلامية أن حققت تلاحما عظيما وقويا بين أبناء الأمة مما جعل الطغيان عليهم لا يقارن بالطغيان الذي وقع على أمم أخرى في فارس والهند والصين وأوروبا، ولم يوجد في العالم الإسلامي قط طبقية أو عبودية على النحو الذي وُجِد في الأمم الأخرى، بل ولا حتى وُجِد في الديمقراطية المعاصرة. لقد كانت الصلاة والزكاة والصيام والحج تزيد يوميا وشهريا وسنويا من التلاحم الإنساني بين عناصر الأمة، وكانت تعاليم صلة الرحم وحسن الجوار والتكافل والإنفاق بالصدقة وإقامة الأوقاف وعمل الخير وتقديم المعونة تزيد من التكتل الجغرافي والقبلي لأبناء الأمة ليكونوا مجتمعا متماسكا. وهذا كله يجعل الطغيان على هؤلاء والاستبداد عليهم عملية صعبة على أي مستبد، ومحفوفة بالمخاطر.

20.          وحقق النظام الإسلامي أكبر قدر معروف في تقليص صلاحيات السلطة، فلم تكن السلطة في الحضارة الإسلامية تتغول على أنشطة المجتمع العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يستطع حاكم مسلم مصادرة الأوقاف التي كانت تمثل تمويلا ذاتيا واستقلالا ماليا للمجتمع، كما أن ما فُرِض من الضرائب والمكوس في فترات ما لم يتمتع أبدا بالشرعية ولم يستقر لفترة طويلة، وظل المجتمع حتى في حالات الضعف والانهيار العسكري قادرا على مواصلة العطاء الحضاري.

21.          هذه الملامح العامة، التي نضطر لشرحها لعموم الجهل بها في الواقع المعاصر، ترسم ملامح النظام السياسي الذي نطمح إليه، فهو النظام الذي يقلص مساحات السلطة وتغولها، ويعيد تمكين المجتمع ويقويه، وهو ما يترتب عليه بالضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع الطبيعي للثروة، كما يتحقق به وقف التغول السلطوي على النشاط المجتمعي.

22.          وهذا النظام الذي نطمح إليه لا يمثل إنقاذا لأمتنا وحدها، بل نحن نقدمه لكل العالم إنقاذا لهم، ونرى أن كل مجهود المجتمع المدني في الديمقراطيات المعاصرة، وكل الأفكار التي قامت عليها النقابات والجمعيات الأهلية والأنشطة الاجتماعية لا تحقق جزءا بسيطا من التلاحم والتماسك الذي يحققه النظام الإسلامي، فنحن نؤمن أن هذا النظام ينقذ كل البشر من الاستبداد والطغيان الذي يهيمن عليهم، والذي يتزخرف ويتزين بشرعية شعبية وهمية من خلال عملية انتخابات مزيفة تجري تحت التحكم الكامل لأصحاب النفوذ والتأثير.

23.          وعلى هذا فالنظام السياسي الذي نأمله هو الذي تقل فيه صلاحيات السلطة إلى الحد الأدنى، ويزداد فيه تمكين المجتمع إلى الحد الأقصى، ونرى أن تطبيق القيم والنظام الإسلامي هو السبيل الوحيد الكفيل بالوصول إلى هذا الهدف.

24.          نرى أن السلطة السياسية يجب أن تتقلص إلى وزارات محدودة تنظم قطاعات: الجيش والشرطة والقضاء والمالية والخارجية. وهي القطاعات التي تقوم بمهمتي حفظ الأمن والدفاع وما يتعلق بهما. بينما يوكل تنظيم قطاعات التعليم والإعلام والثقافة والصحة والزراعة والصناعة وبقية النشاطات إلى العمل المجتمعي والأهلي والخيري.

25.          ومع ذلك، فإن القطاعات التي تتولاها السلطة لا تُنْتَزَع من المجتمع كلية، وإنما المجتمع مساند لها وداعم بمجهوده في وجودها، فمثلا:

-      الشعب يجب أن يكون مسلحا ومدربا، فانتشار التسليح والقدرة على استعماله يعصم الأمة من استبداد وطغيان الحكام في الداخل كما يجعل عملية احتلالهم الأجنبي عملية بالغة الصعوبة، ويساعد انتشار السلاح في استتباب الأمن وانخفاض الجريمة، وهذا يرفع عبئا كبيرا من أعباء الجيش والشرطة والقضاء.

-      وأعيان الشعب وزعماؤه يجب أن يكون لهم الحق في حل الخصومات والنزاعات من خلال القضاء العرفي والأهلي الذي يقضي بالشريعة، فهذا يعزز الأمن الاجتماعي ويقضي على كثير من أسباب التحايل وهضم الحقوق وبطء التقاضي.

26.          كما أن القطاعات التي يتولاها المجتمع، يمكن للسلطة أن تساهم فيها بالتوجيه والتخطيط والمشاركة لكن دون هيمنة واحتكار:

-      فيمكن للسلطة أن تبني المستشفيات وتنشيء المدارس والجامعات والأندية الرياضية والنشاطات الثقافية وغيرها، تنشيء ذلك وتموله من فائض الموارد المالية الشرعية التي ترد إليها.

-      كما يمكن أن تشير في كل هذه الأنشطة بالتوجيه والإرشاد لرؤوس الأموال نحو بناء مستشفى بعينها أو في مكان بعينه لحاجة المجتمع لذلك، أو الاستثمار في منطقة بعينها أو مجال بعينه. يمكن لخريطة اقتصادية تضعها السلطة أن تصنع التوازن بين مجالات النشاط الاجتماعي الذي يقوم به المجتمع نفسه.

27.          ويجب أن يكون واضحا أن من مهمات السلطة حراسة الدين ورعايته، ومن ضمن ذلك تعهدها بإقامة الشعائر ورعايتها كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، وهي أمور تزيد من تماسك المجتمع وصلابته.

28.          ولا يجوز للسلطة فرض ضرائب إطلاقا، فهذا من الكبائر في الإسلام، وهناك الكثير من البدائل التي يمكن بها سد عجز ضروري في الموارد كالاقتراض والمشاركات أو إعطاء مزايا بعينها لمن يستثمر في مجال ما لا تتشجع له رؤوس الأموال، فإن لم يكن فقد أجاز العلماء فرض الضرائب على الأغنياء دون الفقراء بقدر الحاجة والضرورة وبشكل استثنائي مؤقت.

29.          والسلطة بالأساس لا يحوزها إلا من اختارته الأمة بإرادتها الحرة، ولها الحق في نصحه ومحاسبته وعزله، وآليات الانتخاب والمراقبة والعزل متروكة لأهل الزمان والمكان طالما كان ذلك في إطار الشرع لا خارجا عنه. سواءٌ أطلق على هذا اسم "الديمقراطية" أو أي اسم آخر، فالعبرة بالمعاني والمسميات.

30.          استقلال الأمة وتحررها هو الهدف الأول والأكبر والأعظم أمام كل مشروع تغيير، ولا يمكن تحقيق أدنى تمكين قبل تحقيق هذا الاستقلال، الاستقلال السياسي والاقتصادي، وهذا الاستقلال السياسي والاقتصادي لا يمكن أن يتم دون قوة العقيدة والفكرة المهيمنة على عموم الأمة –وفي الطليعة منها: العاملون والقادة- ولا يمكن أن يتم دون قوة عسكرية تنتزع هذا الاستقلال انتزاعا ثم تحميه وتحرسه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

السبت، يوليو 11، 2020

لماذا حول المسلمون أيا صوفيا إلى جامع؟


لم تطل سعادتي كثيرا بنبأ تحويل آيا صوفيا مرة أخرى إلى جامع، سرعان ما نغَّصَ عليَّ هذه الفرحةَ انفجارٌ في مواقع التواصل يسأل عن: شرعية أن يُحَوِّل المسلمون كنيسةً إلى جامع!

مع أن الذي حصل الآن هو أن آيا صوفيا تحولت من متحف إلى جامع، فلم يفتح أردوغان اليوم بلدا مسيحيا وحوَّل كنيستها إلى جامع. بل ولم يأتي أردوغان إلى متحف كان طول الزمن متحفا فحوَّله إلى جامع.. وإنما غاية ما هنالك أنه أبطل قرار تحويل الجامع إلى متحف.. وهو القرار العلماني الأتاتوركي الذي كان من جملة خطوات حربه على الإسلام والمسلمين.

ولكن الشريحة التي تكونت في شبابنا المتثقف والمتنخوب صار لديها من الإخلاص للطرح الليبرالي العلماني الحرياتي، ما هو أعظم من تعظيمها وتوقيرها للشريعة وأحكامها ورؤاها في سائر المواضيع.

ومن ثَمَّ فقد نقلونا نقلة تناقش شرعية ما فعله العثمانيون من تحويل آيا صوفيا إلى كنيسة، وهو ما يفتح ملف الفتوحات الإسلامية وحقوق الأقليات الدينية ويثير الموضوعات التي هي مثار احتكاك وتناقض بين الإسلام وبين الحضارة الغربية المعاصرة.

لذلك وجدتُ أن بعض هذه الأمور بحاجة إلى بيان، فأنا هنا أضع بعض النقاط، وهي في غاية الاختصار:

1. يصدر المسلم في أحكامه ورؤاه وتصوراته من الإسلام، فما أقره الإسلام فهو الصحيح، وما أنكره الإسلام فهو المنكر القبيح.. والجدال بين المسلمين يجب أن يكون في دائرة: ما هو حكم الإسلام في هذه القضية؟ وليس في دائرة: هل حكم الإسلام في هذه القضية صحيح أم لا؟

هكذا جاءت جمهرة من الآيات والأحاديث، بحيث صار هذا الأمر من الأصول العظمى في الشريعة (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيتَ ويُسَلِّموا تسليما).

2. قامت كل الإمبراطوريات عبر التاريخ على فكرة، عقيدة، رسالة.. وأعظم الإمبراطوريات هي التي قامت على أعظم الأفكار: على الدين.. هذا أمر تقرؤه عند ابن خلدون، كما تقرؤه عند كريستوفر داوسون، كما تقرؤه عند صمويل هنتنجتون.. الحضارات العظيمة هي التي قامت على الأديان الكبرى.

للمزيد في هذا انظر هنا

 ولأن كل إمبراطورية قامت على فكرة، ولأن أعظم إمبراطوريات التاريخ قامت على الدين، فكلها مارست الفتوحات وتوسعت على حساب ما يليها من الممالك، وكلها كانت حريصة على إدخال الناس في دينها ونظامها، وهي تعتقد في ذلك يقينا أنها تهديهم إلى الحق وتنقذهم من الضلالة!

 ويبقى التاريخ شاهدا على صدق الشعارات المرفوعة وحقيقتها من خلال تعامل الغالبين مع المغلوبين، فكل عملية توسع رُفِعت لها شعارات الهداية والإنقاذ والتحرير، ولكن لم تكن هذه الشعارات صادقة في كل الأحوال.

 ونحن المسلمين لدينا سجلنا العظيم المشرف، ولدينا أسراب من شهادات الكفار والمستشرقين والمغلوبين على أن فتحنا للبلاد الأخرى كان أرحم فتح في التاريخ.

 لقراءة بعض شهادات غير المسلمين للفتوح الإسلامية، انظر الفصل الأول من هذا الكتاب

3. من طبائع الأمور أن يزيل الفاتح المنتصر نظام المهزوم المغلوب، وإذا كانت الحروب والفتوح تقوم على صراع الأفكار أو حتى تتلبس بهذه الأفكار، ثم إذا كانت الإمبراطوريات العظيمة قامت على الأديان، فإن أهم ما يلزم من إزالة نظام المغلوب هو إزالة قلاعه الفكرية ورموزه الدينية..

هكذا فعل الجميع.. فعلوه لأنه أمر بدهي، من طبائع الأمور، لا تسمح الفكرة المنتصرة للفكرة المغلوبة التي تمثل عدوا لها بالبقاء والانتشار..

وهكذا انقلبت المساجد إلى كنائس، والكنائس إلى مساجد، والكنُس إلى كنائس، والكنائس إلى كُنُس، كما انقلبت دور العبادة إلى حظائر خنازير أو حانات خمور أو مراقص أو ما شاء لها المنتصر من أشكال الإهانة والإذلال، أو حتى هُدِمَت دور العبادة على الجملة، وتحطمت المشاهد العظيمة على يد المنتصر.

والمفاجأة التي قد لا ينتبه لها كثيرون أن هذا الأمر ليس خاصا بالحروب الدينية أو الحضارات القديمة.. بل هي نفس السياسة التي فعلها العلمانيون، وفعلتها الحضارة الغربية المنتصرة أيضا..

إلا أن الحضارة الغربية كانت حضارة علمانية، ليس لها دور عبادة دينية لكي تقلب المساجد والكنائس والمعابد إلى معبد علماني.. لذلك لم يكثر في تاريخ هؤلاء أن يقلبوا المساجد والكنائس إلى صورة أخرى تابعة للحضارة المنتصرة.

لكن الذي لا يُنْتَبَه له أن هذه الحضارة العلمانية المنتصرة كان لها معبد من نوع آخر، معبد علماني هو (البرلمان).. فهذا البرلمان هو دار العبادة بالنسبة للفكرة العلمانية، هو مصدر التشريع الذي يهيمن على كل التشريعات، هو الذي يصدر القوانين التي تخضع لها كل فئات المواطنين ولو عارضت هذه القوانين أديانهم وشرائعهم..

وهذه الحضارة العلمانية المنتصرة حرصت على قصقصة وتحجيم دور العبادة الأخرى: الكنائس والمساجد وغيرها، بحيث تبقى مهمتها محصورة في الطقوس والشعائر، دون أن تسمح لها بدور في الحياة العامة.. تركت لها مملكة السماء واستفرد المنتصر العلماني بمملكة الأرض.. فصار معبده (البرلمان) هو المهيمن على دور العبادة.. وانقلبت دور العبادة الأخرى وتغيرت صورتها ومهمتها ووظيفتها بما يناسب ويتوافق ويتلاءم مع سياسة العلماني المنتصر.

أي أن سياسة تحويل دور العبادة ظلت كما هي حتى في ظل الحضارة الغربية المعاصرة التي تتغنى بالحرية والحريات.

4. إذا فهمتَ هذا فهمتَ لماذا إذا مررت بكتب الفقهاء وجدتهم لا يجيزون بناء الكنائس والبيع والمعابد والأديرة وغيرها.. لأن طبيعة الإسلام أنه جاء ليطهر الأرض من الشرك ومن عبادة غير الله، وفهمتَ لماذا يبدو هذا وكأنه تشدد وتعصب، وما هو كذلك إلا في العقل المعاصر المتأثرة بالثقافة الغربية

(وبالمناسبة: فأنا لا ألوم أغلب المتأثرين بالثقافة الغربية المعاصرة بل منهم فضلاء كثيرون، وأكثر المتأثرين بالثقافة الغالبة هم في حكم الضحايا الذين يحتاجون إلى التوضيح والتبيين لا إلى اللوم والتقريع.. فليس من إنسان يستطيع الانفلات من تأثير زمانه إلا الندرة)

لأن دور العبادة هذه في ظل الإسلام مثلها مثل التنظيمات الخارجة عن القانون في ظل الدولة العلمانية الحديثة.

ولكن الإسلام كان أرحم بالناس من الدولة العلمانية..

فقد قرر الإسلام حقوقًا لغير المسلمين، وبالذات أهل الكتاب، في العبادة.. مع وضع اشتراطات تَحُول دون تَحَوِّل هذه الأمور إلى مظاهر عامة وبارزة ومهيمنة على المشهد العام.. وإذا طالعت كتب الفقه وأحكام أهل الذمة سينتظم لك كلامهم في ظل هذا المعنى.. ولكنهم كانوا يقولونه قديما دون أن يشعروا بحاجة إلى تبريره وتفسيره وفلسفته لأنه بديهي واضح في أذهانهم.. بينما نحتاج نحن أن نوضح كل هذه الخلفيات لأننا في العصر العلماني الذي يبدو في ظاهره متسامحا مع الأديان بينما هو في حقيقته عنيف بلا رحمة ضد أي مظاهر تنافس تفرده بالحكم والسيطرة وتشكيل الثقافة العامة وتشاركه إصدر القوانين والشرائع.

وبعض الدول الأوروبية حتى الآن لا تسمح بإنشاء المساجد إذا قدَّرت أنها تساهم في التغيير الثقافي لمشهد المدينة، هذا برغم علمانية الدولة، وبرغم قانونية إجراءات شراء الأرض وبناء المسجد.

على أن الذي يهمنا الآن هو مسألة تحويل الكنيسة إلى مسجد، وخصوصا في البلد المفتوحة حربا وعنوة، كما هو حال القسطنطينية.. فهنا نرى أن موقف الإسلام كما قرره الفقهاء -وكما يمكن الرجوع إليه بتوسع في مصادره- أنه يجوز تحويل الكنيسة في البلد المفتوح حربا وعنوة إلى مسجد.

وأما البلد التي فُتِحَتْ صلحا وسلما، واستسلم أهلها للمسلمين، فهي التي لا يجوز هدم كنائسها أو تحويلها، لا سيما إذا اشترط أهلها ذلك، وعاقدوا عليه.. وهو ما التزم به المسلمون في تاريخهم وأبرز مشاهده فتح عمر لبيت المقدس وعهدته العمرية.

لكن البلد الذي بذل المسلمون فيه أموالهم ودماءهم وانتصروا فيه بعد آلاف الضحايا هو الذي يجوز فيه هذا، وهو المتقرر عقلا وشرعا، إذ للمنتصر حق التصرف في أملاك المهزوم، وهذه المباني هي من جملة الغنائم التي كسبها المنتصر في حربه، وإلا فما معنى انتصاره وما غرضه، إذا هو أبقى وحافظ على ما هو رمز النظام القديم ورمز العدو الذي أسال الدماء قبل لحظات؟

ثم كيف إذا كان هذا البلد هو القسطنطينية، قلعة النصرانية الأرثوذكسية وحصن الإمبراطورية البيزنطية وأعتى عدو للإسلام والمسلمين لثمانية قرون.. وهي البلد التي كان العجز عن فتحها هو السبب في بقاء الغرب حتى الآن.. فلو قُدِّر أن فُتِحَت القسطنطينية في صدر الإسلام لكانت أوروبا كلها قد أسلمت، إذ لم تكن في الغرب قوة غيرها في ذلك الوقت.. لكن صمودها لثمانية قرون عطَّل هذا كله، بل وأتاح الفرصة لصعود أوروبا ثم أمريكا.. وقد فعلوا بنا الأفاعيل ولا زالوا، ومنعوا نور الوحي أن يصل إلى كل الدنيا.

إنه ليمكن اعتبار آيا صوفيا -ودون مبالغة- رابع المساجد الإسلامية الكبرى بعد الحرمين والأثصى، لبشرى النبي بفتح القسطنطينية، ولما مثلته من رمز للإمبراطورية البيزنطية التي هي أعتى عدو واجه الإسلام في تاريخه وحتى هذه اللحظة (أمريكا بكل ما فعلت في المسلمين لم يجاوز إيذاؤها للمسلمين مدة قرنين من الزمان على أقصى تقدير.. أوروبا بكل ما فعلت لم يجاوز عُمْر تسلطها على المسلمين خمسة قرون على أقصى تقدير)

5. يذكر البعض أن السلطان الفاتح قد اشترى كنيسة آيا صوفيا من أمواله الخاصة وجعلها وقفا.. أعرف هذا الكلام ولكني لم أتحقق من صحته بعد، وإذا كان الأمر هكذا فقد قُضِي الأمر، وصارت مسألة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد لا شبهة فيها ولا مطعن إطلاقا..

لكني أردتُ الحديث في المسألة نفسها، مسألة حق المسلمين في تحويل ما فتحوه حربا من البلاد كنائسها إلى مساجد، حتى ولو لم يكن الفاتح قد اشترى الكنيسة.

وإني أقول هذا كله ولا يخفى علي بطبيعة الحال ما المسلمون فيه، فنحن في أحقاب استضعافنا قد خسرنا من المساجد ما لا يعد ولا يحصى، بما فيها ذخائر وكنوز تاريخية من سمرقند إلى بخارى إلى الهند إلى إفريقيا إلى الأندلس إلى البلقان.. تحولت مساجدنا تحت حراب المحتلين إلى كنائس ومعابد وثنية وإلى حانات ومراقص وحظائر بهائم.. بما في ذلك المساجد التي تعاقد المسلمون المهزومون مع الغالبين على أن تظل كما هي في مدن سُلِّمت صلحا، أي أننا آخر من يُسْأل عن حقنا في إعادة آيا صوفيا إلى جامع كما كان.

طال المنشور رغما عني، ولا زال في الصدر كلام كثير.. وإني لأعلم أن أغلب القارئين لن يبلغ آخره.. ولكن، هذا غاية ما أحسن، والله يجبر النقص ويقيل العثرة.

في شأن فتح القسطنطينية وما أحاط بها انظر:

https://www.facebook.com/mohammad.elhamy/posts/10157258515751615

الأحد، يوليو 05، 2020

توقف مجلة "كلمة حق"


قد تمَّ فضل الله علينا، وأتمت مجلة "كلمة حق" ثلاث سنوات، في أيام حرجة من عمر الأمة الإسلامية، ومثل كل شيء له أول فلا بد أن يكون له آخر، فهذا العدد هو تمام السنوات الثلاث وهو كذلك العدد الذي ستتوقف بعده المجلة.

اخترنا اسم "كلمة حق" تيَمُّنًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، وقد رأينا من واقعنا أن الناطقين بكلمة الحق ندرة، وأن كلمة الحق قد وُضِعت دونها السقوف والخطوط الحمراء الموضوعة للقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية بما فيها تلك التي ترفع الثورة والإسلام شعارا لها، فخطرت لنا فكرة المجلة حتى يسَّر الله فتحققت.

وقد وصلت كلمة حق إلى السلطان الجائر فبدأ الهجوم عليها منذ اليوم الأول في صحافة وإعلام دول محور الشر العربي، وزعموا أنها مؤامرة كبيرة وأنه قد رُصِد لها تمويل ضخم، وما كانت المجلة سوى ثلاثة أفراد وكُتَّابٌ تطوعوا فأنفقوا وقتهم وجهدهم وكتبوا، ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء الأجر عند الله!

وقد دهشنا نحن أنفسنا لما وصلت إليه المجلة في القلوب والأسماع، في شرق العالم الإسلامي وغربه، مما لم نكن نتصور مجرد تصور أنه قد نصل إليه، مع ضعف الحال والإمكانيات من جهة، ومع ثِقَل المادة ورصانتها من جهة أخرى، فلم نكن نقدم ترفيها ولا مادة جذَّابة بمعيار الجمهور ولا ابتغاء تحقيق الجماهيرية. ثم قد وجدنا من ردّة فعل أنظمة الشر العربي ما لفت أنظارنا إلى أن هذا الصوت الضعيف المبحوح الشارد في جنبات مواقع التواصل الاجتماعي إنما هو صوت مسموع، وأنه يؤرقهم، وإننا لنبتغي عند الله الأجر في إغاظة هؤلاء.

وقد تكاثرت الحملات الإعلامية، وتكاثر تسليط البلاغات على حسابات المجلة على المواقع المختلفة، فأغلق الموقع الأساسي للمجلة بعد بضعة أعداد، وأغلق لها بعض الحسابات على عدد من المواقع، وازدادت وتيرة حذف المقالات، وكنا في كل مرة نسلك سبيل البدائل ونحاول استدراك ما فات، والنهوض من جديد بوسائل أخرى وعلى نوافذ أخرى في ظل ما هو متاح، حتى كان هذا الشهر الماضي إذ تمَّ إغلاق صفحة المجلة على الفيس بوك. وستبقى مشكلة مطاردة صوت الإسلام الثوري المقاوِم طالما بقيت النوافذ المتاحة رهينة بمزاج السيد الغربي المتفوق، فهذه مشكلة تتعلق بموازين القوى والهيمنة، وهي مشكلة حضارية كبرى.

ونحسب أننا في هذه السنوات الثلاث قدَّمنا –أو على الأقل: دعمنا- خطابا كان مفقودا في عموم الساحة الثورية، خطابٌ كله تكاليف ومغارم، وما لنا رجاءٌ إلا أن يتقبله الله فيجعله خالصا لوجهه الكريم، فلئن كان قد تقبله الله فكل ما سوى ذلك هين.

وإذا كان لنا من رجاء نقدمه للقارئ الكريم، فهو أن يحتفظ بأعداد هذه المجلة وينشرها ما وسعه ذلك، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، والدالّ على الخير كفاعله، عسى الله أن يجعل ذلك كله في ميزان حسناته.

-      يمكن الوصول إلى جميع أعداد المجلة من هنا: https://archive.org/details/klmtuhaqy1

-      ويمكن الوصول إلى جميع الهدايا التي كانت ترافق أعداد المجلة، والتي هي مختصر كتب رأينا أنها مفيدة ونافعة من هنا: http://archive.org/details/klmtgift

-      ويمكن الوصول إلى الأعداد وهداياها، وتحميلها مباشرة، عبر قناة "أرشيف مجلة كلمة حق" على تليجرام: https://t.me/klmtu

كذلك يمكن البحث عن المقالات المنشورة في المجلة من خلال:

-      قناة التليجرام https://t.me/klmtuhaq

-      أو حساب تويتر https://twitter.com/klmtuhaq

وفي حال كان المقال المنشور محذوفا فيمكن الوصول إليه عبر هذه الطريقة التي يشرحها الفيديو على هذا الرابط: https://archive.org/details/klmtremov

وقد أعددنا هذا الرابط، وهو ملف صفحة ويب بسيط، وعليه معظم المقالات المنشورة في أعداد المجلة، ويمكنك من خلاله البحث عن الكلمة التي ترغب، كما هو الحال في أي صفحة انترنت:

وبعد هذا كله، فإذا رغب القارئ في الوصول إلى شيء لم يستطع العثور عليه، فيمكنه أن يراسلنا عبر الصفحة البديلة للمجلة على الفيس بوك: http://fb.com/Klmtuhaq2

ولعل القارئ الكريم لا ينسانا من دعوة خالصة بظهر الغيب، ولعله إن شاء الله لا يكون آخر اللقاء بكم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم