الثلاثاء، فبراير 14، 2006

بين الرقم والكارثة .. لحظة صادقة

.

مات فى حادث غرق العبارة المصرية حوالى 1000 شهيد ، هذا إن كان العدد فعلا هو 1400 راكب ، بينما قال بعض الناجين فى حوار مع جريدة الاسبوع 13/2/2006 أنهم كانوا 3000 آلاف راكب ، وهو ما اصدقه تماما لأن لى صديق كان على هذه العبارة منذ شهور وقال إن عدد الركاب كانوا بين ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف ونصف .

ياللهول .. ألف شخص ماتوا ، إنها حكومة يجب أن تباد ورئيس يجب أن يحرق حيا قصاصا مما حدث فى قطار الصعيد ، أو يغرق حيا كما فى العبارة ، أو يلقى من طائرة كما فى حادث الطائرة المصرية منذ 7 سنوات .

كلمات ثورية رائعة تلك التى تدفعها الأقلام إلى الصحافة أو إلى الشاشات .
كل يحاول الإبداع فى وصف الكارثة .. وكل قلم يتفنن فى صياغة العبارات التى تعبر عن المأساة .
كلهم – إلا من رحم الله – كان يدفع الكلمات الغاضبة ليحقق بها غرضا فى نفسه ، شريفا كان أو حقيرا .
حتى إن بعض القاذورات التى تكتب فى الصحف الحكومية الصفراء والسوداء لم يلفت نظرهم الأعمى إلا الزيارة المباركة التى شفت الجرحى وأنست المريض ألم المصيبة ! هكذا ..
ليس غريبا عليهم ، إنهم مجرد قاذورات طفت على سطح الحياة فى لحظة سوداء فى تاريخ أمتنا التى لايبدو لليلها آخر .

حين كنت اقرأ روايات الناجين من المذبحة فى جريدة الأسبوع ، كنت اقرأها متكئا فى الدفء اللذيذ بعد عشاء لذيذ أيضا .. ثم تأثرت ، حتى بكيت .. نعم تأثرت ، وياله من تأثر !!
تأثر المترفين الغارقين فى النعيم الذين ينظرون لكل شئ نظرة المحلل والمنظر والكاتب والمفكر .. ياله من تأثر !!
تأثر الذى يحاول أن ينظر فى جوانب المشهد ليبدع مقالا ناريا يلقى عليه التأييد والثناء .. ياله من تأثر !!
تأثر جميل ، وعيون ساخنة .. سرعان ماانتهى كل شئ ، حين رن هاتفى المحمول لأتلقى مكالمة تذكرنى بشأن من ترفياتى وكمالياتى .. وسرعان ماجفت الدموع وذهب التأثر ووجدتنى أعالج المكالمة كأن شيئا لم يكن .. ياله من تاثر !!

أندهش من عدد الضحايا ، ألف .. أو ثلاثة آلاف ، يا الله !!!
كم هى فاجرة تلك القاذورات التى لاترعى الله فى الناس ؟؟ ... وياله من اندهاش !!
اندهاش لن يلبث أن يزول عند أى طارئ !!

أشعر أننى ممثل اندمج فى الدور حتى عاش هذا الدور ، دور المتعاطف مع الفقراء المتأثر لهم المستشعر لهمومهم .. لكنه لاشك تمثيل ، لأننى أنساه .. أنساه بعد دقائق ليتلاشى تماما بعد أيام .. ثم أتذكره فى حادث آخر حين يخطر لى أن أبدع مقالا آخر لابد أن يكون ناريا .
هل أبنى مجدا شخصيا على حساب هذه الأشلاء ؟؟
هل الكوارث تنفعنى مثلما تنفع الكبار .. يكسبون منها المال ، وأكسب منها ثناء الناس على المقال ؟؟؟

يجدر بى ألا أجيب .. لعل السؤال حين يظل هكذا معلقا أمام ضميرى يدفعه ألا ينساه ، فلا يزول هذا التأثر ولا تلك الدهشة .
يتعجب كثيرون من زملاء الدراسة من قدرتى على تحمل السفر لمدة 12 ساعة متواصلة ، حتى ظننت فى بعض الأحيان انها بطولة .. وصرت أمارس هذا التحمل كأنى بطل يرفع الحديد أو يحقق المستحيل ، رغم أنه سفر هادئ آمن فى وسيلة مكيفة فى الأغلب .

يصعقنى صعقا أن اعرف أن هناك بشرا تحملوا البقاء فى ماء مالح ، فى جو ثلجى ، فى الظلام الرهيب ، بين الأمواج المتشاكسة واصواتها العاصفة .. تحملوا هذه الأجواء لمدة 25 ساعة على الأقل .

كيف كان معنى الزمن فى هذه الساعات ؟؟
هل كان زمنا كالذى مر على المنتخب القومى على بعد كيلومترات ؟؟
لقد انتصرنا على السنغال .. إننا ننتظر صفارة الحكم لنذهب إلى النهائى ... مابال الوقت يمضى ثقيلا بطيئا كأنما تقيد بالجبال ؟؟؟
يتضاعف القلق الرهيب عند كل هجوم من المنتخب المعادى .. المعادى !!! ... نعم ، معادى ... لكن السنغال شعب مسلم ؟! ... دعك من هذه الخرافات .. السنغال هى العدو الآن .

لكن الوقت لا يتحرك .. النيران المتشوقة تكاد تحرق المدرجات انتظارا لهذه الصافرة اللعينة التى لاتريد أن تنطلق .
لم يكن الوقت يتحرك ..

وهذا الليل لا يريد أن ينقضى .. هذه الأمواج لاتكف عن الصراخ .. هذا الرعب لايريد أن يخف .. هذا الظلام الرهيب الذى احتضن الكون لايريد أن يتبدد .. مالحل ؟؟
لكن لايبدو هناك أى حل ..
ولاضوء قريب ولا بعيد .. ولا شئ إلا صراخ الناس الذى بدأ يتجمد ... وأخيرا .. أخيرا ...

انطلقت الصافرة .. لقد انتصرنا على العدو السنغالى ..
لكن الظلام هو هو .. الرعب .. الأمواج .. البرد الذى ترك الأرض ليتركز على الأعضاء ..

أى بشر هؤلاء الذين كانوا ؟؟
أى شيطان هذا الذى انغرس فى الآدميين ؟؟
أفقروا البلاد .. فهربنا خارجها .
ثم نكبوا سمعتها .. فتحملنا الذل والقهر والعبودية من أجل الحياة .
ثم تاجروا بالأموال .. فحشرونا فى سفن البضائع المتهالكة .
ثم أعطوهم الحصانة .. لكى يقتلونا فى ارتياح دون إزعاج .
ثم تركوا كل الناس فى رعب البحر المظلم الرهيب .. وذهبوا يشجعون الكرة .

كيف يمكن لعقل أن يصف مشاعر الأم التى انتهت حياة ولدها فى ذروة الشباب ، وهى تنتظر فى لهفة ، وتعد الأيام حتى تراه ..
لالا .. كيف يمكن لعقل أن يصف الأم التى صرخت طفلتها بين يديها ، ثم سكت الصراخ .. ثم تجمدت الطفلة .. وجه الطفلة تحول إلى الأزرق .. ماتت الطفلة ؟؟
كيف ماتت الطفلة ؟؟ .. هكذا .. ماتت فى تدرج سلس ناعم مريح .
ماتت .. بين يديها .. أمام عينها .. دون أن تستطيع لها شيئا .
ماتت الطفلة فى الليلة الثانية .. أى مساء يوم السبت .
كيف كانت الأم فى ذلك الوقت ؟؟ كيف كانت تفكر ؟؟ والأفكار يلطمها موج البحر الصارخ الرهيب ؟؟

لكن نعود فنقول .. إنها طفلة .. واحدة ، نعم .. إنها ضحية .. لا بل شهيدة .. شهيدة واحدة .. نعم ، واحدة .
تم تركيز المأساة فى رقم مفرد اسمه ( الواحد ) .. ونبدع فى الوصف بالضحية الشهيدة الـ .. الـ .. الـ ..

فإذا كان العجز يشل أى عقل عن اكتشاف ما وراء هذا الرقم الواحد ... فكيف يكون إذا حاول وصف كارثة الـ 1000 ؟؟؟

ألم أقل إنها كارثة لا نرى إلا أن ننصرها ونصفها بمقال ، ثم نعود بعدها إلى مداعبة أزرار الكمبيوتر .. فى الدفء اللذيذ و الطعام اللذيذ .... و ... الكأس اللذيذ .
هل نسيتم أننا فزنا بالكأس بعد ملحمة اسطورية كروية لامعة .. ومعلمنا الكبير ومعجزتنا الكروية وحارسنا الأسد قد أوصلانا إلى الكأس العظيم .
بعد قليل .. يجب أن نكتب عن هذا النصر العظيم ، ويجب أن نعيش دور الممثل باقتدار حين نصف فرحة الفراعنة بالكأس الهادر .. وسط أمواج المدرجات الهادرة ، وأصواتها الصارخة .
صورة تذكر بأمواج البحر وأصوات البحر وفرحة البحر وهو يفوز بالوليمة البشرية الغالية .

ثم سنترك الكأس ، لنبحث عن موضوع آخر نكتب فيه .. ولابد أن نتقن الكتابة .

فماذا نملك غيرها ؟؟؟؟

13/2/2006

مشاهد من أزمة الدانمارك .


ما حدث معروف للجميع : نشرت صحيفة دانماركية مستقلة رسوما كاريكاتيرية تسيئ للنبى محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم اعتبرت هذا داخلا فى نطاق حرية الرأى والتعبير ، مما لا يستدعى اعتذارا ، ثم أعلن رئيس وزراء الدانمارك أنه لايستطيع معاقبة الصحيفة على مادة منشورة مع التأكيد على أنه شخصيا لا يقبل هذا وأن بلاده تراعى كافة حقوق مواطنيها المسلمين وذكر أن الحكومة عاقبت شبابا من حزب متطرف نادى بطرد المسلمين من الدانمارك ، ولكن مع رد الفعل الإسلامى القوى بالفعل اعتذرت الصحيفة أكثر من مرة اعتذارات صريحة وواضحة وفى أكثر من وسيلة إعلام وعلى موقعها الإليكترونى .

ماحدث يضع أيدينا ويلفت أنظارنا إلى عدد من الحقائق والمشاهد كذلك :

1- يختلف وضع الصحافة فى الدول الأوروبية عن الوضع فى الصحافة العربية ، ففى هذه الدول تتمتع الصحافة باستقلال حقيقى ( فى ظاهره لكنها صحافة موجهة ، وهذا موضوع آخر ) بما يعنى أن رئيس وزراء الدانمارك لايستطيع معاقبة الصحيفة بالفعل لا كما يتبادر إلى ذهن الشعوب العربية عندنا بأن الصحيفة لا تستطيع أن تفعل شيئا إلا بوجود خط أخضر من الحكومة .
هذا ما أظن أنه حدث بالفعل .. إذ أعلنت الحرب على الدانمارك كلها كدولة على أساس أنها كدولة تعادى الإسلام وتعادى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ونشرت بعض المواقع نسب عن شعب الدانمارك تقول بأن أغلبية الشعب الدانماركى يرفض الاعتذار للعالم الإسلامى بنسبة 66 % وأن 75 % يرفضون حتى اعتذار الصحيفة .. وهى النسب التى تأكد أنها كانت كاذبة من لقاءات بعض القنوات الفضائية مع مجموعات من الشعب الدانماركى كسلسلة اللقاءات التى أجرتها قناة الرسالة الفضائية الإسلامية .. بل بعض هذه المجموعات أكدت على أن الاعتذار وحده لايكفى ، وأنه يجب وضع قانون لمراعاة مشاعر ومقدسات الأقليات الدينية .

أى أن الأمر ليس كما يبدو ، وأننا يجب أن نعاقب الدانمارك بالمقاطعة الاقتصادية الشاملة .. وإنما هو خطأ فردى فعلا ، واعتذر صاحب هذا الخطأ أكثر من مرة .

ونحن مطالبون شرعا بقبول الاعتذار ، والصفح عن الخطأ .

2- نفس الصحيفة الدانماركية كانت قد رفضت فى عام 2003 – كما نشر موقع إسلام أون لاين – نشر صورة تشكك فى المحرقة اليهودية " الهولوكوست " ، يحمل هذا المشهد ازدواجية بلاشك .. وهذا دليل على أن الغرب لايمارس حرية التعبير فى كل شئ كما يدعى هو ويدعى المنبهرون به .. وإنما استطاعت مجموعات الضغط بالفعل أن تجعل بعض الأشياء خطا أحمر يتجاوز قيمة حرية التعبير التى يدعى الغرب أنه يقدسها ، وقد دفع كثيرون من مؤرخى الغرب ثمنا باهظا نتيجة اجتيازهم هذا الخط الأحمر .
أى أن الواقع الفعلى فى الغرب والذى يسمح بمهاجمة المقدسات لأى طائفة هو نفسه لايسمح بمهاجمة حادثة تاريخية لا يمكن أن يكون لها أدنى لمحة من القداسة ، وإنما حادثة تاريخية مثلها مثل غيرها من الحوادث اللامتناهية على خط التاريخ الطويل .

3- لكن التأمل فى هذا الموقف بشئ من الهدوء يجعل هذه الازدواجية ترتد علينا نحن المسلمين ، والحق أنه إذا حاولنا تصحيح الأوضاع فيجب ان نعرف حدود مسؤوليتنا ومدى أخطائنا تجاه المسألة بدلا من تفسير كل شئ بعقدة الاضطهاد ونظرية المؤامرة ، فالحق أن اليهود بذلوا فى سبيل تثبيت حقيقة المحرقة جهدا طائلا تضافرت فيه قوتهم الاقتصادية ( من خلال المال ) والإعلامية ( الصحف والمحطات ) والدبلوماسية التى تجحت أخيرا فى استصدار قرار من الأمم المتحدة بتخصيص يوم لذكرى المحرقة بعد أن استطاعت استصدار قوانين تعتبر التشكيك فى المحرقة عنصرية ومعاداة للسامية .. فى حين لم يفعل المسلمون على الجانب الآخر شيئا ذا بال فى مجال التعريف بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام .. وللتدليل على مدى الجهل الغربى بالإسلام يمكننا تفصيل موضوع آخر طويل لأن الوضع فى هذا الجانب مأساوى فعلا ، و أسمع ممن عاش فى الغرب عن تصورات مدهشة للجمهور عن الإسلام ، وكثير من المراكز الإسلامية ليس لها هم إلا الانتصار لمذهبها الضيق حتى تحولت الجالية الإسلامية فى كثير من المناطق إلى جزر منعزلة على حسب المذهب والرؤية .

فمن الطبيعى والحال كذلك ألا يكون سيدنا محمدا لدى الجمهور الغربى إلا شيئا عاديا غير ذى قيمة ولا حرمة ، فما الحال والصورة التى يرسمها المسلمون لأنفسهم صورة سلبية جدا ؟؟ اضف إلى هذا الصراع التاريخى والحقد الصليبى من كثير من الطوائف فى أوروبا ومن رجال الدين .
المسألة جد متداخلة ومعقدة .. صراع تاريخى بين الإسلام والغرب ، يدعمه ويؤججه دائما كثير من طوائف دينية ورجال دين .. يصل إلى حد مباركة ذبح المسلم وفقأ عينه ( تصريحات روبين كوك فى حرب البوسنة ) .. يؤيد كل هذا صورة سلبية جدا يرسمها المسلمون لأنفسهم بأنفسهم ... وفى ديننا لابد من إقامة الحجة قبل المحاسبة والمعاقبة .
فيجب أولا أن نتخلص من مسؤوليتنا فى هذا الخطأ ، ثم نعلن الحرب فعلا على كل من يتجرأ علينا وعلى مقدساتنا .

4- اعتذرت الصحيفة بوضوح .. وتكلم رئيس الوزراء بكلام ممتاز عن الإسلام وعن موقفه الشخصى وعن رعاية الدولة للمسلمين .. فلماذا التصلب والتخشب ومواصلة المعارك ودعوات المقاطعة والحرب الوهمية التى تستنزف فيها المجهودات لتشبع مطلبا نفسيا فقط .
ثم إن الغريب والعجيب أن ترتفع اصوات بالمقاطعة لم تكن ذات يوم فى خندق الإسلام ، ولا حتى فى خندق الدفاع عن الشعوب ككثير من كتاب الصحف الحكومية الذين انتفضوا فجأة للدفاع عن رسول الله وعن الإسلام .
إن وجودهم فى هذا الخندق جعل القضية تخسر فعلا ، إذ لاحظت صحيفة ألمانية ( دى فيليت ) أن الحملة الإسلامية منافقة ، وذكرت هؤلاء الفرسان بتدنيس القرآن فى جوانتانامو منذ فترة ، وبكتاب الفرقان الحق الذى يكذب على القرآن ، وبتصريحات يومية للقس الأمريكى فالويل .. وتساءلت : لماذا لم تقم حملات فى العالم الإسلامى حين كل هذا ؟

ولو تركنا مؤقتا موقف الشعوب ، فإن هذا السؤال يتوجه للحكومات وكتاب الصحف الحكومية الذين بدوا فى حالة فريدة من التصلب تجاه الدانمارك ، ولم نسمع منهم أو نشم رائحة مقاطعة ضد امريكا واسرائيل وبريطانيا وفرنسا لدى الانتفاضة وحرب العراق وقانون الحجاب وتدنيس القرآن و حوادث سجن ( ابو غريب ) ؟؟؟
موقف ليس له تفسير إلا النفاق فعلا .. وخسرت القضية بوجودهم فيها .

5- ثم إن كثيرا ممن يبدون مواقف متصلبة الآن ويعلنون أنهم لن يقبلوا اعتذارا ولا ألف اعتذار .. لم نسمع لهم صوتا حينما أهين الإسلام هنا فى مصر وعلى أيدى أشخاص يعتبرونهم رواد التنوير .. فلقد أهان طه حسين القرآن حين اعتبره مجرد مصدر تاريخى قابل للتكذيب وأنه مصنوع وليس منزلا ( فى الشعر الجاهلى ) وحسن رسم صلاح جاهين ديكا حوله تسع دجاجات وعلق ( محمد جمعة زوج التسعة ) .. ولم نذهب بعيدا .. منذ شهور كان سيد القمنى يكتب فى روزاليوسف ويشتم بكل صراحة خالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو التميمى وكل فاتحى الشام من المسلمين ويصفهم بالدمويين ... بل منذ أسابيع كتب خالد منتصر فى صوت الأمة متهما عمر بن الخطاب بالعنصرية .. ولا اوضح من موقفهم من رواية ( أولاد حارتنا ) و رواية ( وليمة لأعشاب البحر ) ، بل كانوا يقفون فى هذا نفس موقف الغرب الآن باعتبار هذا من حرية التعبير بل ويضعون شخصيات سلامة موسى ولويس عوض وجرجى زيدان وطه حسين وفرج فودة وحسين أحمد أمين .. على اعتبارهم رواد عصر التنوير .

أين كانت كل هذه الغيرة على الإسلام والرسول والصحابة ؟؟ ومالذى فجر هذه النخوة الآن وعلى كل هذا القدر من التصلب والصمود ؟؟

7 - يمكننا أن نتفهم بل وندعو لمقاطعة من أعاد نشر هذه الرسوم وتحدى بنشرها العالم الإسلامى ، وهى صحف نرويجية وفرنسية وإيطالية وإسبانية وسويسرية وألمانية ، ولعلها تكون فرصة ممتازة لمقاطعة كل البضائع الأجنبية وتشجيع السلع الوطنية والعربية والإسلامية .. ويكون استثمارا صائبا للموقف ، وبداية نحو التحرر الاقتصادى التام ونحو التكامل العربى والإسلامى ، لكن أن ترتفع الأصوات نحو الجهة التى اعتذرت ( الدانمارك ) وتنسى كل الجهات الأخرى رغم أنها دخلت بإرادتها فى المعركة وبشكل التحدى المستفز .. فهذا بلاشك تصرف يحمل سمات الطفولية .

8- أعتب على كثير من الكتاب الأحرار والمستقلين الشرفاء أنهم لم يتفهموا موقف الشعوب جيدا .. وبرأيى إن الشعوب دائما وأبدا أسيرة للإعلام .. ولا أظن أحدا يخالفنى فى هذا ، وعند كل نقطة حرجة يستطيع الإعلام أن يحرك الجماهير ، ويستطيع كذلك بالتعتيم أن يسكتها .. حتى إن وصية هنرى كيسنجر فى فترة الاتفاضة الفلسطينية الأولى لوسائل الإعلام لمواجهة التأثير المتزايد لها فى أوساط الشعوب كانت : " عتموا عليها إعلاميا " .

كثير ممن كتب اندهش من عضبة الشعوب ، ولماذا لم تغضب عند " الفرقان الحق " أو تدنيس القرآن فى جوانتامو .. بالرغم من أن كل هذه الأحداث لم تأخذ أى حظ من الإعلام مثل القدر الذى نالته الرسوم الدانماركية .. والشعوب بعامة لا تتابع الأخبار غير الرئيسية ، والمسؤولية على هذا فى وسائل الإعلام التى تجعل الأخبار رئيسية أو فرعية .. لكن الشعوب انتفضت فى مظاهرات عارمة فى وقت الانتفاضة ومذبحة جنين وغزو العراق وغزو أفغانستان وغيرها .. وقامت مظاهرات كبيرة فى مصر بالأزهر والأسكندرية تنديدا بتدنيس المصحف فى جوانتانامو ، لكن كل هذا لم تسلط عليه الأضواء مما جعله حادثا خافتا .

ورغم المواجهة العنيفة لهذه المظاهرات والسحل والاعتقال والتى وصلت للموت وفقأ العيون فى مظاهرة الطلاب بالأسكندرية إبريل 2002 .. رغم هذا لم تتوقف المظاهرات .. بما يؤكد أن الشعوب على استعداد للتحرك طالما عرفت الخبر ووجدت شبه قيادة .

كذلك أخذ البعض على الشعوب أنها لم تنتفض لحوادث القتل والتعذيب فى سجون العراق وغيرها وكذا القتل فى فلسطين والمعروف أن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم ، لكن يجب أن نعرف أن الشعوب دائما وابدا لديها مشكلة فى ترتيب الأولويات ، وأنها لاتقدر قيمة الفرد كما تقدر قيمة الكعبة .. وموت الآلاف أهون عندها من مس الكعبة أو مجرد التفكير فى هذا .. هذا رغم كونه خطأ وترتيب غير صحيح للأولويات .. إلا أننا يجب أن ننظر للشعوب من موقف المتفهم لا من موقف المتهم وممثل الادعاء .. لأن الشعوب لم تجد بالفعل من يشرح لها صحيح الدين حتى ترتب أولوياتها .. بل لايكاد يظهر رمز دينى معتدل حتى يهاجم ويطارد .. ويبقى للشعوب أمثال طنطاوى – فضحه الله وجعله عبرة – فيأخذون دينهم من غير الراسخين فى العلم .

9- ولعلها مفارقة طريفة أن الدليل عل ما أقول هو ماسمعته من بعض من اعتلى المنابر وهو يظن نفسه يدافع عن سيدنا محمد ليزيد من ضلال الشعوب ومن الصورة السلبية للمسلمين من خلال خطاب غريب .
سمعت أحدهم يقول فى الجمعة الماضية : ( لن نقبل اعتذارا ولا ألف اعتذار .. بل سنقاتلهم ... يجب أن نقاتل لا اقول كل من اساء إلى سيدنا محمد .. لا .. بل كل من لايحمل فى قلبه الاحترام والتوقير والتقدير والتبجيل والتقديس لسيدنا محمد ) .
وهذا كلام كارثى ، فبعيدا عن إمكانية القتال .. فإن الإسلام لم يطالب بقتال من لايحمل التقدير والتوقير والتبجيل والتقديس لسيدنا محمد .

آخر يقول : ( اللهم مكنا من رقابهم لنفعل كذا وكذا ... ) .
أهكذا يعبر عن الإسلام ويعرف الغرب بالإسلام ؟؟؟

وكلى يقين ان ما قيل على منابر كثيرة كان من العجائب والغرائب .. لكن مثل هذه العبارات تزيد الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين فى الغرب ، وتزيد من تربية فكر وشعور معين لدى الشعوب المسلمة لايقوم على الدعوة ورجاء الهداية .. بل على الحرب ابتداءا .

10- لكن علينا فعلا أن نستفيد من هذا الحراك الجماهيرى والغضبة الشعبية لنفكر كيف يمكن استثارتها من أجل قضاياها مثل الفساد والاستبداد والخنوع والقهر والظلم .. لأن هذه القضايا هى التى ستغير من حالنا أولا ومن صورتنا عند كل الناس ثانية .. فنحظى بالاحترام ولايجرؤ أحد على مس مقدساتنا ، بكل يكون حالنا دعوة لديننا العظيم الذى يحضنا على رفض القهر والظلم والاستبداد .

اتخيل أن القضية الكبرى أمامنا فعلا ، هى كيفية استغلال هذا الحراك الجماهيرى ، كيف نمنع هذه الجماهير من العودة إلى موقع المتفرج السلبى مرة أخرى .


10/2/2006

الأحد، فبراير 12، 2006

وقائع حية من السلام 98


كنت فى ضيافة طبيب صديق ، وتطرق الحديث إلى موضوع العبارة الغارقة السلام 98 فى الماساة الأخيرة ، فحكى أن صديقا له ركب هذه العبارة فى رحلة العمرة منذ ثلاث سنوات كاملة ، وتعطلت بهم هذه العبارة فى عرض البحر لمدة أربع ساعات كاملة .. فلما سألوا قيل لهم : أصل والله هى كانت المفروض تدخل الصيانة ، بس قلنا نخطف الدور ده بسرعة ونبقى ندخلها .
وهكذا .. من اجل خطف الدور لا مانع من المغامرة بأرواح الركاب ، خصوصا والموسم موسم عمرة والركاب كثير .
قال له الطبيب : لو أنكم وقفتم بحزم ضد ما حدث منذ ثلاث سنوات ما كانت حدثت مثل هذه المأساة الآن .. أنا أشك والله أنكم تتحملون ذنبا فى غرق هؤلاء الناس بسبب هذا السكوت .

لم تمض دقائق وإلا واكتشفت أن صديقى وزميل الدراسة ( محمد على إبراهيم يوسف ) الذى كان فى الصيف الماضى فى عمرة مع والدته كان قد ذهب وعاد على هذه العبارة نفسها ( السلام 98 ) ، وياللقدر !
وأخبرنى عن مهازل ما يحدث على هذه العبارات ..
فالعبارة التى طاقة احتمالها 1000 راكب ، كانت تحمل فى هذه الرحلة حوالى ثلاثة آلاف أو ثلاثة آلاف ونصف راكب ، يركبون فى كل مكان حتى بين الطرقات ، ويتكسدون بشكل لا يمت للآدمية بصلة ، ويمكن أن تركب فى الدرجة الثانية أو الثالثة رغم حجزك فى الدرجة الأولى ، ويمكنك إذا اعترضت أن تلقى بنفس فى البحر أو أن تشرب من البحر .. أيهما أحببت ؟
وقد اكتشف هذا بنفسه فى العودة ، إذ ركب فى العودة الدرجة الأولى فاكتشف أن التى ركبها فى الذهاب كانت الدرجة الثانية دون أن يدرى .. وقد كان معهم فى رحلة العودة محافظ المنيا الذى أُخلى له طابق كامل بالعبارة ، وكل من كان حظه العاثر فى هذا الطابق تم طردهم منه ، ومن اعترض كان له الحق فى أن يلقى نفسه فى البحر أو أن يشرب من البحر .. أيهما أحب ؟
ثم ، وقبل الوصول بساعتين يتم إخراج كل ركاب الغرف لتنظيف الغرف قبل الوصول ، ولا يراعى فى هذا الإخراج أى حالات صحية أو كثرة وثقل الحقائب ، مما يجعل الساعتين قبل الوصول قطعة من الجحيم فى ظل التكدس الزائد فوق التكدس الطبيعى المستمر منذ أول الرحلة .. ومن اراد ان يعترض كان له الحق فى أن يلقى نفسه فى البحر أو أن يشرب من البحر .. أيهما أحب ؟

هذا بخلاف المحسوبيات والوسائط ويستطيع أى عامل أن يأتى لك بتذكرة من الدرجة الأولى فى أى وقت ، وليذهب صاحب الغرفة إلى الجحيم ، كذلك يمكن لأبسط عامل أو موظف أن يأتيك بطعام مجانى فى المطعم السياحى الفاخر الموجود بالعبارة .
ولأول مرة اكتشف أن النقل البحرى مثله مثل ركوب السرفيس والأوتوبيسات فى احياء القاهرة والمحافظات .

فإذا كانت السفينة بهذا الحال منذ ثلاث سنوات ، وبهذا الحال منذ الصيف الماضى .. فإنه من الطبيعى جدا أن تغرق الآن ، فإن لم تكن هذه الرحلة فلاشك أنها فى الرحلة التالية أو التالية .. لكن لابد من حدوث كارثة ، ثم إذا عرفنا أن العمر الافتراضى لعمل العبارة هو 25 سنة ، ثم نكتشف أن السفينة تعمل منذ 35 سنة .. فلا بد أننا كنت ننتظر كارثة ، وها قد حدثت .

وحيث أن الكارثة معروفة بتفاصيلها فليس من فائدة فى إعادة السرد ، لكن نلتقط فقط بعض المشاهد :
1_ ملخص الغرق أن السفينة اشتعل فيها حريق ، فحاول الركاب تنبيه القبطان إليه فأخبرهم أنه تحت السيطرة ، لكن الحريق امتد وبدا الذعر يجتاح الركاب ، لكن يبدو أن القائد اصيب بحالة جنون إذ أصر على عدم العودة إلى ضبا واستكمال الرحلة ، ثم اختفى هو وطاقمه من السفينة ليتركونها تواجه الموت وحدها دون أن توزع على الركاب سترات النجاة ولا أن يتم فك زوارق الطوارئ من مكانها .
وهى حالة طبيعية لقبطان سفينة يتبع شركة لاتخضع للقانون لنفوذ صاحبها ، ولا تهتم فى أى حال بأرواح الناس .

2- لا أفهم كثيرا فى فنيات البحرية ، لكن إذا تحدثنا عن غرق على بعد 900 متر من السواحل ، ولا أظن 900 متر مسافة كبيرة ، بما يعنى أن الوصول إليها داخل فى نطاق القوات البحرية بسهولة ، لكن أحد الناجين قال لقناة الجزيرة أنه " 25 ساعة فى المياة ، فى المياة المالحة ، لما الواحد جسمه داب .. ده احنا لو كنا يهود أو كنا أى شئ تانى كانت الحكومة اهتمت وخدت بالها " .
فبأى عرف تم استغراق 25 ساعة كاملة فى الوصول إلى الغرقى ؟ هذا على افتراض أن الإنقاذ بدأ بعد التأكد من غرق السفينة لا بعد مجرد انقطاع الاتصال بها .. والسفينة غرقت خلال أربع ساعات كما قالت الأخبار .
أى ان الإنقاذ بدأ بعد 18 ساعة على الأقل من خبر التأكد من غرق السفينة .
ونشرخبر غريب مفاده أن مصر رفضت عروضا لسفن بريطانية وامريكية بالمساعدة فى الإنقاذ .. ولا يدر أحد لم ؟ .. لكن - وهذا توقعى الشخصى - ربما كانت مصر تخشى من الفضيحة التى ستعلن حين يعرف الناس أن هناك قواعد بحرية عسكرية وأمريكية فى مياهنا الإقليمية منذ حرب العراق ( وربما منذ أكثر والله أعلم ) .. ولو صح هذا ، فإن سمعة السيد مبارك أهم عند كلاب السلطة من أرواح البشر .
وكان طبيعيا فى هذه الأحوال أن تخور قوى الكثير من المتشبسين بأى زوراق ، وهو ما حدث بالفعل ، كما حكى الضحايا وخارت قوى الكثيرين الذين ابتلعهم البحر ، ولعنة الله على السلطة الفاسدة .

3- وفى لفتة إنسانية عميقة جدا ، قام المتسبب الأول فى الكارثة بزيارة الناجين فى مستشفى الغردقة وامر بصرف 30 ألف جنيه لكل ضحية ( قال يعنى هيدفعهم من جيبه ! ) ، وخرجت الأهرام فى اليوم التالى فرحة بهذا القرار الأسطورى العظيم وأعلنت بكل فخر : الرئيس يأمر بصرف 30 ألف جنيه لكل ضحية .
فى ذات الوقت الذى لم يلتفت فيه إلى أهالى الضحايا الموجودون على بعد أمتار فى سفاجا ، حيث لا يصح أن يزورهم أثناء إطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم من قبل الأمن حين احتجاجهم على عدم وجود أى معلومات عن الناجين أو المصابين أو حتى المفقودين .
فى ذات الليلة كان السيد مبارك - جزاه الله بما يستحق - يزور المنتحب الوطنى ليحضر تدريباته قبل مباراة السنغال وجلس جلسة لطيفة تبادل فيها المزاح والمداعبات مع أبطال مصر الذين سيحصلون على القدس .. عفوا أقصد الكأس .

ولأن الله يشاء أن يفضحه ، تتكشف الوقائع حول علاقة ممدوح إسماعيل صاحب العبارة الذى غرقت له حتى الآن ثلاث عبارات ( سالم إكسبريس ، السلام 95 ، السلام 98 ) بالحزب الوطنى الذى كان أمينه فى مدينة نصر ، أى فى دائرة مبارك نفسه ، وكان عضوا معينا فى مجلس الشورى أى أن الذى عينه هو مبارك نفسه .. بما يعنى أن الرجل من عشيقات السيد مبارك المقربات .

4- أما ما فعله الأمن فى الناس ، فى أهالى الضحايا الموتورين الذين فقدوا أقاربهم وأحبابهم ، فلا يختلف ولن يختلف طالما أن العقلية السافلة الوحشية والنفوس الساقطة المريضة هى التى تسيطر على هذا الجهاز .. فقد تعاملوا مع الناس بالعصا والغاز المسيل للدموع والهراوات .. فى ذات الوقت الذى كانوا يغازلون فيه مشجعى المنتخب الوطنى الذين اغلقوا مرور القاهرة .
وهنا أنقل ما كتبته الدكتورة بلوروز لما يحمله من مفارقة : " لم اتمكن من النوم الليلة الماضية
كل 5 دقائق زفة طويلة قوية بالكلاكسات احتفالا بالانتصار المدوي على الكونغو في معركة الاستاد

و مع كامل احترامي لحق السادة الافاضل في الابتهاج حيث ان المصريين على حد تعبير سمعته بالامس "مابيصدقوا يفرحوا من النكد اللي هم فيه على طول" فلا يمكنني الا ان اتعجب من ان يحدث هذا في نفس الوقت الذي يتم فيه انتشال 1400 بريء بين مصاب و قتيل , بينما يقف الآلاف من ذويهم على الشاطئ ينتظرون معرفة ما حل باحبابهم

بمجرد انتهاء المباراة خرج الآلاف الى الشوارع يقيمون مهرجانات في وسط الطريق
قريبة لي مريضة بالقلب استغرقت للوصول من منزلها لمنزلنا (مشوار يستغرق 10 دقائق) تم احتجازها في نفق لمدة ساعتين لان المحتفلين قرروا اغلاق الشارع و لا لوم عليهم لان ضباط و عساكر المرور لم يحاولوا لحظة منعهم بل وقفوا يتفرجون باستمتاع على الاحتفالات
و تساءلت حين عرفت , هذا الطريق ممكن ان يسلكه متجه للمطار , الا يمكن ان يكون احد المحتجزين هو احد اهالي الضحايا الذين تم تخصيص طائرة العاشرة مساء من مصر للطيران لنقلهم لسفاجا "باسعار مخفضة" (يظهر مصر للطيران زهقت من كثرة الكوارث التي تم فيها نقل اهالي الضحايا مجانا مثل طائرة شرم الشيخ فقررت ان تكتفي بالتخفيض هذه المرة)

لا اصدق ان تكون قلوبنا قد قست لدرجة الا تؤثر فيها كارثة كهذه ام ان اخبار القتلى ليل نهار جعلت الكوارث روتين يومي لا يلفت حتى انتباهنا
**************************************************************
اكبر صدمة كانت المعاملة شديدة السوء (لفظ مهذب لوصف ما حدث)التي تعاملت بها قوات امننا مع اهالي الضحايا
يعني اللي بيحتفل في الشارع مسئولي المرور لم يتخذوا معه اي اجراء , و بعضهم احتفل معاه
بينما الساخط الغاضب لعدم استطاعته معرفة اي بيانات عن ذويه تمت اهانته بغباء رهيب
مش عارفة اقول ايه " انتهى


5- وبدأت حملة قومية للتبرعات جمعت خلال اليوم الأول والثانى فقط 6 ملايين جنيه حسبما يكشف شريط الأخبار على التليفزيون المصرى فى يوم السبت 4/2/2006 .
ورغم أن ما سبق من حوادث يثبت أن هذه الأموال تذهب لجيوب الكبار ، فحادث قطار الصعيد مثلا أعرف أناسا بأعينهم لم يأخذوا مليما كتعويض رغم إثباتهم وجود متوف لهم فى القطار بعد رحلة إثبات مريرة تبدع فيها أجهزة الإدارة فى مصر فى تعذيب الناس .. وهناك من لم يستطيعوا هذا الإثبات فلم يأخذوا شيئا .
وهذه صورة لكل ما يحدث من كوارث بدءا من الزلزال وغرق سالم إكسبريس ثم الطائرة المصرية ثم قطار الصعيد ثم السلام 95 والسلام 98 .

وهذا يعنى فى بساطة مدهشة وقاتلة أن الكوارث هى موسم للكبار لكى تمتلئ جيوبهم ، ولن يصبح غريبا أن يكونوا فى غاية السعادة بكل الكوارث طالما هم محصنون ضد المحاكمة والمساءلة ، بل يصل التحصين إلى أقاربهم ومعارفهم وأصهاره وأصدقائهم .
وهذا يعنى بالتبعية أننا كبشر فى مصر تحولنا إلى سلعة تتم المتاجرة فيها ولكن بأساليب الكبار .

6 - أما المشهد السادس فأتركه لأخى وصديقى وليد عبد الله حول مساء الجمعة فى عرض الأمواج التى تنساب فى المدرجات : " مصر مصر




فتيات يتراقصن على طبول ووجههن ملونة بلون العلم
كنت هناك ساقتنى قدماى خارجا من معرض الكتاب فى اليوم الأخير
ومررت لجوارهن
يهتفون مصر مصر
تهتز اجسادهن
تهون العورة فداء لمصر
كانت تصرخ والأرض تسخن من أسفلها فاحتضنت طفلتها وقفزت فى الماء
لم تضع مولدها تحت قدميها لتهرب
مصر مصر
الحقونى ابنتى تتجمد من الماء
ارقص يا حضرى ارقص يا حضرى
العبارة تترقص والجماهير تتراقص
الماء يدخل رئة الوطن
والطفلة تتجمد بين يدى امها الغارقة
هى ايضا غارقة فخشبة ضعيفة لن تحتمل جسدها واسماك القرش قادمة
قاعدين ليه ما تقوموا تغرقوا
مصر مصر
الليل يخيم على الام وطفلتها الجثه
يديها تعبت من حمل جثة الطفلة
اربطيها فى جسدك واستسلمى للنوم فى الماء
هى اقسمت ان تدفن ابنتها على الارض او تغرق معها
ارقص يا حضرى
حرام كفاية حرام
مصر مصر
الامواج فى المدرجات تهتز معها نهود الفتيات
والامواج فى البحر تلعب باجساد الغارقين
والغارقات
مصر مصر
ارقص يا حضرى
يتفلت الجسد الصغير من الحبل ويخطفه الموج , تصرخ الأم من جديد ابنتى ابنتى
يا حرقة قلبك يا امى
يا لوعة فؤاد
كيا نهار اسود يا امى
يا رب يارب يارب
مصر مصر
الله حى الرابع جاى
الله حى فين النجده
الله حى خدنا الكاس
الله حى فين الناس
الجثث تطفوا بين الاحياء
اسمها لقاء طفلة فى عامها الثانى امها اسمها سح
رالبحر واسع غويط والسمك جعان واحنا ارخص اكل
مصر مصر
خرجت الأم شبه مجنونه تصرخ باسم ابنتها لقاء
حسنا هى دائما سخرية القدر منا بنى البشر
لقاء تموت فى البحر
ومصر تشاهد لاعبيها الذين يريدون زيادة النسبة على الاعلانات ويتفاوضون على المكافات
مصر مصر
ارقص يا حضرى
هل جربتم الغرق ؟
هل جربتم دخول الاستاد مع فتاة صاحبة جسد وطنى رائع ؟
هل جربتم فقد طفل فى عرض البحر؟
هل تخيلتم سكة القرش الجائعة وهى تتلذ بجسد طفلتكم
هل تخيلتم عظمها النئ وهو يجول ويوصل بين فكى القروش
انا تخيلت منة الله بنتى كذلك كدت افقد الوعى
بل قولوا اننى فقدته للحظات
النجدة الغوث الماء يتسرب لجسدنا والاسماك تحوطنا والليل يغشانا
ظلمات بعضها فوق بعض
اين مصر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
مصر كانت فى الاستاد ترقص وتغنى وتمرح
وابنائها الشقيانين
فى عرض البحر يتحضرون ليكونوا جبة عشاء لاسماك القرش الجائعة
تصبحون على خير
ونراكم فى المبارة النهائية
وارقص يا حضرى
راجع المصرى اليوم العدد603


انتهى "


5/2/2006

لغز : ما محل هيكل من الإعراب ؟



كعادة الألغاز التى كنا نقرأها صغارا مثل المغامرون الخمسة والثلاثة ، وأوائل أعداد ملف المستقبل .. تأتى المعلومات واحدة تلو الأخرى دون أن تعبر عن أى شئ أو أن تفيد بأى جديد ، أو بتعبير أدق لا نستطيع اكتشاف موقع هذه المعلومات من الحل حتى تأتى معلومة واحدة قد تكون فى غاية البساطة وربما التفاهة لكنها تلقى بقعة الضوء الفسيحة التى تضيئ ساحة التفكير كلها وتفسر ما كان قبلها من معلومات .

شئ من هذا حدث معى حين كنت اقرأ حوار جريدة الأسبوع بتاريخ 30/1/2006 مع محمد حسنين هيكل ، وتحدث فيه عن مأزق حماس والديمقراطيات العربية وغيرها .. شد انتباهى أن هيكل قال : " منذ اسابيع كان يجلس خالد مشعل على هذه الكنبة وتحدثنا وتشاورونا و.... " .
هذا يعنى أن خالد مشعل - رئيس حركة حماس - كان فى مصر منذ أسابيع ، وهذه زيارة لم يعلن عنها قط بما يدل على سريتها وأهميتها .. ثم حين يكون فى وقت خالد مشعل الزعيم لحركة مثل حماس تحفل بالاهتمام العالمى ولها من القضايا والمشكلات ما يجاوز الحصر .. حين يكون فى وقته متسع لزيارة محمد حسنين هيكل فى منزله الريفى البعيد عن القاهرة ليتشاوروا فهذا أمر يثير التفكير .

فليس من الممكن أن يملك مفكر سياسى معتزل ما يمكن أن يفيد به واحد من صناع القرار كخالد مشعل .. إذن ، فهيكل أكبر من مجرد كونه مفكر معتزل أو متابع فقط .. لابد أن لهيكل دورا وتأثيرا فى صناعة قرار ما لا أعرف - وربما لن أعرف فى المدى القريب - أى شئ عن حدود وطبيعة هذه الصناعة وهذا القرار .

وكانت هذه هى المعلومة التى أنارت كثيرا من المعلومات ، فمن المعروف أن هيكل كان واحدا من صناع القرار فى عهد عبد الناصر وبعضا من عهد السادات .. لكن الكاتب العظيم جلال كشك يرجح فى " ثورة يوليو الأمريكية " فى هامش عن أن دور هيكل فى لقاء الخمينى بعد عملية السفارة الأمريكية فى طهران كان تقييم الوثائق الأمريكية التى بحوزة إيران ، بما يعنى أنه كان فى عام 1979 وما بعدها واحدا فى مجال صناعة القرار .

لكن هذه من الممكن أن تكون نظرة صحفى كجلال كشك عدو لهيكل ويرى أن هيكل كان عميلا للمخابرات الأمريكية ( عن نفسى مقتنع بهذا الرأى ) ، وبالتالى فإن تفسيره لهذه الزيارة فيه قدر كبير من الضغط على الحدث وتأويله .
لكن هيكل الذى يتحدث فى كل حلقة من حلقاته على قناة الجزيرة عن صلاته بالملوك والرؤساء والقادة فى شرق الأرض وغربها من زوجة وبنات الملك فاروق ثم عبد الناصر والسادات ثم ديجول ونهرو وتيتو وغيرهم وغيرهم وصولا إلى الخمينى والسيستانى وجلال طالبانى .. ولا تكاد حلقة تخلو من لقاء مع قيادات عالمية من الدرجة الأولى .. وهو مالا يمكن أن نراه عملا صحفيا بحتا لا يخرج عن نطاق المهمة الصحفية ، خصوصا وهو يذكر عن لقاءات تعلو درجة الصداقة والحميمية فيها عن العلاقة بين الصحفى الأجنبى ورئيس الدولة .

ثم أتذكر أن هيكل قال فى حلقة أنه يستنكر حركة بيع القطاع العام ونية بيع شركات كذا وكذا وذكر مصنع الألومنيوم بنجع حمادى قنا وقال - فيما معناه طبعا - : " وانا اتصلت بثلاثة شخصيات اقتصادية منهم وزير حالى وسابق وطلبت ارقام عن المصنع ده وجالى التقارير اللى بتقول .......... " .

ورغم عدم ارتياحى لكلمة " طلبت " فى حينها إلا انى تجاوزتها ، لكن السؤال ما زال فى رأسى ، وماهى سلطة هيكل على الوزراء ، بل ما هى علاقة هيكل أصلا بهؤلاء الوزراء ومنهم الحالى .. يعنى مازال فى الخدمة ، ويعتبر إعطاؤه أرقاما عن نشاط شركة أو مصنع لصحفى أيا ما كان من قبيل الإخلال بالمصلحة الوطنية ؟
ثم يقول وصلت له التقارير .. فإما أن يكون هيكل كذابا أو أن علاقته بالوزراء حميمية جدا جدا أو أن يكون هيكل أكبر من مجرد صحفى .

لكن إذا تذكرنا أيضا أنه تكلم فى يوم الانتخابات الرئاسية على قناة الجزيرة ، وقال إنه قابل مسؤول بحزب العمال البريطانى الذى زاره فى بيته ( المسؤول بحزب العمال زار هيكل فى بيته ) فسأله هيكل عن الأقسام التى طلبت لجنة الانتخابات المصرية أن تزورها فأجابه المسؤول بأنها قسم العمليات القذرة وقسم آخر لا أتذكره الآن ، وذلك فى مقابل سؤال من هذا المسؤول يجيب عنه هيكل .

فمالذى يدعو مسؤول بحزب العمال البريطانى لزيارة صحفى أصبح متفرغا ومجرد متابع فى بيته ؟
ومالذى يدعوه لأن يسأله فى شئ هو مما لا يعرفه إلا العالمون ببواطن الأمور ؟
ومالذى يجبره كذلك على إجابة سؤال يعد من الأسرار بالمقابل ؟
هل يمكن أن يكون هذا مجرد صحفى متفرغ ؟؟!!!!!!

هناك مواقف أخرى لا أستطيع استدعاءها بشكل دقيق من الذاكرة الآن ، لكنى اسأل الله ان ييسر لى بحث هذا الموضوع .
إننى استشعر الآن غبائى إزاء هذه المواقف ، لكن كانت عبارة خالد مشعل هى بقعة الضوء كما ذكرت .. وبقعة الضوء التى تشعرنى بأن هيكل ما زال فى الخدمة .. إذ ظننت أنه قد ترك الخدمة منذ فترة .

وهذه مواقف فعلية ، وليست تحليلاته التى من الممكن أن نختلف حولها دون أن نملك الاتهام ، لكن هيكل فى أحاديثه للجزيرة حتى الحلقات التى تكلم فيها عن الواقع وعن الامبراطورية الأمريكية عام 2004 ، قبل أن تكون له حلقات ثابت كل خميس على الجزيرة .. هذه الحلقات تحمل من الشبهات ما يشير إلى ما هو غريب عن مفكر ناصرى قومى عروبى .. فقد كان يؤيد مجلس الحكم الانتقالى بالعراق ، ويقول إن السودان لاتصلح دولة واحدة بل أربعة دول ، وأن امريكا ليس لها هدف فى المنطقة إلا البترول ، ثم معاداته الشديدة للسعودية بالذات ومؤسسها عبد العزيز وابنائه .... إلخ ، واشياء أخرى كثيرة لايمكن إجمالها فى عبارة لبراعته فى عرضها .

كذلك انتقاله فجأة من الكتابة إلى التلفاز على دريم ثم على أشهر قناة عربية كالجزيرة ، رغم أنه لايقول جديدا ، فكل ما يقوله قد كتبه بالفعل .

فإذا كان هيكل أكبر من مجرد صحفى ، وأكاد أكون على ثقة بأنه فى مجال صنع القرار ، فمعنى هذا أن حلقاته التى تبث تخدم جهة معينة أو مشروعا معينا .

وهنا أقف .. فليس لدى إلا التساؤل .

1/2/2006

حماس .. والصفعة الثانية .

لعل فوز حركة حماس بالانتخابات البرلمانية ينافس ، إن لم يكن أشد ، فوز الإسلاميين فى عشر دول على الأقل ، وذلك لما تمثله حماس من خصوصية بالنسبة للحركات الإسلامية بذات قدر خصوصية الوضع الفلسطينى بالنسبة لباقى الدول .
فى المشهد الفلسطينى تبرز عدة دروس فى غاية الأهمية ، وفى غاية الوضوح .. بل ربما كان وضوحها فى الساحة الفلسطينية يتضاءل بجانبه أى وضوح لأى ساحة أخرى .

1- أثبتت الانتخابات الفلسطينية أن الحركات الإسلامية أصبحت تملك الشعبية فى الشارع ، وبلا منافس . وبالأمس فقط فاز الإخوان المسلمون رغم محاولات تزوير فى غاية الغباء ، ومن قبلهم فازت الحركات الإسلامية بنسبة كبيرة فى كل من المغرب وتركيا والأردن واليمن والكويت .. وأصبح الإسلاميون هم النتيجة الوحيدة تقريبا التى تسفر عنها صناديق الانتخاب ، على الرغم من الإسلاميين فى عامة الدول العربية محرومون من أبسط حقوقهم فى التواجد الشرعى ، بما يعنى أن هذه النتائج هى النتائج الحقيقية فى صورتها الأدنى .. لأنه مطروح منها نضال الإسلاميين فى سبيل هذه الشرعية القانونية ، وهو بلاشك نضال شغلهم عن الالتفات لجماهير الشارع .

2- وكان فوز حماس فى فلسطين صفعة هائلة لكل نظريات العلمانيين واليساريين وبقايا الشيوعيين والحكوميين فى مصر الذين ملأوا الصحافة المصرية والإعلام المصرى الحكومى نفاقا وتزييفا وتبريرا وتفسيرا لأسباب اكتساح الإخوان المسلمين بمصر ، فأرجعوا هذا إلى رفع الإخوان شعارا دينيا خادعا انخدع به الشعب المتدين بطبيعته وهو شعار الإسلام هو الحل ، ولم تكن تجدى صرخاتنا وسط هذه الآلة الضخمة حين نقول : إنه لم تكن هناك لافتة انتخابية فى مصر كلها إلا وتحمل آيات قرآنية كـ ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) و ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ) و ( وما توفيقى إلا بالله ) ، بل اجتهد الكثيرون فى التمحك بالشعار الإخوانى فخاض بعضهم الانتخابات تحت شعارات ( الإسلام هو العمل ) و ( القرآن هو الحل ) و ( وا إسلاماه ) .. ومع ذلك فشلوا ، بما يثبت أن الشعب اختار الإخوان اقتناعا بهم لا انخداعا بشعارهم ، وإلا لكان انخدع بأكاذيب الإعلام الحكومى وفضيحته فى " حالة حوار " .
يبدو هذا مستحيلا فى حالة الشعب الفلسطينى ، إذ فاز الإسلاميون هناك دون أن يرفعوا شعارا دينيا ، بل كان شعارا سياسيا بحتا وهو ( من أجل شعب حر ووطن محرر ) ، واختارهم الشعب فى سقوط مروع لنظرية انخداع الشعوب بالشعار الدينى .
استمر - كذلك - سقوط نظرية " التصويت الاحتجاجى " ضد فساد الحزب الحاكم - فى مصر - أو السلطة الحاكمة - فى فلسطين - وهى النظرية التى دائما تحاول التقليل من شعبية الإسلاميين فى الشارع بادعاء أن فوزهم كان احتجاجا على الطرف الآخر ، وهى النظرية التى تحولت - بكل صراحة - إلى نكتة فقدت قدرتها على الإضحاك ، فإذا فهمنا أن هناك محتجون ، فإن التلقائى والمنطقى وطبيعة الحال تؤدى إلى تناثر أصوات المحتجين خلف كل التيارات دون تكتلها خلف المرشح الإسلامى وهو مالم يحدث .. إذ شهدت الانتخابات سقوط اليسار بنفس القدر الذى شهدته به سقوط السلطة الحاكمة ، فى دليل آخر على فشل هذه النظرية .

3- حمل فوز حماس - ومن قبله فوز الإخوان - تأكيدا جديدا على سقوط الحركات اليسارية والعلمانية وسائر الاتجاهات التى لم تنبت فى أرضنا العربية الإسلامية ، ورغم استيلاء وسيطرة اليسار على أجهزة الحكم فى عالمنا العربى فترة من الزمان ، وسيطرتهم القديمة والحالية على منافذ الفكر والثقافة فى عالمنا العربى فى تحالف غريب بين الرأسمالية الحاكمة واليسار المثقف .. رغم هذا لم تفلح المناهج اليسارية فى التسلل إلى عقول ووجدان الشعوب العربية والإسلامية والتى ظلت - برغم طول السنين وبشاعة الحملة على الإسلام السياسى - تنتمى إلى توجهها الإسلامى وعقيدتها الإسلامية .. وكان هذا تأكيدا آخر على انفصال النخبة المثقفة عن القاعدة الشعبية العريضة ، والذى يبدو أنه انفصال لم يعد يصلح معه رتق أو عودة بعد أن ركز اليساريون فى العالم العربى حملتهم حول تغيير الثقافة الإسلامية للشعوب فى حين لم يُر منهم انحيازا حقيقيا نحو مصالح هذه الشعوب التى ترزح تحت أمواج القهر والديكتاتورية فى مشهد يؤكد خيانة المثقفين لشعوبهم فى سبيل مطامعهم الشخصية .

4- كان المشهد الانتخابى فى فلسطين يؤكد كذلك سقوط نظريات فراعين العرب وحكامهم حول الشعب الذى يحتاج إلى الديمقراطية بنسب معينة ، حتى لا تصبح فوضى ، وأن الشعوب لم تصل بعد إلى حالة النضج الديمقراطى الذى يمكنها من استثمار مكاسب الديمقراطية ، وليست على درجة من الوعى تسمح لها باختيار الأصلح .
فإذا كانت هذه النظرية فاشلة حتى على المستوى النظرى واشبعها المعارضون ردا ، وبدت كسذاجة طفولية رغم كونها صادرة عن قيادة سياسية حاولت التنظير لديكتاتوريتها ، إلا أن الدرس الفلسطينى كان أكثر نسفا لهذه النظرية ، فهذا الشعب الذى يحتوى على فصائل ولكل منها جناح عسكرى مسلح ، وسلطة ضعيفة نسبيا تعتمد على الأجهزة الأمنية مارس يوما انتخابيا هادئا لم تسمع فيه طلقة رصاص واحدة ، ولا تدخل أمنى وقح .. واثبت أنه شعب واع ويختار فى حرية وهدوء ، ثم تذعن طوائفه المختلفة لهذا الاختيار دون أن تبدأ بالتمرد والتدخل - مع قدرتها عليه - خصوصا السلطة الحاكمة التى وضعت نفسها فى بوابة التاريخ باعتبارها أول سلطة عربية تجرى انتخابات نزيهة وتنزل عن الحكم طواعية رغم بعض الهنات المقبولة هنا وهناك .
وهو عكس المشهد المصرى الذى لم تمض عليه ستون يوما ، حين وجدنا الدولة الهادئة التى تحكمها سلطة مركزية قوية هى التى حفلت بالبلطجة والتزوير المفضوح ، وتدخل الدولة نفسها بكل إمكانياتها الإعلامية وقدرات وزارة الداخلية للتزوير والتلاعب فى النتائج ضد طرف بعينه ورأينا البلطجة الحكومية واعتداءات الشرطة على الناخبين ومحاصرة لجان الانتخاب حتى سميت انتخابات الخمس عشرة قتيلا ممن سقطوا على أيدى أجهزة أمن النظام .
وإزاء هذه المفارقة يمكن القول بأن الشعب واع وناضج ، أما السلطات فهى التى يجب أن تتلقى الديمقراطية فى جرعات !!

5- كان فوز حماس فى الانتخابات يؤكد على استمرار خصائص المقاومة فى الشعوب العربية والإسلامية ، ولا أزال أذكر كيف كانت الدولة فى المشهد المصرى تعبئ كل طاقتها الإعلامية لابتزاز الشعب المصرى وحمله على التصويت ضد الإخوان المسلمين وهو الابتزاز الذى أثبتت النتائج فشله الذريع .. وهو الابتزاز الذى لا يقل عنه ابتزاز أمريكا والاتحاد الأوروبى والسلطة الفلسطينية وتدخلها بوضوح بالتحذير من ان وجود حماس - مجرد وجودها - فى الحكومة يعنى انقطاع المساعدات والمعونات الدولية لشعب يفهم أنه يعيش على هذه المساعدات ، ويعنى إعادة احتلال غزة ، ويعنى تصلب طريق المفاوضات واستمرار اسرائيل فى احتلال الضفة ، ويعنى زيادة الشراسة والوحشية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى ... وكل هذه الحجج والابتزازات فشلت تماما فى تهديد الشعب الفلسطينى الذى لم يدفع فقط بـ " وجود " حماس فى الحكومة ، بل دفعها إلى تشكيل هذه الحكومة كلها - لو أرادت - .
هذه القدرة على المقاومة ، وعلى استقبال التهديد وكأنه لم يكن مهما كانت الجهة التى صدر عنها ولو كانت أمريكا أو الاتحاد الأوروبى .. هى دليل على أن الشعوب لم تمت وأنها مازالت تحتفظ بعزتها بنفسها وإيمانها الداخلى وروحها المعنوية المتصلبة فى وجه الضغوط .. بما يعنى كذلك أن الشعوب نفسها مستعدة - إن لم تكن مصرة - على خوض معركة المقاومة والتحرير ضد الهيمنة الأمريكية والأجنبية بالمنطقة .. وأن الخوف من أمريكا أو الاتحاد الأوروبى أو الجهات الدولية قاصر على طبقة الحكام وطبقة المتغربين بطبعهم ، وطبقة مثقفى أجهزة الأمن والمخابرات فقط لا غير .

6- فى كل الانتخابات فى العالم ، يمكن للشعب الخارج للانتخابات أن يتخذ موقفا انتخابيا " مزاجيا " ، تتغلب فيه روح العاطفة على صوت العقل .. ويقيس الأمر بميزان الفاضل والمفضول والأحسن والأجمل والأليق .. إلا أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحا فى الحالة الفلسطينية ، فالشعب الذى خرج لانتخاب حماس ، خرج وهو يعرف جيدا أن انتخاب حماس معناه زيادة الضغوط الخارجية ، ووقف المعونات ، وربما زيادة عمليات القتل والحصار والتجريف .. خرج وهو يعرف ذلك مسبقا ، فى دليل لا يقبل الشك على أن التصويت لايمكن أن يكون احتجاجيا أو " مزاجيا " ضد فتح ، وأن فوز الإسلاميين فى فلسطين فى كل هذه الظروف والملابسات المعقدة والتى يرتبط فيها القرار الانتخابى بالقتل أو الجوع هو دليل أقوى وأوضح من فوز الإسلاميين فى عشر دول على الأقل .

7- كل تصريحات الإسلاميين سواء فى مصر أو فى فلسطين أو فى المغرب وغيرها قبل الانتخابات لم تكن تتوقع الفوز بهذه الدرجة التى أسفرت عنها الانتخابات ، كذلك اليساريين تماما وإن كانت صدمة اليساريين تفوق فى ضخامتها أى فرحة للإسلاميين بفوزهم .. إلا أن هذا يعنى أنه مازال الإسلاميون واليساريون كذلك يجهلون بعض ملامح شعوبهم والتى اصبحت تأتى من الأفعال ما لا تبلغه التوقعات .. أى أن الشعوب مازالت بها مناطق تحتاج لاستكشاف المفكرين ، ومازالت أرضا بكرا بها كثير من النقاط الحرجة والحساسة التى لا يُعرف - على وجه الدقة - رد فعل الشعوب إزاء الضغط عليها أو التعامل معها .. وهو درس يحمل فى جوفه دعوة لكل التيارات إلى إعادة النظر داخل هذه الشعوب واستكشاف ميولها وطبيعتها من جديد بنظرة أشد عمقا .

8- لا أظن أن دليلا على أكذوبة الديمقراطية الأمريكية اكبر ولا أوضح ولا أقوى من رد الفعل الأمريكى تجاه فوز حماس ، ولا أتصور كيف أن بوش أشاد بنزاهة الانتخابات الفلسطينية ، ثم وفى نفس الخطاب قرر معاقبة الشعب الفلسطينى على دفعه لحركة " إرهابية " لتشكيل الحكومة .. إذن : الديمقراطية الأمريكية هى أيضا لها نوعيات محددة تماما مثل الحكومات الديكتاتورية فى العالم المتخلف التى تفصل شروطا معينة لوجود أحزاب تمنع بها حركات شرعية من الوجود الرسمى ، فعلى الذين تخيلوا أنه يمكن الاستعانة بأمريكا لإزاحة طواغيت العرب تحت عنوان " تقاطع المصالح " أن يراجعوا حساباتهم ليتأكدوا أن الخيار الأمريكى لن يكون الأفضل ، ولن يكون المعبر عن رأى الشعوب .
9- منذ فترة تسيطر على فكرة سيئة الطالع ، تزداد مع الأيام قوة ، وتغذيها الأحداث فى عقلى .. وهى أن الشعوب الحية فى عالمنا العربى هى التى تعيش بلا سلطة كفلسطين والعراق ، ففلسطين التى حقق مقاتلوها بأقل الإمكانيات توازن الرعب مع اسرائيل الدولة القوية المدعومة .. كذا العراق الذى لم نكن نسمع له صوتا يوم أن كان له سلطة اصبح اليوم بؤرة مقاومة مذهلة وعنيفة للمحتل الأمريكى .
وكأن الحكام استطاعوا بالفعل إنهاء مظاهر الحياة فى هذه الأمة التى لا تزال حية فعلا ، فلم تحدث فى العالم العربى انتخابات حرة ونزيهة كالتى حدثت فى فلسطين والعراق ... فهل سيأتى علينا اليوم الذى نتمنى فيه الاحتلال ؟


1/2/2006

ليس المهم أنا .. المهم البقرة .


ستظل الصور أبلغ من أى كلام ، ومهما أوتى الكاتب من براعة فى الوصف فلن يبلغ التأثير فى النفس ما تبلغه الصورة .
والصورة اليوم هى صورة امرأة عجوز من الصومال التى تجتاحها مجاعة قاسية ، ولا أشك فى أن أغلب القراء قد رأى من مشاهد المجاعات ما يجعله فى غنى عن الاستمرار فى القراءة ، لكن هذه المرأة التى كانت تستنجد بالمارة لكى تستطيع الرحيل .
ففى ظل المجاعة هلك كل شئ ، وبات الناس عظاما تكسوها طبقة رقيقة من الجلد تكاد تكون شفافة فكأنك ترى العظام باللون الأسود أو البنى الذى يميز الأفارقة ، والناس - بعد فناء كل شئ - يهاجرون من بيوتهم ليستقلوا مراكب متهالكة هى الأخرى لتنقلهم إلى اليمن عبر البحر الأحمر أو عبر الخليج ، وتتعرض هذه المراكب المحملة فوق طاقتها إلى الغرق ، فيكونون قد هربوا من الموت جوعا إلى الموت غرقا .
ولا عزاء .
كأنما هم كلاب أو ذباب .
بل الكلاب فى الغرب أحسن حالا ، ولهم منظمات رفق تسأل عنهم .
المهم .. هذه المرأة توقفت فى منتصف الطريق لاتستطيع الاستمرار فى هجرتها لأن بقرتها وهى كل رأس مالها قد أنهكها الجوع فماعادت تستطيع السير ، بل ولا عادت تستطيع الوقوف .. فانهارت إلى الأرض فى صمت .
ووقفت العجوز التى ليست إلا عظام متراكبة لاتدرى ما تفعل ، ثم جلست إلى جوار بقرتها .
ثم بدأت فى النداء على العابرين عليها لا لكى يساعدونها هى ، بل لكى يقيموا هذه البقرة التى ركدت على الأرض فى صمت .
مأساة أن تتلخص الحياة فى بقرة .
ومأساة الجوع الضارى القاسى العميق .
والبقرة تنظر فى صمت بليغ إلى هذا العالم عبر هذه الشاشة .. وكم فى الصمت من معان !!

واجتمع الناس ليرفعوا البقرة ، وحاولوا .. ثم حاولوا ، لكن الجوع كان أقوى منهم .. فانهارت البقرة مرة أخرى .. انهارت فى صمت .
ولم يجد العابرون سبيلا ، فذهبوا ..
وظلت البقرة راكدة فى صمت ، بجوارها عجوز توشك على الموت .

كان هذا مشهدا أذيع بالأمس ، ترى أكانوا حين أذيع أحياء ؟؟؟
أم تراهم اليوم أحياء ؟؟؟
وعاش المتخمون أمام التلفاز يأكلون ويتمتعون .
مأساتهم .. أنهم فقدوا معنى الإحساس فى أعماق الإنسان ، إنهم جمادات بلا روح ، تلتهم وتلتهم وتشبع وترتوى .. ولم يزرع فيها سلوك الإنسان معنى الإنسان .
كيف الحياة حين تتلخص فى بقرة ؟؟
وكيف الحياة حين تقرر البقرة مصير البشر ؟؟
وما تلك المعانى الصامتة التى انسالت من عينى البقرة ؟؟

ماذا سأقول لله حين يسألنى عن هذه المرأة التى رأيتها ، ومالم أره بالتأكيد أقسى ؟
ماذا سأقول ؟
ماذا سأقول ؟

لا أجد إلا مقالة المنافقين القاعدين عن الجهاد ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ) .
ولاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم .


27/1/2006

الاثنين، فبراير 06، 2006

وزارة الكلاب والذئاب .. الداخلية سابقا .

لا يمل الكلاب والذئاب فى وزارة الداخلية من إبداع الجديد فى عالم العار ، إنه انحطاط مذهل يفوق كل الخيال والتصور .. إبداعات لا تترك لهم اى لمحة من لمحات البشرية ، لقد تحولوا بكل معانى الكلمة إلى اشياء منحطة .. ولا أدرى هل لفظ ( أشياء ) مناسب أم لا ؟ .. فحتى لفظ الكلاب والذئاب لم استعمله إلا لأنه يعنى التوحش والانحطاط .. لكن على وجه اليقين تظل عوالم الكلاب والذئاب والضباع أشرف ملايين المرات من بشر فقدوا كل صفات البشرية .

فى عدد الدستور الأخير نقل عمرو سليم حوار جريدة المصرى اليوم عدد السبت قبل الماضى مع والد المتهم محمد على ، المتهم فى جريمة بنى مزار بالمنيا .. وهو الحوار الذى كشف فيه الوالد كيف تم أخذ ابنه من البيت وتم تعليقه وتعذيبه وجلده لساعات متواصلة حتى يعترف المتهم بارتكابه هذه الجريمة والتى لايمكن لبشر لديه ذرة من العقل أن يصدق أن من ارتكبها فرد واحد فضلا عن عشرات الأدلة التى يعرفها كل الناس وتؤكد استحالة قيام هذا الشخص بها .. لكن الشاب ظل متماسكا لم يعترف ، فكان أن تم القبض على أبيه وعلى أمه ، ثم على أخيه ، ثم على زوجة أخيه وأخواته الإناث .. وحكى الأب عن زوجة الأخ أنه اثناء جرجرتها من بيتها سقط منها طفلها البالغ من العمر ثمانية شهور فقط .. وصرخت الأم وحاولت الإمساك بطقلها ، وصرخ الطفل الذى ينظر لهؤلاء الكلاب الهمج ولا يفهم ما يحدث .. صرخ الطفل باكيا .

لكن قلوب هذه الكائنات المنحظة الحقيرة لم ترحم لا صراخ الأم ولا صراخ الطفل ، وتم سحب الأم حتى القسم .

وأمام الشاب ، صربوا أمه ثم اباه ، لكن الشاب كان بطلا .. بطلا فعلا ، فكيف يحتمل شخص هذه الضغوط ولا يرضخ .. كان بطلا ولم يعترف ، واستمر الجلد والتعذيب كما يحكى الأب .

فكان أن أتوا بأخواته الإناث وزوجة أخته .. وهددوه أنه إن لم يعترف ستتم تعريتهم واغتصابهم امامه مباشرة .

واعترف محمد على خوفا على شرف البنات كما يحكى الأب .

يقول الأب أيضا أنهم عرضوا عليه استخراج شهادة من مستشفى الأمراض العقلية تفيد بجنون محمد على ، ووعدوه - ان اعترف - بأن يخرجوه من القضية سالما ، ثم سمع الاب مخبرا يحكى لآخر عن المعاناة التى رآها فى تسلق الجدار لكى يعلم محمد على كيف يصعد الجدار أمام الكاميرا التى ستصوره على اعتبار أنه اعترف بالجريمة وقام بتمثيلها .

****

هناك فارق ضخم بين الحقيقة والخيال ، وبين الماضى والحاضر .

ما قرأته فى كتب التعذيب فى سجون عبد الناصر ، وفى سجون الأردن وسوريا ، وما قرأته من كتب من استقال من الخدمة العسكرية وهى غالبا كتب صودرت وآخرها كتاب العميد محمود قطرى .. ما قرأته كان أبشع ألف مرة من هذه القصة .. لكن معرفة أن هذا تم فى الزمن الماضى ، او فى أماكن بعيدة جدا تلقى بلوحات من الثلج على الشعور الملتهب الغاضب .

فإذا علمت أن هذا يجرى الآن فى هذه اللحظة ، وفى مكان لا يبعد سوى كيلومترات ، ركبك الجنون .. كيف تمضى اللحظات على هؤلاء البشر ، كيف يشعرون بطعم الزمن ؟؟

كان الله فى عونهم .. كان الله فى عونهم .. كان الله فى عونهم .

وبعدها بساعات .. كانت مذبحة اللاجئين السودانيين .. نفذتها مجموعة أخرى من هذه الكائنات المنحطة والحقيرة ضد العزل الفقراء اللاجئين .

ولا يمكن بأى حال عذر الكلاب الصغار من جنود الأمن المركزى على اعتبار جهلهم الذى ليس من ذنبهم ، لأن القتل والضرب بهذه الشراسة ليس طبعا إنسانيا بل هو طبع حيوانى مجرم يعتمد على النهش والافتراس دون أى تفكير .. هؤلاء مهما كان جهلهم رضوا أن يكونوا عبيدا - بكل معانى الكلمة - أو كلابا - بالمعنى الحرفى - إذ ينطلقون بناء على أمر الكلب الأكبر مكشرين عن أنيابهم ومخالبهم .. تنفيذا لسياسة كلاب اكبر وأكبر .

ولا أعرف أنه حتى الكلب كان يفترس كلبا آخر فى بساطة وفى متعة ، مما يؤكد أنهم كائنات لا أعرف لها اسما مناسبا .. كائنات جمعت معانى الانحطاط والحقارة والوحشية والسفالة ، ثم ركزتها على هيئة بشر آدمى كسائر البشر .

ثم إننى أنظر بريبة شديدة للدول الغربية والصحافة الغربية التى سكتت سريعا وعلى غير المتوقع أبدا من جريمة اللاجئين السودانيين ، فهل كان الأمر باتفاق عالمى ؟؟

وإذا كان باتفاق عالمى .. فماهو الهدف منه ؟؟ هل يريدون مثلا نسف كل ماتبقى من علاقة باهتة بين شعوب مصر والسودان ؟؟ ... لا أدرى فى الحقيقة ، ولا يمكننى أن أخمن فى أمر لا املك أى شئ من خيوطه ... لكن يلح السؤال .لماذا سكت الغرب وصحافة الغرب على جريمة كهذه ؟؟


اى عالم هذا الذى نحن فيه ؟؟؟؟؟؟؟؟
ارحمنــا يارب .


31/1/ 2006

التعليم فى زمن السلام .

صدمنى نبيل عبد الفتاح صدمة لا أتوقع أنى أنساها فى القريب ، فقد كتب - وهو باحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - فى مقاله بجريدة الدستور 18/1/2006 يحلل الترتيب الذى حصلت عليه الجامعات المصرية بين الجامعات الإفريقية (( أؤكد )) الإفريقية .. الإفريقية فقط .

وأورد أرقام هذا الترتيب ، الذى ليس بين يدىّ الآن حيث سجلت الأرقام فى ورقة لا أجدها الآن ، لكن جامعة القاهرة حصلت على الترتيب ( 28 ) بين الجامعات الإفريقية .. تخيلو ، جامعة القاهرة التى أظن أنها أول جامعة فى إفريقيا أو من أوائل الجامعات بحد أدنى تحصل على الترتيب 28 بين جامعات إفريقيا .

المدهش أن إفريقيا التى نتخيلها ليل نهار على أنها بلاد الفقر والأمية والجهل والمرض والمجاعات والحروب الأهلية .. هذه الإفريقيا تحتوى على 27 جامعة تتقدم على امعة القاهرة بكل تاريخها وثقلها التاريخى ، حيث كانت جامعة القاهرة حتى القريب مأوى طلاب الدول العربية والإفريقية الوحيد تقريبا .

لا أعرف من دول إفريقيا دولا متقدمة أتوقع أن أجد فيها تعليما مزدهرا إلا جنوب إفريقيا ودول المغرب العربى مثل تونس والجزائر والمغرب .. أما غير هذه الدول فلم أكن أتوقع أن بها جامعات على هذا المستوى .

يا للمأساة .. جامعة القاهرة فى المركز 28 بين جامعات إفريقيا .

والله إنها فضيحة أشد من فضيحة الصفر التعليمى التى حدثت منذ سنتين تقريبا ، حين أجرى فى الصين سباقا بين جامعات العالم وتم اختيار أفضل 500 جامعة على المستوى العالم ، ففشلت أى جامعة مصرية فى الحصول على أى مركز ، بينما حصلت سبع جامعات من اسرائيل على ترتيب بين الـ 500 جامعة .

فإذا كان من الممكن أن نبتلع المرارة تجاه هذا الخبر ، فكيف نبتلعها فى فضيحة الجامعات الإفريقية ؟؟ ماهى الحجج أو المبررات التى من الممكن أن نقنع أنفسنا بها للفشل على المستوى الإفريقى ؟؟؟

هذه المآسى المتكررة تلقى الضوء على ثلاث دروس :

1- أن منهج السلام أو الاستسلام الذى مارسته مصر منذ السبعينات وهى تدفع الحجج بأن السلام هو الذى يصنع التقدم والرخاء والازدهار .. هذا المنهج ثبت فشله ، فهذه اسرائيل التى تقاتل على ثلاث جبهات استطاعت جامعاتها أن تنافس على المستوى العالمى .

2- أن حالة الاستقرار - كما يسمونها - السياسى لا تؤدى كما قالوا إلى حال أفضل من حال الدول التى يتم فيها تغيير الحكومات كل فترة .. فإسرائيل التى تغير حكوماتها على الدوام ، كذا أمريكا وغيرها من دول العالم المتقدم استطاعت التقدم وسط هذه التغييرات ، بينما بقينا مع استقرار حكامنا مستقرين فى القاع .

3- أنه لايمكن وجود إصلاح اقتصادى قبل الإصلاح السياسى .. فالواقع يثبت ان الفساد طال الاقتصاد بعدما عشش فى السياسة ، ثم طال بالتالى التعليم والصحة والتنمية و كل ما يتبع .



31/1/2006

هيـــكل فى المحرقة .

فزعت حينما وجدت خبرا فى صحيفة الأسبوع العدد قبل الماضى يقول إن الكاتب الكبير حسنين هيكل كان فى حفل افتتاح معرض لوحات الوزير فاروق حسنى الشخصى .. وأبدى الخبر اهتماما بهذه الزيارة التى جاءت من هيكل خصوصا وان الوزير من أشهر فنانى الرسوم التشكيلية وتحقق لوحاته مبيعات هائلة فى كل أنحاء العالم .

وبعيدا عن هذه النبرة الغريبة فى الأسبوع تجاه الوزير فاروق حسنى الذى شنت الصحيفة فى السابق حملات ضده خصوصا فيما يتعلق باختفاء قطع أثرية مهمة من متاحق مصر .. فأصبح الآن واحد من اهم الفنانين .. بعيدا عن هذا .. أليس السيد هيكل ناصريا ؟؟

والناصريون هم أكثر من يصرخوان لصالح المواطن الفقير ، ولصالح الثقافة المستنيرة ، ولصالح التحام الحاكم بالجماهير ... فأين فاروق حسنى من كل هذا ؟؟

ولم تزل المحرقة التى راح فيها العديد من شباب المسرح ورواده لم تنطفئ بعد ، والتى يسأل عنها السيد الوزير الفنان ؟؟

ثم إنه ليس نشاطا ثقافيا عاما ، بل هو معرض لوحات شخصى .. بما يعنى ان الكاتب الكبير كان يجامل الوزير نفسه .

ترى مالذى تغير ؟؟

31/1/2006

الخميس، فبراير 02، 2006

يوم مع أمن الدولة .

حينما كنت أكتب مقال ( نعمان جمعة .. مكافأة نهاية الخدمة ) لا حظت أن شابا أسمر اللون يقف من خلفى فى السايبر ويتابع ما أكتب ، التفت إليه :

- فيه حاجة ؟
- لا لا .. انا بس باشوف الأجهزة شغالة ولا لأ

تركته وواصلت الكتابة ، لكنه عاد إلى التمركز من خلفى ، ثم نزل برأسه قائلا :

- بس انت كدة بتشتمه ؟
- أيوة
- طيب ليه ؟
- رأيى
- لا .. صح .. كلامك صح .. تمام والله

سكت هنيهة ثم قال :

- بس انت وفدى ؟
- لأ .. بس متابع يعنى .. مش لازم اكون وفدى علشان انتقده
- صح .. صح

سكت هنيهة ثم قال :
- بس كلامك تمام .. عشرة على عشرة
- شكرا
- بس انت اسمك إيه ؟
-ليه ؟
- لا .. أبدا .. نتعرف بس
- محمد إلهامى
- لكن انت بتكتب ده لمين ؟
- ابدا .. دى المدونة بتاعتى .. وباكتبها فى مواقع ومنتديات
- ربنا يوفقك
- شكرا

انتهى الحوار الذى دار من ناحيتى فى جو من الشكوك والتساؤلات ، لكنى أردت أن أنفى كل هذا وأواجه أى احتمالات بشجاعة .

لم يلبث قليلا إلا أن خرج من السايبر ، فانطلق واحد من الجالسين ( عرفت فيما بعد انه خرج قريبا من السجن ) ليقول :
- هو انت كنت بتكتب إيه ؟
- ليه ؟ هو الراجل ده تبع حاجة ولا إيه ؟
- ده أمن دولة

قلت متعجبا :
- والله كنت عارف

ثم التفت إلى صاحب السايبر :

- فيه مشكلة انى اكتب كلام زى ده ؟
- لا يابيه .. المشكلة عندى انا مش عندك انت .
- إزاى يعنى ؟
- المفروض ان انا اللى ابلغ .. يعنى اشتغل جاسوس

أغلقت الجهاز قائلا :
- خلاص .. طالما هاعمل لك مشكلة

حاول الرجل أن يبدى اعتذاره قائلا :
- لا يابيه .. مش قصدى والله

امتصصت غضبة مازحا :
- لا ما تخافش .. هادور على واحد لسه ما تجندش
- لا والله .. ما أظنش

ثم قال فى مفاجاة :
- هو انت إخوان ؟
صحت بدهشة :
- ليه يعنى ؟
- أبدا .. سؤال بس
- لا ياسيدى .. مش إخوان .. لكن انا شايف انهم ناس كويسين
- وحتى لو كنت .. دول 77 عضو فى مجلس الشعب


وخرجت من السايبر ، أفكر فى حال هذا البلد المطحون .

وصلت إلى البيت فى الثالثة إلا الثلث عصرا .. وعرفت أن صديقى ( السندباد ) ترك لى رسالة مع أخى الأصغر يقول إنه يريدنى فى موضوع هام .. لكنه يشدد على ألا أتصل به .

بعد دقائق اتصل بى السندباد يريد مقابلتى ، فنزلت إليه ليخبرنى أنه بالأمس ( يعنى يوم 30/1/206 ) عرف من جيرانه أن مندوبين من مباحث أمن الدولة جاءوا إلى الشارع فى تحريات عنى وعنه معا
ورأى السندباد أن يخبرنى .

حكيت للسندباد على ما حدث من دقائق فى السايبر ، وتضاحكنا .. ثم مضى .

والحق أنى كنت محتاجا لمثل هذه المواقف إذ أنى غرقت الأيام الماضية فى عالم الأخبار مما أثر على ارتباطى بالله وأوراد القرآن وما شابه .

نسيت أن اخبركم أنى أعتقد أنهم يصنفوننى على أنى ( إخوان ) وهذا ما عرفته من استدعاء سابق كان منذ سنوات .. والحمد لله لم يزد عن بعض الصفعات والركلات فقط .. لم أعرف إلا حينها مدى احتمال الصحابة للأذى فى سبيل هذا الدين وهذه الدعوة .


******

لا أدرى لماذا لا يمكن لأحد أن يتفهم أنه يمكن أن يوجد متعاطف يعبر عن رأيه دون أن يكون لازما كونه ينتمى تنظيميا .. وأنا متأكد بنسبة 100 % أن هذا بناء على توصية من الكلية لوجودى الدائم فى فعاليات طلاب الإخوان حول فلسطين والعراق والإصلاح .

قبل هذه الوقائع بأيام - ويا للقدر - كنت أفكر مع نفسى : ترى لو تم اعتقالى الآن من ذا الذى يمكن أن يدافع عنى ؟

الإخوان .. لا .. وإن كنت من المتعاطفين معهم ، إلا أنهم ليسوا مجبرين على الاهتمام بكل إنسان ، ولديهم من المشاكل والمسؤوليات ما يغنيهم ويكفيهم .

عالم المدونين .. لماذا .. إننى مدون بسيط ، فى مدونة خاملة ، كما أنى لم أشارك معهم فى فعالياتهم صحيح لأن ظروفى لم تسمح لكن المحصلة أننى لا أعرفهم ولا أتفاعل معهم ؟

اصدقائى .. للأسف علاقاتى الاجتماعية قليلة لأن طبيعتى ليست اجتماعية ، بما يعنى أن هذه الصداقات لن تغنى شيئا .

إذن .. لابد أن ابحث فى عائلتى على أهل النفوذ ، أو معارف الأصدقاء من أهل النفوذ الذى يمكن أن يتدخل فى مثل هذه المواقف .. لكن .. العائلة بسيطة والحمد لله وبلا معارف من اهل النفوذ المتنفذين جداالذين يمكنهم التدخل فى مثل هذه المواقف .

***

إذن .. لم يبق لى إلا الله .. الملك الأعظم والمهيمن الجبار .. القوة التى لا تقهر ، العظيم الذى يمكنه أن يغير قوانين الكون كله بلفظة ( كن ) .. سبحان الله .. الملجأ الأول والأخير ، و الأرحم بعبده من الأم بولدها ، والعالم بما كان وبما سيكون وبما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

الله الذى قدر الأقدار وصرف الأمور وملك القلوب كلها بيديه .

اللهم ، يا ربى ، يا ملاذى وملجأى ..

اللهم اكفنيهم كيف شئت وبما شئت إنك على كل شئ قدير
اللهم اعطنى إيمانا راسخا أعلم به أنه لن يصيبنى إلا ما كتبت لى ، وبه أستطيع مواجهة الدنيا جريئا لا أخاف إلا منك ولا أخشى أحدا غيرك .

اللهم هون هذه الدنيا فى عينى حتى لا أضع كلمة الحق فى كفة معها .
اللهم لا تفتنى ، لكن ثبتنى عند الفتن .

يا أرحم الراحمين .. عافيتك أوسع لى .