الجمعة، يناير 11، 2019

مذكرات الشيخ رفاعي طه (10) أخفقت خطة إقامة الدولة الإسلامية عند أول عقبة


مذكرات الشيخ رفاعي طه (10)
من مؤسسي الجماعة الإسلامية المصرية
أخفقت خطة إقامة الدولة الإسلامية عند أول عقبة

·      أول أيامي في الجامعة كان هو يوم 6 أكتوبر 1973م.
·      لم نصدق أننا عبرنا القناة إلا حين أذاعت الخبر الإذاعات الأجنبية
·      انتبه اليسار مبكرا إلى أن حرب أكتوبر كانت حرب تحريك لا تحرير

سجلها عنه وحررها: محمد إلهامي

لقراءة الحلقات السابقة:
الحلقة السادسة: قصتي مع التصوف
الحلقة السابعة: قصة ثورة في المدرسة

وقعت حرب أكتوبر في أول أيامي بالجامعة..

ولكن قبل أن أنتقل إلى هذا اليوم، ينبغي أن أذكر مصير المجموعة التي كوَّنْتُها في المدرسة والتي سمَّيْناها "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، تلك المجموعة التي رويت سابقا كيف أننا بنيناها على حلم بسيط واضح: أن ندخل إلى الكلية الحربية، لننفذ فيما بعد انقلابا عسكريا ونقيم الدولة الإسلامية، مثلما فعل عبد الناصر لما أسس دولته بانقلاب على الملكية ولم يكن إلا مجرد ضابط!

بلغت هذه المجموعة خمسة عشر طالبا، وبمجرد ظهور نتيجة الثانوية العامة نفذنا جميعا بلا استثناء الخطوة الأولى: التقدم بطلبات الانتساب للكلية العسكرية: الكلية الحربية والكلية الفنية العسكرية وكلية الشرطة، كنتُ أنَسِّق وأتابع، لكن اختيار هذه الكليات كان متروكا لكل شخص بحسب ما يرى من مواهبه وميوله.

لكن لم يفلح إلا واحد فقط في الانتساب للكلية الحربية!! وتفرق البقية، اثنان دخلا كلية الطب، أحدهما هو د. منصور عبد الحميد الذي يشغل الآن رئيس جامعة أسوان، وقد استمر الرجل متدينا وإن لم يكن "إسلاميا" بالمعنى الحركي. والآخر هو عبد الحميد لا يحضرني اسمه كاملا وهو الآن عميد لكلية الطب جامعة أسيوط، والتحق أحمد سالم –رحمه الله- بكلية العلوم وصار فيما بعد رئيسا لقسم الجيولوجيا بالكلية، وكان قد أَمَّل أن يدخل قسم الرياضيات ولكن لما قضى الله بافتراقنا الدراسي دخل الجيولوجيا، وثمة أخ أيضا اسمه سمير التحق بكلية الهندسة وانقطعت عني أخباره، والبقية لا أذكرهم الآن.

كان خروج الجميع لاعتبارات تتعلق بالطول أو بقوة النظر أو باختبارات في كشف الهيئة، والأهم من ذلك أن دخول مثل هذه الكليات كان يتوقف على قوانين أخرى غير مكتوبة، وهي الأقوى والأولى: تلك هي قوانين الوساطة والمحسوبية، ولم يكن لنا من وسائط بطبيعة الحال.

وهكذا تعطلت خطتنا الطموحة في إقامة الدولة الإسلامية عند المطب الأول، ومن هنا تفرقت السبل بالمجموعة بين الكُلِّيَّات، ومرَّت السنة الأولى علينا وقد أخذتنا رهبة الكلية ودَوَّامتها، وكان أولئك الذين دخلوا إلى الطب والهندسة هم الأكثر انشغالا، وقد انشغلت أنا في مسألة إعادة الثانوية العامة بالإضافة لأمور الكلية التي التحقت بها. لقد كان أولئك الشباب متفوقين، والجامعة في سنواتها الأولى تطرح تحديا على المتفوق، الذي يختبر تفوقه حقا بين أقرانه ونظرائه المتفوقين الذين دخلوا معه إلى نفس الكلية، وعادة ما تكون الاستجابة لدى المتفوق أن ينغمر في هذا التحدي الجامعي!

لم يكن لأيٍّ منا في هذه السنة نشاط جامعي يُذكَر، ولا خطر ببالنا أن نكون عناصر قيادية، وإنما كنا نشارك فيما هو موجود، ولم يزل اليسار في تلك الفترة هو صاحب اليد العليا في الساحة الطلابية.  ظل التفكير في قلب نظام الحكم حاضرا في عقولنا وقلوبنا لكن السنة الأولى بأحداثها –التي سأذكرها لاحقا- شغلتنا.

وأما الذي التحق بالكلية الحربية فقد انفصل عنا فيما بعد، وآخر اتصال بيني وبينه كان وهو في رتبة الملازم أول، وكنت متابعا لأخباره، وغالب ظني أنه لم يخرج إلى المعاش بعد، إلا أنه على أبواب الستين الآن[1] وليس ثمة داع لذكر اسمه، إلا أن انشغاله عنا كان مُضاعَفًا: غمرة الكلية وسطوة الاتجاه الجديد الذي تفرضه مناهج التربية والتأطير والتشكيل العسكرية السلطوية الدولتية، والتي لا يكاد ينجو أحد من تحولاتها الجذرية.

لم نستفق من غمرة السنة الأولى إلا في إجازة منتصف السنة، عقدنا أول اجتماع فيما بيننا، بمن فيها هذا العضو الوحيد الذي استطاع الالتحاق بالكلية الحربية، وشهد هذا الاجتماع تحولا في مسار الحلم الطموح، فقد طرح أحمد سالم فكرة تقول: لئن كنا أخفقنا في الدخول للكليات العسكرية فيجب أن تكون مهمتنا القادمة التفوق في الكلية حتى الوصول إلى رتبة الأستاذ الجامعي، فيجب علينا جميعا أن نكون أساتذة جامعيين، لكل منا دوره المؤثر في التغيير من خلال موقعه المرموق، ومهما يكن فإن الأستاذ الجامعي لا يقل أهمية عن ضابط الجيش أو ضابط الشرطة.

تداولنا النقاش حول هذه الفكرة، وكان ثمة ميل عام إليها، أو نستطيع أن نصوغ الأمر بعبارة أخرى: كان هذا الاجتماع هو الذي تحولنا به من المنهج الثوري التغييري إلى المنهج الإصلاحي المهادن، ثم سارت بنا أودية الزمان فانتهى معها المشروع الإصلاحي أيضا.

أستطيع القول الآن أن هذه كانت المحاولة الأولى غير الناجحة في تجربتي الحركية.

وأعود من ذلك الاجتماع في منتصف العام الدراسي الأول إلى بداية العام الدراسي، ومن المجال الخاص إلى المجال العام.. لقد كان أول أيامي الجامعية هو اليوم المشهود في التاريخ المعاصر: 6 أكتوبر 1973م.

ذهبت إلى الجامعة يوم 3 أكتوبر، حصلت على سكن خارج المدينة الجامعية، ضمن "رابطة أبناء قنا" في محافظة المنيا، وذلك لأن سني أكبر من من الصف الدراسي، وقد ذكرتُ سابقا أنني دخلت الصف الثاني الابتدائي وكان من المفترض أن أدخل إلى الصف الثالث الابتدائي، فبَقِيَتْ فترة الأشهر الستة الزائدة حتى منعتني من التسجيل في المدينة الجامعية كما كان النظام المتبع في ذلك الوقت.

أنهيت إجراءات الالتحاق بالجامعة، ثم حضرنا حفل الافتتاح في يوم السادس من أكتوبر 1973م، وكان هذا الحفل تقليدا تتبعه جامعة أسيوط، يتجمع الطلاب الجدد في صالة الألعاب الرياضية ويخطب فيهم رئيس الجامعة وبعض الأساتذة، وكان رئيس الجامعة في ذلك الوقت محمد حمدي النشار وكان خريج كلية التجارة، وانتهى الاحتفال، وأثناء رجوعنا إلى البيوت كنا نرى حالة غليان في الشارع عند الساعة الثانية وعشر دقائق، يصيح بعض الناس: قامت الحرب! ونسأل: أي حرب قامت؟! وكنت حينها في أتوبيس خاص بالجامعة ينقل الطلبة بين مباني الجامعة القديمة ومبانيها الجديدة، حتى إذا مررنا على كُشْكٍ صغير كنا نشتري منه الجرائد والمشروبات الغازية نزلتُ من الأوتوبيس وتوجهت إليه حيث اجتمع الناس عنده، وكان صوت المذياع بدأ يصدح بالبيان الأول بعد حرب أكتوبر.

كبَّر الناس جميعا، وكبَّرْنا، وكان أغلب هذا الجمع من الطلاب، وفورا وبتلقائية كنا نقول: يجب ألا تنتهي هذه الحرب إلا بتحرير فلسطين،  وسرعان ما تطور هتافنا وهتاف الناس معنا: إلى فلسطين إلى فلسطين. وفي اليوم التالي كانت الخطابات الإعلامية الرسمية تتجاوب مع هذه المشاعر وتتحدث عن فلسطين وتحريرها، وكانت من أروع لحظات ارتفاع الروح المعنوية لدى الشعب المصري، بل ربما لا تشبهها لحظة أخرى، وبلغت الثقة بالجميع أن هذه المعركة هي معركة تحرير فلسطين.

كان كبار السنّ أكثر ترددا وإحجاما عن مشاركتنا هذه الفرحة، لم تزل ذكرى نكبة يونيو 1967 راسية في صدورهم، يتذكرون حين سمعوا أنباء إسقاط الطائرات المتكررة ثم استيقظوا من الوهم اللذيذ على الواقع المر، كان لسان حالهم ومقالهم: وما يدريكم لعل إسرائيل هي التي هاجمت ونحن الذين نندحر. لكن هؤلاء انضموا إلينا حين بدأت الإذاعات العالمية –مثل: بي بي سي ومونت كارلو وصوت أمريكا، وهي الإذاعات الثلاث التي كانت مشهورة في ذلك الوقت- تنقل خبر المعركة وتؤكد أن القوات المصرية ضارت في الضفة الشرقية من قناة السويس، وهكذا كان اليوم التالي يوما اجتمعت فيه مشاعر الناس صغيرهم وكبيرهم على الفرحة العارمة والأمل الكبير.

ما لبثت أن جاءت الأخبار بما لا تشتهي السفن، ليست إلا أياما حتى صدر قرار وقف إطلاق النار واستجابت له الحكومة المصرية، كان وقف إطلاق النار طامّة نزلت على الناس في مصر، لم يكن منهم من يؤيده، ولم يكن منهم من يتوقعه.

ومما يُحسَب لليسار هنا، والذي كان غالبا على الساحة الطلابية وعلى مجمل الحالة الثقافية والإعلامية في مصر، أنه أعلن أن حرب أكتوبر بهذا الشكل إنما هي حرب تحريك لا تحرير، وقد كان السادات بعد عشرة أيام من بداية الحرب قد أعلن في خطابه الشهير (16 أكتوبر 1973م) عن استعداده للسلام ولحضور مؤتمر دولي للسلام سيُقنع القادة العرب والفلسطينيين بحضوره، وقد حاول السادات أن يبدو في هذا الخطاب كالمتحدث من موقع القوة وبدا أنه مصدوم من الموقف الأمريكي وألمح إلى خطورة الوضع بعد الجسر الجوي والبحري الأمريكي المتدفق لدعم إسرائيل. وقد شكَّل هذا الخطاب صدمة للجماهير في مصر التي لم يكن منها أحد مستعدا لسماع قبول وقف إطلاق النار فضلا عن الحديث عن سلام بين العرب وإسرائيل. لكن أحلام الشعوب كانت في واد وحركة السياسة كانت في واد آخر، فقد عملت سائر القوى الدولية بما فيها الاتحاد السوفيتي على وقف إطلاق النار، وفيما بعد حدثت الثغرة وبدأ انقلاب الموقف العسكري لصالح إسرائيل التي بدا أنها قد استوعبت المفاجأة وامتصت الصدمة وبدأت في التقدم من جديد.

نشر في مجلة كلمة حق 


[1] سجلت هذه المذكرات في صيف 2015م.

الاثنين، يناير 07، 2019

هل انهار الوضع المالي لمصر في العهد العثماني؟


يجب التنبيه بداية إلى أمرٍ لا يُذكر عادة في السجال العربي الدائر حول العهد العثماني، وهو أن العثمانين لم تحركهم أطماع اقتصادية لاحتلال الولايات العربية التي كانت خاضعة في ذلك الوقت للدولة المملوكية، بل إن العثمانيين منذ نشأتهم لم يتحركوا في توسعهم إلى الشرق وإنما إلى الغرب حيث فتحوا البلاد البيزنطية فيما ظلت ولايات الأناضول المسلمة منقسمة بين عدة إمارات شبيهة بعصر ملوك الطوائف، وهو العصر الذي بدأ مع ضعف ثم انهيار دولة سلاجقة الروم.

إلا أن أخطر ما تعرض لهم العثمانيون إنما جاء من الشرق، وابتدأ ذلك منذ العاصفة المغولية التي قادها تيمور لنك وتسببت في انتكاسة كبرى للدولة العثمانية التي كادت وقتها تفتح القسطنطينية فإذا بتيمور لنك يهزم بايزيد الأول سلطان العثمانيين بل يأسره مما عطل فتح القسطنطينة نصف قرن بل وشتَّت الدولة لأكثر من عقد حتى تمكن ابنه محمد الأول من إعادة توحيدها، ثم جاء الخطر الكبير الثاني المتمثل بالصفويين وأولئك الذين اضطر سليم الأول إلى التوسع شرقا لمحاربتهم، وهي الحرب التي تحالف فيها المماليك مع الصفويين فما إن انتصر سليم الأول على الصفويين حتى استدار ليحارب المماليك. وفي أثناء استدارته تلك وجد رسائل من أهل حلب تدعوه فيها لتخليصهم من المماليك، وهي الرسالة المشهورة المحفوظة في الوثائق العثمانية، ومن هنا ابتدأت الحرب التي أسفرت عن التوسع العثماني الكبير وعن نهاية دولة المماليك في مصر والشام والحجاز.

كانت علاقة المماليك مع العثمانيين علاقة صداقة وتحالف أول الأمر، ثم توترت مع دخول دولة المماليك على خط النزاعات في البيت العثماني ثم التحالف مع الصفويين، ومع ذلك شهدت العلاقات تحالفات ضد البرتغاليين الذين كانوا يهددون سواحل البحر الأحمر وخليج عدن، حتى انتهت إلى هذا العداء المستحكم الذي جاء بالعثمانيين إلى الشام ومصر.

والشاهد المقصود أن توسع العثمانيين في الولايات العربية لم تحركه الدوافع الاقتصادية وإنما الدوافع السياسية، وهذا تاريخ ينبغي ذكره أمام حملة الكتابات العربية التي تحاول سحل التاريخ لحساب الصراعات السياسية المعاصرة حتى تصور العثمانيين على أنهم كالجراد المنتشر الذي جاء على الواحات الخضراء المزهرة في الدول العربية فسكنها حتى غادرها يبابا!!

لنأخذ مصر على سبيل المثال..

منذ الفتح الإسلامي عبَّر عمرو بن العاص عن مصر بقوله: "ولاية جامعة تعدل الخلافة"[1]، وكانت مصر قادرة على تمويل حركة الجهاد مع الروم وقت ضعف الخلافة العباسية نفسها كما جرى في الدولة الطولونية والإخشيدية، وكان انضمامها إلى الشام هو ما جعل زوال الحملات الصليبية مسألة وقت في عهد صلاح الدين، وعليها دارت الحملات الصليبية من الخامسة حتى السابعة. وقد كانت القاهرة عاصمة الخلافة الإسلامية فيما قبل العثمانيين، وذلك لمدة ثلاثة قرون منذ اجتياح المغول بغداد وإنهاء الخلافة العباسية في العراق، وبهذا أضيفت إلى مصر المكانة السياسية العظمى فوق ما تتمتع به من موقع جغرافي يجعلها قلب العالم التجاري وما لديها من موارد طبيعية وبشرية غنية، "فعَظُم أمرها، وكثرت شعائر الإسلام فيها، وعَلَتْ السنة، فصارت محل سكن العلماء ومحط الرجال الفضلاء"[2]، فكانت في عصر المماليك "عمود الإسلام وفسطاط الدين"[3].

ومن هنا استفادت الدولة العثمانية بضم مصر ثروات اقتصادية هائلة بما احتوت عليه مصر من موارد طبيعية وكثافة بشرية وموقع جغرافي تتحكم به في طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وانفتحت الدولة العثمانية على سواحل البحر الأحمر ومن ورائه خليج عدن والخليج العربي والمحيط الفارسي، وصار شرق المتوسط بحيرة عثمانية خالصة. وكان خراج مصر الذي يُحمل إلى الخزينة العثمانية ثمانية أحمال في كل سنة، واستطاع الوالي خسرو باشا أن يجعله اثنا عشر حملا في إحدى السنوات إلا أن السلطان سليمان القانوني عزله معتقدا أنه لا بد من أن تكون تلك الزيادة ناتجة عن قهر وظلم للرعية[4].

كذلك استفادت الحركة التجارية في مصر من انضوائها تحت السلطنة العثمانية مما "وفر لها وشجعها على إقامة علاقات تجارية قوية مع المراكز التجارية في حوض البحر المتوسط، وبخاصة مع اسطنبول. وتزايد نشاط مصر التجاري في تلك الفترة"[5]، فقد احتلت القاهرة "مركزا محوريا في التجارة العثمانية الداخلية التي ساعد على رواجها حرية تنقل الممتلكات والأشخاص وعدم وجود حدود. وأخيرا ساهم توسع الإمبراطورية إلى أقصى حدود العالم العربي –باستثناء المغرب- وجهود الأسرة الحاكمة وممثليها المحليين، في تنمية الحج للأماكن المقدسة، الأمر الذي استفادت منه القاهرة ودمشق كثيرا؛ إذ كانتا موقعين لتجمع قوافل الحج، ويمكن الاستدلال على نهضة القاهرة الهائلة من نمو المناطق التجارية الرئيسية"[6].

من الطريف الذي ينبغي إثباته أيضا أن الدفاع عن سمعة العثمانيين في حكمهم على البلاد العربية إنما سبق إليه المستشرقون، الذين بدؤوا التنقيب في التاريخ العثماني وقت أن كانت الحالة العربية والتركية تعيشان عصر القومية الطاغية التي لا تسمح ولا تغفر لمن يفكر في الحديث بموضوعية عن العرب أو الأتراك، ولا يمكن اتهام أولئك المستشرقين بطبيعة الحال بالتعصب للعثمانيين، ويمكن أن نضرب مثلا على هذه الدراسات بمؤلفات المستشرق الفرنسي أندريه ريمون ومن أهم أعماله: "المدن العربية الكبرى في العصر العثماني" و"القاهرة: تاريخ حاضرة" و"فصول من التاريخ الاجتماعي للقاهرة العثمانية"، ونيللي حنا التي كتبت عن "تجار القاهرة في العصر العثماني" وعن "مصر العثمانية والتحولات العالمية" وعن "بيوت القاهرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر" وعن "ثقافة الطبقة الوسطى في مصر العثمانية" وعن "قصة القاهرة في 1300 سنة"، وغيرهم مثل مايكل ونتر في كتابه "المجتمع المصري تحت الحكم العثماني" وبيتر جران في كتابه "الجذور الإسلامية للرأسمالية"، ثم تكاثرت الأبحاث فيما بعد في السنوات الأربعين الأخيرة وساهم فيها العديد من المؤرخين العرب، ومن أبرزهم: سيد محمد السيد وعبد الجليل التميمي وعبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم ورؤوف عباس ومحمد عفيفي وهدى جابر وغيرهم.

يفسر المؤرخ المتخصص بالدولة العثمانية محمد شعبان صوان هذا النشاط الاستشراقي في الكشف عن حقيقة التاريخ العثماني بأن ذلك إنما يعود لكون الدولة العثمانية قد انتهت وصارت من صفحات التاريخ، فلقد كان الاستشراق هو المسؤول الأول عن رسم هذه الصورة البشعة الشائهة للدولة العثمانية كجزء من توظيف طاقته العلمية البحثية في خدمة المشروع الاستعماري ضد الدولة العثمانية، ولكن بعد أن قُضِي على الدولة العثمانية وصارت تحفة تاريخية أمكن أن تعمل تلك الطاقة البحثية على دراسة هذه التحفة التاريخية لتقديم صورة أقرب إلى صورتها الحقيقية بعد التحرر من الوظيفة السياسية[7].

ولكن يبدو أن الحالة العربية الآن تُقْدِم على مرحلة قومية جديدة تحاول إدخالنا من جديد في عصر الظلام المعرفي والغيبوبة التاريخية!

نشر في مجلة المجتمع الكويتية، يناير 2019



[1] ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، تحقيق: د. علي عمر محمد، (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، 2004م)، ص220.
[2] السيوطي، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1 (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1967م)، 2/94.
[3] ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ط1 (أبو ظبي: المجمع الثقافي، 1423هـ)، 3/28.
[4] فريدون أمجان، سليمان القانوني سلطان البرين والبحرين: حقائق في ضوء المصادر، ترجمة: د. جمال فاروق وأحمد كمال، ط1 (القاهرة: دار النيل، 2014م)، ص79.
[5] نيللي حنا، مصر العثمانية والتحولات العالمية: 1500 - 1800، ترجمة: ، مجدي جرجس، ط1 (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2016م)، ص27، 28.
[6] أندريه ريمون، القاهرة: تاريخ حاضرة، ترجمة: لطيف فرج، ط1 (القاهرة: دار الفكر، 1994)، ص195.
[7] انظر مقدمته لترجمة كتاب: جين هاثاواي وكارل بربير، البلاد العربية في ظل الحكم العثماني: 1516 – 1800م، ترجمة: محمد شعبان صوان، ط1 (الجزائر – بيروت: ابن النديم للنشر – دار الروافد، 2018م)، ص9، 10.

السبت، يناير 05، 2019

لن ينفعكم الفرار!


لا أستطيع أن أحصي الحوارات التي دارت منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، بل من قبلها، حول الثورة والإصلاح والتغيير والحل المتاح والقوى الدولية ومخاوف النجاح والفشل... إلخ! لكن الخيط الذي أستطيع تَبَيُّنَه بوضوح هو وجود جمهرة من النخبة الإسلامية التي تمارس دائما نوعا من الفرار من الأسئلة الخطيرة المطروحة بقوة.

(1)

قبل الثورة في مصر كانت فكرة حصول ثورة أو تغيير أشبه بالمستحيل لدى جموع النخبة الإسلامية من المشايخ والعلماء والمنتسبين إلى الحركة الإسلامية، ومع هذه الاستحالة عندهم فإن مجالسهم تفر دائما من سؤال: ما الحل؟ ما الحل بعد الانغلاق التام للمسار السياسي الإصلاحي، وقدرة السلطة على عرقلة وتشويه وتوظيف واختراق المسار الدعوي؟

عند هذا السؤال تسمع مصمصة الشفاه، التأسف، الحوقلة، الرجاء في الله (بمعنى أن ينزل نصر من السماء، لا بمعنى أن نعمل ونحن نرجو الله).

(2)

فيما بعد الثورة كانت نفس هذه المجالس تناقش كل الأمور تقريبا، إلا أن يُطْرَح فيها الأسئلة المهمة الجادة التي يترتب عليها العمل، فلم يحدث على حد ما أعلم أن انعقد مجلس طُرِح فيه الحديث عن الخطر القادم الذي هو خطر انقلاب عسكري على الرئيس مرسي –فك الله أسره- وإذا حاول أحدٌ من الشباب وضع هذا الموضوع للنقاش، تبدأ المراوغات وحديث التفاؤل والتشاؤم، والحيود عن الموضوع، مع ميل شديد نحو حديث الطمأنينة ورصد مؤشرات الاستقرار.

أتذكر أنني بعد عدد من النقاشات، كتبتُ هذا المقال (بتاريخ 13 مارس 2013م. أي: قبل الانقلاب بنحو أربعة أشهر)، وفيه:

"خلاصة هذا المقال طلب الفتوى في هذه النازلة:

1. ما حكم الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب شعبيا؟

2. وما طرق مواجهته شرعا إذا كان متترسا بالجنود -البسطاء- وبالسلاح؟

3. وماذا إذا غلب على الظن أن هذا الانقلاب بدعم من طوائف علمانية (تعادي الشريعة وترفض الحكم الإسلامي عن عقيدة) وبإذن من أعداء الأمة: اليهود والنصارى؟

4. وماذا لو أضفنا إلى هذا خبرتنا الحديثة مع الأنظمة العسكرية عبر ستين سنة والتي رأينا آثارها في طول وعرض بلاد العرب والمسلمين؟

الإجابة على هذه الأسئلة فقهيا ستمثل:

1. الحد الأدنى والإطار العام والخطوط الحمر التي يضعها المسلمون لأنفسهم في بناء النظام السياسي، وهل يقبلون مرة أخرى بإمارات التغلب في زمن تيسر فيه اختيار الحاكم ولم تعد ثنائية (التغلب أو الفتنة) قائمة.

2. والأهم من ذلك أنه سيمثل لحظة اليقظة الأخيرة بدل أن تُعاد طرح هذه الأشئلة وقت وقوع الكارثة حيث سيختلفون ويتنازعون وتعميهم حسابات اللحظة القريبة ورسائل الغرف المغلقة العاجلة عن المصلحة الكبرى. أي أن الإجابة على هذه الأسئلة ستوضح الموقف العملي قبل أن يأتي تخبط آخر كتخبطهم في لحظة الثورة.. وهو التخبط الذي أنتج تلك الفوضى المريعة في المشهد السياسي الإسلامي.

وأما تجنب هذه الأسئلة وعدم مناقشتها قبل وقوعها يعني:

1. غفلة كارثية

2. هدر فقهي ونسيان الأولويات

3. أو خوف من مجرد التفكير.. وهو ما إن تحقق فلا يليق بمن هذا حاله أن يوضع في جملة قادة الأمة ونخبتها.
فإذا وقعت الواقعة، فاعلموا أن "المؤمن" هو من "لا يلدغ من جحر واحد مرتين"! (انتهى)

وها قد وقعت الواقعة، وعلى حد ما أعلم فإنه لم يُثمر شيئا، وفوجئت الحالة الإسلامية بالانقلاب بعد حصوله، واضطربوا في تكييفه والتعامل معه أيضا.

(3)

يحدث هذه الأيام حوار شبيه بذات هذه الحوارات، وقد بدأت مع انتفاضة المدن السودانية، وقد شهدتُ حوارا في مجموعة بين عدد من المشايخ وطلبة العلم ونحوهم في هذه المسألة، وقد جرى الاختلاف المعهود بين من لا يجيز مثل هذه الانتفاضة لأنه يترتب عليها من المفاسد أضعاف ما يترتب عليها من المصالح، وبعضهم لا يجيزها لخصوصية حال السودان وحال عمر البشير ويرى أنه ليس كغيره من الطغاة وأن له من الدين حظا وأنه لا بديل له إلا من هو أسوأ منه، وبعضهم، وبعضهم لا يحري رأيا.

وفي محاولة من أحدهم لدفع الحديث نحو المستقبل وتكوين رؤية عامة بدلا من أن تتكرر نفس المفاجأة والأسئلة عند كل نازلة، طُرِحَت هذه الأسئلة، لكن حصل عندها نفس السلوك من المراوغة والتهرب والسكوت، قال السائل:

1. هل رحل حاكم مستبد دموي بالسلمية؟ أم أن دمار الأوطان أهون عليه من ترك عرشه؟

2. هل رحل محتل مهيمن على بلد صنع نظامها واحتجن ثرواتها بأي وسيلة غير المقاومة المسلحة العنيفة والمريرة والطويلة؟

3. لئن فرضنا (جدلا) أن ثمة حاكم مستبد رحل بمجرد السلمية، أو أن ثمة محتل رحل بمجرد السلمية.. فكم نسبة هذه الحالات من التاريخ؟ هل هي الشذوذ النادر الذي لا حكم له أم هو الأصل المضطرد الذي ينبغي أن نعتمد عليه؟

4. ثم.. هل حالة بلادنا العربية وأنظمتها المعروفة التي هي صنيعة الاحتلال الأجنبي والتي ينزل الاحتلال ليدافع عنها إن أخفقت بنفسها، هل هذه الحالة ينطبق عليها الرحيل بالسلمية (إن فرضنا أن هذا حدث في مكان ما وزمان ما) أم الحالة الأخرى؟

5. ما هو السبيل الذي ينبغي أن نفكر له ونخطط له كي نتأهل له، ونؤهل له الناس ونقودهم إليه.

6. ثم ما هو السبيل إن لم يسمحوا لنا بالوصول السلمي؟! هل نجلس بانتظار سماحهم لنا أم أن هناك طريقا أخرى؟

7. إذا قيل نجحت تركيا وماليزيا بالتغيير السلمي من داخل النظام.. أليس في هذا بنفسه دليل الندرة على من استطاعوا تحقيق تغيير سلمي؟.. ثم هل نستطيع بعدما حدث في الانقلاب التركي أن نجعل نموذج تركيا مندرجا ضمن التغيير السلمي أم أن محاولة الانقلاب والتصدي لها (بالعنف المسلح) دليل على أن السلمية لم تكف وحدها حتى في النموذج التركي؟

8. أليس العدو يقرأ التجارب كما نقرؤها نحن، هل العدو الذي انخدع بطريقة أردوغان فسمح له بالوصول مستعد لينخدع مرة أخرى إذا قلنا له: سنفعل مثلما فعل أردوغان؟! أليس قد حاول مثل هذا الغنوشي ومرسي ثم لم يُسمح لهما بالاستمرار؟

9. هل الحساب الصحيح للمصالح والمفاسد هو ما يقتصر على هذه اللحظة وهذا المكان؟ أم الأصل أنه يمتد للنظر في العواقب المتعلقة باستمرار وبقاء هذه النظم التابعة للغرب وتحكمها في بلادنا والذي يعود على الأمة بحرب الدين ونكبة الدنيا؟ ماذا لو فضَّل أردوغان حقن دماء شعبه ليلة الانقلاب.. ماذا كان سيحدث في العالم الإسلامي كله؟.. الرجل ضحى ببضعة مئات وبقي الملايين محفوظين من ضياع الدين والدنيا. ثم ماذا لو فضَّل الإخوان حسم المواجهة مع عبد الناصر وهو ضعيف.. ما الثمن الذي كان سيُدفع وقتها؟ وهل يقارب الثمن المدفوع عبر ستين سنة من استمرار حكم العسكر في مصر وفي العالم الإسلامي كله؟

10. هل تحررت أمة في الدنيا وامتلكت قرارها بغير ثمن فادح رهيب خسرت فيه ملايين الضحايا قبل أن تصل إلى ما هي فيه من التمكين؟

11. حيث لن يكون ممكنا توقع حركة الشعوب ومتى تنتفض (لحظة اندلاع الثورة ما زالت حتى الآن تحير علماء الاجتماع) ولن يكون ممكنا السيطرة عليهم إذا انتفضوا وإرجاعهم بمجرد النداءات إلى البيوت (فهذه حالة فوق التحكم بطبيعتها) فلا مناص من امتطاء صهوة الثورة وإعادة توجيهها في المسار الصحيح.. وهنا يتصارع الفاعلون الأقوياء على امتطاء هذه الصهوة وتوجيهها، وأذكاهم وأقواهم هو من يغلب.. فماذا ينبغي أن تكون سياسة الإسلاميين في الإعداد للحظة الثورة؟

12. هل الحسبة التي نقيسها بالمصالح والمفاسد هي حسبة سفك الدماء مقابل حقنها؟ أم هي على الحقيقة بين سفك الدماء على طريقة الأندلس وبورما وإفريقيا الوسطى والبلقان وبين سفكها في جهاد موصل إلى التحرر؟

مثل هذه الأسئلة لا تجد حتى الآن حوارا حقيقا ونقاشا جادا ومعمقا من أهل الحل والعقد في هذه الأمة، ولو أنهم اتفقوا على نقاشها لأثمروا ثمارا عظيمة، حتى لو وقع بينهم خلاف في فروع وجزئيات، لكن اتفاقهم في الأصول والكليات سيعصم كثيرا من الناس وسيعدل كثيرا من المسارات. وإن تَخَلِّي العلماء عن هذه الأمور سيتركها لا محالة للجُهَّال والمتحمسين وهؤلاء هم من ينشأ عنهم الغلو، ولا يُلام الذي نزع إلى الغلو ما دامت الساحة فارغة من علماء يؤصلون القضايا التي تحتاجها الأمة ويتحمس إليها المخلصون من أبنائها.

(4)

قبل كتابة هذه الأسطر بساعات شهدت مجلسا فيه بعض من هذه النخبة الإسلامية، وكان صاحب المحاضرة رجل خبير بالوضع الأوروبي لطول مقامه هناك، وأحسبه رجلا فاضلا. وجرى حديث طويل ومفصل عن التغيرات التي تحدث في أوروبا، والمشكلات التي تظهر وارتفاع شأن التيارات اليمينية واليسارية المتطرفة، وانهيار التماسك المجتمعي الأوروبي وتوتر العلاقات مع الأمريكان ونمو الشبح الروسي وأمور أخرى.. وأمور أخرى!

وعلى كثرة وأهمية ما طُرِح من قضايا، إلا أن السؤال الخفي في حديث المتكلم  كان كيف ننقذ أوروبا من هذا الخطر، وهو سؤال نطق عنه لسان الحال لا المقال. وقد أحببت أن نزداد في المصارحة فسألته: أرى أنك تتحدث كمواطن أوروبي، ويمكنني أن أفهم هذا، لكن إذا وسَّعنا الصورة: أليس كل ضعف ينزل بأوروبا سيكون في صالحنا كأمة؟ على الأقل من جهة تخفيف الضغط عنا.

أجابني بما يخالفني، وكانت مختصر إجابته كالآتي: من قال بأن أي ضعف ينزل بأوروبا سيكون في صالحنا بالضرورة؟ قد يكون العكس.. حتى إني أسأل أحيانا: هل سقوط نظام السيسي في مصر في مصلحة مصر؟ لقد دعا بعض إخواننا بسقوطه فترددت في أن أقول: آمين. إن أوروبا فيها ما يتغير نحو الإسلام، وهناك بعض من المسلمين يصلون تدريجيا إلى مفاصل صناعة القرار.

كانت خلاصة إجابته، التي فهمتها من مجمل كلامه: لا تتمنوا شرا لأوروبا فإنها قد تحمل المشروع الإسلامي يوما ما.

ومع أني تعودت على كثير من الصدمات، إلا أني صدمت أيضا، كنتُ أحسب النموذج الأوروبي آخذ في الذبول من بعد ما حدث في موجة الثورات العربية، وأن الدعاة الذين حلموا يوما بأن يكون فتح روما بالبيان واللسان قد عادوا أدراجهم مع ضربات الواقع، ولعلي أتفهمه أكثر مما ألومه، ذلك أن الرجل الذي كان مشروعه نشر الإسلام في أوروبا لعقود والدفاع عن حقوق المسلمين فيها ليتعذر عليه أن يرى خلاف ما قضى فيه عمره. وإني أكرر في هذا أني لا أتهم الرجل بشيء وأحسبه فاضلا عاملا للدين..

لكن الخيط الناظم في سائر هذه الحوارات والنقاشات، أن الفرار من الأسئلة الجوهرية في أي نقاش يُفضي إلى الفوضى والتخبط حين تقع الواقعة، ثم تقع الواقعة فيُفضي الفرار من نقاش أسئلتها إلى واقعة أخرى.. وهكذا نظل نتدرج في الحال، حتى نفقد قدرتنا على الأسئلة والإجابة لنبقى مجرد رد فعل، ثم ننتقل من رد الفعل إلى تبرير الواقع، ثم من تبريره إلى تحسينه وترويجه باعتباره أحسن المتاح إن لم يكن باعتباره الغاية المنشودة!

الخيط الناظم هو الرغبة في تغيير ينقل الأمة من الاستضعاف إلى التمكين بغير تكاليف، بالدعوة، بالسلمية، بالدبلوماسية، بالإقناع، بإسلام صناع القرار.. مهما كانت سنة التغيير تخالف وتناقض هذه الأماني! لذلك يحدث الفرار من هذه الأسئلة لأنها أسئلة ينبني عليها تكاليف!

وصدق الله تعالى إذ يقول: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تُمَتَّعون إلا قليلا).

نشر في مجلة كلمة حق