السبت، سبتمبر 28، 2013

الحلم التاريخي الذي سحقه العسكر



في ذكرى موت عبد الناصر.. المجرم الأكبر ومؤسس حكم العسكر
 
مما قد يخفى على الكثير أن حلم التحرر والاستقلال الذي كان في أواسط القرن العشرين كان في جوهره مؤسسا على قناعة وعقيدة تقول بأنه إذا حَكَمَنا بنو أوطاننا فإنهم سينهضون بنا على نحو ما فعل أبناء أوروبا في بلادهم.

كانت النظرة السائدة آنذاك تحصر المأساة في كون من يحكموننا ليسوا منا.. إما لأنهم أتراك (المدرسة القومية) أو لأنهم أجانب كالإنجليز والفرنسيين والطليان (المدرسة الوطنية) أو لأنهم نخبة قليلة من الأعيان أصحاب الأملاك (المدرسة الشيوعية المادية)

هذه المدارس التي تداخلت أحيانا كانت تلتقي عند هذه القناعة وتستبطن جميعها هذه العقيدة "لو أن الذي حَكَمَنا كان منَّا فإنه لا محالة سيكون وطنيا مخلصا لبلده ولقومه وللفقراء من شعبه".

بينما لم تكن المدرسة الإسلامية تعني بشخص الحاكم وعرقه وطبقته بقدر ما يعنيها دين وأخلاقه والنظام العام المهيمن، فإن هذا كفيل بإصلاح البلاد سواء كان من يحكم مصريا أو تركيا، غنيا أو فقيرا.

فلما جاء عصر الانقلابات العسكرية وأولها انقلاب حسني الزعيم في سوريا، وأخطرها انقلاب عبد الناصر في مصر.. عاشت الأمة واحدة من أسوأ أحقابها التاريخية على الإطلاق، سواء على مستوى الداخل أو على مستوى الخارج.

وكان من بين ما سُحِق من القيم والقناعات والمبادئ، قناعة أنه لو حكمنا من هو منا فإنه سيخلص للبلاد والناس.

إن إجرام عبد الناصر لا يقارن بإجرام الإنجليز، لا في القتل ولا في الاستبداد ولا حتى في السجون! وكذلك إجرام البعث في العراق بالنسبة للإنجليز، وفي سوريا بالنسبة للفرنسيين، وإجرام القذافي بالنسبة للإيطاليين... إلخ.

خرافة "المصري لا يقتل المصري" صارت خرافة فقط بعدما أثبت عصر عبد الناصر العسكري أنها خرافة، وأنه يمكن -وببساطة- أن يحدث هذا وبدم بادر!

كان السجن في عهد عبد الناصر يتمنى أن ترضى عنه كلبة حمزة البسيوني -قائد السجن الحربي- لأنه كان يُخفف العذاب عمن كانت ترتاح له الكلبة فلا تنبح في وجهه، بينما إذا نبحت عليه لحقه مزيد من العذاب!!

الوقائع المهولة كثيرة، وكتبت فيها مئات الآلاف من الصفحات سواء كمذكرات أو كأحكام قضائية أو كتقارير صحفية.. ولكن الشاهد المقصود من هذا السياق أن الناس الذين أجمعوا على أن تخلفنا كان سببه أن من حكمنا كان تركيا أو أجنبيا أو غنيا، رأوا بأنفسهم أن كل هؤلاء كانوا أرحم بهم من بني وطنهم.

لا أزال أتذكر الرجل المعمر الذي لما سألته عن ذكرياته في عهد الملك وعبد الناصر نظر إليّ ساخرا وقال: على الأقل الملوك مؤدبين إنما ولاد الـ.... دول شوارعية محدش رباهم، ده محدش كان يعرف يتكلم معاهم، بينما كان الملك يودعك بنفسه إلى الباب!

والآن وبعد ستين سنة من حكم العسكر، لم يبق قائما إلا ما رسخته المدرسة الإسلامية: المشكلة ليست في الطبقة ولا العرق، بل أين موقع الدين من نفس الحاكم وموقعه من نظام الدولة.

الخميس، سبتمبر 26، 2013

من فقه المقاومة في سورة الأنفال 1/3




من ينظر إلى التاريخ الإنساني فلن تلفت نظره من بين تلك الحروب الكثيرة والهائلة[1]، تلك المعركة المحدودة الصغيرة التي دارت عند بئر بدر في شرق الجزيرة العربية، بين فريقين أحدهما يزيد عن الثلاثمائة والآخر في حدود الألف، وبأسلحة بدائية بسيطة، ولم يتجاوز عدد القتلى فيها الثمانين. لكن الحقيقة أن هذه المعركة كانت إحدى أكبر اللحظات الفارقة في التاريخ الإنساني، ولقد سمَّاها الله "الفرقان"، فهي البداية الحقيقة للدولة الإسلامية، وهي الإعلان بأن الأمة الخاتمة الخيِّرة قد وُلِدت وظهرت على ساحة الأمم.

وفور انتهاء المعركة نزلت سورة الأنفال ليكون موضوعها مفاجأة للقلوب والعقول التي حققت منذ لحظات نصرها الأول والأثمن والأهم في كل تاريخها.

والنظر المتعمق في سورة الأنفال يكشف لنا أنها تدور حول ثلاثة قضايا كبرى تشكل قواعد بناء المجتمع والدولة الإسلامية؛ الأولى: أن المسلمون أصحاب حق وأهل رسالة قضيتهم الكبرى هي إرضاء الله وإقامة الدين وهم لذلك أهل زهد في الدنيا وترفع عنها، الثانية: أن المجتمع المسلم مجتمع متماسك مترابط شديد الحساسية لكل ما يمكن أن يفصم هذه الرابطة أو يوهنها، والثالثة: أنها دولة متأهبة مستعدة مَهيبة مرهوبة.

وحين نتأمل في هذه القضايا، ونتصور تحققها في أمة، فإننا نعرف أنها أمة تحقق فيها "فقه المقاومة" وسارت به على طريق النصر والتمكين.

(1)

ما إن ظهر خلاف بين المسلمين على توزيع الغنائم حتى نزلت السورة تنزعهم من هذه القضية وتنزعها منهم، وتصرفهم عنها بلهجة حازمة قوية، وتأمرهم بتقوى الله وبإصلاح ذات البين، وكل ذلك في عبارة واحدة مقتضبة (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين).

وذهبت السورة بسرعة إلى موضوع آخر: وصف المؤمنين، فهم (الذين إذا ذُكِر الله وَجِلت قلوبهم وإذا تُلِيَت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)، ومنه إلى موضوع آخر: حكاية ما حصل في الغزوة منذ بدايتها وكيف كان تدبير الله لها من قبل، وكيف أنزل فضله على المؤمنين، وأن هذا النصر العظيم ما كان ليحدث لو سارت الأمور كما رغبوا أن تسير، وبين الآيات التي تروي ما حدث في الغزوة تأتي آية خاطفة تبين حكم الغنائم، ثم يمضي السياق في رواية ما حدث من مشاهد.

ذلك هو مقام الأموال والمغانم، بل مقام الدنيا ذاتها، عند جماعة المسلمين..

أما ما قبل هذا السطر وما بعده فهو إرجاع العقول والقلوب إلى رسالة الحق، إلى الله تبارك وتعالى منذ الأمر الأول (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله) مرورا بوصف معية الله لهم وفضله عليهم، ووصف حال المشركين الذين جحدوا رسالة الله وأنفقوا أموالهم في الصد عنها وخرجوا بجيوشهم لحربها حتى بلغ العناد أن يقولوا (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) حتى صاروا بهذا شر الدواب عند الله (إنّ شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، وحتى آخر السورة (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم).

وفي الطريق آيات كثيرة تنبه المسلمين إلى مهمتهم الكبرى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)، وتحذرهم من العوائق الدنيوية (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة، وأن الله عنده أجر عظيم).

وهكذا تجد السورة كلها تشبه الصدمة القوية التي تعيد المسلمين من قضية الغنائم إلى قضية إقامة الحق، ومن بوادر نزاع على الدنيا إلى زهد فيها.. ذلك هو الجوّ المهيمن على السورة، ثم تظل في التفاصيل أمور أخرى نشير سريعا إلى أبرزها:

الأول: أن الله أراد إقامة الحق بالصدام مع أهل الباطل، بينما كانت رغبة المسلمين الاستيلاء على العير وأموالها حتى بعد أن وعدهم الله بأنهم سينتصرون (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).

وهذا ما يُذَكِّرنا بقوله تعالى (كُتِب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

لقد قرر تاريخ البشر أن الحروب هي التي تفصل في الأمور، بها تقوم الدول وبها تنهار، وبها تسود أو تندحر الأفكار، وهي أمر "لا تخلو عنه أمة ولا جيل" كما قال ابن خلدون[2]، ولقد كان تدبير الله أن يقع ما لا يوده المؤمنون لأن هذا هو ما يحسم ويفصل، هذا هو ما يحق الحق ويبطل الباطل، ولو كانت العير هي ما فاز بها المسلمون ما كان لها من كبير أثر على صراع الحق والباطل القائم آنذاك.

إذن، فالدرس المستفاد من هذا أن حسم الصراع مع الباطل –ولو مع المشقة- مُقَدَّم عند أهل الحق على الرفاه الاقتصادي، وأن ضربة عسكرية قوية خير من ضربات اقتصادية منهكة، وأنه يجب على أهل الحق التفكير من زاوية "إقامة الحق" لا من زاوية "تجنب الصدام"، فما كان أنفع للحق فُعِل ولو كانت فيه مشقة وصدام.

الثاني: أن الله عاتب نبيه في مسألة الأسرى، إذ مال إلى القول بافتدائهم والمنِّ عليهم، وكان ذلك رأي غالبية الصحابة إذ كانت الحاجة إلى المال قائمة وشديدة في ذلك الوقت، وفيهم كثير من الفقراء كما فيه الرحمة بالأسرى الذين هم من الأهل والعشيرة، فنزلت الآيات تقول (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم)، فلا ينبغي أن يكون ثمة أسر إلا بعد إنزال القتل بالأعداء حتى يشيع فيهم الرعب والفزع من مواجهة المؤمنين، وبهذا تتحقق الرحمة المقصودة، أن ينحسم الصراع بقلة المتجرئين عليه وارتعابهم من مقابلة جند الله[3].

وهنا يتضح لمرة أخرى أن التمكين للمسلمين وللدولة الإسلامية مُقَدَّم على إنعاشها اقتصاديا، فتثبيت أركان الدولة بالقوة العسكرية والهيبة السياسية أحسن حالا لها من إمدادها بمدد اقتصادي مالي مثل فداء الأسرى.

وهذا أمر مضطرد عبر التاريخ الإنساني، فالدول تُقام بالقوة والشدة، حتى التي يقيمها الأنبياء أصحاب الدعوات فكيف بغيرهم، يقول ابن خلدون: "الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم، وهذا لأنّ كلّ أمر تُحمل عليه الكافّة فلا بدّ له من العصبيّة وفي الحديث الصّحيح «ما بعث الله نبيّا إلّا في منعة من قومه» وإذا كان هذا في الأنبياء وهم أولى النّاس بخرق العوائد فما ظنّك بغيرهم؟!"[4].

هذه المعاني تحتاج إليها الحركة الإسلامية اليوم أكثر من أي شيء آخر، خصوصا أولئك الذين توهموا أن التمكين يكون بالرفاه الاقتصادي قبل ترسيخ أركان الحكم[5].

***

في المقال القادم بإذن الله نواصل الحديث عن المحورين الآخرين: تماسك مجتمع المقاومة وكيف ينبغي أن يكون شديد الحساسية لكل ما يمكن أن يفصم هذه الرابطة أو يوهنها، وضرورة أن تكون الدولة الإسلامية دولة متأهبة مستعدة مَهيبة مرهوبة.




[1] باستقصاء الحروب المعروفة منذ بدء تاريخ البشرية حتى 1945م، ظهر أنه: نشبت 34531 حربا خلال 5560 سنة، بمعدل 6.2 حرب كل عام، وخلال 185 جيلا لم ينعم بسلم مؤقت إلا عشرة أجيال فقط. (عبد اللطيف عامر: أحكام الأسرى والسبايا في الحروب الإسلامية، دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، القاهرة، بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ = 1986م. ص19).
[2] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1408هـ = 1988م. 1/334.
[3] في أحكام الأسرى تفصيل ليس هذا موضعه، ويُبحث عنه في مظانه من كتب الفقه.
[4] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/199.
[5] أبرز ما كان من أخطاء حركة الإخوان المسلمين في مصر أنهم اهتموا بصناعة إنجاز اقتصادي قبل التمكن من مفاصل الدولة، وبذلوا في الملف الاقتصادي مجهودا عظيما جدا وما كادوا أن يظهر أثرهم حتى جاء الانقلاب العسكري الذي أطاح بهم في 3 يوليو 2013، وقد  كنت كتبت مقالات بهذا المعنى منها "الدولة الإسلامية، الشريعة قبل الاقتصاد"، و"رهبة الحق"، و"حرس الإنجاز أهم من الإنجاز".

الأربعاء، سبتمبر 25، 2013

زفرات



كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!!

فيما قبل الثورة كانت أشد لحظاتي مرارة يوم أن أخذوا كاميليا شحاتة وسلموها لكنيسة شنودة لعنه الله، ما صعقني حينها هو تخاذل المشايخ، ما كنت أحسب أبدا أنهم سيتخاذلون عن نصرة امرأة خطط لها أن تُخطف من قلب الأزهر الشريف وبالتحديد من غرفة إشهار الإسلام فيه..

كان الأمر يختلف -قليلا- عن حادثة وفاء قسطنطين أو ماري عبد الله أو طبيبتي الفيوم أو غيرهن ممن سُلِّمْنَ إلى الكنيسة، ذلك أن كاميليا وصلت بالفعل إلى غرفة إشهار الإسلام غير أن العمة التي ارتداها رمة ما إن رأى الاسم حتى تذكر الورقة التي أرسلها له أمن الدولة فأوقف إجراءات استخراج شهادة إشهار الإسلام (تأخير الكافر عن الإسلام كفر عند العلماء وكبيرة عند بعضهم)، ثم طوردت كاميليا ورفيقها الشيخ أبو يحيى حتى قبض عليهما، ولا أحد يدري إلى الآن أين هي؟

كان من المتخاذلين ساعتها الإخوان.. وهي صفحة سوداء من صفحاتهم، إذ لم يريدوا أن يُتَّهموا بإثارة الفتنة الطائفية خصوصا وانتخابات برلمان 2010 على الأبواب..

ساعتها راسلت بعض المشايخ وحادثت بعضهم، وكانت الردود في عمومها سلبية، فكدت في هذه الأيام أن أصاب بالجنون.. الجنون بمعنى الكلمة.. الجنون الذي يمنعك من النوم ومن التركيز ومن تذوق الطعام ومن الثبات في الصلاة.. شعور أتمنى ألا يمر به أحد من الأحباب.

كنت أتساءل: ماذا تفعلون إذن؟ لماذا تدعون إلى الله وتجوبون البلاد والمدن والقرى وتكتبون وتخطبون وتنفقون الأموال وتتعرضون للمتاعب إذا كنتم تفرطون في ثمرة الدعوة بكل بساطة؟!!

ما نفعكم إذا كنتم تدعون إلى الله فإن استجاب لكم أحد أسلمتموه وخذلتموه وتركتموه في أيدي الكافرين ليفتنوه عن دينه؟

ومن ذا الذي سيجرؤ على الإسلام بعدئذ إذا كان هذا مصير من يسلم؟!

ثم ألا ينبغي أن نفكر مرة أخرى في حكم هذا الحاكم وهؤلاء الجنود الذين يُسلمون المسلمين إلى الكفار مرة أخرى؟!

***

منذ تلك الأيام صرت أكثر تقبلا لعجائب من هذا النوع، لم يعد الأمر غريبا على حسي ووجداني، وبرغم كل السخط كنت متفهما أن يحجم كثير منهم عن مساندة الثورة، فالثورة عمل مجهول لا أحد يتوقع آثاره ولا نهايته ولا مستقبله (وليس هذا بعذر لأن كل مستقبل بغير مبارك أفضل مما كنا فيه، لكن أتفهم أن يكون عذرا عند البعض).

إنما الذي جدد هذه المشاعر ما صنعه البعض في هذا الانقلاب.. فهذا الذي لم يكن أحد ليجهل ما الذي يعنيه إسقاط مرسي من الكوارث، ولو أن بعضهم كان يجهل ويظن أن إسقاط مرسي أفضل من بقائه فهذا لا يستحق أساسا أن يسمع له لأنه -في أحسن الأحوال- مختل عقليا.

ومثل هذا حين يقود الناس أو يسمع له الناس كمثل القائل:

أعمى يقود بصيرا لا أبا لكمو .. قد ضلّ من كانت العميان تهديه

أما الذي يعلم ويدعم، أو يعلم ويرضى، أو يعلم ويسكت.. فهذا كيف نبحث له عن عذر؟!!

ها قد صار لنا نحو ثلاثة أشهر على الانقلاب، بدا فيها للأعمى ما لم يكن باديا له قبلها، فعلم ما لم يكن يعلم، وظهر لمن بحث عن مكاسب ونصيب أنه لم يتلقى سوى الصفعات المتتالية المهينة.

والدعوة التي بذلتم فيها أعماركم صارت تسرق منكم أمام أعينكم، فلا فضائيات ولا مساجد ولا منابر.. ولا حتى احترام!!

ومنذ قليل شاهدت فيديو لعائلات في المنوفية تفكر في التنصر لكي تحظى بحماية الكنيسة من بطش الدولة، ولن أفكر في لومهم قبل أن ألوم من أوصلنا إلى هذه الحال.

لن أحدثكم عن المقاتل والمظالم والانتهاكات التي رآها الجميع، أحدثكم عن كراسيكم المهددة.. نعم، كراسي المساجد التي ارتضيتم أن تكون أول الدعوة وآخرها، فالسعي لها هو الجهاد والجلوس عليها هو التمكين.. حتى هذه الكراسي والمنابر تؤخذ منكم.

حتى الناس الذين أنفقتم أعماركم في جذبهم للدين صاروا أسرى يتلاعب بهم العلمانيون حتى بغضوهم في الدين وأهله وجعلوا كثيرا منهم يغني "تسلم الأيادي" للمجرم السفاح قاتل الراكعين الساجدين.

فيم أنفقتم حياتكم؟! ولماذا؟!

إن لم تدافعوا عن دينكم فدافعوا حتى عن مقامكم، عن أنفسكم، عن أجيال ظلت تسمع لكم سنين عددا، منهم من قُتِل ومنهم من أُسِر ومنهم من انتهك عرضه، ومنهم من لا زال تحت السياط يذوق بأسا كنت شركاء فيه..

لماذا أنفقتم حياتكم في أمر إذا كنتم على استعداد للتخلي عنه وتسليمه بكل بساطة، وأحيانا: بكل سعادة؟!!!

صدق الله:

"كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا"