حفل التاريخ ، خصوصا تاريخ العصر الحديث ، بسرقة الثورات من صناعها الحقيقيين ، وتكاد تكون جميع الحركات الثورية فى العالم العربى ذات منبع إسلامى ، إسلامى الحركة والتوجه والمطالب والوسائل ، ثم تسرق الثورات إما لدهاء لدى السارقين المدعومين بقوى عالمية فى الشرق والغرب ، وإما لزهد الإسلاميين فى الحكم إثر موروثات معينة أفهمتهم أن الحكم فتنة وشر والأولى الابتعاد عنها .
وفى هذه المرة سنضرب مثالا مصغرا جدا لاختراق حركات إصلاحية من قبل الحكومات ليتعلم كل مصلح من درس التاريخ ، ورغم أن المثال مصغر جدا إلا أنه صغره هذا أحد عناصر وضوح الدرس بجلاء .
والموقف أخذته من كتاب ( الإخوان المسلمون .. أحداث صنعت التاريخ ) وهو من الكتب التى اهتمت بالتأريخ لما دار خلف الكواليس ، وهذا التاريخ السرى هو الذى يفسر - على حد قول مايلز كوبلاند فى كتابه لعبة الأمم - الأمور الغامضة كالإجابة عن سؤال لماذا لم يخض عبد الناصر حربا النصر فيها مضمون ( يقصد حرب 1956 ) واندفع بكل قوته نحو حرب محتومة الخسارة ( يقصد حرب 1967 ) .
يقول الأستاذ محمود عبد الحليم - وهو ممن عاصر هذه الأحداث - :
" كانت الكفة الأخرى فى ميزان السياسة المصرية فى ذلك العهد التى تحاول أن تعدل الكفة الشعبية التى يمثلها الوفد ، هى القصر متحالفا مع حزب السعديين الذى يتزعمه أحمد ماهر والنقراشى وإبراهيم عبد الهادى والدكتور السنهورى ، وكان حزب الأحرار الدستوريين بزعامة الدكتور محمد حسين هيكل قد ارتضى لنفسه فى ذلك الوقت أن يكون ذيلا للسعديين .
ولما كانت وزارة الوفد التى تولت الحكم عقب حادثة 4 فبراير سنة 1942 قد استطاعت بأساليبها الدعائية وصحافتها واسعة الانتشار أن تنسى الشعب مرارة هذه الحادثة ( ملخص الحادثة أن الإنجليز أجبروا الملك على أن يعهد بالوزارة لمصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ، وكانت وصمة عار فى جبين الوفد حينها ... إلهامى ) ، رأى القصر بعد نحو سنيتن من الحادثة أن يذكر الناس بها ، تأليبا للشعب على الوفد ، فأوحى إلى عملائه السعديين أن يدبروا خطة لذلك ..
ورأى السعديون أنهم لكى يحققوا ذلك لابد لهم من أن يتعاونوا مع الأحزاب الأخرى والهيئات المختلفة ، فاتصلوا فى سرية تامة بالأحرار الدستوريين والحزب الوطنى ( ليس الحزب الوطنى الحالى وإنما الحزب الذى أسسه مصطفى كامل ... إلهامى ) والحزب الاشتراكى ومجموعة أخرى من الأحزاب والهيئات كانت موجودة فى ذلك الوقت ، واستجاب الجميع إلى عقد اجتماع سرى لهذا الغرض ماعدا الإخوان المسلمين الذين رفضوا فى أول الأمر بدعوى أن فى مجموعة الأحزاب والهيئات التى استجابت الكفاية ولايضرهم تخلف هيئة واحدة ، لكن السعديين ألحوا إلحاحا شديدا فاستجاب الإخوان أخيرا مكتفين بإيفاد أخ صغير كان إذ ذاك لايزال طالبا بكلية الحقوق هو الأخ سعيد رمضان .
وانعقد الاجتماع فعلا فى ظل الكتمان برياسة الدكتور السنهورى ، وأخذ السنهورى يشرح المقصود من الاجتماع وهو أن تقوم الهيئات الحاضرة متضامنة بحركة عنيفة كمظاهرة تذكر الناس بحادثة 4 فبراير 1942 وبأن حكومة الوفد جاءت على أسنة رماح الإنجليز ، ولامانع من القيام ببعض التفجيرات لإيقاف حركة المواصلات لإثارة انتباه الجماهير ، ثم طلب السنهورى من ممثل الأحزاب والهيئات الحاضرين أن يُدلى كل برأيه ففعلوا ، وكان إجماعا بالموافقة على اقتراح السنهورى ، فتهلل وجهه فرحا ... وكان سعيد قد طلب أن يكون آخر المتكلمين ، وكان فعلا أصغر الموجودين سنا ومركزا اجتماعيا ، فلما جاء دوره قال : إننى لا أوافق على هذه الخطة ولن يشترك الإخوان فى شئ منها ، فكانت كلماته بمثابة ديناميت نسف الاجتماع كله ، لأنه كان هو مركز الثقل فى الاجتماع كله .
والتفت إليه السنهورى باشا مغضبا وسأله عن سبب رفضه ، فقال سعيد :
ياسعادة الباشا أرجو بعد أن تحدثت فى الاجتماع بكل ما فى نفسك أن تعرفنى بالموجودين فيه فردا فردا ، كلا باسمه "
فالتفت السنهورى إلى الموجودين فوجد نفسه عاجزا عن معرفة أكثرهم ... فقال سعيد :
إن اجتماعا على هذه الغاية من السرية وللاتفاق على أعمال خطيرة لايعرف فيه رئيس الاجتماع أسماء الحاضرين ولاشخصياتهم لهو اجتماع فاشل لم يكن يستحق أن نحضره ، وماحضرنا إلا بعد إلحاحكم ، ولنثبت لكم ياسعادة الباشا - مع احترامى لشخصكم الكريم - أنكم تتصرفون تصرف الأطفال .
وماكاد يخرج المجتمعون ، وماكادوا يصلون إلى مقر هيئاتهم وإلى بيوتهم إلا وأطبق البوليس السياسى عليهم واقتادوهم فرادى إلى وزارة الداخلية وواجهوا كلا منهم بما قاله فى الاجتماع بالحرف الواحد دليلا - كما أشار سعيد - على أنه كان من بين الحاضرين أشخاص مدسوسون من عملاء البوليس السياسى "
انتهى النقل من كتاب ( الإخوان المسلمون ... أحداث صنعت التاريخ ) صـ 356 ، 366 - الجزء الأول - ط دار الدعوة .
ومع صغر الموقف وبساطته ، إلا أنه كما أسلفت درس كبير للإصلاحيين ، مع اختلاف الوسائل عبر الأزمان ، وكذلك اختلاف أسلوب التصرف من الاعتقال إلى الاختراق إلى الاحتواء إلى سرقة المجهود .
وفى هذه المرة سنضرب مثالا مصغرا جدا لاختراق حركات إصلاحية من قبل الحكومات ليتعلم كل مصلح من درس التاريخ ، ورغم أن المثال مصغر جدا إلا أنه صغره هذا أحد عناصر وضوح الدرس بجلاء .
والموقف أخذته من كتاب ( الإخوان المسلمون .. أحداث صنعت التاريخ ) وهو من الكتب التى اهتمت بالتأريخ لما دار خلف الكواليس ، وهذا التاريخ السرى هو الذى يفسر - على حد قول مايلز كوبلاند فى كتابه لعبة الأمم - الأمور الغامضة كالإجابة عن سؤال لماذا لم يخض عبد الناصر حربا النصر فيها مضمون ( يقصد حرب 1956 ) واندفع بكل قوته نحو حرب محتومة الخسارة ( يقصد حرب 1967 ) .
يقول الأستاذ محمود عبد الحليم - وهو ممن عاصر هذه الأحداث - :
" كانت الكفة الأخرى فى ميزان السياسة المصرية فى ذلك العهد التى تحاول أن تعدل الكفة الشعبية التى يمثلها الوفد ، هى القصر متحالفا مع حزب السعديين الذى يتزعمه أحمد ماهر والنقراشى وإبراهيم عبد الهادى والدكتور السنهورى ، وكان حزب الأحرار الدستوريين بزعامة الدكتور محمد حسين هيكل قد ارتضى لنفسه فى ذلك الوقت أن يكون ذيلا للسعديين .
ولما كانت وزارة الوفد التى تولت الحكم عقب حادثة 4 فبراير سنة 1942 قد استطاعت بأساليبها الدعائية وصحافتها واسعة الانتشار أن تنسى الشعب مرارة هذه الحادثة ( ملخص الحادثة أن الإنجليز أجبروا الملك على أن يعهد بالوزارة لمصطفى النحاس زعيم حزب الوفد ، وكانت وصمة عار فى جبين الوفد حينها ... إلهامى ) ، رأى القصر بعد نحو سنيتن من الحادثة أن يذكر الناس بها ، تأليبا للشعب على الوفد ، فأوحى إلى عملائه السعديين أن يدبروا خطة لذلك ..
ورأى السعديون أنهم لكى يحققوا ذلك لابد لهم من أن يتعاونوا مع الأحزاب الأخرى والهيئات المختلفة ، فاتصلوا فى سرية تامة بالأحرار الدستوريين والحزب الوطنى ( ليس الحزب الوطنى الحالى وإنما الحزب الذى أسسه مصطفى كامل ... إلهامى ) والحزب الاشتراكى ومجموعة أخرى من الأحزاب والهيئات كانت موجودة فى ذلك الوقت ، واستجاب الجميع إلى عقد اجتماع سرى لهذا الغرض ماعدا الإخوان المسلمين الذين رفضوا فى أول الأمر بدعوى أن فى مجموعة الأحزاب والهيئات التى استجابت الكفاية ولايضرهم تخلف هيئة واحدة ، لكن السعديين ألحوا إلحاحا شديدا فاستجاب الإخوان أخيرا مكتفين بإيفاد أخ صغير كان إذ ذاك لايزال طالبا بكلية الحقوق هو الأخ سعيد رمضان .
وانعقد الاجتماع فعلا فى ظل الكتمان برياسة الدكتور السنهورى ، وأخذ السنهورى يشرح المقصود من الاجتماع وهو أن تقوم الهيئات الحاضرة متضامنة بحركة عنيفة كمظاهرة تذكر الناس بحادثة 4 فبراير 1942 وبأن حكومة الوفد جاءت على أسنة رماح الإنجليز ، ولامانع من القيام ببعض التفجيرات لإيقاف حركة المواصلات لإثارة انتباه الجماهير ، ثم طلب السنهورى من ممثل الأحزاب والهيئات الحاضرين أن يُدلى كل برأيه ففعلوا ، وكان إجماعا بالموافقة على اقتراح السنهورى ، فتهلل وجهه فرحا ... وكان سعيد قد طلب أن يكون آخر المتكلمين ، وكان فعلا أصغر الموجودين سنا ومركزا اجتماعيا ، فلما جاء دوره قال : إننى لا أوافق على هذه الخطة ولن يشترك الإخوان فى شئ منها ، فكانت كلماته بمثابة ديناميت نسف الاجتماع كله ، لأنه كان هو مركز الثقل فى الاجتماع كله .
والتفت إليه السنهورى باشا مغضبا وسأله عن سبب رفضه ، فقال سعيد :
ياسعادة الباشا أرجو بعد أن تحدثت فى الاجتماع بكل ما فى نفسك أن تعرفنى بالموجودين فيه فردا فردا ، كلا باسمه "
فالتفت السنهورى إلى الموجودين فوجد نفسه عاجزا عن معرفة أكثرهم ... فقال سعيد :
إن اجتماعا على هذه الغاية من السرية وللاتفاق على أعمال خطيرة لايعرف فيه رئيس الاجتماع أسماء الحاضرين ولاشخصياتهم لهو اجتماع فاشل لم يكن يستحق أن نحضره ، وماحضرنا إلا بعد إلحاحكم ، ولنثبت لكم ياسعادة الباشا - مع احترامى لشخصكم الكريم - أنكم تتصرفون تصرف الأطفال .
وماكاد يخرج المجتمعون ، وماكادوا يصلون إلى مقر هيئاتهم وإلى بيوتهم إلا وأطبق البوليس السياسى عليهم واقتادوهم فرادى إلى وزارة الداخلية وواجهوا كلا منهم بما قاله فى الاجتماع بالحرف الواحد دليلا - كما أشار سعيد - على أنه كان من بين الحاضرين أشخاص مدسوسون من عملاء البوليس السياسى "
انتهى النقل من كتاب ( الإخوان المسلمون ... أحداث صنعت التاريخ ) صـ 356 ، 366 - الجزء الأول - ط دار الدعوة .
ومع صغر الموقف وبساطته ، إلا أنه كما أسلفت درس كبير للإصلاحيين ، مع اختلاف الوسائل عبر الأزمان ، وكذلك اختلاف أسلوب التصرف من الاعتقال إلى الاختراق إلى الاحتواء إلى سرقة المجهود .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق