لماذا لايستطيع أى مسلم أن يعبد الله ويعظم فرائضه وشعائره فى سائر أيام العام بنفس القدر الذى يفعله فى رمضان ؟
لماذا يكون صيام شهر كامل ، ثلاثين يوما متتابعة ، شيئا سهلا ميسورا ، فى حين تكون المواظبة على صيام الثلاثة ايام القمرية فى باقى الشهور شيئا عسيرا ؟
أو حتى صيام الاثنين والخميس ؟
كذلك القيام .. كيف يكون قيام الليل فى التراويح وفى التهجد شيئا ميسورا ، فى حين يكون الحفاظ على ركعتين بالليل شيئا عسيرا ؟؟
بإمكانك أن تقول هذا عن الصدقة وصلة الرحم وسائر مكارم الأخلاق .
لماذا فى رمضان بالذات ؟؟
وعلى قدر ما حاولت الوصول للسبب بسؤال من حولى ، والبحث فى نفسى ، لم أجد إلا سببا واحدا هو الذى اقتنعت به ، ألا وهو .. البيئة التى تغيرت .
فى رمضان يتغير اتجاه المجتمع ليسير فى الاتجاه نحو الله تبارك وتعالى ، وحين يتسق اتجاه المجتمع مع اتجاهك فإن السير إلى الله يكون أسهل وأيسر ، والعكس بالعكس .
لذلك كان أجر الذين يَصْلُحون إن فسد الناس ، ( أو يُصْلِحون ما أفسد الناس ) هم الغرباء الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفى الحديث ( اشتاقت نفسى إلى احبابى ، قالوا : أولسنا أحبابك يارسول الله ؟ قال : بل أنتم اصحابى ، للواحد منهم أجر أربعين منكم ، قالوا : بل منهم يارسول الله . قال بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، ولايجدون على الخير أعوانا ) وفى رواية ( آمنوا بى ولم يرونى لايجدون على الخير أعوانا ) .
الدليل على هذا :
حينما تخلف ثلاثة من اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن غزوة تبوك ( رجب عام 9 هـ ) وهم ( كعب بن مالك ، وهلال بن امية ، ومرارة بن الربيع ) ، وامر الرسول بمقاطعتهم ونهى عن حديثهم ، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه .
هذه الحادثة تدل أبلغ الدلالة على أهمية وجود مجتمع مسلم لحصار المعصية والمفسدين فى الأرض ، فهذه المناعة التى يقف بها المجتمع الإسلامى فى وجه المفسدين هى التى تحفظ عليه أمنه وثقافته واستقراره .
وحين تنهار هذه المناعة يسهل فساد المجتمع وانحلاله وتفككه .. والأهم من هذا أنه ينال لعنة الله والنبيين ، وكان أول فساد بنى إسرائيل أن الرجل منهم كان إذا وجد رجلا على معصية فنهاه ، فلم ينته .. لا يمنعه ذلك من مؤاكلته ومجالسته ، كما فى الحديث ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق اللَّه ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب اللَّه قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون؛ ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا؛ لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} إلى قوله {فاسقون} (المائدة 78، 79، 80، 81) ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن اللَّه بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه أبو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وكون المؤمنين لايمارسون الدعوة إلى الله فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، إنما هم بذلك يزيدون من معاناتهم هم فى عبادة الله تعالى والقيام بواجب إعمار الأرض وإصلاحها ومحاربة الفساد والإفساد فيها ، لأن المجتمع كله حينها سيقف فى طريقهم ... هذا فضلا عن المنكرات التى ستتحول إلى ثوابت وقوانين وعادات وتقاليد تقيد حركة المؤمن حتى فى نفسه وبيته وماله ، ويصير كالغريب الأجرب الذى ينفر منه كل الناس .
****
فى رمضان تبدأ التحولات التى تطرأ على حياة الناس فتقربهم من الصلاة ومن المسجد ومن المصحف وتدبر القرآن ، فيصيب أنفسهم من صفاء هذا الجو الإيمانى ما يجعل حركة الجميع نحو الله أسهل وأيسر ، فتساهم هذه البيئة بدورها فى تقريب البعيد ، وحثه على الاقتراب من رحاب الله تعالى .
حتى وإن لم يقترب ، فإن سيره ضد اتجاه المجتمع سيكون هو الشئ المستغرب المستفز ، وما أبلغ على هذا من تحرج المفطر أن يجاهر بفطره فى نهار رمضان ، لأنه يعلم أن البيئة التى حوله لاتقبل هذا الوضع وتشمئز منه .
إذن .. رمضان فوق كل ماله من أفضال ، إنما يساهم فى :
- حصار المعصية وحصار المفسدين ،
- اقتراب الناس من الله
- اقتراب المبتعد عن طريق الله فيعود لأن اتجاه المجتمع يحمله فى هذا الطريق
- فرصة ذهبية للمؤمن كى يفعل فى رمضان من طاعات وعبادات لايطيقها فى غير رمضان .
***
وجود المجتمع الإسلامى ضرورة بشرية يجب أن يسعى إليها المؤمنون بالله ، ليس فقط لكى يرفعوا الظلم والفساد فى الأرض ، بل لكى يستطيعوا أن يعبدوا الله كما يحبون ويرجون
***
اللهم تقبل منا الصيام والقيام فى رمضان .
كتب فى يوم 5/10/2005 .... 2 رمضان 1426
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق