الاثنين، أبريل 30، 2012

أدركوا الثورة قبل أن تفقدوها!

** كتب هذا المقال صبيحة يوم الاثنين 30/4/2012 بعد ليلة في اعتصام وزارة الدفاع.

في مصر شباب لا يتردد في التضحية، وسياسيون لا يترددون في قبول الدنية في دينهم ودنياهم بكل أسف..

مشكلة الثورة الآن أن حصادها استقر في جهتين: إعلام موجه يتحكم فيه أصحاب النفوذ والأموال من النظام الفاسد أو من مراكز التوجيه في الخارج، وبرلمان يسيطر عليه إصلاحيون لم يفكروا طول عمرهم في إشعال ثورة فما زالوا يتعاملون بنفسية إصلاحية كانت أخطر على الثورة من نفسية المستبد ذاته!

وفي كل يوم يزيد الخرق ما بين الشباب الثائر من جهة والإعلام والبرلمان من جهة، ولذلك تسيل الدماء تزرع للمستقبل وتصنع خريطة قوة جديدة على الأرض لكنها لا تجد من يحصدها في خريطة السياسة ولا يمضِ بها نحو المستقبل!!

ورغم كل ما أدت إليه السياسة الإصلاحية المتدرجة الهادئة البطيئة من نكبات لا تخطئها العين، إلا أن أحدا لا يريد التفكير في تصحيح المسار ولا يريد أن يقيم المسيرة تقييما موضوعيا منصفا بعيدا عن شماتة الأعداء وثناء الأولياء..

المصريون الذين لم يكونوا على شك قبل عام وشهور من أنهم سيتسلمون دولتهم وحقوقهم كاملة غير منقوصة، صاروا يرون الآن برلمانا هشا كسيحا لا قدرة له على الفعل، ويقال علنا بأنه لن يشكل الحكومة، وإن شكلها فلن يقترب أحد من الوزارات السيادية، وها هي لجنة رئاسية يتحكم بها المجلس العسكري فيمن سيصل إلى الرئاسة..

ببساطة.. الثورة تحولت إلى انقلاب عسكري صريح..

***

لمرة أخرى: الحل في الشارع وفي الميادين..

وهذا الحل –ليس كما يتخيل البعض- متاحا دائما، أبدا، هذا الحل متاح فقط في لحظات الثورة، وكل البشر يثورون ثم يهدأون، واستعمال هذا الحل بعد هدوء الشارع غير مفيد، ولا يجرؤ عليه أحد.. تماما كما كان الحال في عهد المخلوع!

اللحظة الثورية لحظة فارقة وفاصلة وحاسمة، القوة الشعبية ليست موجودة دائما، وليست دائما تحت الطلب.. لا توجد ثورات ديليفري كلما شاء قوم أن يثور الشعب فإنه يثور..

***

قرر البرلمان تعليق جلساته لأسبوع، إنها خطوة ضعيفة جدا ولكنها على المسار الصحيح، ولأنها ضعيفة جدا فقد تأتي بمكسب ضعيف جدا جدا كما تم التصريح بتغيير وزاري محدود (3 وزارات!!!) وتحت نفس قيادة الجنزوري..

كنت أتمنى أن يعقد الدكتور الكتاتني مؤتمرا صحفيا، يصرح فيه بكل ما دار في الكواليس، وبمحاولاتهم الدؤوبة للحفاظ على مكاسب الثورة بأقل قدر من الخسائر حفاظا على الاستقرار والإنتاج وما إلى ذلك، ولكن كل هذا لم يشفع عند المجلس العسكري الذي ما زال يريد سيطرة كاملة على البلاد.. وليعلق عمل البرلمان إلى أجل غير محدود لينزل الأعضاء إلى الشارع معتصمين يبدأون موجة ثورية جديدة.. أتمنى أن يفعل هذا قادة الإخوان والسلفيين.. ليخرجوا أنفسهم من الغرف المغلقة التي يستنزفون فيها وليعودوا بالمعركة إلى الشارع.. الناس أمام سلطة المجلس العسكري مباشرة.

إنكم تملكون من القوة ما لا تقدرون قيمته.. تملكون قوة شباب ثائر لا يتردد في التضحية ولا يبالي هل يعيش أم يموت في سبيل الله، ولكنكم لا تستعملون هذه القوة، بل المؤسف أنكم كنتم من خصومها وعوامل إطفائها في مراحل فاصلة (ترى ماذا لو استثمر الإخوان تيار الثورة في ذكرى 25 يناير والمطالب بتسليم السلطة للبرلمان وانتخابات رئاسية مبكرة، بدل أن يقفوا منه الموقف المخزي "بانديتا"؟!.. ماذا لو كان البرلمان ثوريا بحق هادرا بحق بدلا من أن يمرر قانون انتخابات الرئاسة ويغض الطرف عن قوانين صدرت قبل انعقاده بأيام، وتصبح الثورة فيه وجهة نظر ونسمع عبارات البلطجية والترامادول ونرى البعض يهنئون المنافق القديم المقيم مصطفى بكري؟!!.. في النفس عتاب كبير لا تكفيه السطور)..

"الاستقرار".. هو هدف المجلس العسكري وأمريكا وإسرائيل قبل أن يكون هدف الشعب المصري، ولا ريب أنكم تعرفون هذا، إن المصري المطحون لا يهمه كثيرا أمر الاستقرار بقدر ما يهم أصحاب العروش والكروش والمصالح الاستراتيجية والأمن!

المصري المطحون لا يخسر كثيرا، بينما الآخرون يفقدون العروش وتتغير من بين أيديهم خريطة القوى، فليكن استقرارا كريما أو فلا يكون.. فكم عشنا في الاستقرار المهين فسالت منا الدماء في الطرقات والقطارات والعبارات والسجون، ثم كانت بلادنا منصة صواريخ لأعدائنا يُقتل منها إخواننا، وقبضة حصار يحاصر بها إخواننا، ومؤتمرات مؤامرات تنسج على إخواننا!!

ليكن استقرارا كريما أو لا يكون.. فكم عشنا في الاستقرار المهين حتى صار الواحد فينا لا يأمن على نفسه أن يقتحم بيته، ولا أن يخطف أبوه أو أمه مساومة عليه، ثم لا يجد بعد ذلك لا عملا كريما ولا علاجا كريما ولا معاملة كريمة.. الاستقرار المهين هو الذل بعينه!

فلا يقايضكم أحد بالاستقرار ولا يساومكم عليه، فهم أحوج إليه منا.. وهم بالأصل لا يقايضون إلا لأنهم يعجزون عن تثبيت استقرار حديدي وإقرار سلطة مستبدة، وما هذا إلا لأنها لحظة ثورة.. لحظة فارقة، ما توشك أن تذهب فلا تعود!

الشباب في الشارع مستعدون للموت في مقابل وطن كريم فلا تخذلوهم..

***

لمرة أخرى: تغيير لجنة الانتخابات الرئاسية وإلغاء قراراتها وتغيير المادة 28 ضرورة ثورية.. ليس لمصلحة أحد ولكنها لمصلحة الوطن كله، والساكتون على هذا الآن لأنهم يحسبون أن الأمل ما زال موجودا يقطعون على أنفسهم خط العودة حين تظهر المؤامرة كاملة ويفوز مرشح المجلس العسكري! حينها سيفقدون كل أساس موضوعي أو أخلاقي للمعارضة.. وحينها سيكون قد اكتمل الانقلاب العسكري، ونراكم مرة أخرى بعد نصف قرن!

***

لست حكيما ولا عبقريا والله.. ولكن المسار واضح لمن لا يعميه حب المذهب!

اقرأ:

في معنى اللحظة الفارقة

خلاصة المعركة القائمة في مصر

الثورة والبرلمان بعضهم أولياء بعض

ميدان هادر وبرلمان ثائر

مصر.. جَلَد الفاجر وعجز الثقة

الحركة الإسلامية وشعرة معاوية

كيف صنعنا من المجلس العسكري فرعونا؟

امتحان الشعب المصري

تسليم السلطة في يناير.. والإخوان

الثورات.. والدعاة المخدوعون

عصيان مدني.. لماذا؟

الأحد، أبريل 22، 2012

خلاصة المعركة القائمة في مصر

في مصر ثلاثة أطراف قوية لا غير: العسكر والإسلاميون والتيار العلماني، العسكر يمتلكون قوة السلاح، والإسلاميون يمتلكون القوة الشعبية، والتيار العلماني يملك قوة الإعلام!

وخلف المشهد تظل أمريكا فاعلة بالاشتراك المباشر سياسيا مع العسكر، وإعلاميا مع التيار العلماني الذي هو بالأصل ليس إلا أصواتا إعلامية عالية!

وتظل المجموعات الشبابية والثوار قوى موجودة على الساحة، ولكنها محدودة وضعيفة التأثير في السياق العام!

الشعب يريد التحرر من الاستبداد..

في الطريق إلى هذا التحرر تقف بعض الرغبات حجر عثرة، فالعسكر إن لم يحكموا بأنفسهم فهم يريدون حكما على الطريقة الباكستانية أو التركية أو الجزائرية بحد أدنى، والعلمانيون -في التحليل الأخير- يريدون حكما يظلون نجوما في سمائه وهم متقبلون لاستمرار حكم استبدادي عسكري بهذا الشرط ويرون في التيار الإسلامي تهديدا لهم، والإسلاميون انقسموا: فمنهم من رآها لحظة فارقة إن لم تؤسس لحرية حقيقية فهي بداية المذبحة القادمة، ومنهم من اتخذ الطريق الإصلاحي الرسمي فهو يتحرك دائما تحت السيطرة موقنا أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان ولا يطمح إلا للحفاظ على الوجود!

بالنسبة للإسلاميين:

مشكلة التيار الإصلاحي أنه لا يتعلم من التاريخ، يظن دائما أنه أذكى ممن سبقه أو أن خصمه أغبى ممن سبقوه، أو أن الزمن تغير وأتى بفوارق مؤثرة، وهو عامة لا يستيقظ إلا على المذبحة ويترك ميراثا رائعا من المذكرات الشخصية أقلها يعترف بالخطأ وأكثرها يحمل المسؤولية للآخرين.

ومشكلة التيار الثوري أنه استيقظ متأخرا، وما زال يحاول جمع شتات نفسه وتنظيم أموره، وتنسيق الفئات التي تنضم إليه في كل يوم، وهو بإمكاناته المحدودة يحارب في كل الجبهات: العسكر دفاعا عن الحرية، والإعلام دفاعا عن الإسلام، والإصلاحيين دفاعا عن الثورة! وهو رغم هذا يحقق نتائج أفضل من المتوقع، ولكنها تظل أقل من المطلوب..

واستطلاع الأحوال في أطراف المعركة الثلاثة يؤدي إلى توقع مزيد من التوتر والمواجهة في الأيام القادمة!

***

العسكر

تستقر في الذهنية العسكرية ثوابت عميقة زاد ترسخها بطول فترة الحكم العسكري لمصر، منها أنهم: يرون أنفسهم الأحق بحكم هذه البلاد والتي لا يصلح لها شخص مدني (المدني عندهم هو من يفتقر إلى الحزم والضبط والقدرة على السيطرة) بل هي تحتاج إلى رئيس "مقاتل" (واللفظ لأحد المرشحين العسكريين للرئاسة).

والعلاقة بين العسكر والإسلاميين عدائية راسخة، فالجيش هو أحد أهم المناطق المحرمة على الإسلاميين، بل والمحرم على من فيها أن يكون له أدنى صلة أو شبهة بواحد من الإسلاميين، وتبلغ القطيعة إلى الحد الذي يُمنع فيه الملتحون والمنتقبات من مجرد الدخول إلى الأندية العسكرية ولو لحضور حفل زفاف!!

وكانت مهمة الأجهزة الاستخبارية العسكرية معتمدة على تنقية الصفوف ممن قد يكون على اقتراب نفسي من الفكر الإسلامي، فذلك هو الخطر الكبير الذي يوضع في سلم الأولويات الحاكمة لعمل هذه الأجهزة.. وبهذا كان العداء للإسلاميين محميا بالمراقبة والمتابعة والفحص!

القيادات العسكرية الحالية دخلت إلى الجيش في عهد عبد الناصر، وتولت مراكزها الأولى في عهد السادات، وترسخت في حكم مبارك.. هذه العهود الثلاثة لم تر في الإسلاميين إلا أعداء! ولا ريب في أن التكوين النفسي للقيادات المتحكمة لا يرى فيهم إلا هذا.

وإذا أضفنا إلى هذا ما حدث من تغير جوهري بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بما نتج عنه حالة سكون راقد على الجبهة العسكرية، ثم انهيال المعونة الأمريكية بما نتج عنها من امبراطوريات اقتصادية عسكرية خارج سلطة الدولة، وبما نتج عنها من علاقات شخصية وودية ورسمية.. إذا أضفنا هذا إلى سياق الرؤية علمنا أن الإسلاميين يمثلون –في نظر القيادات العسكرية- تهديدا حقيقيا! لأنهم جمعوا بين المشكلتين: العداء لإسرائيل وأمريكا (بما يهدد حالة السكون الحربي) وطلب دولة حقيقية مستقلة (بما يهدد وجود نفوذ عسكري أو اقتصاد عسكري خارج سلطة الدولة)!!

ومنذ شهور والحديث في الكواليس يدور صراحة وبوضوح حول رفض واستحالة وجود رئيس إسلامي، وأما الحديث حول ميزانية عسكرية فهو يُقال علنا في وثائق يحيى الجمل وعلي السلمي وغيرهم!

العسكر يرون في الحرية تهديدا حقيقيا، وهم لا يقبلون برئيس ذو شخصية قوية أصلا، فضلا عن أن يكون إسلاميا!

***

العلمانيون

الفكر العلماني يتعارض جذريا مع الإسلام، والعلمانيون أصلا نشأوا في بلادنا بدعم من العسكر، منذ عهد محمد علي الذي استنبت حوله طبقة لا جذور لها لكي يقضي بها على الزعامات الشعبية (والتفاصيل تجدها عند الجبرتي والشيخ محمد عبده) حتى نجح في هذا بالفعل، وكانت سياسة محمد علي هي التي أدت إلى دخول البلاد في التبعية الغربية الضمنية حتى جاء الاحتلال الصريح، فاستمرت هذه الطبقة مرتبطة بالرؤية والفكر والمصالح الغربية، ولما ذهب الاحتلال كان قد وضع هؤلاء في مواطن التأثير ونوافذ الإعلام حتى وصلنا إلى اللحظة الحاضرة: النخبة في واد والشعب في واد آخر تماما، فلا كأنه يعرفهم وكأنهم منه!

وفي حالة المعركة يقف العلمانيون دائما –إلا النادر منهم- في صف الحكم المستبد ضد الحرية طالما ستأتي بالإسلاميين، وتعمل الصحف والفضائيات في تشويه التيار الإسلامي بكل ما استطاعت من قوة، وبكل ما أوتي الشيطان من افتراء (لا شك يعينها في هذا أخطاء حقيقية تقع من الجانب الإسلامي، ولكن العداوة الأصيلة لا تتوقف عند وقوع أخطاء كما لا تشيد بالمزايا والمواقف الوطنية)..

ولا يتوقف الأمر عند شيطنة الإسلاميين، بل يتعداه للتحريض والاستعداء، يغري العسكر بسحق الإسلاميين صراحة (راجع في هذا: إبراهيم عيسى، ممدوح حمزة، هشام البسطويسي، أبو العز الحريري، حسام عيسى، تهاني الجبالي... وقائمة طويلة، وليس الغرض الاستقصاء!).. فالقوم لا يهمهم لا وطن ولا استقرار ولا حرية!

***

الإسلاميون

الإسلاميون مضطرون للوجود في وجه الأزمة لكثير من الاعتبارات منها: أنهم أصحاب الشعبية الأولى وربما نقول الوحيدة، كما أنهم الطرف المسحول دائما والمسحوق دائما والمهدد الأول بالتصفية والذبح في حال فشل الثورات، وهم قوم لا سند لهم من الخارج لا الإقليمي ولا الدولي، وهم أصحاب مشروع ورسالة لا يقف أمام تنفيذها إلا الحكم الاستبدادي!

التجربة الإسلامية حافلة بالمذابح، ليس في عهد عبد الناصر ولا السادات ولا مبارك فحسب، بل في كل الدول التي حكمها انقلاب عسكري، منذ باكستان وجمهوريات وسط آسيا شرقا، وحتى المغرب العربي غربا، ومن القوقاز والاتحاد اليوغوسلافي شمالا حتى أواسط إفريقيا جنوبا.. الحكم العسكري لا يسمح بوجود طرف قوي آخر، والطرف القوي في كل البلاد الإسلامية هم الإسلاميون!

وكما سبق في الحالة المصرية، فإنهم حُرِموا حتى من دخول نوادي القوات المسلحة فضلا عما كان ينزل بهم في المحاكمات العسكرية والسجون الحربية.. ثقتهم في العسكر صفر، بل وتحت الصفر، ويستوي في هذا الإصلاحيون والثوريون إلا قليلا من مشايخ لا عهد لهم بالسياسة فيخدعهم من يقابلهم بالحفاوة ويُظهر لهم بعض التدين!

الثوريون يعرفون أن فشل الثورة يعني عودة عهد عبد الناصر (ثمة أنباء تتسرب على فترات من أنه يجري بناء سجون جديدة تتسع لخمسين ألفا، ربما لا تكون صحيحة فالسجون في مصر كثيرة، وسواء صحت أو لم تصح، فهذا لا يغير من الواقع كثيرا) ولذا يعرفون أن معركة الثورة هي معركتهم المصيرية الفاصلة!

الإصلاحيون يظنون أن التفاهم والمساومة واكتساب الأرض شبرا شبرا يحقق لهم الغاية بدون الدخول في اشتباك، ورغم أن الأيام اضطرتهم في أكثر من موقف للتظاهر وإعادة إرسال رسائل "القوة الشعبية" إلا أن غاية مناهم ألا يضطروا لإعادة ثورة جديدة.. لعل الله يوفقهم ولا يكررون سيرة السابقين!

وما أبدته الأيام للإسلاميين من مفاجآت "علمانية" بانقلاب من كانوا يظنونهم "رفاق النضال" يجعلهم لا يستطيعون الاعتماد إلا على أنفسهم فحسب (حتى المجموعات الثورية الشبابية كان موقفها من استبعاد حازم أبو إسماعيل والشاطر من سباق الرئاسة سيئا ومفاجئا إلى أبعد أحد).. وبعضهم يخشى من أن "أنفسهم وحدها" ليست كافية فلهذا يُحجِم، ويحاول الوصول إلى توافق وتفاهم مع الآخرين.. غير أن حصاد العام الماضي لا يبشر بخير على الإطلاق في هذا المسار!

***

الخلاصة:

1. الإسلاميون الآن بين منزلتين: إما أصحاب الأخدود، وإما أصحاب طالوت.. وكلاهما منزلة محمودة عند الله، ولكن التعلم من الأخطاء ومن التاريخ واجب، والتقصير في هذا ذنب!

2. أصحاب طالوت انتصروا رغم أنهم فقط (313 فردا) في معركة غير متكافئة على الإطلاق، ولم يضرهم أن باقي القوم تساقطوا عبر الطريق.. إن النصر مع الصبر، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله

3. مجموعات الشباب الإسلامي الثائر، عليهم مسؤولية تاريخية حقيقية.. فهم يكتبون التاريخ! إن اجتماعهم واتفاقهم والتنسيق بينهم وتوزيع المهام قد صار ضرورة وفرضا عينيا عليهم!

الثلاثاء، أبريل 17، 2012

الأزمة القانونية والأخلاقية في قضية الشيخ حازم

أكتب هذه السطور قبل معرفة قرار لجنة الانتخابات الرئاسية، وهي لتوضيح أشياء مختلطة في قضية الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل..

بداية يجب التفريق بين الشق القانوني والشق الأخلاقي في القضية..

الشق القانوني هو الذي تعتمد عليه المؤسسات والمكاتبات والقرارات الرسمية بغض النظر عن الجانب الأخلاقي، بينما الناس والرأي العام هم من يهتمون بالشق الأخلاقي ولا يعنيهم كثيرا السلامة القانونية..

ملخص الموضوع في الشق القانوني كالآتي:

المؤكد أن الموقف القانوني للشيخ حازم هو الأقوى بكل ما أسفرت عنه الأيام الماضية، وبالتالي فهذا يعطيه الحق في وجود اسمه في قوائم المرشحين لانتخابات الرئاسية حتى ولو كانت السيدة والدته قد اكتسبت الجنسية الأمريكية بشكل مؤكد.. فطالما لم يستطع أحد إثبات هذا الحصول عبر مستندات وأوراق رسمية غير قابلة للطعن فهي –في نظر القانون- لم تكتسب الجنسية الأمريكية، وعليه؛ فإن أحدا لا يحق له استبعاده من المرشحين لرئاسة الجمهورية..

وأسوأ مثال على هذا هو تاجر المخدرات الذي يعلم الجميع أنه ارتكب هذه الجريمة، إذا لم يكن محضر التحريات وإجراءات الضبط سليمة قانونا، لم يعد أمام القانون إلا أن يحكم له بالبراءة في هذه القضية..

بالنسبة للشيخ حازم، فقد حكمت له محكمة القضاء الإداري بما يفيد خلو السجلات الرسمية من اكتساب والدته أي جنسية غير المصرية.. وكل المستندات التي اعتمدت عليها اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة أو وسائل الإعلام لم تنهض لأن تكون حجة قانونية! وحتى لو كان هذا لعيب في القانون أو لمهارة من المحامي البارع أبو إسماعيل، فإن الخلاصة أن القانون يجيز له الترشح للرئاسة..

فإذا انتهينا من الشق القانوني ودخلنا إلى الشق الأخلاقي فهو كالتالي

بداية، من حق الرأي العام أن يعاقب المرشح حازم أبو إسماعيل على كذبه واستخدام مهارته القانونية في الإفلات من الاستبعاد القانوني.. فمن رأى أن الشيخ حازم كذب ولم يكن على المستوى الأخلاقي المطلوب، فالواجب عليه –تجردا- أن يجعل معركته مع الشيخ حازم معركة أخلاقية عبر صناديق الانتخابات، وليست معركة يتم فيها إهدار القانون وانتهاكه!

الاحتمالات في حق الشيخ حازم كالآتي:

- كان يعلم باكتساب والدته للجنسية وكذب على الناس!

وبالنسبة لي فهذا الاحتمال مرفوض عقلا قبل أن يكون مرفوضا شرعا، فلا يُعقل أن يبذل إنسان هذا المجهود الرهيب طوال عام كامل، في الحشد والدعاية ومحاولة اكتساب القلوب وهو يعلم أنه فاقد لشرط الترشح للانتخابات، ومن المستحيل أن يقدم –وهو القانوني- إقرارا على نفسه بعدم اكتساب أي من والديه جنسية أخرى وهو يعلم في قرارة نفسه أن والدته لديها هذه الجنسية!

فإذا أضفنا إلى هذا أنه شيخ يتحدث بالقرآن والسنة، وأنه يعرف أن هذا هو رأس ماله عند الناس، وأن مجرد شبهة الكذب تسقط تاريخه القديم ومستقبله القادم، كان من المستحيل فوق المستحيل أن يخاطر بنفسه هذه المخاطرة..

فكيف إذا كان الرجل طوال هذا العام لم ينتمِ إلا للطرف المستضعف، وأنه خاض معركته ضد الحكم العسكري المسيطر، ولم يمايع أو يناور في ضرورة التخلص من الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.. كيف لرجل أن يخوض معركة بهذه الجسارة ولديه بعض رائحة من شك في أن والدته أمريكية وأن السلاح الذي سيطعن به موجود في يد خصمه؟!!

الاحتمال الثاني: أن تكون اكتسبت الجنسية وهو لا يعلم

وهنا تنتفي شبهة الكذب عن الشيخ حازم، وهذا هو المهم في الشق الأخلاقي، ويبقى الطرف الآخر هو المطالب بالإثبات، وبالإتيان بوثائق دالة قاطعة على اكتساب هذه الجنسية، فيما يكون الموقف الأخلاقي للشيخ هو الانسحاب من سباق الرئاسة معلنا أنه اكتشف ما لم يكن يعلمه مما يحرمه من شروط الترشح.

وحيث أن هذا لم يحدث، فلا خصومه (اللجنة العليا – الحكم العسكري – أمريكا) قدموا شيئا يمكن الاعتماد عليه والقطع بأنها حملت الجنسية، ولا الشيخ أعلن هذا وانسحب.. بل ما لدى اللجنة مستندات حكمت المحكمة بتهافتها، قبل أن نرى بأعيننا أنها متهافته بعد أن نشرت، والشيخ يؤكد أن أمه مصرية مائة بالمائة وأنها لم تحمل جنسية أخرى، وأن لديه أوراقا ثبوتية سيظهرها في الوقت المناسب!

حيث كان هذا فالموقف الأخلاقي، وهو الموقف الشرعي واقف عند قاعدة "البينة على من ادعى"، وعند قوله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وعند قوله تعالى (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين).. وتاريخ اللجنة مقارنة بتاريخ الشيخ حازم في ميزان الصدق يميل بلا تردد نحو الشيخ حازم..

وعلى كل حال.. ليقل الشعب المصري رأيه عبر الصندوق في الجانب الأخلاقي، ولتلتزم المؤسسات حد الشق القانوني في الموضوع..

وفي النهاية، لن يمر أكثر من مائة عام، إلا ويكون جميع الموجودين على هذه الأرض قد رحلوا عنها، منهم كاتب هذه السطور، ومنهم القارئون لها، وسيفصل الله في الأمور كلها.. فويل لمن باع آخرته بدنياه! سواء كان في المجلس العسكري أو في لجنة الانتخابات أو في الإعلام أو في مروجي الشائعات أو في أنصار الشيخ حازم أو الشيخ حازم نفسه..

هذا..

(وما شهدنا إلا بما علمنا، وما كنا للغيب حافظين)

الاثنين، أبريل 09، 2012

من حسنات بني أمية

قال ابن حزم: "وكانت دولة عربية لم يتخذوا قاعدة[1]، إنما كان سكنى كل امرئ منهم في داره وضيعته التي كانت له قبل الخلافة، ولا أكثروا احتجانَ[2] الأموال ولا بناءَ القصور، ولا استعملوا مع المسلمين أن يخاطبوهم بالتمويل[3] ولا التسويد[4]، ويُكاتبوهم بالعبودية والمُلك[5]، ولا تقبيل الأرض ولا رِجْلٍ ولا يَدٍ[6]، وإنما كان غرضهم الطاعةَ الصحيحة من التولية والعزل في أقاصي البلاد، فكانوا يعزلون العمَّال، ويولُّون الآخرين في الأندلس، وفي السند، وفي خراسان، وفي أرمينية، وفي اليمن، فما بين هذه البلاد. وبعثوا إليها الجيوش، وولَّوْا عليها مَنِ ارتضوا من العمال، وملكوا أكثر الدنيا، فلم يملك أحد من ملوك الدنيا ما ملكوه من الأرض، إلى أن تغلَّب عليهم بنو العباس بالمشرق، وانقطع بهم ملكهم، فسار منهم عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس، وملكها هو وبنوه، وقامت بها دولة بني أمية نحو الثلاثمائة سنة، فلم يكُ في دول الإسلام أنبل منها، ولا أكثر نصرًا على أهل الشرك، ولا أجمع لخلال الخير"[7].

هذه كلمة حق من إمام كبير ثقة ثبت بحجم ابن حزم، وقد قالها بعد انقضاء آخر معاقل الدولة الأموية في الأندلس، بعدما تفكك الحكم الأموي وآلت الأندلس إلى عصر ملوك الطوائف.. ومن ساعتها بدأ حكم الأندلس في الضعف والانهيار، وحتى فترات النهضة التي كانت في عصر المرابطين ثم الموحدين لم تبلغ ما بلغه الحكم الأموي، إذ سقطت طليطلة إلى غير رجعة (478 هـ) فتقلصت مساحة الأندلس الإسلامية، حتى إذا انهار المرابطون والموحدون لم يعد بالأندلس قيادة قوية، وذهبت الأندلس نحو مصيرها البائس ولحظاتها الأخيرة..

فكلمة ابن حزم هذه ليست فحسب قيمة في ميزان التأريخ، بل كأنه كان يرى الغيب ويعرف أنه لن تبلغ الأندلس تحت حكم آخر مثلما بلغته تحت حكم الأمويين.

***

وعلى رغم ما فعلته الدولة الأموية من مآثر وما كان لها من أيادي بيضاء على الإسلام وتاريخه وحضارته، إلا أنها أكثر الدول التي تعرضت للهجوم والتشويه، وكثير من هذا الهجوم كان نتيجة مقارنتها بعهد الخلافة الراشدة، وأكثر منه ما كان معتمدا على النظرة غير الصحيحة السائدة عن سيدنا معاوية (رضي الله عنه).. وبأثر من هذا نستعرض بعضا من مآثر بني أمية.

1. انتشار الفتوحات:

كان بنو أمية يفتحون البلاد في أربع جهات على البر، بخلاف فتح جزر البحر المتوسط، وبلغت دولة الإسلام أقصى اتساع لها –كدولة واحدة- في ظل الأمويين، وكانت ذروة الفتوحات الإسلامية على أيدي هؤلاء القادة: تم فتح المغرب والأندلس على يد القادة: عقبة بن نافع وحسان بن النعمان وموسى بن نصير، ومن ورائها فرنسا على يد عبد العزيز بن موسى بن نصير والسمح بن مالك الخولاني وعبد الرحمن الغافقي، وسارت الفتوح في الشرق في بلاد ما وراء النهر حتى الصين بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي، وفي الجنوب الشرقي حتى السند بقيادة المهلب بن أبي صفرة ومحمد بن القاسم، وفي الشمال وبلاد القوقاز بقيادة مسلمة بن عبد الملك ومروان بن محمد. هؤلاء القادة هم الذين رسخوا الوجود الإسلامي في تلك المناطق وكانت فتوحاتهم تتميما وتكميلا لما سبقها من فتوح في عهد الراشدين، وتأسيسا لدخول هذه المناطق في الدولة الإسلامية بشكل نهائي[8].

وقد جرت في كل تلك الفتوح أعمال من أندر وأروع ما يمكن أن يكتب في تاريخ البطولة والأبطال، وقدم الفاتحون نماذج لا مثيل لها في الجهاد والبذل والتضحية والإخلاص، وكم من مجاهد مات في هذه الأرض البعيدة لا نعرف اسمه ولا قبيلته ولا شيئا من حياته، ترك الدنيا كلها وذهب ليموت في تلك الأصقاع لا يرجو إلا الله والدار الآخرة، ستأتي هذه البلاد في ميزان حسناته يوم القيامة!!

وما استطاع أحد بعد بني أمية أن يسطر في الفتوح تاريخا كتاريخهم، ولا حتى تاريخا يقاربهم!

2. وحدة الدولة:

فلقد ظلت الدولة الإسلامية دولة واحدة في عهد الأمويين، وهو ما لم يتوفر لدولة من بعدهم أبدا إذ كثرت الاستقلالات الذاتية للولايات والمناطق لا سيما البعيدة، وخصوصا في أوقات ضعف الخلافة المركزية، بعكس الحال في عهد بني أمية إذ ظلت الدولة متوحدة يملك خليفتها في دمشق أن يعين الوالي أو يعزله في الأندلس غربا أو في بلاد ما وراء النهر شرقا، وما إن انتهت الدولة الأموية حتى كأنها على موعد مع انتهاء الدولة الإسلامية الواحدة.

فما إن استقرت الدولة العباسية في عهد المنصور إلا وكانت الأندلس قد خرجت من سيطرته حيث استقل بها الفتى الأموي عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، الذي عرف باسم "عبد الرحمن الداخل" ولُقِّب بـ "صقر قريش".. وقد استطاع الداخل أن يعيد مجد الأمويين في المغرب بعد زوال دولتهم في المشرق وأنقذ الوجود الإسلامي في الأندلس من الضياع بعد أن كانت الحالة الأندلسية قد تقسمت بين العصبيات والقبليات من ناحية، وأرهقتها الحروب التي اشتعلت مع الفرنج خارجيا ومع الخوارج داخليا.. استطاع الفتى الأموي بناء الدولة الإسلامية في الأندلس وجعل قرطبة الغرب قرينة بغداد الشرق.

ثم ما لبثت المغرب أن انفصلت وخرجت عن سلطان الخلافة، ونشأت فيها دول للخوارج، استقلت بالمغرب الأقصى والأوسط، ولم تستطع الخلافة العباسية إلا مد نفوذها حتى المغرب الأدنى وإفريقية (تونس الآن)، وذلك في أقوى عهودها: المنصور والمهدي.. ثم كان للرشيد أسلوب آخر في إدارة الولايات البعيدة يشبه النظام الفيدرالي المعاصر، فعهد بإفريقية إلى الأغالبة، وبخراسان إلى الطاهريين.. واستمر هذا النظام فيما بعد..

على أن الشاهد المقصود هو أن الدولة الإسلامية الموحدة تحت خليفة واحد انتهت مع الدولة الأموية التي استطاع خلفاؤها أن يجمعوا تحت رايتهم كل أبناء الأمة الإسلامية شرقا وغربا.

3. التعريب

لقد ظلت الدواوين الإدارية تكتب بغير العربية[9]، بل بلغة البلاد المفتوحة، ففي مصر كان الدواوين تكتب باللغة القبطية حتى بعد الفتح، وفي العراق وفارس تكتب بالفارسية وفي الشام تكتب بالرومية (اليونانية) وهكذا، حتى أمر عبد الملك بن مروان ثم الوليد بن عبد الملك بتحويل الدواوين إلى اللغة العربية[10].

وكان لهذا القرار تأثير واسع في انتشار وثبات اللغة العربية في البلاد المفتوحة، وساهم في إقبال غير العرب على تعلمها واستيعابها، وهو ما أدى إلى النهضة باللغة العربية وجعلها لغة العلوم والحضارة فيما بعد[11]، ويكفي أن نعلم أن البلاد التي ثبتت فيها اللغة العربية لم يخرج منها الإسلام أبدا إلا في حالة واحدة وهي "الأندلس"، وحسبك بهذا وحده حسنة من حسنات الدولة الأموية.

كما كان لهذا القرار أثر عميق على توحيد الدولة توحيدا حقيقيا وراسخا وليس مجرد انضواء تحت سلطة سياسية واحدة، ولا حتى توحيدها ماليا وإداريا فحسب.. إن مثل هذا القرار مَكَّن الأجيال التالية عبر القرون أن تنتقل من الأندلس غربا إلى أقصى الشرق تطلب العلم أو تطلب الرزق دون أن تعترضها حواجز اللغة، وحين تتكلم هذه الأقطار الواسعة لغة واحدة تفكر بها فتقول وتخطب وتكتب وتؤلف بها فلابد أن نتوقع ثراءً لا محدودا وإسهامات غنية من الشرق والغرب والشمال والجنوب وما بينهما، وبهذه الإضافات كانت الحضارة الإسلامية أكثر الحضارات ثراء وخصوبة.

ولئن كنا نتذكر فضل الخليفة العباسي المأمون على الحضارة الإسلامية كأوسع خليفة تمت في عهده حركة ترجمة العلوم إلى العربية، فلا بد أن نتذكر قبله بالفضل عبد الملك بن مروان الذي أسس لسيادة اللغة العربية نفسها فمن ثم نشأت الحاجة إلى ترجمة العلوم إليها، فلم يضطر المسلمون إلى الخروج من ذواتهم وهويتهم حين أنشأوا الحضارة بل احتفظوا بأصالتهم فاستوعبوا حضارات من قبلهم ثم أضافوا إليها فأبدعوا.

نشر في المركز العربي للدراسات والأبحاث



[1] أي لم يتخذوا مدينة ملكية.

[2] الاحتجان: جمعُ الشيء وضمُّه إليك. ابن منظور: لسان العرب 13/108.

[3] أي لم يلزم الخليفةُ الناسَ أن يقولوا عند مخاطبته: يا مولاي.

[4] أي أن يقولوا: يا سيدي.

[5] أي أن يكتبوا إلى الولاة والوزراء بقولهم: من الملك، أو من السيد إلى العبد أو المولى.

[6] كان من عادة خلفاء الدول من بعد بني أمية، ومما يُعَدُّ من الآداب السلطانية أو "البروتوكول الرسمي" –بمصطلح هذه الأيام- أن يُقَبِّل الناس يد الخليفة، وبعض الدول كان الناس يُقَبِّلون الأرض بين يدي الخليفة.

[7] ابن حزم: رسائل ابن حزم 2/146.

[8] د. حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام ص130 وما بعدها.

[9] بخلاف ديوان العساكر أو الجند الذي كان يُكتب باللغة العربية منذ تأسيسه في عهد عمر بن الخطاب.

[10] المقريزي: الخطط 1/282، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/244.

[11] بالإضافة إلى ما في الإسلام نفسه من حث على تعلم العربية لضرورات العبادة والتفقه في الدين.

الأحد، أبريل 08، 2012

في معنى "اللحظة الفارقة"

لم تكن عبارة "أدركوا اللحظة الفارقة" مجرد شعار انتخابي للشيخ الفذ حازم أبو إسماعيل، بل كانت إدراكا واضحا لقيمة ما زال لا يدركها إلا القليل من قادة العمل الإسلامي في مصر، ولهذا أدت سياساتهم إلى ضياع الفرص الثمينة وإدراك الكواث السمينة!

اعترف فضيلة الدكتور صفوت حجازي –الداعية البارز، وفارس الميدان- ببعض الأخطاء التي ارتكبها الإسلاميون، حتى لقد وصل الحال إلى "انهيار البلد"، منها: الوثوق في المجلس العسكري والظن في أنه سيطهر البلاد من النظام القديم! (حلقة 6/4/2012، قناة الجزيرة مباشرة مصر)


الشيخ حجازي واحد ممن يصعب جدا الكتابة في نقدهم، لا سيما وأني لا أساوي شيئا في مقامه ولم أظفر بشيء من جهاده، غير أن الحق فوقه وأحب إلينا منه.. لقد كان الشيخ حجازي من أنصار التهدئة والصبر، وكان محتدا في الخلاف مع شيخنا حازم أبو إسماعيل، وكان واثقا من نفسه وذاته وقوة الثورة إلى الحد الذي قال فيه بكل حزم "حين نعبر انتخابات البرلمان، سنقول للمجلس العسكري، حدد موعد الانتخابات، وسينفذ المجلس ما طلبناه"، ويمكن أن تراجع في سجل ثقة الشيخ حلقاته (شاهد على الثورة، قناة الجزيرة) ثم تقارن بينها وبين حلقة الجزيرة مباشر مصر.. الشيخ ما زال متفائلا ورابطا وعلى استعداد للجهاد، ولكن الفارق في قراءة المشهد والتمكن منه لا تخطئه العين.


في ذلك الوقت كتبت أن الشيخ صفوت حجازي يذكرني شخصيا بعبد القادر عودة، كان واثقا من امتلاكه للمشهد، حتى لقد صرف الناس في مظاهرة عابدين، وما كان يدري أن الخصم العنيد سيغدر به!


***


لعل كثيرا من الناس، بل وكثيرا من الإخوان أنفسهم، لا يعلمون أن اللحظة الفارقة بين مواجهتهم الأخيرة مع عبد الناصر كانت يومان فحسب، اسمع لقول حسن العشماوي (ضابط اتصال الإخوان بعبد الناصر قبل الثورة، والمهاجر الطريد بعدها) إذ يقول: "حدد يوم الخميس التالي 29 أكتوبر لانعقاد الهيئة التأسيسية الجديدة التي سيحضرها الأستاذ الهضيبي شخصيًا، على أن تخرج الهيئة بعد الاجتماع- ومع أفراد الجماعة- في مظاهرة سلمية يحميها بعض الأفراد المسلحين ويسير في المظاهرة بعض كبار الساسة في الأمة، وكنا على اتفاق معهم في ذلك، وكان المفروض أن هذه المظاهرة- بما يحميها من أفراد مسلحين- ستكون نقطة الانطلاق، تسعى لإسقاط الدكتاتورية العسكرية، ولتسليم مقاليد الحكم لحكومة مؤقتة تجري انتخابات عامة... وكان كل منا يعرف دوره في هذا المظاهرة، ولكن الأحداث سبقت هذا التقدير الذي رسمناه".


والأحداث التي يقصدها العشماوي هي مسرحية المنشية التي افتعلها عبد الناصر (26 أكتوبر) أقبل مظاهرتهم الحاشدة والفاصلة بيومين فحسب..


تلك هي اللحظة الفارقة التي ظفر بها عبد الناصر، فكسب بها البلاد ثمانية عشر عاما، ودخلت بها مصر في حكم العسكر الذي تجاهد الآن لاستخلاصه بعد ستين سنة!


[اقرأ كتابيه المهمين: الأيام الحاسمة وحصادها و مذكرات هارب (أو: حصاد الأيام)، والنقل السابق كان عن الكتاب الأخير]


***


ولئن كان بعض القيادات الإخوانية قد استوعبت الدرس كما تقرأ من كلام حسن العشماوي في مذكراته، إلا أن بعضهم الآخر ظل حتى اللحظة لا يستوعبه ولا يريد أن يستوعبه، دفاعا عن الجماعة وتاريخها بما يجاوز التقييم الموضوعي.. مثال ذلك الأستاذ الأديب جابر قميحة..


ففي مقاله "الإخوان ومظاهرة فبراير 1954م"[1] يقول: "علي أي أساس يري الأخ أحمد منصور أن المظاهرة كان يجب أن تواصل السير... مؤكدًا أنها ستكون سلمية. وستسلم من أي «خدش» يصيبها! وأقول: بل كانت ستحدث مذابح يروح ضحيتها الآلاف لا المئات, فقد كان عبد الناصر مازال ممسكًا بكل المقاليد, والنفوذ الأول والأقوي له لا لنجيب. وكنت ستجد رجال عبد الناصر يحرقون سيارات ويدمرون محلات وسينمات, ويلصق ذلك بالإخوان, وتعمل المدافع الرشاشة, ويسقط ألوف القتلي, ويُعتقل عشرات الألوف, لأن الجيش سيعتبر المظاهرة تحديًا له, ومحاولة لتحجيمه".


بعد هذه السنين الستين، ترى ما الأفضل للوطن؟ أن يموت المئات والآلاف في مظاهرة تكنس حكم العسكر ولم يكونوا استقروا بعد، بل كانوا مختلفين حول البقاء أم العودة للثكنات؟ أم حكم عسكري امتد لستين سنة؟
ها نحن افترضنا أسوأ الاحتمالات، أن سيسقط الآلاف قتلى وجرحى، فأيهما نفضل الآن بعد ستين سنة؟!!


***


المثير للدهشة أن الإخوان –وكما سبق النقل عن حسن العشماوي- اعترفوا بالخطأ وقرروا أن يحشدوا لمظاهرة كبرى فاصلة (29/10/1954) لولا أن عبد الناصر كان أسبق منهم بيومين، فاخترع حادث المنشية، فذهب حلمهم إلى السجون والقبور، وجاءت أجيال تبكي واقعها ولا ترى مستقبلها!


والآن يتكرر الوضع، الإسلاميون النظاميون بعد أن قضوا دهرا في الثقة بالعسكر والسعي لتوافق موهوم، واتهموا من خالفوهم بالجهل والعمق والتهور، عاد لهم الوعي متأخرا –كالعادة، للأسف- حين رأوا أمامهم العدو السام عمر سليمان مرشحا للرئاسة!!


إن الوقت الذي ضاع ثمين جدا، وقد خسرنا فيه ما لا يمكن تعويضه، ولكن الأمل لم ينتهِ، وما زال في الوقت متسع لتغيير الفكرة.. وتغيير الأسلوب.. وتغيير الطريقة..


الحل الآن في الميدان لا البرلمان، ولقد كان يستطيع البرلمان أن يكون رأس حربة للميدان كما صرخ الكثيرون مناشدة له ورجاء، على التيارات الإسلامية أن تعود إلى الشارع، فالعسكر قد حزبوا أمرهم، وليعتبروا من مظاهرة 29 أكتوبر التي لم تتم أبدا لأن عدوهم كان أسبق منهم بيومين فحسب!


لقد ضاعت ذكرى ثورة 25 يناير الأولى مثلما ضاعت مظاهرات عابدين 1954، ولئن ضاعت هذه اللحظة.. فنحن قوم نستحق فعلا أن نموت على يدي عمر سليمان!


***


حتى الآن، لم يكسب من هذه الثورة إلا.. الشهداء، فقد فازوا فوزا عظيما!


وحازم أبو إسماعيل.. فقد أدى ما عليه، وما زال يجاهد حتى حقق للثورة وحده ما لم تستطع الكيانات الكبرى أن تفعل بعضه!


ومخلصون مجهولون، لا نعلمهم.. الله يعلمهم، وهو بكل شيء عليم!



[1] [نبهني إلى هذا المقال أخي الباحث الكريم محمد شعبان أيوب، وكتب عنه في مقاله "الطريق من عبد الناصر إلى أبو إسماعيل"]