يمكن
تقسيم القوى الإسلامية المناهضة للانقلاب العسكري في مصر إلى قسمين: القوى
التقليدية، والقوى الجديدة أو الصاعدة.
وإلى
لحظة كتابة هذه السطور لا يبدو أن ثمة تعاونا، أو حتى تحالفا حقيقيا قويا، بين
هذين القسمين، إلا أن الحالة العامة تشهد موجة أخرى من السيولة التي تعيد تشكيل
الخريطة الحالية، لا سيما في الوقت الذي تكثر فيه المناطق الساخنة المحيطة بمصر،
وخصوصا ليبيا وسوريا، مع ما استجد على الساحة نفسها من عاصفة مواقع التواصل
الاجتماعي التي تصنع حالة فكرية إسلامية عامة تجعل احتكاك الأفكار الإسلامية في
أشد حالاته ربما منذ نشأة الجماعات الإسلامية كلها في مطلع القرن العشرين.
ومما
يجدر قوله قبل البدء، أن رصد هذه الحالة يكاد يختفي تماما من الأبحاث والدراسات
العربية بينما تهتم مراكز الأبحاث والصحافة الغربية برصده والتعرض له، ويعد تقرير كارنيجي –الصادر في 21 أكتوبر 2015- أفضل ما نُشِر في رصد هذه الحالة في حدود
ما نعلم.
***
أولا: القوى التقليدية
1. الإخوان المسلمون
وهي الأكثر أموالا وأولادا، والأوسع انتشارا في الساحة
المصرية كما هو معروف، ومنذ بدأت الثورة المصرية والجماعة تمثل طليعة الحالة
الإسلامية في كافة مراحل الثورة، وكانت تُعَلَّق عليها الآمال في تحقيق أوضاع أفضل
بكثير إن في سنة الحكم أو بعد الانقلاب على د. محمد مرسي والذي كان عضوا بمكتب
الإرشاد (هيئتها العليا) ورئيس الحزب السياسي المنبثق عنها.
لكن الجماعة الآن تشهد حالة ضخمة من الانقسام الداخلي،
هو في أحد أهمّ وجوهه اختلاف بين مقاومة الانقلاب أو الالتزام بالسلمية، وتبدو
الحالة الراهنة كأن فريق المقاومة يضم غالبية الشباب –الذين هاجر بعض منهم إلى
جماعات جهادية أخرى لتأخر قيادة الجماعة في اتخاذ قرار المقاومة- بالإضافة إلى
المنافذ الإعلامية الرسمية للجماعة، بينما يضم فريق الالتزام بالسلمية من بقي من
القيادات التاريخية وهم في نفس الوقت من يحتكرون أموال الجماعة. وقد صار هذا
الانقسام علنيا في الأشهر الستة الأخيرة وبلغ مستويات غير مسبوقة في تاريخ الجماعة
المصرية. وقد رُصِد هذا الانقسام منذ وقت كبير من قبل عدد من المراكز البحثية
الغربية، وبعضها صارت تعطي التوصيات علانية للقيادات التاريخية بأن تلتزم السملية
وتكبح جماح الشباب وتضغط عليهم بورقة التمويل والشرعية التاريخية.
ويبدو أن هذه التوصية قد تحققت بالفعل، فقد نشرت بعض
المكاتب الإدارية للمحافظات التي أبدت دخولا على طريق مقاومة الانقلاب، نشرت
بيانات تعلن فيها توقف الأموال المستحقة الوصول لها عن طريق الجماعة بما في ذلك
الأموال المرصودة للإنفاق على عائلات الشهداء والمعتقلين، وهذا بخلاف الروايات
الشخصية المتواترة التي تتسرب بين صفوف الشباب وبعضها صار ينشر على صفحاتهم على
مواقع التواصل الاجتماعي، كما شهدت المنافذ الإعلامية الرسمية وغير الرسمية
والسرية حربا من البيانات المتبادلة بين الفريقيْن التي عملت على
"شرعنة" موقفها لائحيا في سجال مستمر أشبه أن يدور في أورقة قسم الفتوى
بمجلس قضايا الدولة المختص بتفسير اللوائح.
كذلك لم تفلح عدد من مبادرات المصالحة التي قادتها أطراف
داخلية (البرلمانيون) وخارجية (قيادات تحالف دعم الشرعية) وعلمائية (الشيخ
القرضاوي ومجموعة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في تخفيف هذا الانقسام.
وقد عاد هذا كله بالضعف على الحراك الثوري، وظهر هذا
بأوضح صوره في مرور ذكرى 25 يناير الخامسة بحراك هو الأضعف منذ الانقلاب العسكري.
2. الجماعة الإسلامية
انكمش تأثير الجماعة الإسلامية على الساحة المصرية منذ
الضربات الأمنية القاسية التي انتهت في منتصف التسعينات، ولا تملك الجماعة الآن
على الحقيقة تنظيما قويا في مصر، وإنما تملك رموزا لها احترامها في الوسط الإسلامي
كما تملك شرعية تاريخية ونضالية كبيرة. صحيح أن الجماعة من حيث وجود تنظيم تعد
الثانية بعد جماعة الإخوان المسلمين إلا أن الفارق كبير للغاية في كل شيء: الأعداد
وقوة التنظيم والكوادر المؤهلة ونسبة الشباب. وتظل قيمة الجماعة في قدرتها على
التوجيه والتجييش أكثر من قدرتها على العمل المنظم على الأرض، لطول ما انقطع ما
بينها وبين العمل في الواقع المصري، ولأن معظم كوادرها لم يعودوا من الشباب، كما
أنهم –إن لم يكونوا من المطاردين خارج مصر- فإنهم من المعروفين لأجهزة الأمن المصرية
مما يعطل قدرتهم على العمل المؤثر، لكنهم يستطيعون أن يكونوا في صفوف الدعم
المعنوي واللوجيستي أفضل.
ومنذ بداية الانقلاب العسكري تمسكت الجماعة بموقفها
الرافض لأن تتصدر لمسألة مقاومة الانقلاب، وحجتهم في هذا أنهم لن يكرروا الخطأ
القديم في التقدم على الصف الإسلامي (الإخوان في هذه الحالة) مما يترتب عليه تبرؤ
الآخرين من "العنف والإرهاب" كما كان سابقا، وتدفع الجماعة وحدها هذا
الثمن.
يجادل آخرون بأن هذا العذر وإن كان صحيحا في نفسه إلا
أنه نظري أكثر منه عمليا، وذلك لافتقاد الجماعة القدرة في هذه المرحلة على إعادة
التسعينات من جديد، إن على المستوى النفسي (تقدم القيادات والكوادر في السن) والفكري
(بعد زمن المراجعات وتوقف ظهور إنتاج فكري جديد) أو على مستوى التسلح والانتشار
وقوة التنظيم (بعد الضربات الأمنية وانكشاف التنظيم وانقسامات القيادة).
والمآل العملي أن الجماعة الإسلامية ظلت حريصة على تبني
الموقف العلني بمناهضة الانقلاب، والالتزام بالمعارضة السلمية، فظلت –رغم ضغوط
أمنية متصلة- طرفا في تحالف دعم الشرعية وفي الظهور على القنوات الإعلامية
المناهضة للانقلاب، ونالت بعض قياداتها حظا من الاعتقال والتعذيب أسفرت عن استشهاد
زعيم الجماعة الإسلامية عصام الدين دربالة.
3. الجماعات الجهادية
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للجماعات الجهادية
القديمة في مصر عن حال الجماعة الإسلامية، ولئن كان بعض كوادر الجماعة الإسلامية
يستطيعون العمل في المجال الدعوي أو الخيري فإن هذا الباب لا يناسب كوادر الجماعات
الجهادية لا فِكْرًا ولا إمكانية، لكل هذا فإن أغلب الكوادر الجهادية القديمة إما
صارت منعزلة ومنطوية على نفسها في مصر، وإما صارت في المهجر أو في ساحات الجهاد
التي مثَّلت قوة جذب جديدة للكوادر التي استطاعت الخروج من مصر.
وبشكل عام فإن الجماعات التقليدية التاريخية تعاني الآن
من عدة أمور أهمها:
-
جمود الأفكار وعدم القدرة على التطور وملاحقة
الواقع المعاصر.
-
ندرة أو انعدام القيادات المؤثرة التي تستطيع
تحريك الأتباع.
-
الفقر في عنصر الشباب الذي صار الآن يسبق الشيوخ
والقيادات أو حتى لا يعرفهم أو صارت معرفته بهم على نحو غامض وتاريخي ينتمي إلى
الماضي المثير للإعجاب أكثر منه انتماءً يثير القدوة والاتباع.
إلا أن هذه الجماعات ذاتها إذا ما أتيح لها دعم سياسي
مطمئن فإنهم يستطيعون أن يُحدثوا حالة من الحراك الفكري والمعنوي والإعلامي، إذ لا
تزال رموزهم التاريخية قادرة على إثارة الكثير من الشباب إذا ظهروا ولو لمجرد سرد
تاريخهم وحكاية تجربتهم. وإذا ما أتيح لهم هذا الدعم السياسي فإنه يمكنهم اتخاذ
خطوات أكثر جرأة وتحقيق بعض النجاحات الملموسة ولكنها ستكون أقل من المتوقع لمن
يحوز على هذا الدعم لما تقدم من الأسباب. كذلك فإن المأزق الفكري الذي تعيشه هذه
الجماعات يسهل من إمكانية توجيههم سياسيا.
***
ثانيا: القوى الصاعدة
تشهد مصر كما تشير العديد من التقارير البحثية الأجنبية
انفجارا في الحركات الثورية الصاعدة، ولا يستطيع أحد أن يحصي على وجه التحديد أو
التقريب عدد هذه الحركات ولا تأثيرها المستقبلي، لأن انفجار الأوضاع في مصر وما
تبعه من حالة قهر عام بعد حالة ثورية يؤدي إلى نمو مجموعات لم تكن معروفة وليس لها
سجل سابق في الثورية.
وقد كشفت التحقيقات الأمنية في المعتقلات، وبعضها أتيح
لمراكز بحثية واستفادت منه في نشر تقاريرها، أن مجموعات من الشباب ينظمون أنفسهم
ويبدؤون من الصفر بطريقة التجربة والخطأ، وفي كثير من الأحيانات انفجرت بعض
القنابل البدائية الصنع فيمن يصنعونها لضعف خبرتهم، وأحيانا انفجرت في سيارتهم
قبيل تنفيذهم لعملية في قسم الشرطة بمدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة، وبعض هذه
المجموعات أوقع بها لضعف قدرتهم على التخطيط أو السرية.. وحتى لحظة كتابة هذه
السطور لا تزال قوات الأمن تعتقل مزيدا من الشباب الذين يُعلن عن تكوينهم مجموعات "إرهابية".
وتعد هذه المجموعات هي الخطر الحقيقي في المستقبل لأنها تظهر فجأة وبغير توقع
مسبق، كما أن كونهم من الشباب يتيح لهم استعمال الانترنت والتواصل فيما بينهم بطرق
حديثة ومبتكرة لم تدخل بعد تحت السيطرة الأمنية.
أما المجموعات الكبرى التي ظهرت وبدأت في مواجهة السلطة
المصرية فتنقسم إلى:
1. تنظيم الدولة الإسلامية (سيناء، مصر)
وهم في الأصل جماعات جهادية معتدلة، وكانت عملياتها
تتوجه حصريا إلى إسرائيل، حتى وقع الانقلاب العسكري وشنت السلطة المصرية حملة
أمنية في غاية الشراسة على أهل سيناء بدعم كامل وعلني من الإسرائيليين، فحولوا
هدفهم إلى السلطة المصرية، وقد وفرت لهم السياسة الأمنية حاضنة شعبية قوية في ظل
الطبيعة القبلية لأهل هذه المنطقة مع الجغرافيا الوعرة ومع كونها منطقة حدودية
تنتشر فيها عصابات التهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات والأعضاء البشرية واللاجئين
كذلك. فأنتجت هذه الظروف وغيرها شبكة من العلاقات القبلية والاقتصادية دعمت جماعة
أنصار بيت المقدس فاستطاعت القيام بأقوى العمليات على الإطلاق ضد الجيش المصري
ومعسكراته في سيناء.
ويمثل نمو القدرة القتالية لقوات غير نظامية مصرية تطورا
غير مسبوق في التاريخ المعاصر المصري، فالعمليات في سيناء تجمع بين ثلاثة أنواع
معا؛ الأول: إرهاب المدن كما يسمى في الدراسات الأمنية، ويعني ضرب أهداف مدنيَّة سهلة
داخل المدن عبر العبوات والمفخخات والانتحاريين وعمليات الاغتيال. والثاني:
تكتيكات العمليات الميدانية لحروب العصابات والتي تشمل عمليات الكر والفر مع محاولة
السيطرة على الأرض لفترة محدودة بتشكيلات قليلة العدد وخفيفة التسليح وتجنُّب المواجهة
المباشرة طويلة أو متوسطة المدى. أما النوع الثالث -وهو جديد في الحالة المصرية- فهو
أشبه بتكتيكات وعمليات ميدانية للقوات النظامية الخاصة؛ حيث يتم استخدام خليط من المدفعية
الثقيلة والخفيفة والصواريخ الموجهة وغير الموجهة والقنّاصة؛ لدعم تقدم أو انسحاب تشكيلات
مشاة من عشرات أو مئات المسلحين، وبهذا تكون هذه الجماعة هي "أقوى تنظيم
عسكري غير تابع للدولة في تاريخ مصر المعاصر"[1].
في ديسمبر 2014 أعلنت جماعة بيت المقدس أنها بايعت أبا
بكر البغدادي وصارت جزءا من "الدولة الإسلامية" واتخذت اسم "ولاية
سيناء"، والمرجح أن هذه الخطوة إنما كانت للحصول على مزيد من الشعبية في مصر
وللحصول على ما يمكن من التمويل الذي قد توفره "الدولة الإسلامية" من الأموال
أو الرجال أو السلاح أو الخبرة. وذلك أن شعبية "الدولة الإسلامية"
تتصاعد في مصر بين الشباب، في ظل ما هم فيه من ضغط أمني كبير وانتفاء وجود حركة
قوية تتصدر للمقاومة، وقد تزامن هذا مع الصعود والتمدد الكبير الذي حققه تنظيم
"الدولة" في العراق وسوريا، والذي دعمه بإصدارات فنية عالية المستوى
تؤثر في الشباب تأثيرا ملموسا.
إلا أن خطاب "ولاية سيناء" ما زال خطابا
"معتدلا" بالنسبة إلى خطاب تنظيم "الدولة الإسلامية" وهو لا
يتوجه بالتكفير إلا إلى العاملين في السلطة والجيش المصري، ولا يتعرض بالتكفير
للفصائل الإسلامية الأخرى، وليس في خطابه ما يستعديهم أو يشوه صورتهم، ولذلك ينقسم
الشباب الإسلامي حوله في مصر، فالمؤيدون لتنظيم الدولة يرونه جزءا منهم لا فرق
بينه وبين قيادته في العراق والشام، والذين يعارضون تنظيم الدولة يلمسون الفارق في
الخطاب والسياسة ويركزون عليها، ويؤيدونه في مواجهته للسلطة المصرية.
وبالعموم فإن "ولاية سيناء" مهما تعاظمت قوتها
في سيناء لكنها تظل بعيدة عن التأثير في مجرى السياسة المصرية، لأن الدولة المصرية
شديدة المركزية وتكاد تُخْتَزَل في القاهرة، ولهذا فإن عملية صغيرة في القاهرة
تحدث من التأثير ما لا تحدثه عملية كبيرة في سيناء أو في الأطراف البعيدة.
2. مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة (أجناد مصر،
المرابطون)
وأهم هذه المجموعات التي ظهرت للعلن مجموعتان: تنظيم
أجناد مصر، وكان يقوده همام عطية إلى أن قُتِل في اقتحام للأمن المصري، ومن بعدها
خفت شأن التنظيم لكنه كان يقدم خطابا جهاديا معتدلا وهو أول تنظيم ينفذ عمليات في
قلب القاهرة وفي قلب المناطق السكنية، ولكنها كانت عمليات نوعية تقتصر على الشرطة
ولا يُصاب فيها المدنيون، وأعلن التنظيم في أكثر من بيان أنه ألغى بعض عملياته
لتواجد مدنيين في موقع العملية، وخرج لقائده حوار وحيد قبل أن يُقتل، وكان طرحه فيه
هادئا ومتماسكا ومعتدلا.
ثم ظهر بعد وفاته تنظيم آخر "المرابطون"،
ويقوده ضابط صاعقة مصري سابق اسمه "هشام عشماوي"، ويوصف عشماوي بأنه من
المتميزين في صفوف الصاعقة المصرية، والأنباء المتداولة التي يصعب التحقق منها
بشكل مؤكد تفيد أنه انشق عن جماعة أنصار بيت المقدس حين أعلنت البيعة لتنظيم
الدولة الإسلامية واتخذت اسم "ولاية سيناء"، وقد أصدر عشماوي حتى الآن
نداءيْن أفاد فيهما أنه يمثل تنظيم القاعدة في مصر، ودعا الشباب للانصمام إلى
المقاومة بتنفيذ عمليات وإرسالها إلى عنوان بريدي على الانترنت، وصرح بأن هذا
سيكون أسلوب العمل الجديد في مقتبل الأيام.
وبشكل عام فإن هذه الجماعات الجهادية تعيش فترة انتعاش
إعلامي ومعنوي، وقد رصدت مراكز الأبحاث وحتى تحقيقات الأجهزة الأمنية إقبالا عليها
وهجرة إليها من صفوف شباب التيارات التقليدية التي لم تزل تراوح مكانها. كما تمثل
الحالة الثورية السائلة التي تتعاظم وتكثر مددا مستمرا لهذه الحركات التي يتوقع
أنها ستستطيع في قابل الأيام تنظيم صفوفها وتأمين الانضمام إليها وسهولة الوصول
إلى الشباب الموجودين في منطقة الحالة الثورية السائلة. وقد شهدت الشهور الأخيرة
في مصر تمدد "تنظيم الدولة الإسلامية" ليتبنى عمليات في القاهرة، مما
يؤكد هذه الفرضية المطروحة بأن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من الحركة النوعية
الأكثر خبرة وتنظيما، وأن تيار الحالة الثورية سيؤول إلى صفوف التنظيمات الجهادية.
وبالعموم فإن الحالة الجهادية "المصرية" أكثر
اعتدالا من التجارب الجهادية الأخرى لطبيعة الشعب المصري نفسه وطبيعة الجغرافيا
المصرية، ومن المشهور في تحليلات الجنسيات في صفوف الحركات الجهادية أن المصريين
يكونون الأقل غلوا.
إن كلا من الجماعات التقليدية والقوى الصاعدة يمكن أن
تحقق بالدعم السياسي وغيره تغييرا في المشهد المصري، وهذه بشكل عام تمثل فرصة لمن
يريد الدخول على خط الملف المصري.
لكن القوى الصاعدة تبدو الأفضل من حيث وفرة كوادرها من
الشباب، ومرونتهم الفكرية والحركية التي تمكنهم من اتخاذ خطوات جريئة، ولم تزل
ضعيفة التأثر بالنمط شديد التطرف كما في حالة "تنظيم الدولة" في الشام
والعراق، إلا أن طول الوقت قد يحملها على هذا التشدد لا سيما مع استمرار الضغط
الأمني العسكري المتصاعد في سيناء، ونستطيع أن نلمح بعض بوادر هذا في دفع جماعة
أنصار بيت المقدس إلى استعمال راية "تنظيم الدولة" والذي ستسرب لها –مهما
تأخر الوقت- ما لدى التنظيم من غلو وتطرف شديد. ولا يخفي عدد من المحللين
الأمريكان أن الأمور قد تصل إلى هذا المسار، إذ أن من أهداف "داعش" دفع
مصر إلى الفوضى لكسب المزيد من الأعضاء والكوادر[2]، وهذا الوضع يوفره لها نظام السيسي كأفضل ما
يكون، بسياسته التي لا تفرق بين الإخوان أو داعش بل تتعامل مع كل الإسلاميين كأنهم
شيء واحد، فيدفع الجميع نحو تأجيج التمرد والمواجهة[3].
فماذا تحتاج الكيانات الجديدة؟
تحتاج أمريْن بشكل أساسي: الدعم السياسي، والدعم المالي.
وهكذا تبدو مصر في هذه اللحظة، وربما أكثر من أي وقت
مضى، رهينة بنتائج معادلات التفاعل بين الإرادات المختلفة في الحالة الإقليمية،
والتي ربما تكون دولا أو حتى فواعل تحت الدولة.