الثلاثاء، نوفمبر 30، 2010

أسير الفضل أم أسير الحق؟



أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني

***

وإني لأعترف أول المقال أن فضل جماعة الإخوان المسلمين عليَّ هو مما لا يمكن أن أجحده ولا أنكره ما طالت بي الأيام، فلقد تعلمت الوسطية في كتب أعلامها من الفقهاء والمفكرين، وتعلمت الأخلاق وحسن النظر على يد كثير من أبنائها ومربيها، وعشت مع الإخوان فترة لازلت أفخر أني عشتها بينهم، لا سيما فترة الجامعة، وإني إل الآن أقدر أني لو لم أكن عشتها بينهم لكان مصيري إلى الانحراف بلا شك، لقد جعلوني أفخر بشبابي إلى آخر عمري، فلم يكن يشغلني –في هذه الفترة المتوقدة وفي زمن الفتن- إلا أحوال الأمة والدعوة، فَسَلِمْت بحمد الله مما يشغل أقراني من الشباب।

ولكن..

هل هذا الفضل ينبغي أن يجعلني أسيرا طول عمري؟ لا أقول بحق إذا علمته، ولا أنبه على باطل كما أراه؟

الكل سيجيب: لا، ولكن انصح وقل، وأعلن رأيك، فنحن بشر ونسمع النصيحة ونحب التطور والتجديد والتناصح، وقد نأخذ بالرأي إذا رأيناه أنفع، و .... إلى آخر هذا الكلام

إلا أن لسان الحال يقول: نعم، ينبغي أن تظل أسيرا، وتذكر فضلنا القديم المقيم الذي لا ينكره إلا جاحد، فإذا عَنَّ لك أن تنصح ففي السر، وبأدب، ثم ينبغي ألا تصر على رأيك حين تسمع الرد، بل تترك ما في رأسك لأن إخوانك يعلمون أكثر منك، وهم أحكم منك، وهم أبعد نظرا، وهم الذين يرون المشهد من فوق، وهم الذين حَنَّكَتْهم التجارب، وهم الذين ضحوا في سبيل هذه الدعوة، وعاشوا مرارات السجن والتعذيب .. وهم ... وهم ... وهم ... إلخ

***

والحق أن العقل الذي أنقد به الإخوان الآن، لا أنكر أنهم ساهموا في تكوينه، وأن القلم الذي أكتب به الآن لا أنكر أنه ترعرع في ظلالهم وفي مجلاتهم ومنتدياتهم.. إلا أن الفضل –من قبل ومن بعد- هو فضل الله تعالى، وإن كان قد جرى على يد الإخوان، وهذه الأدوات إنما هي نعم الله أولا وأمانته استودعنا إياها واسترعانا فيها، وقد أوصانا (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).

وما أحسب أنه يجب مراعاة الفرع على حساب الأصل، ولا أن يُخشى في الله كيد عدو كما لا يخشى فيه عتاب الحبيب.. وإن قَصْدَ الله في القول والعمل ينبغي أن يكون القَصْدُ الوحيد للمسلم، ولقد كان من فضل الله علينا وعلى عباده جميعا أن أمرنا بالتوحيد فمن ثَمَّ تَوَحَّدَت وِجْهَة العمل والقَصْدِ (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سَلَمًا لرجل، هل يستويان مثلا؟؟).

ولو أن لكل أحد فضل على أحد، فأراد بهذا الفضل أن يحمله على اتباع مذهبه وطريقته، إذًا لما انتقل أحد من الضلالة إلى الهدى، فلقد تعلم سلمان الفارسي واشتد عقله وعوده وهو بين المجوس، وبهذا العقل الذي تَكَوَّن عند المجوس ثم عند النصارى دَخَل في الإسلام، بل أستطيع أن أقول بأن من أهم ملامح عظمة الصحابة أنهم استطاعوا نقد تاريخهم والتبرؤ منه حين بدا لهم أنهم كانوا على ضلالة، ولاشك أن مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص وغيرهما كانوا تحت ضغط رهيب إذ تسبب اتباعهم لما رأوا أنه الحق في إغضاب أمهاتهم وهن من أصحاب الفضل، حتى لقد بلغ سعد أن يقول لأمه "لو كانت لك ألف نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت هذا الدين".. وإن من المثير للعجب أن ترى خالد بن الوليد يؤمن بدين يطالبه أن يؤمن بأن أباه في النار، وكذا عكرمة بن أبي جهل، وكذا الوليد بن عقبة..

إن جيل الصحابة هو الجيل الأعظم الذي استطاع نقد ومحاكمة تاريخه ورفضه بكل ما كان في هذا التاريخ من فضل عليه، ومن أصحاب الفضل عليه..

وهل نحن في حاجة لأن نذكر من أسلم من أحبار اليهود والنصارى، عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، والسمؤال بن يحيى المغربي، وقائمة طويلة طويلة ممن نشأوا في ظلال قوم لا يدينون بالإسلام حتى تبوأوا فيهم مناصب السيادة والرياسة ثم تركوهم حين تبين لهم الحق.

ولقد حدث هذا بين المسلمين، فكم من عالم نشأ على مذهب ثم انتقل إلى مذهب آخر واستمسك به، ثم أشبع المذهب الأول نقدا وأخذ في الانتصار لمذهبه الجديد، متجاوزا فضل شيوخ المذهب الآخر الذين علموه وأنشأوه وأَمَدُّوه بما ساهم في تكوين عقله وفكره ونظره..

إنني أدافع عن نفسي، نعم، رغم أنه ليس من طبعي، إلا أنني أفعله أمام قوم أحبهم وأعلم أن كثيرا منهم ما زال يحبني، وإني –يشهد الله- لأرجو لهم الخير كما أرجوه لكل المسلمين ولكل الناس، وأعلم أن كثيرا منهم ما زال يرجو لي الخير.. وما كان أشد على نفسي من شيء كما كان تَغَيَّر بعضهم عليّ، وقولهم فيّ ما لم أكن أتوقع أن يُقال.

***

فيا أيها الإخوان.. هذا فضلكم منسوب إليكم لا أجحده ولا أنكره، غير أن الأمانة التي حَمَّلَنا الله إياها تستدعي أن أقول ما أراه حقا، ولو لم يعجبكم.

***

لقد كان أشد ما آلمني أن الإخوان –لاسيما الشباب- دخلوا معركة الانتخابات، وكأنهم فقدوا الذاكرة..

فقبل الانتخابات تجد حماسة من يرى التغيير على بعد يوم منه، ليس بينه وبين التغيير شيء إلا أن ينجح في حشد الناس للتصويت وتعليمهم الإيجابية، فإذا نوقشوا في طبيعة هذا الحماس على خلفية خبرة الماضي تمخض الحماس كله عن هدف "فضح النظام"، وأحيانا عن هدف "خطوة على الطريق".. وهي الأهداف التي يتضح أنها لا تستحق كل هذه المعاناة وهذا الجهد والبذل والتعرض للبطش والاعتقال.

لكن بعيدا عن النقاشات التي تهدأ فيها الحماسة وينزل فيها مستوى الحلم والأهداف، يظل الخطاب حماسيا مشتعلا، حتى لقد قال صديق ذات مرة: " من يتطلع إلى التغيير من خلال الانتخابات القادمة .. فهو يؤمن بأن الثعلب قد يبيض أحيانا"، فرد عليه صديقنا الإخواني بقوله " فعلا أن أؤمن بأن الله قادر على أن يجعل الثعلب يبيض، مثلما أنا مؤمن أن الله قادر على إحداث التغيير"!!!

وصحيح أن الله قادر على كل شيء، إلا أنه عدل وحق، وضع في هذا الكون قوانين وسنن لا يخرقها محاباة لأحد، فنسيان القوانين والسنن والتصرف من منطلق الحلم، بل من منطلق الإيمان بأن الله قادر على كل شيء وعلى خرق قوانينه في الكون والتاريخ هي سذاجة بل ربما أقول إنه استحباب للعمى!

ثم في أثناء الانتخابات يختفي حماس الخطاب الذي كان في اليوم السابق، ويظهر الخطاب الذي ينعى على البلد حالها، ويشكو ما يفعله النظام، ويندب حظ الديمقراطية والإصلاح..

وبعد الانتخابات يأتي الخطاب الذي يرثى لحال البلد، ووضعها وكوارثها وما أنزله النظام بها، ثم بعد قليل خطاب آخر يواصل "الثبات" و"الصمود" والسير في طريق الإصلاح.. وكأني أرى ياسر عرفات قائلا: "يا جبل ما يهزك ريح"!!

المثير للدهشة والإشفاق أن هذه الخطابات الثلاثة –قبل وأثناء وبعد الانتخابات- تظهر وكأن الانتخابات تحدث للمرة الأولى، حماسة قبلها، ثم دهشة وصدمة في أثنائها، ثم رثاء لما وصل إليه الحال بعد انقضائها.. وكأن "صفر" مجلس الشورى لم يكن منذ شهور معدودات!!!

***

ما أشبه المفاوضات بالانتخابات..

ولقد كان عرفات، ومن بعده عباس يدوران فيها كالثور في الساقية.. بعدما يبذل المجهود العظيم يجد نفسه في المكان الذي بدأ منه، ثم هو يظن نفسه –أو هكذا يقول- "مجاهدا" في سبيل القضية، حتى إنه ليخوض "مفاوضات شرسة"، ويقف في "صمود رائع" ضد ما يُطلب منه من تنازلات، رغم كل "الضغوط الخارجية".. وفي النهاية، فإننا سننتصر، و"ستحمل زهرة من زهراتنا وشبل من أشبالنا علم فلسطين فوق أسوار القدس، عاصمة دولة فلسطين".

وإذا ذُكِّر بـ"تاريخ" المفاوضات، وأُريد منه أن يتعظ من "التجارب السابقة" سارع بالقول: "هذه المرة تختلف"، ثم التمس أي اختلاف كأن يكون في السلطة حزب العمل لا حزب اليمين المتطرف، أو أن يكون في البيت الأبيض رئيس مثل أوباما وليس مثل بوش، أو أن يكون رئيس أمريكا في الولاية الثانية له وليس في الولاية الأولى... وهكذا.

وحقيقة الأمر أنه تحت "السيطرة الكاملة" لعدوه، لقد أدخل نفسه في لعبة يملك خصمه كل أطرافها، وليست بيده أية أوراق ضغط على الإطلاق، ولا يستطيع أن يستمر وأن يبرر وجوده إلا بتسويق مزيد من الفرص والجولات التفاوضية ويقول "هذه المرة تختلف".

ولو أزحنا عن عقولنا بعض الهوى، لوجدنا حال جماعة الإخوان مع النظام كحالة عباس وعرفات مع إسرائيل وأمريكا.. الجماعة تحت السيطرة الكاملة للنظام، ويجب عليها ألا تتعدى حدودا معينة في حركاتها وإلا أودعنا نفرا من قياداتها في السجن أو في محاكمة عسكرية، أو نَفَّذْنا حملة اعتقالات، فهذه الإجراءات قادرة على توصيل الرسالة.

والجماعة المسالمة رغم امتلاكها تنظيما منتشرا في المحافظات المصرية، إلا أنه تنظيم مكشوف تماما للأجهزة الأمنية، وأي تمرد لا يخضع لقواعد اللعبة يمكن على الفور إنهاءه بالقبض على أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء المكاتب الإدارية في المحافظات، وتنتهي قدرة التنظيم على إحداث ضغط حقيقي.

كل هذا يدركه النظام كما تدركه الجماعة، ولذا فلا مجال أمام الجماعة إلا أن تعارض بحساب وبحذر، ولئن علت الأصوات حينا فالأمر على أرض الواقع مختلف.. على أرض الواقع ليس ثمة خطوط حمراء كما هو في الخطابات؛ فلقد ضرب الأمن –مثلا- الطالبات، واعتقلت بعض النساء الإخوانيات أكثر من مرة، ولم يحدث شيء ذو بال لانتهاك هذه "الخطوط الحمراء"..

حتى النائب صبحي صالح –شفاه الله وعافاه- بعدما أعلن في لقطة مصورة أنه سيموت على الصندوق، صورت له لقطة أخرى في يوم الانتخابات وهو يقول: "أعمل إيه؟ أعملها مطحنة يعني؟!"..

لقد كان المرشد العام –وهو من علماء العرب المعدودين في مجاله- أكثر الناس هدوءا وواقعية، وكانت حلقته في بلا حدود على قناة الجزيرة اعترافا واضحا بإفلاس الجماعة الكامل، فهو سيظل في نضاله، وإن زورت الانتخابات سيناضل قانونيا وقضائيا، فإن لم تنفذ أحكام القضاء فلا حيلة أمامه، إنها حلقة كاشفة فعلا لأن الرجل كان صادقا وواقعيا ولا يحب العبارات النضالية التي تثير الإعلام ولا قدرة له على تنفيذها.

وشخصيا أتوقع أن يفوز عدد قليل في انتخابات الإعادة بعدما وصلت رسالة النظام للجماعة بأنها غير قادرة على الحصول على مقعد واحد مهما كانت شعبيتها (وهي الرسالة التي يُدهشني أن الإخوان لم يقروؤها من انتخابات الشورى الماضية).. وإن كنت أيضا لا أستبعد أن تُحرم الجماعة من أي مقعد.

***

ما بقي للجماعة إلا "الصمود" و"الثبات"، والعودة "لتربية الشعب وتأهيله ليطالب بحقه"، وفي كل الأحوال ستقول الجماعة إنها نجحت، نجحت في فضح النظام، وفي التواصل مع الناس، وفي تحريك قواعدها الداخلية... وكفي بهذا مكسبا ونصيبا!!
ولقد صدمني أحدهم ذات يوم بقوله (كره الله انبعاثهم فثبطهم، وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم...) والحمد لله أنه لم يُكمل الآية إذا لوضعني مع المنافقين المتخلفين عن الجهاد॥

فالحمد لله الذي "نَقَّى" صفوفهم من أمثالي، وصرت –فيما أحسب- من الذين قيل فيهم "لا يلدغ من جُحْرٍ مرتين"!!


الاثنين، نوفمبر 29، 2010

بلبل حيران.. وسافل!!

منذ أن بدأ مصطلح "السينما النظيفة" يظهر كتيار جديد في الأفلام السينمائية، إلا وأعلن جيل "الكبار" من النقاد والممثلين والمخرجين الحرب على هذا المصطلح، فظهور "سينما نظيفة" يضرب فكرتهم بأن الخلاعة ضرورة فنية لابد منها لإخراج فن "حقيقي وواقعي"، ويدلل على أنه من الممكن أن توجد "أفلام نظيفة" وتقدم أيضا فنا حقيقيا وواقعيا.

وكأنما كان جيل الكبار لا يحتاج إلا إلى نفخة واحدة لينهار، فاختفت تماما أسماء العاريات والخليعات: ليلى علوي، نبيلة عبيد، نادية الجندي وغيرهن من السينمات، وهاجرن هجرة جماعية إلى التليفزيون ومسلسلاته لأن التلفزيون ما يزال معقلا لبقايا الاشتراكيين والشيوعيين، وهم المنحرفون الذين ترعاهم الدولة.. ونستطيع أن نقول بأنه لم يصمد من جيل الخلاعة إلا خالد يوسف، وهذا لأنه يقدم أفلاما ذات حبكة فنية قوية.

على أية حال، ساد مصطلح السينما النظيفة على رغم أنف من كرهوه، وأصبحت أفلام الجيل لا تعتمد على العري والإسفاف مثلما كان الحال في الثمانينات والتسعينات، بل تعتمد على القصة أو الكوميديا.

وكان أحمد حلمي –والحق يُقال- من هؤلاء الذين يحافظون على "نظافة" ما يُقدِّمون، ثم تطورت النظافة بلا مضمون إلى نظافة ذات مضمون رائع وقوي بلغ ذروته في رائعته "ألف مبروك" الذي يمكن أن نقول إنه فيلم إسلامي بامتياز.

وكان من البشريات الأخرى، أن فيلم ألف مبروك أفصح عن اسم جديد في عالم التأليف –والتأليف هو صلب العمل الفني وجوهره- ذلك هو "خالد دياب"، وفوجئنا بأن "خالد دياب" مؤلف فيلم ألف مبروك "بالاشتراك مع أخيه" هو نفسه المتسابق في برنامج عمرو خالد "مجددون"، بل هو الذي فاز بجائزة هذا البرنامج الرائع، وأعلن أن مشروعه النهضوي سيكون هو البحث عن شباب يستطيعون تأليف شيء ذي مضمون وقيمة.

وفي أثناء برنامج مجددون كان فيلم خالد دياب الثاني في مراحله الأخيرة، وخرج الفيلم "عسل أسود" ببطولة أحمد حلمي، ولقد كان عدد كبير من متابعي "مجددون"، ومن محبي عمرو خالد قد انتظروا الفيلم وسارعوا إلى مشاهدته فور نزوله.

وعن نفسي، توقعت أن يكون الفيلم على نفس مستوى الرائعة السابقة "ألف مبروك"، وصُدِمت كثيرا لأن المستوى كان أقل من السابق بكثير، إلا أن الفيلم ما زال ذا فكرة جيدة ومضمون جيد، وإن كانت نهايته غير واقعية وتغلب عليها العاطفية والرومانسية والوطنية مما أفسد –برأيي- فكرة الفيلم، فجعله يرسل رسالة أن المصريين مهما كان واقعهم مرا سيعيشون فيه لأنهم يحبون بلدهم، وذلك بدلا من أن تكون رسالة الفيلم صيحة تحذير مما تفعله الأوضاع السيئة بشباب هذا البلد، فتدفعهم إلى تركها ليعاني الوطن من هجرة الطاقات والعقول.

ليس هذا موضوعنا على كل حال.. إنما الموضوع الآن، هو هذه الكارثة التي نزلت على رؤوسنا منذ أيام والمتمثلة في فيلم "بلبل حيران"..

إنه بلبل حيران .. وسافل..

وهذا الفيلم هو أسوأ دعاية لخالد دياب، كما أنه خصم كبير من رصيد أحمد حلمي..

خالد دياب أعلن في "مجددون" أن الأمة الآن تحتاج إلى فن نظيف وهادف، لأن الفن الآن هو المربي الحقيقي للناس لا سيما الأطفال والشباب.. فكيف يخرج من مؤلف هذه رسالته فيلما يحتوي كل هذه الالفاظ والتلميحات السافلة القبيحة والتي لم يكن لها أي ضرورة ولا ساهمت بأي إضافة في سياقها الفني، اللهم إلا انتزاع ضحكات المراهقين..

وأحمد حلمي الذي ظل محافظا على مستوى راقٍ في أفلامه انحدر في هذا الفيلم إلى مستوى هابط لم يكن متوقعا منه، وهو الذي يعتبر الآن على قمة عرش الكوميديا، ولا يحتاج إلى مزيد من الشهرة أو إلى اتخاذ مثل هذه الوسائل الرخيصة لجذب الأنظار أو لتحقيق نجاح في شباك العرض.

لقد كانت صدمة عنيفة حقا حين شاهدت هذا الفيلم، وهو ذو فكرة جيدة "إذا كنت عايز واحدة سوبر وومن فانت لازم تكون سوبر مان"، وهذه العبارة هي الترجمة العصرية للحكمة التي تقول: "إذا أردت فاطمة فلتكن عليًّا"، وحيث أنك لن تصل إلى مستوى "السوبر مان = عليّ"، فيجب أن تختار الشخص الأنسب وتصبر على ما فيه من عيوب لأنك أيضا تحتاج إلى من يصبر على عيوبك.

لكن الفكرة الجيدة قد لوثتها بذاءة العرض، وهي بذاءة السيناريو الذي أضاف له المخرج والماكيير والمصور بذاءة الملابس والزوايا والحركات.. وأخشى أننا إن مددنا هذا الخط على استقامته فسنعيد سيرة نادية الجندي وهي تفعل كل خليع في سبيل الوطن، فيترسخ بشكل عملي أن الغاية تبرر الوسيلة.

فماذا حدث لخالد دياب أو لأحمد حلمي.. وإن كان عتابنا لخالد دياب أشد، فهو صاحب السيناريو فضلا عن أنه صاحب رسالة.. هل علقنا أملنا –لمرة أخرى- على أوهام؟؟ وهل في كل مرة تأتينا الضربة من المأمن، من حيث لا نحتسب؟؟


الجمعة، نوفمبر 26، 2010

الإخوان المسلمون، ثمانون عاما من الاضطهاد

ثمانون عاما من الاضطهاد.. لأنها ثمانون عاما من الحكام الفاشلين الذين أوصلوا مصر إلى حضيض الدنيا، فمن من ذهب غير مأسوف عليه إلى مزبلة التاريخ، ومنهم من تنتظره المزبلة.. وعسى أن يكون قريبا..

وأول من قال "إن المشكلة لا يمكن أن تكون في أنظمة الحكم جميعا، بل لابد أن تكون في الإخوان" هو –على حد علمي- محمد حسنين هيكل، وهو –ولا فخر- فيلسوف عصر المظالم والهزائم الناصري، ثم انطلت الكذبة حتى شارك فيها بعض الإخوان ممن يحبون أن يكونوا "إصلاحيين" على خط التنوير والحداثة والتجديد!!

والحق أن المشكلة في الحكام، وبلا خلاف، ولو استطعنا أن نخرج في هذه الأعوام الثمانين حاكما واحدا فعل شيئا ذا بال لهذه البلاد لما وجدنا، فالحقبة الملكية كان حكمها على الحقيقة بيد المندوب السامي البريطاني (هل كان البريطانيون وطنيين؟!!)، ثم خلفها حكم عبد الناصر الذي حارب ثلاثة حروب انهزم فيها جميعا، وأسس فيها للاستبداد والتسلط، وتوحش للأجهزة الأمنية والمخابرات، ومات بعد أن بلغت مصر في عهده أصغر مساحة عبر تاريخها، وقد بلغت السجون في عهده حدا لم تبلغه سجون الاحتلال، وأعدم فقهاء القانون والتفسير وعذب فيه شيوخ الأزهر، وهو ما لم يفعله جنود مملكة لا تغيب عنها الشمس.. من يستطيع أن ينكر أن عهد عبد الناصر كان مذبحة للحريات وللمؤسسات؟!!

ولئن كان عبد الناصر قد اضطهد الجميع، وخص بمزيد من الوحشية جماعة الإخوان المسلمين، فإن السادات أنعم على الجميع بالشرعية إلا جماعة الإخوان المسلمين، فهل كانت المشكلة في الإخوان.. ثم لقد مات الرجل بعد أن اضطهد الجميع أيضا، فهل هي مشكلة الجميع؟!!

ثم جاء حسني مبارك، ولقد أطال الله في عمره وفي عهده حتى لم تُبْقِ له أعماله مُحِبٌّ ولا متابع، اللهم إلا المنافقون، الآكلون على كل الموائد، واللاعقون كل حذاء.. عبيد أهوائهم وشهواتهم، ولو ضاعت البلاد وهلك الحرث والنسل.

ثمانون عاما من الفشل.. ونعم، لقد كانت مشكلة هذه البلاد في أنظمة حكمها..

وهي مشكلة وصلت إلى عمق جديد في هذا المشهد الانتخابي المصري الأخير، إذ برغم أن النظام قد تخلص من كل المعوقات التي قد تضايقه في التزوير، لا رقابة دولية، لا إشراف قضائي، لا شعارات "دينية"، إلا أنه مصرٌّ على أن يمارس لذته في الضرب والتعذيب والاعتقال.

وأيا ما كان الاختلاف حول قرار الإخوان بالمشاركة أو المقاطعة، فلا خلاف في أن المشاركة –كالمقاطعة- قرار سياسي يحتمل الصواب والخطأ، وسوء التقدير وارد عند من اتخذ هذا التوجه أو ذاك، إلا أن الاختلاف غير وارد حول هذه المذبحة التي ينصبها النظام للإخوان المسلمين.

وحقا.. إن كل ذا مظلمة له من يبكيه، إلا المسلمين لا بواكي لهم، ولو أن ما يحدث في حق الإخوان كان يحدث عشر معشاره في حق الأقباط لاشتعلت لك الصحف والفضائيات والمنظمات والهيئات واللجان، ولرأيت على كل شاشة كل ذا عاطفة يبكي.

أما ما ينزل بالإخوان فالكل إزاءه كالعذراء في خدرها، ومن لم يكن كالعذراء ساكتا يُلَمِّح ويُداري، كان كالمومس العاهرة التي يؤرقها أن في الدنيا نساء شريفات فترميهن بالتهم والأكاذيب والافتراءات.

وبرغم اعتراضي على "الوداعة" التي تتلقى بها الجماعة ضربات النظام في صمت، إلا أنه يجب أن نقدر أن جماعة كبرى ولها تنظيم –وإن كان مكشوفا لجهاز الأمن- قادرة على مضايقة النظام، وتفجير ساحة من الصراع مهما كانت النتائج الأخيرة.. ولدينا ما فعله نظير جيد (المعروف بالبابا شنودة) إذ يحرك كم ألفا من الأقباط حتى اقتحام مبنى محافظة الجيزة، لا لشيء إلا لأنهم يريدون بناء كنيسة بالقوة ولم يعجبهم أن الأمن تدخل لوقف البناء.

إذن، إشعال المعارك يمكن أن يتم بسهولة، ولئن كان نظير جيد (شنودة) لا يهتم بإحراق البلد، فإن مما يجب أن يُنْتَبَه إليه ألا نفجر ساحة صراع أخرى مع جماعة كالإخوان، لا سيما وأن ليس ثمة ما يستحق إشعال معركة.. فاللعبة الانتخاية بكاملها تحت "السيطرة الكاملة" للنظام، ويمكن أن تتم العملية بشكل أفضل وأكثر أناقة.

إنه مهما كان الخلاف حول قرار الإخوان بالمشاركة، فإن الذي لا خلاف فيه أن هذه الجماعة لم تكن يوما ضد هذا البلد ولا ضد مصالحه، بل هي أكثر من قدم الضحايا في سبيل إثبات هذه الحقيقة لو كان في البلد من يسمع ومن يعقل. وهي الجماعة التي لم تحتجها البلاد يوما إلا وكانت في مقدمة من يتحرك، وأعمال الإغاثة في الهيئات الرسمية والجمعيات الخيرية إن لم يديرها الإخوان فهم يشاركون فيها.

وهي الجماعة التي استطاعت أن تتجاوز كثيرا من المشكلات كان أقلها يستطيع تفتيت أحزاب وهيئات ومؤسسات، فمَثَّل أفرادها بهذا –حتى من تركوها- نموذجا في التعالي على الأغراض الشخصية التي تدفع غيرهم لخوض حرب مع المؤسسة حتى هدمها.

وهي الجماعة التي تتناسى الماضي وأيام التعذيب والقهر، ولم تحاول الانتقام من قضاة أصدروا الأحكام أو من جلادين مارسوا التعذيب، أو من أبنائهم وزوجاتهم.. وهي الجماعة التي لم يوجد في مصر أوسع منها صدرا في تحمل النقد والتجريح حتى من بين أعضائها، وأنت ترى عداوات بين رجال السياسة والثقافة تنشأ من موقف أو من مقال ثم تتفاعل وتزيد وتكبر حتى تصير رسالةُ كلِّ طرف أن يهدم الآخر.

والحق أنه ليس في المشهد المصري الحالي من يستطيع منافسة الإخوان في العطاء وفي التاريخ، بما فيهم البرادعي الذي لم نر منه شيئا إلا في الأيام الأخيرة، وكان من قبل هذا عن أمرنا من الغافلين!

لقد اختار الإخوان أن يواجهوا النظام، ربما أخطأوا ولكن، من ذا الذي يستطيع أن ينفي بسالتهم وشجاعتهم وجرأتهم وهم يعرضون أنفسهم لهذا؟؟ لا سيما بعد أن دخل النساء على خط المواجهة، فاحتملت النفوس هما آخر هو أقسى وأشد؟؟!!

ولقد دخلوا المواجهة وهم يعرفون مسبقا، أن لا بواكي لهم، ولن يعلو صوت أحد مدافعا عنهم، حتى مجالس المرأة التي يلهبها ختان فتاة في قبيلة بدوية أو عند منابع النيل لا ترى ما يحل بنساء الإخوان المرشحات للمقاعد التي "جاهدت" لأجلها هذه المجالس.. فمن يملك إلا التحية لهذه البسالة؟؟ ومن في مصر يستطيع أن يكون في هذا الوضع ثم يُخاطر هذه المخاطرة؟؟

وصدق المتنبي لما قال:

أفاضِلُ النّاسِ أغراضٌ لَدى الزّمَنِ ... يَخلُو مِنَ الهَمّ أخلاهم من الفِطَنِ
وإنّما نَحْنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ ... شَرٍّ على الحُرّ من سُقْمٍ على بدَنِ

الثلاثاء، نوفمبر 23، 2010

صدور كتابي الأول "التأمل؛ كيف تصل إلى اليقين"


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..

صدر -والحمد لله- كتابي الأول "التأمل؛ كيف تصل إلى اليقين" بعد تعطل أربع سنوات كاملة في محاولات النشر، وقد تفضل الأستاذ الدكتور راغب السرجاني فكتب له مقدمة أثنى فيها على الكتاب وعلى كاتبه ثناءا ما أظنه إلا من كرمه وسمو أخلاقه.

صدر الكتاب عن مؤسسة اقرأ للنشر - القاهرة

ويمكن الحصول عليه عبر المؤسسة نفسها، عبر الاتصال:

0225326610 - 0105224207 - 0126344043

أو في مقر المؤسسة:
10 ش أحمد عمارة، بجوار حديقة الفسطاط - الدور الثاني

أو من خلال حضور محاضرة "دوائر المعرفة" يوم الخميس من كل أسبوع في مقر جمعية مصر للثقافة والحوار [وهذه نسخة بتوقيع من المؤلف]

أو من خلال المكتبات الإسلامية بشكل عام، فمؤسسة اقرأ من الدور التي تتعامل مع غالبية المكتبات الإسلامية في القاهرة والمحافظات.

-----------------------

من مقدمة د. راغب السرجاني

"والأخ الكريم محمد إلهامي باحث شاب أعطاه الله عز وجل من الملكات والمواهب الكثير، فهو ليس غزير المعرفة فقط، ولا مبدعا في أسلوبه وتعبيراته فحسب، وإنما أهم من كل ذلك أراه عميقا في رؤيته وتحليله، وناقدا متدبرا، لا يُسَلِّم بما قد يراه عامة الباحثين من المُسَلَّمات.. إنما يبحث ويُنقِّب، ويقرأ ويحلل، ويبتكر ويبدع.. وقد يخرج بشيء جديد تماما عما رآه السابقون، أو قد يؤيد ما قالوه، لكن بعد وعي وإدراك، ودليل وحجة، فأنا أحسبه – والله حسيبه- على خير كبير، واسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل نظرتي فيه صائبة، وليكونن له –بإذن الله- شأن كبير، فاللهم ارزقه الإخلاص في كل أقواله وأعماله.

جاء كتابه هذا تفصيلا لما لخصته للأخت السائلة، وجاء شارحا وافيا لعبادة مهجورة، وغضافة جيدة –بل ممتازة- للمكتبة الإسلامية، وفي اعتقادي أن هذا أول الغيث، وسيتبعه سيل غزير نافع يمكث في الأرض بإذن الله، فاللهم وفقه لكل خير، وسدّد قلمه وفكره، حتى تخرج أمتنا من كبوتها، وتستعيد مكانتها بجهده وجهد أمثاله من العاملين"

الثلاثاء، نوفمبر 09، 2010

محاضرة في "رحلة الاستشراق"

الحمد لله وبعد،

يشرفني حقا أن أدعو قراء مدونتي الكرام، وهم من أعز الناس عليّ؛ فكل جمهور عزيز على قلب الكاتب- يشرفني أن أدعوكم إلى محاضرة سألقيها في "جمعية مصر للثقافة والحوار" بعنوان "رحلة الاستشراق، قراءة في التجربة الاستشراقية":

وفيها:

1. كيف نظر الغرب إلى المسلمين طوال تاريخ يزيد على ألف سنة؟
2. ما هي العوامل التاريخية التي كانت تؤثر على رؤية الغرب للمسلمين؟
3. كيف تطورت رحلة الاستشراق من الخرافة إلى الاحتراف؟
4. كيف نحكم على المستشرق؟
5. وكيف نقيم أخطاء المستشرقين؟
6. هل انتهى الاستشراق اليوم من عالمنا المعاصر؟
7. لو لم ينته فأين الإنتاج، ولو انتهى فما هو البديل؟
8. ما هي خلاصة رحلة الاستشراق؟
9. كيف يستفيد العالم الإسلامي من هذه الخلاصة؟
10. هل بدأ الاستغراب؟