الجمعة، مارس 29، 2013

ول ديورانت يتحدث عن معاوية رضي الله عنه



يجب علينا ألا نظلم معاوية. لقد استحوذ على السلطة في بادئ الأمر حين عينه الخليفة الفاضل النزيه والياً على الشام، ثم بتزعمه الثورة التي أوقد نارها مقتل عثمان، ثم بما دبره من الدسائس البارعة التي أغنته عن الالتجاء إلى القوة إلا في ظروف جد نادرة، ومن أقواله في هذا المعنى "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولم أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت" قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: "إذا مدوها خليتها وإن خلوها مددته".

ولقد كان طريقه إلى السلطة أقل تخضباً بالدماء من طرق معظم من أسسوا أسراً حاكمة جديدة.

وكان يحس كما يحس كثيرون من المغتصبين أنه بحاجة إلى أن يحيط عرشه بالأبهة والمظاهر الفخمة، وتشبه في هذا بأباطرة الدولة البيزنطية، الذين تشبهوا هم أنفسهم بملك ملوك الفرس. وإن بقاء هذا الطراز من الحكومة الملكية الفردية من عهد قورش إلى يومنا ليوحي بصلاحيته لحكم الشعوب الجاهلة واستغلالها.

وكان معاوية نفسه يشعر بأن حكمه هذا يبرره ما عاد على البلاد في أثنائه من الرخاء، وانقطاع النزاع بين القبائل، وما بلغته الدولة العربية الممتدة من نهر جيحون إلى نهر النيل من قوة وتماسك. وكان يرى ألا سبيل إلى اتقاء النزاع الذي لابد أن يحدث عند اختيار الخليفة إذا ما اتبع مبدأ الانتخاب، وما يؤدي إليه

هذا النزاع من اضطراب وفوضى، إلا إذا استبدل به النظام الوراثي، فنادى بابنه يزيد وليَّاً للعهد، وأخذ له البيعة من جميع ولايات الدولة العربية.

انتهى!

المؤرخ الأمريكي ول ديورانت (قصة الحضارة 13/81)

للمؤرخين الأجانب والمستشرقين نظرات عجيبة في تاريخنا الإسلامي، مفيدة للغاية، فهم ينظرون لتجربتنا بعيونهم وبخبراتهم في التاريخ الغربي، تكون مجحفة أو منصفة، مقنعة أو غريبة بحسب كاتبها وحظه من العلم والأمانة والذكاء!

وبشكل عام فإن ول ديورانت واحد من أهم وألمع وأمتع وأنصف من قرأت لهم من المؤرخين.. لولا أن مات كافرا لاستغفرت له!

وهذه العبارة هي أبسط قراءة عادلة لسيرة معاوية رضي الله عنه، فيها علم وعمق وبساطة ووضوح وإدراك لحقائق تاريخية كثيرة.. شيئ يذكرك بقول الغزالي "اللهم إيمانا كعجائز نيسابور"، حتى لتكاد تهتف "اللهم تأريخا كمنصفي الأمريكان"

الاثنين، مارس 25، 2013

البوطي.. صدمة الحياة وصدمة الموت!!



أما البوطي نفيه فلا نحكم عليه لا بجنة ولا بنار، التزاما بالدين ووقوفا عند نصوص النبي صلى الله عليه وسلم، واعترافا بأننا لا نعلم الغيب ولا نعرف السرائر.

وأما قتله داخل مسجد فهو منكر مُدان على لسان الجميع، لا يقره أحد ولا يرضاه مسلم.

لكن الترضي عليه، والثناء عليه، والتماس الأعذار له في مناكره ومخازيه وفضائحه أمر آخر..

فما الدين؟ وما الحق؟ وما القيم؟ وما كل شيء إذا كنا نترحم على البوطي كما نترحم على محمد محرز؟!!

وما العقل؟ وما المنطق؟ وما الفهم إذا كنا نرى بشار مجرما ثم لا نرى البوطي أشد إجراما بما كان في رأسه من علم وبما حمله الله من أمانة البلاغ؟

يا تعسا للعمة إن كان المجرم حين يلبسها يتحول إلى متأول معذور؟!!

لا أصدق تعليقات البعض على البوطي.. لا أصدقها أبدا؟!!!

أتكون إبادة عشرات الألوف، قتلا وحرقا وتدميرا وتفجيرا، وانتهاك أعراض نسائهم، وذبح الأطفال بالسكاكين، والإجبار على الكفر بالسجود لصورة بشار أو شهادة أن لا إله إلا بشار.. أيكون كل هذا إجرام، ثم يكون الداعم له والمؤصل له والمنافح عنه متأول معذور؟

ليكن البوطي في الجنة بخير لا نعلمه أو بسريرة نجهلها أو بنية صالحة مات عليها أو بتوبة قبل الثانية الأخيرة من عمره.. ليكن أين شاء الله أن يكون.. لكن لابد أن يبقى منبوذا مكروها مخذولا مستنكرا في حياة البشر وعلى لسان التاريخ؟

وإلا فأي شيء نقدمه للناس إن كان ديننا يترحم على كل من لبس العمة وإن فتن الناس وقتلهم وحرقهم وذبحهم؟؟!!

أي قيمة تبقى في الأرض إن كان المجاهدون كأعدائهم؟ والمقتولون كقتلتهم؟ والمتغتضبات كمغتصبيهم؟!!

أي دين هذا الذي نسوقه للناس حيث يستوي فيه الخير والشر، الحق والباطل، الإجرام والدفاع عن النفس، الثورة على الطاغية والتطبيل له؟

كيف يكون شهيدا من ثار على بشار؟ ويكون شهيدا أيضا من قُتِل في سبيل بشار؟!!!

والله لئن لم يظل البوطي مكروها منبوذا ملعونا بلسان التاريخ لتلك هي البوابة العظمى ليتحول كل المشايخ والعلماء -إلا من خشي الله- إلى خونة للرسالة وعبيد للسلطان وقتلة لشعوبهم.

من أشكل المشكلات توضيح الواضحات، وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!

* من سيفهم الموضوع على أنه صراع سلفي - أشعري أو وهابي - صوفي فليرحم نفسه من غبائه وليرحم أعصابي من رؤية تعليقاته!!

الأربعاء، مارس 20، 2013

الرد الثاني على ما افتراه يوسف زيدان



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن ولاه!

فقد انتقى د. يوسف زيدان ردي من بين الردود التي كُتبِت عليه، ثم ردَّ عليه بمقالة من ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول كله حسر على مصر وما بلغته من مستوى الحضيض، وتعريض بأني ذو لحية، واتهام بأني من الإخوان، ثم اتهام بضحالة العلم وقصر الذيل، وعلى هذا انتهى الجزء الأول!

ثم جاء الجزء الثاني فكان تعليقا على ألفاظي وتوصيفاتي، وتبرئة لنفسه من تهمة الحقد، وتثبيت لتهمة الإخوانية بشخصي، واتهام بمحاولة الاشتهار على حسابه وعبر الردِّ عليه، ثم ردَّ على مسألتين من المسائل السبعة ردًّا سريعا لا يشفي ولا يكفي ولا حتى يتناول أصل الموضوع بل هو داخل في رحلته البكائية!

ثم جاء الجزء الثالث فعرض لباقي النقاط عرضا سريعا لا يمكن أن يصنف أنه ردٌّ علميٌّ على الإطلاق، بل كلام عابر متناثر لا تقوم به حجة، وليس تحته شيء، وقد شعر هو بهذا ففسره بأنه ملَّ من الردِّ، والحق أن موقفه كان في غاية الضعف.. وهذا ما يأتي بيانه بإيجاز في غير تطويل.

***

السجالات أمر لا يحبه القارئ المعاصر، والحديث المتخصص أم لا يحبه القارئ العادي، فأنا في هذا المقال أمام هذين الحاجزين، ثم إن هذا هو الردُّ الرابع في سلسلة الردود وقليل من يصبرون على تتبع الأمر ليكشفوا عن المسألة.

سأقسم هذا الردّ إلى ثلاثة أجزاء: ما يتعلق بشخصي (ولن يعدو سطورا)، ثم ما يتعلق بأخطائي التي وقعت فيها، ثم بالمسائل المطروحة والتي ادعى زيدان أنه ردَّ عليها.

***

صال الباحث وجال متهما إياي بالإخوانية في الأجزاء الثلاثة بل رفعني لمرتبة "مفكر الإخوان"، ثم أضاف اتهاما آخر بأن من ردُّوا عليه يسعون للتقرب من السلطان!

أما كوني من الإخوان فغير صحيح، كنت منهم حتى سبع سنوات مضت، ولي عليهم انتقادات كثيرة يعرفها من يتابع صفحتي، لماذا لم يتصور الباحث أن ثمة من يمكن أن يرد عليه لمجرد الأمانة العلمية؟ لماذا يجب أن يكون من يرد عليه خبيث الغرض مدخول النية؟! ولكن لا بأس، فهذا يعطيكم فكرة عن الأستاذ الذي يصنف الناس ولم يحفل بالتحقق من أفكاره حتى بالمعلومات التي لا تستدعي إلا أن يحرك أطراف أصابعه إلى صفحات الفيس أو المدونة.

أما كوني مؤرخا فهذا شرف لا أدعيه وإن كان حُلُما أسعى إليه وأتمنى من الله أن يوفقني، وعادة فأنا لا اتخذ لقب المؤرخ ولا أرضى أن يُتَّخذ لي وأكون حريصا على تصحيح الأمر في لقاءات إعلامية، لكني منذ أنشأت المدونة قبل عشر سنوات سميتها "المؤرخ" كنوع من الحلم، كالذي يسمي مدونته "الفارس/ الباحث/ فاتح الأقصى ... إلخ"، وصفحتي على الفيس بوك لم أُنْشِئها، بل أنشأها لي شاب لم أعرفه فكتبها "المؤرخ محمد إلهامي" ظنا منه بأني بلغت هذه المرتبة، ثم توليت الإشراف عليها وما كان بالإمكان تغيير الاسم تبعا لقواعد الفيس بوك.

وأحسب أن المهتم بمتابعة ما ألفته من كتب أو ما شاركت فيه من بحوث حازت جوائز عالمية فسيجد ذلك يسيرا إن شاء الله، أقله أن ينظر في السيرة الذاتية في نهاية آخر الأعمال "رحلة الخلافة العباسية" (3 مجلدات).

***

أما أخطائي التي أعترف بها ولا أتكبر عليها فهي:

1. قولي بأن كتاب الصفدي هو "فوات الوفيات" والصحيح أن كتابه هو "الوافي بالوفيات" وعنه نقلت، وأما كتاب "فوات الوفيات" فهو لابن شاكر الكتبي.. وهذا والله من فلتات اللسان والقلم لا من الجهل به.

2. خطأي في فهم المسألة الثالثة من المسائل السبع موضع الجدال، فقد أخطأت في عكس الكلام، وظننت أن الرئيس مرسي هو من قال "مقدمة في تاريخ العلم" بينما تصحيح د. يوسف زيدان هو الصحيح والخطأ من نصيب مرسي.

وعلى هذا الخطأ الثاني دارت كل ردود أنصار زيدان، رغم أني أقول بعدها مباشرة هذه الجملة:

"على أنه وبافتراض أن مرسي قد أخطأ في عنوان الكتاب، فما البأس؟!! إن الخطأ في عناوين الكتب في المحاضرات العامة، بل وفي الأبحاث العلمية أحيانا يقع من الباحثين والمتخصصين –نسيانا أو جهلا أو غير ذلك- ولا ينكر بعضهم على بعض في هذا الأمر التافه، فهو في حق رئيس الجمهورية الذي يلقي خطابا دبلوماسيا وليس محاضرة علمية أمر أشد تفاهة.. وإن التقاط زيدان لهذا الأمر دليل على ضغينة نفسية قبل أن يكون أمانة علمية".

وهو الخطأ التي شمل مساحة الأسد من رد يوسف زيدان أيضا، رغم أن الرجل بحضوره للندوات والمؤتمرات العلمية لا شك يرى أمامه كثيرا هذا الخطأ سهوا أو حتى جهلا ولا يرى المجتمعون ضرورة التعليق على صاحب الورقة بأنه اخطأ في اسم الكتاب.. فكيف نحاكم رئيسا في خطاب شرفي بما لا يحاكم به المتخصصون أنفسهم في المحافل العلمية؟!!

ويشهد الله أني انتبهت لهذا الخطأ مبكرا من خلال التعليقات وقد كنت قادرا على محوه بعد ظهور المقال بدقائق، لكني منهجي (الذي لا يرضى عنه كثيرون من الأصدقاء) أني أعتبر المقال وثيقة تاريخية وأنه وبمجرد نشرها فقد حرم علي التعديل فيها، فلا أصحح حتى أخطاءها النحوية التي أكتشفها لأن هذا عندي بمثابة "تزوير في الوثيقة"، رغم ما قد يسببه هذا من آثار سلبية، ولكني رضيت بهذا المنهج على كل حال.

ولو أن النوايا صادقة لقرأ الجميع اعترافي في بداية المقال بأني لم أسمع خطاب الرئيس لأن سرعة الانترنت عندي لم تسمح بتشغيل الفيديو، وأني –لهذا السبب- أخذت في الرد على يوسف زيدان مُسَلِّما له بكل ما قال، ومفترضا فيه دقة النقل والأمانة العلمية.

***

نأتي لردود الموضوع وهي الأهم، وسأسوق خلاصاتها لكي لا يمل القارئ، دون مقدمات رثائية طويلة كما فعل زيدان.

1. اسم البيروني

ما حدث أن زيدان جَزَم بأن مرسي نطق اسم البيروني بطريقة خاطئة (البَيْروني)، فكان ردي أن هذا النطق قال به الصفدي وابن حجر والسيوطي وبامخرمة الحميري وابن ناصر الدين القيسي ووقع في إحدى مخطوطات الأنساب للسمعاني ومال إليه واحد من أعرق الناس في اللغة وهو الأب أنستانس ماري الكرملي، ونسبت ذلك إلى المصادر بالصفحات والأرقام.

فإذا بالرد الزيداني يكون "وفى الكتابين ، بحسب المخطوطات التى رأيتها (وهو بالقطع لم يرها) لم يرد الكلام مضبوطاً بالحركات، حتى نستشهد بذلك. ولو كان مضبوطاً على هذا النحو الخاطئ، فهذا مما لا يجوز الاستشهاد به".

فرغم أني استشهدت بسبعة مصادر جنح هو إلى كتابين فقط وقال لم أر هذا الضبط فيهما! وهذا أمر لا أدري كيف أرد عليه؟ ولا أدري كيف يعتبر نفسه بهذه العبارة قد ردَّ عن نفسه ودفع عنها تهمة الجهل؟ فالكتب مطبوعة وعباراتها واضحة كالشمس، وهذا كتاب الصفدي "الوافي بالوفيات" –الذي يزعم أنه رأى مخطوطاته- يقول بالنص:

"بفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم الرَّاء وَبعد الْوَاو الساكنة نون" (8/91، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، ط: دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ = 2000م).. وبذات العبارة تقول النسخة الأخرى التي أصدرتها جمعية المستشرقين الألمانية ضمن "النشرات الإسلامية" التي أسسها هلموت ريتر، وتوثيقها: (8/138، تحقيق محمد يوسف نجم، 1402هـ = 1982م)

ولا أدري كيف أفعل بعد هذا، هل أطبع صورة العبارة وأنشرها على الانترنت مثلا؟!!


 
وهذا في الكتاب الذي زعم أنه رأى مخطوطاته، فكيف بالمصادر التي لم يرها وعبر عليها دون ردًّ ولا إشارة؟!

ولا أدري كيف واتته الجرأة أن يقول ببساطة: "ولو كان مضبوطاً على هذا النحو الخاطئ، فهذا مما لا يجوز الاستشهاد به".. فهي دعوة لأن نلقي بأي مصدر يخالف رأي زيدان في المزبلة هكذا بغير توقف ولا تحقيق.

وفي النهاية فإن أصل الموضوع أن المسألة فيها أخذٌ وردُّ، وأنه لا يصح أن يُنكر على رئيس الجمهورية في خطاب غير علمي في مسألة دقيقة وهامشية كهذه، وفيها خلاف أيضا.. فكيف يمكن أن يقال عن هذا خطأ وشنيع؟!

***

2. البيروني والفلسفة

قال زيدان في رده على خطاب الرئيس: "والبيروني، يا رئيس مصر، لم يشتغل بالفلسفة مثلما زعمت في كلمتك".

فلما رددت عليه وأثبتُّ له أنه اشتغل بالفلسفة بل وتبحر فيها –وبالخصوص فلسفة الهند واليونان- وكانت بينه وبين ابن سينا رسائل، لما وقع في هذا الفخ، جاء رده بهلوانيا فقال: "نسب للرجل النبوغ فى علوم الفلسفة". أي أنه في البداية نفى في الرد الأول أنه "اشتغل" بالفلسفة أصلا، ثم أوحى في رده الثاني بأن النزاع كان حول "النبوغ" في الفلسفة!

هذه هي الأمانة العلمية لدى الباحث المحقق يوسف زيدان!!

***

3.  ابن الهيثم والطب

نفى زيدان في الرد الأول أن يكون لابن الهيثم "أي إسهام في الطب ولا التشريح".. فلما أثبتُّ له من كتاب مؤرخ الأطباء ابن أبي أصيبعة أنه كان "كَانَ خَبِيرا بأصول صناعَة الطِّبّ وقوانينها وأمورها الْكُلية" وأن له مؤلفا في الطب، لما ووجه بهذا جاء رده على هذا النحو:

-       أنا انتقدت كتاب ابن أبي أصيبعة في دراساتي السابقة
-        
-       هناك اثنان من العلماء يحملان لقب ابن الهيثم
-        
-       شتائم في الجهلة الذين لا يعرفون ويعتمدون على ويكيبيديا
-        
ولست أدري من أين أرد أيضا، فلا انتقادك لكتاب ابن أبي أصيبعة دليل يُلْزِمنا أولا، ولا وجود اثنين من العلماء يحملان لقب ابن الهيثم أمر داخل في النزاع أصلا، ولا كان في ردي معلومة واحدة من ويكيبيديا!!

لقد ألف ابن الهيثم في الطب والتشريح، بحسب ما كتب هو نفسه، وقد نقلتُ النص في ردي الأول فليرجع إليه من شاء، وهذا إثبات لخطأ زيدان الذي نفى "أي إسهام" لابن الهيثم في الطب أو التشريح!!

ومن العجيب الملفت للنظر أن زيدان نفى نبوغ البيروني في الفلسفة مستدلا بأنه لم يؤلف فيها كتابا (كما في الجزء الثالث من رده) ثم هو ذاته بعد سطور ينفي "أي إسهام" لابن الهيثم في الطب والتشريح رغم أنه ألف فيهما!!

***

4. جابر بن حيان والكيمياء

وهنا كان الأستاذ قد وصل إلى الملل فلم يرد على شيء مما كتبته بل كرر قوله مرة أخرى بلا دليل ولا بينة "الكيمياء كانت علما معروفاً من قبل "جابر بن حيّان" بقرون ، و لا يصح القول بأنه مؤسسها".. وهو هنا لم يرد فلا تعقيب لي.

5. ابن خلدون وعلم الاجتماع

وهنا فعل ذات الأمر، كرر كلمته التي قالها من قبل دون أدنى رد على كلامي

***

الخلاصة:

ومن بين سبع انتقادات وجهها يوسف زيدان للرئيس، ومن خلال هذه الردود التي أمامكم.

أخطأ الرئيس في اثنتين: واحدة منها هامشية في عنوان كتاب جورج سارتون

وأخطأت أنا في اثنتين: واحدة منهما هامشية في عنوان كتاب الصفدي

وأخطأ يوسف زيدان في خمسة: اسم البيروني، اشتغاله بالفلسفة، إسهام ابن الهيثم في الطب، وجابر بن حيان في الكيمياء، وابن خلدون في علم الاجتماع.

***

وهذه هي الردود أمام القراء جميعا.. وأنفعهم بها هو أصبرهم على قرائتها وأنصفهم في الحكم عليها، وقد كان في النفس كلام كثير تعليقا على منهجية زيدان وعلى بعض أخطائه الأخرى لكن الرد طال جدا بما قد ينتفي معه النفع على القارئ المعاصر الذي هو ملول بطبيعته.

ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

الثلاثاء، مارس 19، 2013

يوسف زيدان.. الحقد يولد الجهل





كتب يوسف زيدان –على صفحته على الفيس بوك- رسالة يعلق فيها على خطاب الرئيس محمد مرسي في الهند، وقد ذكر له سبعة أخطاء فادحة الجهل، وعلق عليها باستعلاء واستخفاف وتحدث بلهجة الواثق التي تغر الصغار والسطحيين، فحصد آلافا من الإعجابات والمشاركات والتعليقات التي تبكي حال الرئيس المصري الجاهل ومستشاريه الجهلة.

وقد عجزت أن أشاهد الفيديو لأن الانترنت عندي الآن لا يسمح بهذا، فقررت تصديق يوسف زيدان ومناقشة ما كتبه من فضائح فاضحة وفدائح فادحة، وأمور تصيب بالحسرات من مستوى الباحثين في مصر ممن قد شابت رؤوسهم وأشير إليهم بالبنان، وقد سلكت في هذا الرد توثيق كل معلومة من كتابها ومصدرها ليتأكد منها من شاء وليسكت من كان لديه بقية من احترام نفس!

وقد كانت لديه الجرأة ليقول بأنه كتب هذا غيرة على مصر لا أكثر، ولو نطقت مصر لأسمعته ما يكره!

لك الله يا مرسي.. ولك الله يا مصر!!

***

1. نطق اسم البيروني خاطئا فقالها "البَيْروني"

2. قال بأن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس

3. قال بأن البيروني اشتغل بالفلسفة وهو لم يشتغل بالفلسفة

4. قال بأن كتاب جورج سارتون هو "مقدمة فى تاريخ العلم" والصحيح أنه "دراسة فى تاريخ العلم"

5. قال بأن ابن الهيثم علم الدنيا التشريح والصحيح أنه برز فى الهندسة و البصريات، وليس له إسهام فى الطب ولا التشريح.

6. قال بأن جابر بن حيّان أسس علم الكيمياء بينما كانت الكيمياء معروفة من قبله بقرون عند اليونان و الإسكندرانيين والعرب المسلمين.

7. قال بأن ابن خلدون "عرّف علم الاجتماع" وإنما ابتكر "علم العمران البشرى" الذى رأى بعض الدارسين أنه كان مقدمة لعلم الاجتماع الذى أسّسه أوجيست كومت و إميل دوركايم و آخرون.

***

فهذه سبعة أخطاء جمعها د. يوسف زيدان للرئيس مرسي.

وإليك الردُّ عليها:

***

1. هل نطق الرئيس اسم "البَيْروني" (بفتح الباء وتسكين الياء) خطأ؟

إن هذا النطق هو ما أقره جمع العلماء والمؤرخين والرحالة، منهم: الصفدي (فوات الوفيات 8/91)، وابن حجر (تبصير المنتبه 1/188) والسيوطي (لب اللباب ص49)، وبامخرمة الحميري (النسبة إلى المواضع والبلدان)، وابن ناصر الدين القيسي (توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم 1/329)، ووقع كذلك في إحدى مخطوطات الأنساب للسمعاني بحسب محققه الشيخ عبد الرحمن المعلمي (الأنساب 2/392)، وبه جزم بعض اللغويين مثل الأب أنستانس ماري الكرملي في (مجلة لغة العرب العراقية 2/258).

فهو إذن ليس خطأ كبيرا ولا فاضحا لا يليق برئيس مصر كما زعم يوسف زيدان، بل قال به هؤلاء الكبار من قبل وهو مسطور في كتبهم التي وضعنا توثيقها بأرقام الصفحات عسى أن يقرأها من أراد.

ونحن لا ننفي أن يكون بعض المؤرخين والنسابة قال بأنه "البِيروني" (بكسر الباء)، ولكن هذا الكلام وضبطه مجاله بين اللغويين والباحثين، ولا إنكار فيه على غير المتخصص، وليس مطلوبا من رئيس الجمهورية أن يكون في علامة محققا في اللغة والأنساب وضبط أسماء الرجال والبلدان!

***

2. قال بأن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس

إن كان قد صحَّ هذا النقل، فهنا الخطأ بالفعل على الرئيس مرسي ومن كتب له الخطاب، وهو خطأ سيئ للغاية فهذه المعلومة مشهورة بالفعل، خصوصا وأن إنجاز ابن النفيس مشهور جدا لأنه تعرض للسرقة العلمية ثم كُشِف الستار عنه.

ليكن.. هذا بالفعل خطأ، ودعونا نتابع باقي "الأخطاء"!!

***

3. هل أخطأ الرئيس مرسي حين قال بأن البيروني اهتم بالفلسفة؟

لقد وجدنا عمله بالفلسفة ثابتا عند المؤرخين، منهم: ابن أبي أصيبعة (عيون الأنباء 3/119) وذكر أنه "كان مشتغلاً بالعلوم الحكمية... وكان معاصر الشيخ الرئيس (ابن سينا)، وبينهما محادثات ومراسلات، وقد وجدت للشيخ الرئيس أجوبة مسائل سأله عنها أبو الريحان البيروني وهي تحتوي على أمور مفيدة في الحكمة" وكذلك ابن العبري (تاريخ مختصر الدول ص186) والصفدي (فوات الوفيات 12/251) وابن فضل الله العمري (مسالك الأبصار 9/475) وعبد الحي بن فخر الدين الحسني (نزهة الخواطر 1/29)، وعمر رضا كحالة (معجم المؤلفين 8/241) وذكر أنه "تبحر [وليس مجرد اهتمام] في الحكمة اليونانية والهندية".

ترى ما شعور الأستاذ المتخصص الذي ثبت –ليس فقط جهله- وإنما ثقته بالجهل ونصيحته به؟!! وماذا يكون الحال إذا كان الباحثون المتخصصون الذين شابت رؤوسهم في بلادنا بهذا المستوى؟!

***

4. ما اسم كتاب جورج سارتون؟

زعم يوسف زيدان أن كتاب جورج سارتون اسمه "دراسة في تاريخ العلم" وليس "مقدمة لتاريخ العلم"، ومن الفاضح المؤسف أن عنوان الكتاب بالإنجليزية هو "Introduction to the History of Science" أي أن الترجمة الحرفية له هي "مقدمة لتاريخ العلم" كما قال الرئيس مرسي!!

على أنه وبافتراض أن مرسي قد أخطأ في عنوان الكتاب، فما البأس؟!!

إن الخطأ في عناوين الكتب في المحاضرات العامة، بل وفي الأبحاث العلمية أحيانا يقع من الباحثين والمتخصصين –نسيانا أو جهلا أو غير ذلك- ولا ينكر بعضهم على بعض في هذا الأمر التافه، فهو في حق رئيس الجمهورية الذي يلقي خطابا دبلوماسيا وليس محاضرة علمية أمر أشد تفاهة.. وإن التقاط زيدان لهذا الأمر دليل على ضغينة نفسية قبل أن يكون أمانة علمية! فكيف وقد اتضح أن الدقة من نصيب الرئيس والخطأ من نصيب الباحث المتخصص..

يا فضيحة العلم!!

***

5. قال بأن ابن الهيثم علم الدنيا التشريح والصحيح أنه برز فى الهندسة و البصريات، وليس له إسهام فى الطب ولا التشريح.

هكذا ببساطة قال زيدان "ليس له إسهام في الطب ولا التشريح"!!

ستدرك حجم الكارثة حين ترى اسم الحسن بن الهيثم قد ذكره مؤرخ الأطباء ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" وقال عنه: "كَانَ خَبِيرا بأصول صناعَة الطِّبّ وقوانينها وأمورها الْكُلية"، ونقل فيه قول الحسن بن الهيثم عن مؤلفاته التي كان منها كتاب "فِي تَقْوِيم الصِّنَاعَة الطبية نظمته من جمل وجوامع مَا نظرت فِيهِ من كتب جالينوس وَهُوَ ثَلَاثُونَ كتابا كِتَابه فِي الْبُرْهَان كِتَابه فِي فرق الطِّبّ كِتَابه فِي الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة كِتَابه فِي التشريح كِتَابه فِي القوى الطبيعية كِتَابه فِي مَنَافِع الْأَعْضَاء كِتَابه فِي آراء أبقراط وأفلاطن كِتَابه فِي الْمَنِيّ كِتَابه فِي الصَّوْت كِتَابه فِي الْعِلَل والأعراض كِتَابه فِي أَصْنَاف الحميات كِتَابه فِي البحران كِتَابه فِي النبض الْكَبِير كِتَابه فِي الاسطقسات على رَأْي أبقراط كِتَابه فِي المزاج كِتَابه فِي قوى الْأَدْوِيَة المفردة كِتَابه فِي قوى الْأَدْوِيَة المركبة كِتَابه فِي مَوَاضِع الْأَعْضَاء الآلية كِتَابه فِي حِيلَة الْبُرْء كِتَابه فِي حفظ الصِّحَّة كِتَابه فِي جودة الكيموس ورداءته كَلَامه فِي أمراض الْعين كِتَابه فِي أَن قوى النَّفس تَابِعَة لمزاج الْبدن كِتَابه فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف كِتَابه فِي أَيَّام البحران كِتَابه فِي الْكَثْرَة كِتَابه فِي اسْتِعْمَال الفصد لشفاء الْأَمْرَاض كِتَابه فِي الذبول كِتَابه فِي أفضل هيئات الْبدن جمع حنين بن إِسْحَاق من كَلَام جالينوس وَكَلَام أبقراط فِي الأغذية".

غير أن الأمانة العلمية تقتضي أن نقول بأن بروز الحسن بن الهيثم لم يكن في الطب والتشريح بل في الهندسة والبصريات فعلا، لكن أإلى حد أن يقال "ليس له إسهام".. هكذا ببساطة، وبلهجة الواثق المتمكن، فهذا أمر يخرق القدرة على الاحتمال بالفعل.

ويجب أن نعلم أن "علم الطب" في ذلك الوقت كان شيئا مختلفا عن "ممارسة الطب"، فمن الممكن أن يكون العالم خبيرا في الطب دون أن يكون له حظ كبير من ممارسته، وهكذا كان ابن سينا، ومثله كان الحسن بن الهيثم! كان خبيرا بأصول صناعة الطب وإن لم يمارسه كثيرا.. فهل ثمة من يجرؤ على أن ينفي إسهام ابن سينا في الطب؟!!!

***

6. نفى يوسف زيدان أن يكون جابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء وقال بأنه كان معروفا قبله لليونانيين والمصريين والعرب والمسلمين

وهنا تدليس وتزييف، فالكيمياء من حيث هي خلط مواد على بعضها أو توقع نتائج خلط المواد على بعضها كانت بالفعل معروفة، أما الكيمياء من حيث هي علم قائمة على التجريب والملاحظة والتسجيل فهي من آثار جابر بن حيان وعلماء المسلمين.

اسمع إلى مؤرخ الحضارة الأمريكي ول ديورانت وهو يقول: "ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علمًا من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان -على ما نعلم- على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة" (قصة الحضارة 13/187).

وهذا فيليب حتي يقول: "وكان أعظم ما أسداه العرب إلى العلم بعد الطب والفلك والرياضيات مآثرهم في علم الكيمياء، الذي لم يزل يحتفظ باسمه العربي في جميع اللغات الأوربية، ففي دراسة الكيمياء وسواها من العلوم الطبيعية أدخل العرب التجربة الموضوعية، وهي خطوة تحسينٍ راهنٍ على تأملات اليونان الغامضة... ولجابر الفضل في أنه أول الكيمياويين الذين نادوا بأهمية البحث التجريبي، وفي أنه خَطَا خطوات واسعة في سبيل التقدم الكيمياوي من وجهتيه النظرية والعلمية" (العرب تاريخ موجز ص153، 154)

وبمقل قولهما قال الباحثون الأجانب الذين ما كان لأحدهم أن ينسب لعمر الخيام شيئا قال به أحد من اليونان قبله، منهم دومينيك سورديل (الإسلام ص157) وفرناندو بروديل (تاريخ وقواعد الحضارات ص92، 93) ولويس سيديو (تاريخ العرب العام ص381) وزيجريد هونكه (شمس الله تسطع على الغرب ص401، 402) وغيرهم.

***

7. وقال زيدان بأن مرسي أخطأ حين قال بأن ابن خلدون "عرّف علم الاجتماع" وإنما ابتكر "علم العمران البشرى" الذى رأى بعض الدارسين أنه كان مقدمة لعلم الاجتماع الذى أسّسه أوجيست كومت و إميل دوركايم و آخرون.

وهذا الأمر ليس إلا خلافا علميا وهو أقرب إلى خلاف الاصطلاح منه إلى الخلاف الحقيقي، متوقف على تعريف علم الاجتماع والفارق بينه وبين علم العمران البشري، وما علاقتهما ببعضهما البعض، انفصال وتأثير أم تطوير وامتداد، وهو أمر ساحته علمية بحتة، ولا يعد الخطأ فيه وسيلة للطعن والاستنكار.

وعلى افتراض صحة قول يوسف زيدان نفسه، فمادام علم "العمران" مقدمة لعلم الاجتماع، فالقول بأن مؤسسه هو ابن خلدون أمر لا يبعد عن الحقيقة، أو هو على أكثر الأحوال لا يعد خطأ علميا في خطاب دبلوماسي لرئيس جمهورية!!

بإمكاننا أن نجعل رئيس الجمهورية تابعا لمذهب عالم الاجتماع النمساوي الذي قال: "لقد أردنا أن ندلِّلَ على أنه قبل أوجست كونت، بل قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوربي، جاء مسلم تقيٌّ، فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل مُتَّزِنٍ، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه هو ما نسمِّيه اليوم علم الاجتماع"!!!

***

من سبعة أخطاء كتبها يوسف زيدان ثبت أن واحدا فقط هو ما يستحق التعليق، وستة كانت ما بين خطأ فاحش من يوسف زيدان أو أمور تحتمل الأخذ والرد وفيها خلاف بين أهل التخصص.. فأي ناصح هذا؟ وأي نصيحة تلك؟!!

الحق أن الحقد الذي في قلب يوسف زيدان ظهر في كلامه فأظهر منه جهلا مريعا، ولعل الرئيس مرسي كان موفقا حين اختار مستشاريه بعناية ولم يتعثر في أمثال يوسف زيدان ممن يبلغ بهم الحقد هذا المبلغ الدنيء.