حين كانت في مستشفى القصر العيني قبل نحو خمس سنوات
أخبرها الأطباء بأنها بحاجة إلى عمليتين جراحيتين: إحداهما الآن وهي عملية تمهيدية
والأخرى بعد شهرين وهي العملية الأساسية، فقالت: لا، أجروا لي العملية كلها الآن
لأني أخشى ألا أستطيع العودة إلى مصر مرة أخرى ولا أدري ظروف غلق المعبر ولا أحب
أن أسبب إحراجا جديدا لحماس مع مصر! أخبرها الأطباء بخطورة هذا على صحتها فأصرت
على اختياره، وهو ما كان!
قبل أن تأتي إلى مصر كان الأطباء في غزة قد أعلنوا فشل
الإمكانيات الطبية لديهم، وأنها بحاجة إلى نقل سريع لمصر، وجرت الاتصالات بين
حكومة غزة وبين مخابرات عمر سليمان –نفق الاتصال الوحيد بين الجانبين- لكن
المخابرات المصرية تعاملت مع الأمر بطريقة: "في ستين داهية.. تموت
أحسن"، وحين انسدت السبل تماما وتدهور الوضع الصحي للبطلة الفلسطينية أم
الشهداء خرج إسماعيل هنية على وسائل الإعلام وخلاصة رسالته: غير معقول أن تمتنع
مصر عن فتح المعبر لمناضلة فلسطينية حياتها مهددة بالخطر!
وبهذه الفضيحة وفي أجواء الخزي فُتِح المعبر استثنائيا،
فلقد صار اسم معبر رفح "معبر الموت" لكثرة من يموتون على أبوابه في
انتظار التصريح من المخابرات المصرية التي يقودها مجموعة من القتلة والسفاحين
الذين لا يهتزون لموت طفل أو شيخ أو امرأة أو شاب لا يرجو منهم إلا فتح الطريق
ليُعالج!
كنتُ أزور المصابين الفلسطينيين في المستشفيات المصرية (وقتما كانوا يسمحون لهم بالدخول أحيانا)،
كنت أقبل أياديهم اعترافا بفضل جهادهم ومحاولة مسح بعض عار حسني مبارك ومخابراته
وخيانتهم للأمة والدين وعمالتهم لإسرائيل.
لكن قدماي عجزتا عن حملي إلى حيث أم نضال، حسبت للحظة أن
رؤية وجهها قد تفضي إلى الموت خجلا وخزيا وعارا، كلما هممت أن أزورها صعقني الموقف
وصرت لا أتحمل نظرة عينيها ولا في خيالي، فكنت أتهرب من تخيل هذه النظرة أصلا..
وقد استعضت عن هذا بالاتصال المتكرر بمرافقها ومتابعة حالتها معه، وفهمت منه أنه
قد أجريت لها العملية الرئيسية بدون العملية التمهيدية لأنها "لا تضمن أن
يفتح المعبر مرة أخرى" وأن حالتها لم تكن جيدة ولكن كانت أفضل مما توقع
الأطباء.
وعادت أم نضال ومرافقيها إلى غزة أرض العزة، وتركت لنا مصر
وعارها ومباركها ومخابراتها تزيدنا ذلا وقهرا وخزيا!
وعلى رغم ما حدث في مصر من شبه ثورة، وبرغم نفوق الهالك
عمر سليمان، إلا أن غزة ما زالت في أسر المخابرات!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق