الأربعاء، مايو 29، 2013

كيف يؤسس حكم الدستورية لأسلمة الجيش المصري


1. لم تدر "عصابة الدستورية" أن منح حق التصويت لأعضاء الجيش والشرطة سيصب في النهاية لصالح الإسلاميين. ذلك أن الجيش والشرطة في مصر لم يتحول إلى جماعة وظيفية منفصلة عن المجتمع (إلا قطاعات محدودة + القيادات) مثلما هو الحال في الممثلين والإعلاميين، أو مثلما هو الحال في جيوش أخرى.

كانت تركيبة مبارك تسمح للقيادات العليا بالمدى الواسع من الفساد والاكتساب منه فيما يظل الجسم الرئيسي للأجهزة مندرج ضمن عموم الشعب، تشمله ذات المعاناة وتشيع فيه ذات الأفكار.

لهذا يمكن للجندي أن يقتل بالأمر النظامي العسكري، لكنه لو منح الفرصة للاختيار الحر فليس اختياره متفقا مع الأمر العسكري بالضرورة، بل ربما على العكس تماما.

وإن تأثير القيادات الكارهة للإسلاميين لن يبلغ في أحسن الأحوال أكثر مما فعله الإعلام بعموم الناس.. وقد فشل الجميع حتى الآن في إسقاط شعبية الإسلاميين، تدل على هذا نتائج الانتخابات التي لم تتغير نتيجتها حتى هذه اللحظة.

(أحب أن أذكركم أن تصويت الشرطيين كان أحد الأسباب التي لجأ إليها دحلان وأبو مازن لضمان اكتساح فتح للانتخابات التشريعية 2006، ثم انتهت الانتخابات إلى اكتساح حمساوي غير متوقع.. وبعد أن فكرت حماس في محمود الزهار وزيرا للداخلية فوجئت بأن اختيار الشرطيين "وكلهم فتحاوية" كان متجها إلى سعيد صيام، فعدلت إلى اختيار سعيد صيام وزيرا للداخلية)

2. المثير للتأمل أن الوحيد الذي فهم هذا -في طائفة المحللين والسياسيين- هو عبد الفتاح السيسي.. (بشكل عام تعجبني العقلية المخابراتية حتى لو كرهت مسارها) ولذا فقد كان الأكثر حسما في أن الجيش المصري لن يُسَيَّس.

لئن أحسنت به الظن فهو رجل يفهم طبيعة المرحلة ويفهم أن دخول السياسة إلى الجيش في هذه اللحظة كفيل بتدميره وبجعله ألعوبة في يد الإعلام -ومن ورائه أجهزة المخابرات- والأحزاب السياسية مما سيضرب تماسك الجيش ككيان محترف منضبط ويغرقه في السيولة الفكرية والسياسية.. أي أن الجيش سيتفكك من تلقاء نفسه إلى حزبيات وأجنحة متصارعة، وستدخل على الخط -تحت عنوان الدعاية الانتخابية- أجهزة المخابرات لتجنيد الجواسيس والتواصل الحر مع القطاعات المختلفة.

[وهذا بالأمر بالمناسبة قد يدخل فيه الخشية من "أسلمة الجيش" فالإسلاميون أقرب المتنافسين السياسيين لقلوب الناس، وخطابهم النابع من الدين هو الأكثر وصولا للقلوب والعقول. بعبارة أخرى: فإن حكم الدستورية هذا –إذا نُفِّذ- قد يكون أول خطوات "أسلمة" الجيش بالفعل! وتحويله إلى جيش عقائدي.. وهكذا تكون عصابة الدستورية كمن صنع كارثته بنفسه، وكذلك الله يضل الظالمين ولا يصلح عمل المفسدين]

ولئن أسأت به الظن فهو رجل يحرص على أن يبقى الوحيد الذي يمتلك كيانا عسكريا مسلحا منضبطا غير مخترق ولا سبيل إلى اختراقه، ليكون هو الرجل الأقوى الأوحد في مصر.. فكلهم يستجديه ويرجو رضاه وهو يلاعب الجميع ويبقى الأقوى.. أي هو حريص على نقل الجيش لأن يكون جماعة وظيفية (على النحو الباكستاني).

(الجماعة الوظيفية، بحسب تعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري، هي: جماعة يستوردها المجتمع من خارجه أو يجنِّدها من داخله، تُعرَّف في ضوء وظيفتها، لا في ضوء إنسانيتها الكاملة، ويَكِل المجتمع إليها وظائفَ لا يضطلع بها عادةً أعضاءُ المجتمع، إما لأنها مُشينة، أو متميِّزة وتتطلب خبرة خاصة، أو أمنية وعسكرية، أو لأنها تتطلب الحياد الكامل (أي: بلا مشاعر، غير إنساني). ويتسم أعضاء الجماعة الوظيفية بالحياد، وبأن علاقتهم بالمجتمع علاقة نفعية تعاقدية، وهم عادةً عناصرُ حركية لا ارتباطَ لها ولا انتماء، تعيش في حالة اغتراب عن المجتمع، وأعضاء الجماعة الوظيفية عادةً من حَمَلة الفكر العلماني الشامل)

لن نفهم السيسي -على وجه اليقين- إلا بعد سنوات، حيث يتضح المسار العام.. أما الآن، فكل تصرف قد يُحمل على وجه من الوجوه.

3. لكن ما الموقف المجرد من حق الشرطة والعسكر في التصويت؟

إن القدر القليل الذي أعرفه من الفقه والتاريخ يقول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) استشار الجميع، حتى من أسلم حديثا، وأن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وهو يرتب اختيار الخليفة الثالث استشار كل الناس حتى الصبيان والعبيد والموالي غير العرب في المدينة، وكل من مرّ بالمدينة.. ولا أعرف أن طائفة استثنيت من الاستشارة أو الاختيار في عهد النبي والخلافة الراشدة.

فلا وجه -فيما أعلم وأحسب- لاستثناء العسكريين من التصويت لاختيار الرئيس أو ممثليهم في المجالس النيابية.

4. إذن لماذا غضب الناس من حكم الدستورية؟

أولا: لأن الشعور العام فهم -عن حق- أنها محاولة فلولية من أحذية مبارك القضائية لوضع كل ما يمكن من عراقيل أمام أغلبية إسلامية في الانتخابات القادمة.. والشعور العام يفهم أن الجيش والشرطة أميل إلى الفلول ومبارك من الإسلاميين (وهو الشعور الذي لا يمكن الحكم على صحته أو دقته كما في النقطة رقم 1)

ثانيا: لأننا قريبو عهد بحكم العسكر، والوطن بحاجة للتعافي من التدخل العسكري في الشأن السياسي.

ثالثا: لأنها بدعة جديدة، وكل جديد مثير للمخاوف خصوصا إن صدر عن مجرمين معروفة ميولهم وتوجهاتهم، أو نبت في وقت مضطرب كالمرحلة الانتقالية الحالية.

السبت، مايو 18، 2013

حازم أبو إسماعيل.. فَصْلٌ في التجرد



ليشهد الناس أن الشيخ حازم أبو إسماعيل كان أبعد الناس -في كل الفترة الماضية- عن محاولة صناعة مجد شخصي له، وأنه كان الحاضر في المغرم والمتعفف المبتعد عند المغنم، وأن السهام التي أصابته قد أصابته من الجميع حتى من يُتَّهَم بأنه منهم ويعمل لمصلحتهم، وأن بعض ما نزل به جاءه من مأمنه.. وهذه بعض مشاهد مما يعرفها الجميع، ثم تبقى المشاهد الكبرى إلى حين يأتي وقتها لتكتب في صفحة التاريخ.

1. كان الشيخ حازم من الوجوه الرئيسية في ميدان التحرير ومنذ اليوم الأول، لكنه عزف عن الظهور الإعلامي قبل وبعد تنحي المخلوع حتى أن أغلب أنصاره وتابعيه الذين تعرفوا عليه فيما بعد اكتشفوا أنه ذلك الذي كان يخطب على منصة التحرير ولم يكونوا يعرفون اسمه.

2. ولم يظهر الشيخ حازم إعلاميا ولم يخرج على الساحة إلا حين فشلت كل مساعيه في إقناع الكيانات الإسلامية بالترشح للرئاسة التي أصرت في ذلك الوقت على أن الإسلاميين لا يصلحون لهذه المرحلة، وكانوا يبحثون عن "الرئيس التوافقي"!

3. وحين كانت كل الكيانات (إسلامية وغير إسلامية) تلين مع المجلس العسكري كان الشيخ حازم هو الوحيد الذي كشف تلاعبهم بالثورة ومحاولات ترويضهم للشعب وقال كلمته المشهورة التي ارتاع لها الجميع "هؤلاء ذئاب وثعالب"، ورغم علمه أن أحدا لن يدعمه في موقف كهذا إلا أنه نطق به، وأثبتت الأيام صحة رؤيته.

4. وحين خفت صوت الثورة، وظهر التراخي في تسليم السلطة، خرج الشيخ حازم وحيدا في جمعة 28 أكتوبر ثم في 18 نوفمبر لتكون جمعة "المطلب الوحيد.. تسليم السلطة"، وهي الجمعة التي تلتها أحداث محمد محمود والتي لم ينزل فيها من الإسلاميين إلا الشيخ حازم وأنصاره، وبه وبأنصاره فشلت فكرة المجلس الرئاسي المدني وأُجْبِر المجلس العسكري على تحديد موعد الانتخابات الرئاسية (بعد أن توافقت كل الأحزاب -إسلامية وغير إسلامية- على تأجيلها إلى منتصف 2013 بحد أدنى وكتابة الدستور تحت حكم العسكر).. وبهاتين الجمعتين وأحداث محمد محمود عاد صوت الثورة عاليا بعدما ظن الجميع أنه إلى زوال.

5. هذا الرجل الذي وضع جهوده لاستكمال مسار الثورة والحفاظ على المسار السياسي الذي اختاره الشعب لم يحاول أن يصنع لنفسه حزبا أو أن يدخل في تحالف في الانتخابات البرلمانية، وفضَّل أن يقف وراء الكيانات الإسلامية القائمة وأن يدعمها بكل قوته، وقد كان، ثم تعهدها بالنصيحة التي كان أهمها وأشهرها: سرعة إصدار قانون السلطة القضائية، لكن الجميع كان يراه مندفعا وكان يحسب أن الأمر ليس بهذه الخطورة حتى أثبتت الأيام من الذي كان على بصيرة.

6. لقد كان وجود الشيخ حازم وأنصاره في المواطن الثورية مما رفع عن الإسلاميين أخطاء الكيانات الإسلامية التي شملها الخوف والحذر والحرص حتى ابتعدت بنفسها عن كل موطن شرف خشية أن يكون فخا منصوبا، لقد كان وجوده مما عصم شباب الإسلاميين من فتنة هائلة في مشايخهم ورموزهم، وهي فتنة الله أعلم كيف كان سيكون اتساعها إذا خلت الصورة من إسلامي ثائر في لحظة ثورية!!

7. ونجحت تجربة الشيخ حازم في الرئاسة كما لم يتوقع أحد، لا الكيانات الإسلامية ولا غيرها، وكانت حملته هي الأضخم على الإطلاق، وحقق الشيخ في كل استطلاعات الرأي المركز الأول وبفارق كبير عمن بعده.. وهي التجربة التي لم يدعمه فيها أحد من الكيانات الإسلامية بل إنهم حاربوها لكثرة ما اجتذبت من شبابهم.

8. بل لقد تحرك كيان إسلامي ليضغط على آخر ليرشح مرشحا للرئاسة (من بعد ما رضي الجميع بعدم صلاحية الإسلامي للرئاسة، ومن بعد ما فشلوا في إيجاد الرئيس التوافقي) واستجاب الآخرون (رغم إصرارهم السابق على عدم الترشح للرئاسة)، ولم يتكلم الشيخ حازم في حق أحدهم بسوء رغم أن هذا مما يضر به على مستوى الحملة الانتخابية بشدة.

9. ثم أخرج الفاسدون تمثيلية "جنسية والدة الشيخ حازم"، وهي المؤامرة التي ما كان لها أن تنجح لولا سكوت -بل ومشاركة- بعض الكيانات الإسلامية في بعض فصولها -وهذه أمور قد نكشفها فيما بعد- لم يجد الشيخ دعما منهم، رغم أنه الذي مهد الطريق لفكرة المرشح الإسلامي. وظهرت أول مفسدة لعدم صدور قانون السلطة القضائية، فبذلك استبعد أقوى المرشحين الإسلاميين وبقي في المنافسة رجال النظام القديم، في إعلان صريح بأن ما فشل فيه مبارك والعسكر نجح فيه القضاة الفاسدون.

10. وحين حصل الشيخ حازم على حكم قضائي بأحقيته في خوض انتخابات الرئاسة ولم ينفذ، أوشك حكم آخر أن يصدر بوقف انتخابات الرئاسة (وهو الشق المستعجل من الدعوى) لكن الشيخ سارع بالتنازل عن الشق المستعجل لكي لا تقف انتخابات الرئاسة ولكي ينتقل الحكم إلى السلطة المنتخبة بأسرع وقت.. وهذا وحده موقف عظيم في التجرد وتقديم المصلحة العامة.

11. ودعم الشيخ حازم من تبقى من المرشحين الإسلاميين بكل ما يملك، وكان أنصاره من أقوى الفاعلين ضد مرشح النظام السابق ودعما وتأييدا للمرشح الإسلامي الباقي الذي صار بعدئذ رئيسا للجمهورية!

12. واعتصم الشيخ حازم في الميدان اعتراضا على الإعلان الدستوري الذي أصدره العسكر قبيل أيام من تسليم السلطة، وظل معتصما هو وأنصاره أكثر من شهر، حتى صاروا وحدهم بل لقد انصرف مؤيدوا الرئيس أنفسهم، فلا استأذنه أحدهم ولا شاوره أحدهم، رغم أنه لا يدافع عن مصلحته الشخصية.

13. ورغم أن الشيخ حازم لم يحصل على منصب بل ولا على شكر إلا أنه كان حاضرا في كل موطن دعما للسلطة المدنية المنتخبة ضد النظام القديم، فكان من أوائل الواقفين على باب دار القضاء العالي مؤيدا للإعلان الدستوري الذي يعزل النائب العام ويحصن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية.. ثم كانت وقفته الكبرى أمام مدينة الإنتاج الإعلامي والتي غيرت ميزان القوى في تلك اللحظة الحرجة بما أفشل مخطط الفاسدين وأنقذ سلطة رئيس الجمهورية!

14. ورغم التجارب المتعددة والمواقف المتكررة إلا أن الكيانات الإسلامية لم تغير منهجها الذي ينقل الإسلاميين من هوان إلى هوان ومن نزول إلى نزول، فساعتها ومع فشل كل النصائح والرسائل فكر الشيخ حازم في تكوين حزب ليؤسس للكيان الإسلامي الثوري البصير بالواقع ليترجم فكرته ومنهجه إلى عمل منظم واسع.

15. أيا كان موقفك أيها القارئ، إسلامي أو غير إسلامي، وأيا كان اتفاقك أو اختلافك مع كل ما سبق، فأحسب أنك لن تجادل في أن كل ما فعله حازم أبو إسماعيل لم يعد عليه بفائدة شخصية، بل كان خدمة لمبادئه ومنهجه ومواقفه حتى لو اختلفت معها.

في النهاية، فإن هذه مجرد فصول، وهي معروفة للجميع، ولم نكشف عن بعض ما في الكواليس من أحداث.. وهي فصول في التجرد للمبدأ وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

ولهذا يظل الشيخ حازم نموذجا فريدا في مصر، بل نحن نسأل: دلونا على رجل كانت له مثل هذه المواقف التي إن نجحت عاد النفع على غيره وإن فشلت فإن بعضها كان سيدفع الثمن فيها وحده.

الخميس، مايو 16، 2013

حرس الإنجاز أهم من الإنجاز



صورة الرئيس..
وقف الرئيس مرسي في حقل القمح ليعطي مشهد الإنتاج والنماء والزيادة..

وحوله وقف الحرس الرئاسي، عيونهم -رغم النظارات السوداء- تبدو كعيون الصقر، انتباها وحدة ويقظة!

هذه الصورة لخصت ما يصيح به الحريصون على الرئيس.. لابد من العمل والإنتاج ولابد في نفس اللحظة من حراسة هذا الإنجاز!

غير أن سياسة الرئيس مرسي الآن، والتي تتأكد وتترسخ كل يوم، هو اهتمامه بالجانب الاقتصادي (معالجة كوارث نظام مبارك + إنشاء مشاريع) مع غفلة كبيرة عن الجانب السياسي الأمني الذي قد تؤدي الغفلة فيه إلى ضياع كل الإنجاز الاقتصادي بل كل التجربة!

نريد الحرس للدولة كما وقف الحرس للرئيس!

الأربعاء، مايو 15، 2013

إن السيسي لا تؤمن عليه الفتنة



قال علماؤنا "إذا كنت مقتديا فاقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة"، وكان الصحابة -وهم خير الأمة قاطبة- أشد الناس خوفا على إيمانهم وتحريا له وحرصا على ألا يقعوا في الفتنة، بل كان سيدنا عمر -وهو المبشر بالجنة- يصر على سؤال حذيفة بن اليمان "هل سماني رسول الله في المنافقين"، فيقول حذيفة "لا، ولا أزكي بعدك أحدا".

لقد صار المشهد الإسلامي مثيرا لكل أنواع الحزن، فهذا الصف الواحد الذي أحبط مخطط اقتحام قصر الرئاسة نجحت معه الخطط الأمنية المخابراتية والدولية، وصار بأسهم بينهم شديدا!

(ملحوظة: هذه الخطط التي تنجح هي هي الخطط التي تدبر منذ نصف قرن على الأقل.. وهي دائما تنجح! ولا تسل عن لؤم العدو بل سل عن سذاجة المخدوع)

الإسلاميون ليس لديهم خط أحمر:

إذ يمكن اعتقال واقتحام وتعذيب وتصفية التيار الجهادي دون أن يهتم الإخوان أو السلفيون.. حدث هذا في سيناء، وبدأت بعض بوادره تنتشر في الأنحاء.

* فدماء المسلمين -المخالفين- ليست خطا أحمر

ويمكن تنفيذ انقلاب عسكري على سلطة الإخوان دون أن يهتز السلفيون، بل تحت عنوان "حقن الدماء" سيقبلون بما هو مطروح طالما كان مغلفا بالأمان لهم.

* فإرادة الأمة واختيارها ليس خطا أحمر

ثم يأتي دور السلفيين، فإن لم يتحولوا إلى مداخلة فلربما يكفي أن يتحولوا إلى الساكتين عن الحق بدعوى العجز! وحينها لن يبقى أحد ليدافع عنهم.. فكل شيطنة الإسلاميين في المراحل السابقة ستوفر البحث عن فرص وذريعة، ويكفي أنك صاحب لحية لتكون إرهابيا يجوز أن يُفعل بك ما يُفعل.

باختفاء الخط الأحمر الذي يتفق عليه الإسلاميون يكونون قد أباحوا أنفسهم حتى النهاية لعدوهم!

والأمر لا يتوقف هنا، بل إن فرقا منهم تسارع في أعدائهم، يخشون أن تصيبهم دائرة! وهم -بالتالي- قد يكونون أدوات الذبح لرفاقهم، وقد أثبتت الأيام أن جلسة أو جلسات مع عسكري أو مخابراتي تستعمل فيها أساليب التأثير النفسي المحفوظة تجعل الأمر سهلا ميسورا، وتجعل المستحيل ممكنا مبذولا!

لكن ما علاقة هذا بالسيسي؟!

السيسي من رجال زمن مبارك، شيء لا يبعث على الطمأنينة بداية، يجب أن تراقب فعله بحذر وتوجس.. فلاشك أن منصب مدير المخابرات الحربية كان أهم لدى مبارك من منصب مدير جهاز أمن الدولة أو وزير الداخلية أو رئيس المحكمة الدستورية أو حتى رئيس نادي القضاة!

ما شعورك إذا كان الحاكم الحقيقي للبلد الآن وبعد الثورة هو: حسن عبد الرحمن -مدير جهاز أمن الدولة- أو أحمد الزند أو تهاني الجبالي؟!

إذا كنت تشعر بالقلق، فيجب أن تشعر بالفزع وأنت ترى مدير المخابرات الحربية لعهد مبارك في موقع الحاكم الحقيقي لمصر ما بعد الثورة.

(ملحوظة: إذا كنت مؤمنا بقدسية الجيش وشموخ القضاء وحصانة الأزهر، وأن هذه المؤسسات نقية طاهرة وطنية.. فمن الأفضل ألا تكمل قراءة هذا المقال حرصا على مشاعرك)

إذا شعرت بالفزع ودفعك هذا الفزع لمراقبة الأحوال بحذر، فأنت قد وصلت لنقطة مهمة.. قابلني بعد فقرتين في هذا المقال.

أما إذا لم تشعر وفضلت أن تقدم حسن الظن وأن تتخيل أن مرسي بعد أيام استطاع تحويل ولاء رئيس المخابرات الحربية وأنه فعلا أنهى حكم العسكر وأن السيسي لا يمكن أن ينقلب على مرسي وأن تصريحاته تعبر عن نية صادقة أكيدة باحترامه للشرعية وولائه لإرادة الأمة.. إذا فضلت أن تعتمد هذه الرؤية فدعني أوافقك وأتبنى رأيك ولكن..

دعنا نتذكر أقوال علمائنا بأن البشر لا تؤمن عليه الفتنة، وأنه لا تكتمل سيرة المرء إلا بالموت، وأن الله أدرى بالخواتيم، وأن الإنسان قد يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار حتى يدخلها.. وأن المرء قد يكون شريفا حتى إذا تكاثرت عليه الضغوط استجاب، وأن أقواما -منهم شيوخ وفضلاء وعلماء- بدأوا حياتهم أتقياء أنقياء ثم انتهوا إلى أسوأ نهاية.. يمكنك أن تنظر إلى وجه محمد أبو حامد لتدرك كيف يكون حجم التحول!.. ثم أنت أنت، أنت نفسك، أنت بنفسك لا تضمن نفسك ولا درجة خضوعها للإغراءات والمثيرات ووسائل الترغيب والترهيب، أنت نفسك يجب أن تفزع وأن تقلق من نفسك ومن خاتمتك.. وليس ثمة أحد يستطيع أن يضمن لنفسه موتا على الإسلام، ونعوذ بالله من سوء الخواتيم.

فلو كان السيد وزير الدفاع الفريق أول القائد العام للقوات المسلحة (يمكن إضافة أي ألقاب تعظيمية.. لا بأس لدي) هو خير الرجال وأتقاهم وأنقاهم على ظهر هذه البسيطة فإنه يظل في النهاية بشرا، بشرا لا تؤمن عليه الفتنة!

ما هي النتيجة التي تؤدي إليها هذه المعادلة: شيطنة الرئيس الضعيف + تقديس وزير الدفاع القوي؟!

ما هي النتيجة التي تسوق إليها كل القنوات والصحف (بما فيها الحكومية) حين تتغنى بوطنية الجيش وقائده، وتغني على الرئيس وجماعته؟!

كل ما في البلاد يفيض بالاستغاثة بالجيش لينزل ويحكم وينقذ ويصحح ويصوب ويتدخل في المسار السياسي!

والسيسي -من ناحيته- يتعرض لهم تعرض القاصد العامد بكثرة الاحتفالات والاتصالات السياسية والظهور الإعلامي، ثم يتمنع تمنع الراغب، ثم يغريهم بكثرة الاستثناءات (لن ننزل إلا إذا...) وقلة الاكتراث بمقام رئيس الجمهورية.

(ملحوظة: جلس أول أمس أحمد عبد الحليم -وهو خبير عسكري استراتيجي ممن تعرف بهم حجم نكبتنا العقلية والعسكرية والاستراتيجية- مع حسن نافعة -وهو أستاذ علوم سياسية ممن تعرف بهم حجم نكبتنا في عقول الأكاديميين والنخبة- في ضيافة عماد الدين -إعلامي فلولي تعرف به حجم نكبتنا في تشكيل وعي الناس- وكلهم يدندن حول تدخل الجيش إلى الحد الذي قال فيه أحمد عبد الحليم صراحة: إذا "توفى" مرسي أو حدث له أي شيء فيجب على الجيش أن يتدخل ويدير ويبدأ بالدستور من جديد لا بالانتخابات.. ولا معنى لهذا الكلام إلا تحريض مباشر على اغتيال مرسي، سواء برصاصة أو بسمّ تبدو معه الوفاة طبيعية!!!!)

بل دعنا ننسى كل هذا الواقع المعلن ونكن من المغفلين ونتخيل أنهم سيتركون مرسي يكمل مدته، ليسقط عن السلطة بالانتخابات النزيهة -أو المزورة بنعومة- ليصعد آخر سيتفق عليه ويخدمه الإعلام ويبلعه الشعب المسكين المخدوع!

دعنا نتخيل هذا.. ونسأل أنفسنا: ما مصير هذه الثورة؟

دعك من مرسي ومن الإخوان ومن كل الفصائل التي تكرهها، وسل نفسك: ما هو مصير الثورة إذا كانت الفصائل ستكون أحذية في قدم العسكر، كلهم ينافقونها وهي تلاعبهم كلهم، قد قدسوها جميعا ثم لطخوا أنفسهم جميعا، فما بقي في الوجدان العام شيء مقدس نزيه شريف قوي إلا العسكر.. ما هو مصير الثورة إذن؟!!

ما هو شعور الثوري الذي هتف يسقط حكم العسكر ثم كان من الغباء بحيث استعملته الدوائر الكبرى في أن يهتف هو ذاته أهلا حكم العسكر؟!

حتى لو كان السيسي أنقى الناس وأطهرهم، لكنه يظل بشرا لا يؤمن تغيره!

وفرحة الفصائل التي فرحت بقوله "لن نتدخل في السياسة" مثل حزن الفصائل بهذا القول.. كلاهما يُسلّم له أنه الحاكم بأمره ولا كأن ثورة قامت ولا كأن الناس اختارت رئيسا!

ترى لو صرح وزير الدفاع الأمريكي أو الفرنسي أو الإنجليزي بمثل هذا التصريح، ترى ماذا تكون ردة فعل شعوبهم؟!!!