لئن كان محذورا أن نمدح أحدا بما ليس أهله
أو نضع أحدا فوق مكانه، فمن المحذور كذلك أن نغمط أقدار الرجال وأن نحط من
مكانتهم!
وعلى طول ما كتبت عن الشيخ حازم أبو إسماعيل
من مدح إلا أن المستقر في يقيني، والله يعلم، أني لم أوفيه حقه، فلم يزل الرجل في
ظني ورغم ما بلغه من شهرة طبقت الآفاق وما حازه من إعجاب غير مسبوق لا سيما بعدما
صحت نظرته في العسكر ومآل الثورة.. أقول: لم يزل مجهولا لا يقدر حق قدره.
للشيخ حازم وجهان قليل من رآهما: وجهه كشيخ
يسوق ويشرح معاني الدين وأفكاره، ووجهه كسياسي ظهر بعد الثورة فكان أحدَّ الناس
بصرا وفهما بما حدث ويحدث، وها هي الحوادث قد صدَّقت ما يقول.
لقد عرفت الشيخ شيخا قبل أن أعرفه سياسيا،
وكنت شديد الإعجاب به، أفكاره مبتكرة لم أسمعها من غيره، وتوجيهاته عميقة ومتقدمة،
وقد دُهِشت حين عرفت أنه ينوي الترشح للرئاسة وظننته يريد مجرد رفع السقف من بعد
ما كان المطروح حينها: أبو الفتوح وسليم العوا فقط، لكني منذ سمعت لقاءه الأول
(كان مع عمرو أديب ومحمد شردي) إلا وأيقنت أن فهم الرجل في السياسة كفهمه في أمر
الدين والشريعة.
***
لنأخذ على هذا مثالا بسيطا واضحا ومتكررا
وكم أفاض الدعاة من الكلام فيه، وهو: الاستعداد لرمضان!
عادة ما يقوله الدعاة في هذا المقام وقبل
حلول الشهر الكريم هو ضرورة الاستعداد له، الاستعداد بالإكثار من الصلاة والصيام
والصدقة كي تتعود النفس على العبادة فتستطيع أن تبلغ في رمضان أقصى حالاتها دون أن
يصيبها التعب أو الفتور.
أما الشيخ حازم فقد جاء بالجديد.. ومختصر ما
جاء به هو الآتي:
إن الاستعداد لرمضان لا يكون أساسا بكثرة
الصلاة والصيام وعبادات الجوارح، وذلك أن الإنسان إذا فعل ذلك فهو إنما يُحمِّل
القلب عبئا مضافا، والقلب لن يحتمل هذا العبء إن لم يكن مستعدا ومنفتحا لهداية
الله، فأما إذا لم يكن كذلك فإنه يسقط وينهار مع الإكثار من عبادات الجوارح التي
لا يطيقها، ومن هنا يصاب المرء بالفتور بعد أيام أو حتى بعد انتهاء رمضان، حتى
لتجد إنسانا قد اجتهد في العبادة في رمضان ثم يفوته صلاة الصبح لأول أيام شوال!
وقد يحرص على صلاة العيد –وهي سنة- أكثر من صلاة الصبح وهي فرض.
لهذا، فإن الحل لا يكون في الإكثار من
عبادات الجوارح، بل لا بد من إيقاظ القلب.. ذلك أن القلب الغافل، أو القلب المشغول
بأمور الدنيا: الرزق، درجة في مجموع الدراسة، النظر إلى الآخرين، مطالب الأهل،
مشكلات العمل، التعلق بالدنيا (والتعلق بالدنيا هو كل ما يهتم به المرء ويشغل
باله، ولو كان قميصا يريد شراءه أو نوع أثاث يريده لبيته).. هذا القلب بهذا
الانشغال ليس فيه متسع، ليس مستعدا ولا مهيئا ولا صالحا لتحمل عبادات الجوارح.
والمسألة على الحقيقة ليست تهيئة الجوارح بل
تهيئة القلب.. إيقاظ القلب!
وإيقاظ القلب لا يكون إلا بحلٍّ: فكري قلبي،
أو بلفظ آخر: حل عقدي عبادي!
والحل الفكري هو أن أعلم يقينا أن كل ما في
هذه الدنيا هي أمور بيد الله، يرسلها أو يقبضها، يعطيها أو يمنعها، وقد أخبر الله
بوضوح أن هذا امتحان، فإذا رأيت جارا ثريا أو صديقا غنيا علمت أن هذا امتحان، قال
تعالى {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، أتصبرون؟!}، فإن الله ينزل ما يشاء {بقدر معلوم}،
ولله في الرزق والعطاء وتقديره بين الناس عجائب ولطائف كثيرة.
لكن الحل الفكري وحده لن يكون مفيدا، لأن
مجرد المعرفة العقلية الذهنية لا تغني شيئا، لا ينقذ الإنسان مجرد وجود المعلومة،
بل ينقذه أن "يذوق" معناها، إن ثمة أناس يعرفون الإسلام ويستطيعون أن
يتحدثوا عنه بفهم في منتهى الدقة، وهم مع ذلك لا يصلون لله ركعة!
ولهذا فينبغي أن تفعل الآتي:
1. انزل غدا إلى المستشفيات وانظر إلى أهل
الابتلاء، أولئك كانوا يمتلئون تنافسا على الدنيا، ويحرصون على الكسب ويتابعون
الأموال ويراقبون مؤشرات البورصة.. انظر حين يسقط هذا المرء في قسم العناية
المركزة حين لا يملك من أمر نفسه شيئا وتتصل به الأنابيب والخراطيم.. هذه النظرة
إلى هذا الإنسان هي التي تفرغ القلب من الانشغال بالدنيا وتوسع فيه مكانا لاستقبال
العبادة.
2. انزل بعد غد واشهد واقعة
"الدفن"، وتأمل كيف ترعى الحشرات في تراب القبور، وبينما تبكي الأم أو
الزوجة أو الابنة فإنهم يدخلون هذا الميت إلى القبر الذي يرون الحشرات تسعى فيه
ويغلقون عليه ويتركونه وهم يعلمون أنه معرض لهذا.. هؤلاء المقبورين كانوا ملء
السمع والبصر، كانوا سادة بين الناس.
3. انظر بعد بعد غد إلى المآلات، تأمل فيمن
فرغ من الجمال أو من الصحة، تأمل في حال ممثلة ذهب جمالها وصارت قعيدة في بيتها من
بعد ما كانت تملأ الشاشات، أو إلى رجل ذهب عنه النفوذ فتغير حاله، ولقد رأيتُ
(والكلام للشيخ حازم) رجلا يصفع بوابا لأنه لم يقم له حين مرَّ به، ثم رأيته بعد
عشرين أو ثلاثين سنة وهو مقعد يسير على كرسي متحرك لا يؤبه له وهو يوزع الابتسامات
على الناس يستجدي بها ودهم.
إن النظر إلى المآلات يُعَرِّف العبد أن كل
ما في هذه الدنيا إنما هي عوارض كاذبة، أرسلها الله تعالى للعبد لفترة ليختبره بها
ثم قبضها.
4. لقد أوصانا النبي بأمور لإيقاظ القلب، في
ذات الوقت الذي كان منشغلا فيه بالجهاد وإقامة أمر الأمة ورفع شأن الدين وغيرها من
الأمور الكبيرة، من هذه الأمور مثلا:
- تغسيل الموتى: لأن معالجة الجسد الخاوي
موعظة بليغة!
- زيارة المبتلى والمريض والمحتاج
- النظر إلى الفقير والمسكين واليتيم
بهذه الأعمال يفرغ القلب ويتسع لاستقبال
وتحمل العبادات في رمضان.
5. معايشة أنباء الآخرة تفصيلا، أن يعرف
المرء من فعل كذا فدخل الجنة ومن فعل كذا فدخل النار ومن الذي زلت قدمه من على
الصراط ومن الذي أوشك أن يلقى به في النار فجاء عمل من أعماله فأنقذه، من الذي كاد
أن يشرب من يد النبي فحالت الملائكة بينه وبين النبي، من الذي كادت تلفحه النار
فأنقذه عمل، من الذي أوشك أن يدخل الجنة فأغلقت دونه.. ذلك أن الانشغال بتفاصيل ما
يحدث في شأن الآخرة هو الذي يفرغ القلب من شؤون الدنيا فيُوجَد في القلب متسع
لاستقبال رمضان.
6. معايشة أنباء الصالحين، كي يخلص المرء من
ضغط بيئته التي ليس فيها أحد سوى أصحابه وجيرانه الذين هم على ذات الشاكلة، ويكون
هذا بقراءة الكتب أو بسماع الدروس عنهم.
مهما حاول الإنسان أن يكثر من العبادة
والقلب ممتلئ بالتورمات فلن يفلح في هذا!
وسيواجهك في هذه المسيرة عدوّان:
-
الأهل
والأولاد ومطالبهم التي تذكر بالدنيا، فلا بد أن تذيق من حولك ما تذوقه حتى لا
تسير في طريق مُصَادَم.
-
أن ترتب كيف
ستنفذ هذا البرنامج، ترتيبا واضحا ومفصلا وبالمواعيد، لكي لا يتوه الأمر في ظل
برنامجك الدنيوي الثابت والمستقر.
***
انتهى مجمل ما قاله الشيخ حفظه الله وفك
أسره.
والفائدة المقصودة هي بيان تعمقه في النظر
والبحث عن المشكلة، ثم سبقه في وصف الحل، ثم حرصه على صياغة هذا الحل في خطوات
عملية، وهو في كل ذلك لم يهاجم أحدا ممن قال بالإكثار من العبادات ولم يعب عليه
وإنما صاغ فكرته كأنها إكمال لما يُقال وتنبيه على ما فات منه!
وهذا شأن الشيخ في كافة أموره، ولئن بدت
لهجته الرفيقة الرقيقة كأنها لهجة شيخ درويش فإن من عاين وعانى صياغة المعاني
الدعوية إنما يدرك ما فيها من نفاسة وجِدَّة وابتكار.. وعلى كل حال فهذا أمر لا
حاجة للإطالة فيه، خصوصا بعدما ظهر منه في شأن السياسة وبعد الثورة.
إن الذي يسمع سلسلة السيرة النبوية للشيخ
حازم أبو إسماعيل ليبهره ما فيها من معانٍ جديدة ونظر سديد، ثم إنه سيدهش أكثر
وأكثر حين يعلم أنه شرح هذه السلسلة وهو في أواخر العشرينات ومطلع الثلاثينات من
عمره!!
وها هو الشيخ يمضي في زنزانته الانفرادية
رمضانه الثالث على التوالي، محققا بذلك لمرة جديدة قول الأمريكي روبير جاكسون قبل
سبعين عاما: "هذا الشرق، لا يستطيع أن يحتفظ كثيرا بالكنز الذي يقع بين
يديه"
نشر في نون بوست
ليست هناك تعليقات
ردحذفرحم الله الشيخ حيا وبعد موته وجعل اعماله في ميزان حسناته
حذفمقال راءع حقا ..تشعر وكأنه لامس القلب وعرف ما بداخله وعايشه معك ..لله دركم من رجال تحدثوننا بما هو بداخلنا فتوضحوا لنا الطريق.. جزاكم الله عنا خير الجزاء
ردحذفالحقيقة لمن أكن أعرف الشيخ حازم إلا في السنوات الأخيرة قبل اعتقاله ولفت نظري توازنه المبدع بين الخطاب السلفي والخطاب الإخواني فتحتار في تصنيفه،والحال أنه جمع مافي التيارين من خير وجمع بين المعاصرة والأصالة أسأل الله أن يفرج عنه عاجلا غير آجل والشكر لأخينا محمد إلهامي لما ينشره.
ردحذفحفظ الله الشيخ
ردحذفوفك الله أسره
حفظ الله الشيخ
ردحذفوفك الله أسره
حفظ الله الشيخ
ردحذفوفك الله أسره
اللهم آمين
حذفاللهم فرّج عنه وعن جميع المعتقلين، وألبسهم ثوب العافية، وفك أسرهم بجميل لطفك
ردحذفجزاكم الله خيرا على هذا المقال الرائع ونفع به
ردحذفولكن عندي ملاحظة صغيرة
وهي الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلنا منهم الشرب من الحوض لا يكون بيديه صلى الله عليه وسلم ولكن كل سيشرب بنفسه بكيزان كالنجوم
سيناولهم بيده كما ورد في البخاري في كتاب الفتن
حذفقال النبي ﷺ: (أنا فرطكم على الحوض، فليرفعنَّ إليَّ رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربِّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك).
[ر:6205
خسرنا والله هذا الرجل.. ووالله ثم والله ليحاسبنا الله تعالى على تقصيرنا معه .. فك الله بالعز أسرك حبيبي..ونفعنا بك في الدارين .. اللهم امين يارب العالمين.
ردحذفاللهم امين
حذفنفع الله بكم وفك الله بالعز أسر الشيخ حازم وكل المسجونين ظلما وعدوانا
ردحذفجزاه الله خير وفرج عنه
ردحذفجزاك الله وجزى الشيخ الفاضل الخير والبركة، وفك الله أسره وأثابه الخير
ردحذفاللهم فرجا من عندك للشيخ حازم ولجميع أسرى المسلمين
ردحذفاللهم فرج عن الشيخ حازم وعن رفقائه الأسرى في كل سجون الظالمين وفرج كربهم وردهم الى اهليهم سالمين غانمين معافيين.
ردحذفجزاك الله خيرا وسدد جنانك وبنانك بالحق والهدى نسأل الله في عليائه أن يفرج عن الشيخ حازم وعن جميع المظلومين
ردحذفأعاننا الله على فك أسره
ردحذفوالله يا استاذ محمد انا كنت متضايقه من ظهوره علي الساحه في هذا الوقتوليسامحني الله لم أكن اعرف ان له باع في السياسه أن والده ذا تاريخ سياسي طيب ورجل قوي في الحق وانا نظرتي عن السلف المعاصرين ونريد كل يوم منهم نماذج مخزنه دا شخص حافظ مش فاهم ،فك الله أسره ومن معه واسر مهندس ايمن عبد الرحيم يارب
ردحذففرج الله كربه
ردحذففك الله أسره وانتقم الله ممن ظلمه
ردحذففرج الله كرب الشيخ الحبيب وجعل سنوات الضيق فى ميزان حسناته وكل عام وانتم بخير
ردحذفالله يفرج كربه ويفك بالعز اسره شكرا لك يا استاذ محمد
ردحذفاللهم فرج هم وكرب عبدك الشيخ صلاح أبو إسماعيل
ردحذففك الله أسره
ردحذففك الله أسر شيخنا الغالي...ذو البصيرة والحكمة ورجاحة العقل....الخ
ردحذفومن كحازم في هذا الزمان.
حفظ الله الشيخ و فك أسره
ردحذفرمضان العاشر فك الله أسره أسرنا
ردحذفنسأل الله تفريج كرب شيخنا شيخ الاسلام في هذا الزمان (وهو شيخنا رغم أننا لم نلتقيه أو نساكنه أو نجانسه من قبل إلا أنه يشيخ بحكم واقعه). أن بعد النظر عزيز جدا ولم تتميز امريكا بسبب أنهم يملكون عقولا غير عقول البشر ولكن تمايزوا بكونهم محافظين.
ردحذفمنذ قرن من الزمان والمسلمين يحاولون التجديد في الفقه والجهاد (رغم شذوذ بعض المحاولات) ولكن لا محاولة ذات اثر تمت في مجال السياسة والسياسات والتخطيط الاستراتيجي. افكر (من غير همة أو قابلية) في تأليف رواية عن منظمة سرية اسلامية تأسس لهذا الغرض.
جميل جدا
ردحذفالله المستعان
ردحذفلما هو جد الدكتور الهمامي صعوبة في إعطاء الشيخ قدره كيف سنقدره نحن إنما الذي نقوله أنه فك الله اسره أنه نور من الله اختاره واصطفاه لإحياء القلوب والعقول... ولعل إن شاء الله ثمرة هذا النور تعطي اكلها في الزمن الحاضر والمستقبل أكثر من أي وقت مضى
ردحذفمقال اكثر من رائع فك الله أسره حقيقي بكيت
ردحذففرج الله كربه ونفث همه وفك بالعز أسره وكل أسير مسلم
ردحذففرج الله كرب شيخنا
ردحذفجزاكم الله خيرا وبارك فيكم شيخنا الحبيب ومتعكم الله بالصحة والعافية
ردحذفاسلوبكم راقى ومميز
الاخلاص يوصل صاحبه إلى مكانة لا يظن هو نفسه أن يصل إليها
ردحذفاللهم ثبته وكن معه ياارحم الراحمين
ردحذف