في لحظة كتابة
هذه السطور عمَّت مصر فاجعة جديدة، شابان لا يمتلكان أجرة القطار، أجبرهما الكمسري
على النزول منه وقد بدأ القطار في السير، وإلا فإنه سيسلمهما إلى الشرطة في المحطة
التالية. ولأن الشرطة في مصر نموذج للرعب الفظيع فقد كان أهون على الشابين أن
يخاطرا بالقفز من القطار المتحرك، قفز أحدهما ففقد ساقه، وقفز الآخر فسقط تحت
القطار فانفصلت رأسه عن جسده!
وهكذا بدأت
قصة شهيد التذكرة!!
الكارثة هنا
كثيفة الجوانب، يمكن أن نلعن السيسي الذي تسبب في الفقر حتى عجز الشاب عن أجرة
قطار، ويمكن أن نلعن الكمسري –ممثل السلطة في القطار- الذي كان له من السطوة
والنفوذ ما يملك به أن يجبر اثنين على إلقاء أنفسهما في الموت، ويمكن أن نلعن
الجبن والعجز الذي شمل ركاب القطار حتى لم يستطيعوا أن يدافعوا عن الشابين في وجه
الكمسري أو حتى لم يستطيعوا أن يجمعوا لهم من أموالهم ما يبلغ قيمة التذكرة، ويمكن
أن نلعن جهاز الشرطة المصرية السفاح القبيح الذي صار جهاز خوف دونه الإقدام على
الموت، وأخيرا: يمكن أن نلعن الخوف الذي منع هذين الشابيْن أن يفتكا بالكمسري أو
حتى أن يقفزا به معهما إلى الموت!!
وهذه القصة
ليست سوى حلقة واحدة في مسلسل مصري طويل..
ولئن كانت هذه
القصة ستشغل المصريين زمنا، فلقد سبقتها مباشرة قصة أخرى، قصة الفتى محمود البنا،
حتى تحولت قضيته إلى رأي عام، وخلاصة القصة أن محمودا رأى فتية آخرين يتحرشون
بفتاة فحاول الدفاع عنها، فأفلتت الفتاة لكنهم اجتمعوا عليه، وأخرج أحدهم مطواة
فطعنه بها فقتله! ولأن الجريمة صُوِّرت بالفيديو فقد كانت أشد تأثيرا، ولأن التحرش
جريمة ينتفض لها الجميع بمن فيهم الإسلاميون والليبراليون والنسويون فقد صارت قضية
رأي عام. وقد زاد في المأزق أن القاتل من أسرة نافذة، والنفوذ في مصر فوق القانون
وفوق الأخلاق وفوق الفطرة، وتطورات القضية حتى الآن برغم ما يحوطها من الزخم
الملتهب تسير في صالح القاتل، وفيما يبدو سيذهب دم المقتول هدرا.
ثمة جزء هامشي
صغير حاول البعض إثارته، ولكنهم فوجئوا بهجوم شديد، ذلك أن الفتى القتيل هو ابن
رجل كان مشهورا بالولوغ في دم الإخوان المسلمين منذ أيام الانقلاب، وشارك في حملات
مطاردتهم وضربهم وتحطيم ممتلكاتهم، وكان يفخر بهذا ويعلنه ويكتبه ويحرض عليه ويهدد
ويتوعد! فهو الآن يذوق حرقة قلبه على ولده كما فعل هو نفسه في قلوب عدد لا نعرفهم
من المسلمين.
نعم، إن هذا
جزء هامشي بسيط في القصة والغرض الذي نكتب لأجله هذه السطور، لكنه يجب ألا يفوت،
ويجب ألا يُنْسَى، بل يجب أن يُذَكَّر به، فإن العاقبة تردع الظالم أحيانا. ومع
هذا فلا يمنع هذا من التعاطف مع الفتى المقتول، ولا السعي في الاقتصاص له من
قاتله، ولا التهوين من دمه، ولا الشماتة فيه.
وبعد أن يتضح
هذا نبدأ في الحديث عن الغرض من ذكر هذه القصة ثم ما يليها:
حسب القانون
المصري المليئ بالخروق القانونية فلن تكون عقوبة القاتل الإعدام، ولو افترضنا أنها
ستكون فذلك سيكون بعد شهور أو سنين، وبعد أن تنفق أسرة الفتى المقتول ظلما من
الأموال والنفوذ والوسائط ما تستطيع أن تعادل به تأثير نفوذ أسرة القاتل وأموالها.
وبهذا يكون أهل القتيل قد خسروا حياة ابنهم الفتى الناضر في مقتبل العمر، وخسروا
معها أطنان الأموال لجمع الوساطات ورشوة القضاة والشهود ليشتفي صدرهم بموت القاتل.
هذا مع أن الجريمة واضحة ومصورة، فلا هي غامضة ولا هي معقدة.
وقد ينفقون
هذا كله ثم لا يعاقب القاتل إلا بسنوات معدودة في سجن الأحداث، أو حتى في سجن
الجنائيين، وهو السجن الذي يمكن لأهل النفوذ والمال تحويله إلى حياة جيدة، ثم يخرج
قبل أن يكمل المدة بعفو عام أو بقضاء نصفها أو ثلاثة أرباعها أو نحو ذلك.
لماذا؟.. ما
الذي أوصلنا إلى هذا الشكل المعقد؟!
أشياءٌ كثيرة
أوصلتنا إلى هذا الوضع، لكن أهمها في الواقع شيء بسيط جدا.. أن الفتي المقتول، لم
يكن يمتلك سلاحا!!
بحسب الفيديو
المنشور، حين رأى الفتى أنه يواجه مسلحين حاول الهرب، لكنهم حاصروه، ثم طعنه صاحب
السلاح. هنا تبدو اللحظة الفارقة في أوضح أشكالها، كان أحدهم يمتلك سلاحا وكان
الآخر أعزل، لقد كان المشهد سيختلف تماما لو أن الفتى كان يمتلك سلاحا يدافع به عن
نفسه، أو كانت الفتاة التي وقع التحرش بها تملك سلاحا تدافع به عن نفسها، في هذه
الحالة لن تمتد يد المتحرش على الفتاة ثم لن تمتد يد القاتل على الفتى إلا وهو
يعرف أن الثمن الذي سيدفعه ربما يكون: حياته، أو عاهة دائمة، أو جرح عميق يظل
علامة في وجهه وجسده سنين عددا!
غياب هذا
السلاح البسيط من يد المقتول هو الذي صنع هذه المأساة..
إن المواطن
الصالح الملتزم بالقانون هو المواطن المقتول المقهور المذبوح، وغياب السلاح من يد
المقتولين المقهورين المذبوحين، هو الذي يجعلنا نتوسل مؤسسات الدولة وقضاءها
وشرطتها وساستها وإعلامها ونبذل لهم الأموال والدموع ليتكرموا علينا بعقاب القاتل،
وربما نجحنا في استدرار عطفهم وتوسل كرامتهم فعاقبوه كما أردنا، ولكن الأغلب أننا
لا ننجح.. ونعود بهوان الدنيا وخزي الحياة وغيظ الصدور وقهر الرجال!
ما الذي يجعل
الجزار قادرا على ذبح مئات الدجاج في اليوم الواحد، إلا أن الدجاج لا يملك سلاحا
يدافع به عن نفسه؟!
لقد وقع شيء
كهذا في يوم جلسة المحاكمة للقاتل، ولقد صُوِّر بالفيديو أيضا، بغل من بغال الشرطة
المصرية انتزع الهاتف المحمول من يد سيدة يريد أن يفتشه، ولما تشبثت به ضربها،
فلما حاول الناس أن يهرعوا لها (وهم لا يعرفون أنه شرطي) أخرج سلاحه وصرخ فيهم
ففروا كما تفر الدجاج تماما! ثم سيقت المرأة المقهورة بالضرب والإهانة حتى أدخلوها
سيارة الشرطة.. ولا أحد يدري مصيرها!
لماذا استطاع
البغل الواحد أو البغلان والثلاثة أن ينفضوا عنهم جمهورا من الناس، فينتثر كالشذرات
المتطايرة من نفخة الهواء؟!.. إنه السلاح!
أتذكر شابا
أمريكيا كان يتحدث مع بعض أصدقائنا في أيام الثورة الأولى، فاقترح عليهم أن يجعلوا
في الدستور المصري القادم حق حمل السلاح، ونظر إليه أصدقاؤنا ساخرين، فكلهم من فئة
المواطنين الصالحين الذين يريدون دولة مدنية محترفة مثل أوروبا وأمريكا: الشعب
فيها أعزل والشرطة تحترم القانون، فقال لهم: نحن في أمريكا لو لم نكن نملك السلاح
لفعلت بنا حكومتنا مثلما تفعل بكم الحكومات العربية! بعض أصدقائنا عرف من هذه
العبارة ولأول مرة أن أمريكا شعب مسلح!!
سيكون عملا
ممتعا لو قررتَ قراءة المناقشات التي تداولها واضعوا الدستور الأمريكي عن حق حمل
السلاح، وكيف أنهم أقروه في النهاية لكيلا تكون ثمة فرصة للحكومات للاستبداد
بالشعب، أو لكيلا تكون ثمة فرصة للمحتل (الإنجليزي) ليعود مرة أخرى.
يقول بعضهم:
ولكن إباحة حق حمل السلاح للشعب فيه خطر، أمريكا نفسها تعاني من بعض المجانين
الذين يحملون سلاحا فيقتحمون مدرسة ويقتلون بعض أطفالها، يحدث هذا كل عدة أشهر. في
الواقع كان هذا أيضا رأي أوباما الذي كان يقيم مشهدا تمثيليا دامعا بعد كل حادثة
ليحاول تغيير هذا الوضع الذي يبيح حمل السلاح للشعب، وكان أفضل ردٍّ على ذلك ما
قاله ترمب: إن السبب الأساسي في قلة عدد الضحايا وسرعة السيطرة على القاتل أنه كان
بالقرب من الحادثة رجل مسلح آخر!
وقد صدق ترمب، لو كان القاتل لا يجد مسلحين
لكان قد استمر في جريمته حتى يشعر بالملل، أو حتى تنفد رصاصاته، أو حتى تأتي
الشرطة.. بينما وجود مسلح آخر في المكان جعل الحادثة تمر بأقل الخسائر.
في كتابه
"بنادق أكثر جرائم أقل" يرصد جون لوت انخفاض معدل الجرائم بعد صدور
قوانين إباحة امتلاك السلاح، أي أن انتشار السلاح لم يتسبب في مزيد من الدماء بل
على العكس، لقد أدى هذا الوضع إلى توازن الردع.. ووضع في كتابه هذا الرسوم
البيانية من واقع معدلات الجرائم مقارنة بين الأعوام السابقة والتالية لصدور
القوانين.
وهذا أمر
نستطيع أن نلمسه في واقعنا ببساطة، إن الجرائم لا تنتشر في المجتمعات المسلحة،
بينما تنتشر في المجتمعات المدنية، ويمكن –في الحالة المصرية- المقارنة بين انتشار
الجرائم في الصعيد وانتشارها في الوجه البحري. في الصعيد مثلا لا تبرز ظاهرة
البلطجة، بينما بلطجي الوجه البحري قادر على فرض سطوته ونفوذه بالدماء في المنطقة
التي يسكنها "المواطنون الصالحون" العُزَّل!!
والآن.. إذا
استرجعنا صورة الحادثة التي وقعت، فأي شيء أفضل؟
أن يعرف
القاتل أن الفتاة مسلحة وأن الذي يدافع عنها مسلح مثله فيرتدع أولا؟!
ولئن لم يرتدع
وقرر خوض المغامرة فخرج منها مقتولا أو مصابا؟!
فإن خرج قاتلا
عاش بقية أيامه في خوف من أهل القتيل المسلحين الذين سيفكرون حتما في الثأر؟!
أم الأفضل أن
يمارس هوايته في التحرش ثم في القتل ثم يسعى أهله لدى الدولة المسلحة بما عندهم من
النفوذ فيحمونه من العقوبة؟!
سأنقل لك الآن
مشهدا خياليا..
تصور أن الناس
جميعا يسيرون في الحياة عراة، لا يملكون ما يحميهم من برد الشتاء أو من حر الصيف
أو حتى من عيون الناظرين! ثم تصور أن هؤلاء العراة ليسوا في الشارع وإنما هم في
ساحة عريضة يتسلى السادة بمشاهدتهم وإطلاق النكات الساخرة على عوارتهم! ثم تصور أن
بعضا من هؤلاء السادة الذين يرتدون الملابس الفاخرة نزل من موقعه في مقاعد
المتفرجين ليعبث ويصطاد بعضا من هؤلاء العراة يتسلى بهم.
هل قلتُ إنه
مشهد خيالي؟!
أعتذر لك..
إنه واقعنا نحن في الدولة المتوحشة التي تحكمنا!
لئن كان لدى
الأوروبي الآن فسحة من النظر والاختيار بين مجتمع مسلح يحميه من الجريمة، وبين
دولة محترفة تحميه من الجريمة (دولة محترفة بمعنى: شرطة مستعدة، قضاء مستقل،
قوانين صارمة، تنفيذ لا يجامل)، فنحن في بلادنا لا نملك هذه الفسحة.. نحن في السجن
والأسر والهوان، دجاجات عند الجزار، فئران يتسلى بنا القط والكلب والضبع، كأننا
صورة تصورها الشاعر لما قال:
من لاذ بالسيف
لاقى فرصة عجبا .. موتا على عجل، أو عاش منتصفا
أي: من كان
محتميا بسلاحه فهو في فرصة ممتازة، إما يموت بسرعة أو يعيش بكرامة..
وإذا وصلنا
إلى هذه النقطة جاز لنا أن نتصور: هل كان سهلا على والد محمود البنا مطاردة
الإخوان وتحطيم ممتلكاتهم والتحريض عليهم لو أنه يعلم أنهم مسلحون، وأنه سيجد في
طريقة مقاومة عنيفة؟!
حسنا، هل لو
كان اعتصام رابعة مسلحا بعدد مئات آلاف من كانوا فيه، هل كانت ستكون مذبحة على هذا
النحو المروع البشع؟! أم كان ذلك السلاح سيكون إنقاذا لآلاف الناس حتى لو فُضَّ
الاعتصام في نهاية الأمر!
أعرف أن حديث
تسلح الثورة حديث طويل الذيل حافل بالتفاصيل.. لهذا لن أخوض فيه الآن.. لكن الشاهد
المقصود هنا أن توازن الرعب –لا توازن القوة- هو في صالح الطرف الأضعف المظلوم
دائما!
إن الضحية
العزلاء مغرية بافتراسها، قرار سهل يتخذه أي بلطجي في الشارع، أو أي ضابط شرطة
فاسد دون أن يتردد أو يتوقف.. بينما قرار الحرب مع الضعيف قرارٌ صعب، روبرت جيتس
وزير الدفاع الأمريكي نفسه –أعتى قوة في تاريخ البشر- يوصي في نهاية مذكراته أن
تكون الحرب هي آخر الحلول وينطلق يهاجم أولئك المغرورين الذين يتصورون أن فارق
القوة يعني سهولة النصر.. ومذكرات جيتس كلها كانت عن ورطة الأمريكان في أفغانستان
والعراق!.. فانظر وتأمل كيف تشكو أعتى قوة في تاريخ البشر، ومعها حلف القوى الكبرى
جميعا، من مقاومة دولتين أحدهما (أفغانستان) فقيرة بائسة تعاني المجاعات ولا تملك
شيئا من عالم التقنية والسلاح، والأخرى (العراق) خارجة من حروب وحصار امتد لثلاثين
سنة وعلى رأسها حاكم طاغية فاسد أهلك جيشه وبلده!
يقول روبرت
جيتس: "سلكت نهجا طيلة مدة ولايتي كوزير مصمما على تجنب أي حروب جديدة
في الوقت الذي كنا لا نزال فيه متورطين في العراق وأفغانستان. هل تذكرون المثل
القديم القائل "عندما تجد نفسك في حفرة فإن أول ما ينبغي أن تفعله هو التوقف
عن الحفر"؟ ما بين العراق وأفغانستان أعتقد أن الولايات المتحدة كانت في حفرة
عميقة جدا. إن كنا في مواجهة تهديد عسكري خطير للمصالح الحيوية الأمريكية فسأكون
أول من يُصِرّ على رد عسكري ساحق، لكن في غياب مثل هذا التهديد لا حاجة للذهاب
والبحث عن حرب أخرى. احتفظتُ بقول لونستون تشرشل يعود للعام 1942 في درج مكتبي
ليذكرني كل يوم بحقائق معينة "لا تظنن على الإطلاق أن أي حرب ستكون سلسة
وسهلة، أو أن أي شخص يبدأ هذه الرحلة الغريبة يمكنه أن يعرف المد والجزر والأعاصير
التي سيواجهها. على رجل الدولة الذي يستسلم لحمّى الحرب أن يدرك أنه بمجرد أن
تُعطى الإشارة، لن يعود مسيطرا على السياسة وسصبح رهينة الأحداث الخارجة عن
التوقعات والسيطرة". لذلك عارضت العمل العسكري كخيار أول" (ص219 من
مذكراته).
المقصود أن الفريسة الأعزل لا يتردد أي
ضعيف في نهشه، بينما الذي يمتلك حدًّا من القوة يمتلك أن يدافع عن نفسه، ويمتلك أن
يُوَرِّط الذي يحاول افتراسه مهما كان فارق القوة بينهما عظيما!
بالأمس قُتِل
البغدادي..
لكن شيئا ما
في قصة قتله لا يجري التركيز عليها كثيرا.. لقد فجَّر نفسه، فمنع الأمريكان من
اتخاذه مسلسلا دراميا طويلا يتسلون بمشاهدته.. مثلما فعلوا بصدام حسين، أخرجوه
ثائر الرأس منكوش الشعر يُقلبه أحدهم ذات اليمين وذات الشمال ويفتش في فمه وبين
خلاياه (وقد فهم المشاهد الرسالة وعرف ماذا قد حدث فيه مما لم يُعرض)، ثم محاكمة
طويلة هزلية، ثم إعدام في صبيحة يوم الأضحى.. مسلسل من الإذلال!
هذا فارق مهم
بين مسلح وأعزل، كان قتله لنفسه أهون من أن يوضع في قفص الحيوانات ويعرض على
الشاشات ويُغدى به ويُراح على التحقيقات والمحاكمات وسماع الاتهامات، وكافة ما
تتقنه الحضارة الغربية من إبداعات التفاصيل والرموز!
ومهما يكن من
أمر، فقد كانت ميتته هذه أهون وأشرف من كل مصير ينتظره، وكان الفضل فيها للسلاح
الذي كان يملكه حتى اللحظة الأخيرة.
إن نظرية
الشعب المسلح نظرية قديمة في تراث المقاومة والكفاح.. ويجب ألا نستغرب حين نعرف أن
تجريد الشعوب المسلمة من السلاح كان على رأس أولويات الاحتلال الأجنبي وعملائه من
قبله ومن بعده، ولم يستقر للاحتلال قرار في بلادنا إلا بتحويل شعوبنا من فرسان إلى
فراخ! بل لربما تصيبك الدهشة حين تعلم أن المحتل يسعد أكثر بوجود حكومات قوية
تسيطر على البلد، فهذا يسهل احتلالها، والغرب هو أكثر المعنيين ببناء مؤسسات
مسيطرة مهيمنة على شعوبنا، هذا يظهر واضحا في العديد من المواقف وفي مذكرات صناع
القرار الأمريكان (راجع مثلا هذا المقال) ولعلنا نفرد
له مقالا آخر فيما بعد.
شتان شتان بين
شعوب قوية ترفع نزاعاتها إلى القضاء ليحكم بينهم فيكون حكمه تجنيبا لحروب تنشب
بينهم، وبين شعوب قضاؤها جزء من سلطة فاسدة لا يقضي إلا للقوي على الضعيف، ولو أنه
قضى للضعيف يوما فلن يستطيع الضعيف إنفاذ حكم القضاء أصلا!
والناس حين
يتوازنون في القوة فإنه يكفي في القضاء في منازعاتهم مجلسٌ عرفيٌ واحدٌ يقضي فيه
حكماؤهم وأعيانهم، فتحقن الدماء وتقضى الحقوق ويتراضى المتنازعون، وأما الضعفاء
العُزَّل فإنهم يهلكون أعمارهم وأيامهم وأموالهم بين أقسام الشرطة والمحامين
والنيابات وجلسات المحاكمات، ثم لا يعودون إلا ببعض حقهم، لو أنهم عادوا به!