السبت، ديسمبر 15، 2012

صناعة مجتمع الجسد الواحد (1-2)


كتب مايكل هارت عن أعظم مائة في التاريخ فوضع نبينا محمدا (ص) في مقدمتهم، لأنه ما من أحد نجح دينيا ودنيويا مثلما كان محمد (ص)، فالعرب الذين تشتتوا في صحرائهم وتنازعوا على مواطن الكلأ حتى عجزوا أن يُكَوِّنوا حكومة بدائية تجمعهم ظهروا على مسرح التاريخ في ذات لحظة تحت قيادة محمد وأتباعه، ليسوا وحدة واحدة فحسب، بل غيروا وجه التاريخ وأزالوا امبراطوريتي فارس والروم معا في أقل من نصف قرن، ولهذا يقول توماس أرنولد: "إن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرَّد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابًا كاملاً لِمُثُل الحياة التي كانت من قبل"[1].

وما كان للنبي أن يخوض صراعه مع قوى العدوان العالمية إلا بإنشاء الكيان المتماسك، أو بتعبيره هو (صلى الله عليه وسلم) "الجسد الواحد" الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.. فكيف صنع النبي من المجتمع المتشتت المتنازع أقوى مجتمع متماسك عرفه التاريخ؟! مجتمع ما زال بعد خمسة عشر قرنا، وبعد كل ما نزل به، يحتفظ ببذور عودته أمة واحدة من جديد، ويكاد يفعلها مرة أخرى؟.. ذلك حديث السطور القادمة.

***

حين دخل النبي (ص) إلى المدينة كان المجتمع فيها زاخرا بمشكلات كثيرة هذه خلاصتها:

على المستوى الديني ثمة ثلاث طوائف: المسلمون، واليهود، والمشركون ممن لم يؤمنوا، ثم ظهرت طائفة جديدة هي المنافقون، فصار لدينا أربع طوائف منها ثلاث طوائف معادية لهذا الوافد الجديد وراغبة في فشله وانهيار بنائه؛ فاليهود قد حددوا موقفهم مبكرا من عداوة النبي ودينه وما لديهم من علم الكتاب جعلهم أكثر قدرة وقوة في الطعن على الدين، والمشركون قوم يجمعون بين رفض الدين ورفض حُكْمَ الغريب الطارئ عليهم من خارج بلدهم وقبائلهم كلها، والمنافقون تكمن خطورتهم في أنهم مجهولين يمارسون الطعن في الظهر ويثيرون الإشاعات والبلبلات تحت غطاء إسلامهم، وفي المسلمين سماعون لهم[2].

وعلى المستوى الاقتصادي تبرز ثلاث مشكلات: اقتصاد المدينة يحتكره اليهود وتعاملهم بالربا يستنزف أموال أهلها، والمدينة ذاتها فقيرة الموارد تعتمد على الاستيراد، ثم هذا الفائض البشري الذي جاء مع الهجرة بما صنع ضغطا إضافيا، لا سيما وأهل مكة –وهم غالب المهاجرين- أهل تجارة لا زراعة بينما المدينة أرض زراعية لا تجارية[3].

وعلى المستوى الاجتماعي: ينقسم المسلمون إلى مهاجرين وأنصار وهم غرباء على بعضهم في الطباع والعادات وأسلوب الحياة، والمهاجرون أنفسهم هم مجموعات من آمنوا من كافة قبائل العرب كما أن الأنصار أيضا حديثو عهد بالنزاع الطويل بين الأوس والخزرج، كما ينقسم اليهود إلى قبائل تسري بينهم العداوة والبغضاء ويستعلي بعضهم على بعض، ثم بين أهل المدينة وبين اليهود اضطرابات ونزاعات لما لليهود من ديون ربوية ولاحتكارهم اقتصاد المدينة وسعي اليهود في إيقاع الحروب بين العرب، وهذا العداء نتج عنه إيقاع باليهود ولهذا كانوا يتوعدون العرب بنبي قد أطل زمانه ينتقمون به منهم[4].

ثم أظهرت الهجرة مشكلات أخرى؛ سياسية وهي انهيار العلاقة بين المدينة ومكة حتى لقد منع القرشيون زعماء المدينة من الحج والعمرة كما في موقف سعد بن معاذ وكذلك الاضطراب المكتوم بين المدينة وما حولها من قبائل العرب التي تنظر بتوجس لهذه التغيرات القريبة، وأمنية كتتبع قريش للنبي ومحاولتهم اغتياله وهو ما جعل النبي في حراسة مسلحة دائمة أوائل فترة المدينة، وصحية حيث أصابت الحمى المهاجرين الذين لم يعتادوا على أجواء المدينة، ونفسية إذ أصاب المهاجرين الشوق إلى مكة وأوديتها ومواطن الحنين فيها[5].

باختصار: كان النظر إلى مجتمع المدينة آنذاك يستخلص استحالة تحوله إلى مجتمع متماسك!

***

تتبع القرارات الأولى التي اتخذها النبي (ص) أول قدومه المدينة تفيد منهجه في بناء المجتمع الذي رأينا كيف كانت أحواله، سيبدو مذهلا أن أربعة قرارات استطاعت صناعة المعجزة، تلك هي: بناء المسجد، الإخاء بين المهاجرين والأنصار، إصدار وثيقة المدينة، إقامة سوق المسلمين.

وتتبع السر في نجاح المعجزة بهذه السرعة يعود إلى عنصر وحيد، أنها لم تكن مجرد قرارات إدارية بل دينٌ!

القرار الأول: بناء المسجد

قبل أن تطأ قدم النبي أرض المهجر أمر ببناء المسجد في قباء –قبل المدينة- ولم ينزل في المدينة قبل أن حدد موضع المسجد، لقد كان المسجد هو المؤسسة الأولى والمركزية في الدولة الإسلامية، لم يكن فقط دار عبادة، بل هو مدرسة تعليم الدين، ووسيلة الإعلام، وهو قصر الرئاسة الذي يستقبل فيه الوفود وتتخذ فيه القرارات، وهو بعد ذلك مأوى من لا مأوى له من المسلمين الفقراء، وقد تكون أحد جوانبه مستشفى لعلاج الجروح، أو سجنا للأسرى[6]!

وكان الإسلام يدفع المسلمين للالتقاء في هذا المسجد خمس مرات يوميا على الأقل، ويرغبهم في كثرة الترداد عليه وإقامة مجالس الذكر فيه فهي من أسباب رفع الدرجات وغفران السيئات ومن أسباب نزول الملائكة والرحمة والسكينة، ومن موجبات النور التام في ظلمات يوم القيامة، حتى الخطوة إلى المسجد لها أجر، وبلغ اندفاع المسلمين في هذا حتى كان "ما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"[7].

ولهذا تم التلاحم بين القيادة (النبي) والأتباع، وبين الأتباع بعضهم بعضا بأسرع وقت ممكن، لقد عرف الجميع بعضهم بعضا واختلطوا ببعضهم فعرفوا أخبارهم وأحوالهم وفقراءهم وأغنياءهم، فمن كان لديه فضل مال أو طعام ذهب به إلى الفقراء في المسجد، فعم التكافل هذا المجتمع الصغير وصاروا بعد الاغتراب والانقسام كتلة واحدة.

ولا نكاد نعرف عبر التاريخ وسيلة أسرع في اندماج المجتمعات من التقائهم يوميا خمس مرات على الأقل!

القرار الثاني: الإخاء بين المهاجرين والأنصار

فقد آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار بحيث صار أخو الإسلام مقدما على أخي النسب، وظهرت في هذا الإخاء عجائب لا سوابق أو لواحق لها، فلقد استقبل الأنصار إخوانهم بكل ترحاب، فأحبوهم وأنفقوا عليهم من أموالهم وإن كانوا في حاجة، وآثروهم على أنفسهم، واقتسموا معهم أملاكهم، وتسابقوا على استضافتهم حتى ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة، ومثلما ظهرت عجائب الأنصار في الإيثار ظهرت عجائب المهاجرين في النبل والتعفف، وبادلهم المهاجرون الحب والاعتراف بالفضل حتى كانت خشيتهم أن يذهب أجرهم في الجهاد والتضحية أمام عظمة الأنصار وقالوا للنبي (ص) "ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل وأحسن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤونة، حتى لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كله"[8].

وهذه المؤاخاة كانت مؤاخاة خاصة، بعد إقرار المؤاخاة العامة بين المؤمنين جميعا (إنما المؤمنون إخوة)، وأنه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، و(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) وأن (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) وأنه يكفي المرء شرا أن يحقر أخاه المسلم[9].
فكانت هاتان الأخوتان –العامة والخاصة- مزيد تشديد لأواصر العلاقات بين فصائل المجتمع الوليد، فزادته ارتباطا وتماسكا وقوة، وبهما انتهت مشكلة اغتراب المجتمع وانقسامه إلى فئات، وظهر هذا أكثر ما ظهر في اجتماع الأحزاب لاجتياح المدينة بعد خمس سنوات فحسب من بداية هذا البناء، ونتوقع أن من نتائج هذا الإخاء تصفية معسكر المشركين في المدينة خلال عامين إذ "أسلم أكثر مشركي المدينة بعد بدر"[10].

ولا نستطيع أن نفهم جوهر الإخاء وآثاره الهائلة على حقيقتها إلا حين نقارن اليوم مشكلات اللاجئين في العالم، وكيف يمثلون مأساة إنسانية دائمة.

ويزداد الفهم –ومعه الحسرة والأسى- حين نرى أوضاع اللاجئين المسلمين اليوم وكيف لا يجدون من إخوانهم المسلمين سندا ولا نصرة، بل إن قضية اللاجئين الفلسطينيين تحت الحكومات "العربية" تعد وحدها مأساة إنسانية بالغة المرارة، حتى صار الدم الفلسطيني شركة بين بني صهيون وبين أذيالهم من أهل العروبة!!

***

بقي في الحديث القرارين الأخيرين.. ونترك هذا للمقال القادم إن شاء الله تعالى.


[1] مايكل هارت: الخالدون مائة أعظمهم محمد ص13 (ط6 المكتب المصري الحديث)، وتوماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص61 (ط مكتبة النهضة المصرية).
[2] (النساء:51)، البخاري (125 – ترقيم البغا)، ومسلم (2794 – ترقيم فؤاد عبد الباقي)، (التوبة: 47)، (الأحزاب: 60)، (المنافقون: 4)
[3] د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 2/270، 4/106، 7/132 (ط4 دار الساقي)، د. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/229، 241، 242 (ط6 مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة).
[4] (المائدة: 45) وتفسيرها، مثلا: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 3/121 (ط2 دار طيبة)، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 516 وما بعدها (ط1 دار الكتب العلمية، بيروت)، د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 7/129، 130، 9/251، 10/155.
[5] البخاري (3734)، (6804)، (1790)، ومسلم (2410)، (1376).
[6] د. علي الصلابي: السيرة النبوية ص306 وما بعدها (ط7 دار المعرفة، بيروت).
[7] الاقتباس قول ابن مسعود، رواه مسلم (654)، والنصوص في فضل المسجد كثيرة ومشهورة.
[8] د. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/241 وما بعدها، د. إبراهيم العلي: صحيح السيرة النبوية ص138، 139. (ط1 دار النفائس، الأردن).
[9] (الحجرات: 10)، والبخاري (13)، (5718)، ومسلم (45)، (2564)، (2558).
[10] محمود شيت خطاب: الرسول القائد ص163 (ط6 دار الفكر، بيروت).

الثلاثاء، ديسمبر 11، 2012

"نعم" للدستور..


تتركز اعتراضات العقلاء والشرفاء على أمرين: موقع الشريعة ومقامها، وموقع العسكر ومقامهم! وحيث أني ممن لا أرضى موقع هذين ولا مقامهما في الدستور فالطبيعي أني سأرفض الدستور، فهما ليسا بالأمر الهين السهل ولا مما يمكن تجاهله..

لكن للأسف هذا فقط نصف الصورة!

تماما كنصف الثورة حين خرق الخضر السفينة، وحين قتل الطفل الصغير، وحين أقام جدارا مجانيا بقرية البخلاء!

لنضع أمام أنفسنا هذه الحقائق!

1. الدستور ليس إلا حبرا على ورق، يملك الفاعلون تحويله إلى حقائق كما يملكون إلقاءه في أقرب مزبلة.. في الحقيقة كل النصوص القانونية -والغالبية العظمى من رجال القانون- تحت رحمة الدبابة وفي خدمتها (سيف المعز وذهبه!).. ويمكن لانقلاب عسكري بسيط أن يطيح بكل مجهودات القانونيين ثم سيجد من أهل القانون أحذية له يلبسها ويصوغون له رغباته في قوانين ودساتير.

2. الفاعل الرئيسي في المشهد هو من يملك القوة، والقوة هي: قوة السلاح، وقوة المال، والقوة الشعبية.. في الأحوال الطبيعية غير الثورية لا تكون القوة الشعبية ذات وزن في المعادلة، ويكون السلاح هو الأقوى ثم المال.. أما في الأحوال الثورية فإن القوة الشعبية تصبح الأقوى في المعادلة بينما تتراجع قوة السلاح والمال إلى أدنى مستوياتها.

3. لولا التوحد الشعبي ما نجحت الثورة.. ولولا التوحد الإسلامي ما فشلت مؤامرة اقتحام قصر الاتحادية (أو قل تأجلت)..

4. فيما يخص العسكر ثمة أمران:

أ. أن هذه المواد بالنسبة للمراحل الانتقالية المشابهة والظروف الحالية ممتازة جدا.. وإن كانت في نفسها لا تصل لمستوى المأمول في الدول التي ضبطت علاقة العسكر بالشأن المدني.

ب. أن العسكر يضمنون موقعهم هذا بقوة السلاح، وهم يرون في الإسلاميين خصومهم، كما أن العلمانيين نشأوا وعاشوا في ظل العسكر واستبدادهم، وهم لو كتبوا الدستور فسيعطون للعسكر كل ما من شأنه أن يعسكر الدولة تماما ويحميها من أي احتمالية مستقبلية لوصول الإسلاميين إلى الحكم.. بما يعني أن التاسيسية القادمة لن تحقق أفضل من هذا في شأن العسكر رغبة إليهم أو رهبة منهم.

5. فيما يخص الشريعة ثمة أمران أيضا:

أ. أن النص الحالي وإن كان لا يرضينا إلا أن انتخابنا لمن يرضينا يصحح عواره، أو حتى يهيئ الأحوال لتعديله إلى ما يرضينا عبر طريق آمن، أو على الأقل أفضل وأكثر امنا من طريق رفضه.

ب. أن انتخاب تأسيسية قادمة لن يكون مطلقا كما نحب ونرضى، بل سيصدر له قانون يحدد "المحاصصة الطائفية والسياسية للجنة" وهو القانون الذي سيصدره مرسي تحت القصف العسكري العلماني الفلولي وقد تبين لنا بجلاء أن الرجل وحده وأن أجهزة الدولة تحاربه حتى الحرس الجمهوري الذي يخونه ويُسْلِمه.

6. أما بتوسيع الصورة فسنرى أنفسنا أمام كتلتين: الكتلة المؤيدة هي الإسلامية والكتلة الرافضة هي العلمانية.. ولا يمنع أن في الجانبين إسلاميين أو علمانيين.. فالدستور هو بالفعل عنوان للصراع الإسلامي العلماني في مصر.. وقبوله هو ارتفاع لأسهم الإسلاميين ورفضه هو ارتفاع لأسهم العلمانيين.. ومهما كان موقفك وتحفظك وأمانيك فلن تستطيع تغيير هذه المعادلة في ظل الضعف الإعلامي الإسلامي، وتغول الإعلام العلماني العسكري الفلولي.

7. في الموازنة بين استمرار الرئيس وحيدا لعشرة أشهر أخرى (3 انتخاب جمعية، 6 كتابة دستور، 1 للتصويت عليه) وبين وجود برلمان يعضده ويقويه وهو أيضا يراقبه ويصحح عمل حكومته ويسانده في تطهير الوزارات في ظل هذا الدستور المطروح.. أحسب أن هذه الموازنة تميل بوضوح لصالح وجود برلمان بأسرع وقت ممكن لتمثيل الإرادة الشعبية كجزء من معادلة الصراع.

لهذا ولغيره أرى أن التصويت بـ "نعم" هو ما يحقق المصلحة المرجوة.

الأحد، ديسمبر 02، 2012

الأسواني يدعونا إلى القراءة.. وهو لا يقرأ


كعادة أنصاف وأرباع المثقفين الذين قرؤا بعض كتاب وبعض كتب بلا عمق ولا تتبع ولا دراسة، أكثر مولانا علاء الدين بن الأسواني من الإفتاء في الشريعة والفقه والتاريخ الإسلامي، رغم أنه لم يبرز إلا في الأدب -لو تجاوزنا خلاف الأدباء والنقاد على جودة ما كتب نصا ومعنى وأغراضا- وحيث أن مولانا شهير بما فتحت له الصفحات والشاشات فإنه ما زال يفتي ويظن نفسه يعلم وهو لا يعلم! ويبدع وهو لا يبدع!

كثير من مقالات الكرام الذين ردوا على علاء الأسواني يجمعها عنوان "اقرأ قبل أن تتكلم".. وأنا هنا أحيل إلى مجموعة مقالات للكرام: د. محمد علي يوسف، وم. خالد خطاب، والأستاذة نور عبد الرحمن!

لكن الأسواني -الذي يقرأ جيدا- ما زال ينصحنا بأن نقرا قبل أن نتكلم، فكتب على تويتر:

"الى شباب الاخوان هل تعتبرون طارق البشري علمانيا فاسقا .اقرءوا كتابه عن الحركة السياسية لتعرفوا تاريخ قياداتكم الذين تواطئوا ضد الشعب المصري.

الحركة السياسية في مصر تأليف طارق البشري يكشف تواطوء قيادات الأخوان مع اسماعيل صدقي والملك فاروق ضد الحركة الوطنية . اقرءوا قبل ان تشتمونا

واضح ان شباب الاخوان رغم ذكائهم مغسولة دماغهم تماماً . أدعوكم الى قراءة كتاب البشري الاسلامي لتعرفوا انتهازية قادتكم.اقرءوا الكتاب لتفهموا

ياشباب الاخوان أدعوكم لقراءة كتاب الحركة السياسية في مصر لطارق البشري حتى تعرفوا انتهازية قادتكم وتواطئهم ضد الشعب .هل القراءة صعبة عليكم" (انتهى كلام الأسواني)

ترى ما شعور المقتنع بكلام الأسواني، وما شعور الأسواني نفسه إذا نقلنا له من كلام طارق البشري نفسه أنه تراجع عن تقييمه للإخوان المسلمين، وسجل هذا في مقدمة طبعة الكتاب الثانية وقال فيها الآتي (وهذه مقتطفات):

"دار فكري دورة كبيرة، والأمر فيه يتضمن تعديل موقف لا تكفي فيه الإشارة العابرة...

يقع التزامي وتقوم مسؤوليتي في إعادة الطرح بما أحسبه الآن تصويبا لدور الإخوان ووظيفتهم في مجتمعنا...

أطرح من جديد على بصيرة القارئ وذكائه ما جدَّ لي في هذا الشأن، بالنسبة لتيار سياسي في مصر ضَرِب عددا من المرات ضرب غرائب الإبل، من الرجعيين والتقدميين على السواء، ولعل هذين الفريقين لم يتفقا على شئ قط إلا على ضرب هذا التيار، وقد لا يكون فاروق وعبد الناصر تشابها في مسلك أبدا إلا في نوع تعاملهما مع الإخوان وتصفيتهم...

استطعت بقدر ما واتاني البصر أن أنظر في كل من التيارات الأخرى من داخله، أتفهم بعضا من همومه وشواغله وبواعث حركته وطرائق استجاباته، ولكني لم أفعل ولا واتاني البصر بشيء من ذلك مع الإخوان، كنت خارجيا عنهم، ولم يُتِح لي فكري سبيل الولوج من بابهم لأدخل دارهم وأتطلع إلى شواغلهم، استخدمت مع غيرهم الموازين والمكاييل والتحاليل، وقِسْتهم هم بالمتر أو بالشبر والفتر...

النظر الخارجي للإخوان هو ما عاقني عن التنقيب عن الدلالة الوطنية لشعبيتهم، وقد لزمني سنوات بعد إخراج هذا الكتاب لكي أعيد مع نفسي النظر في هذه النقطة، وأن أراجع الخريطة السياسية والتاريخية كلها، في ضوء ما أسفرت عنه إعادة النظر تلك"

ثم مضى البشري يقول كلامه الذي أحسب أن الأسواني يحتاج إلى قراءته!

لكن دعك من مشكلة القراءة التي قد لا يجد الأسواني وقتا لها من كثرة جوائزه التي يتسلمها (لقد كتب هذه التغريدات وهو في ألمانيا لتسلم جائزة حرية التعبير).. دعك من هذا، ولنسأل بالعقل: أليس المستشار البشري نفسه حيا يرزق؟! ألا يلاحظ أي متابع للساحة السياسية أنه أقرب إلى الإخوان والفكر الإسلامي؟!.. فإذا كان موقفه منهم موقف العداء والخصومة (كما في طبعة كتابه الأولى) ألم يبرز في عقل الأسواني سؤال يحاول به حل هذا الإشكال الواضح بين ما كتبه عنهم وحاله منهم؟

لكن الهوى يعمي ويصم!

الخميس، نوفمبر 29، 2012

موجز تاريخ الثورة والإسلاميين وأعداءهما


1. عاشت مصر دولة استبدادية عسكرية مركزية جمعت أنواع الفساد.

2. صنع النظام معارضته على عينه، فكانت المعارضة فاسدة ذات فساد النظام.

3. في لحظة الثورة اجتمعت أطياف الشعب مع الثورة ولم يقف ضدها إلا النظام ومعارضته والمستفيدون منه والخائفون على أنفسهم.

4. في فئة "الخائفون على أنفسهم" كثير من السلفيين.

5. باعتبار أن مبارك منهار أصلا فقد اتخذ قرار التخلص منه في أمريكا ونفذه داخليا الجيش للحفاظ على النظام نفسه.

6. هذا الانهيار السريع لم يسمح بوقت للمفاصلة الحقيقية بين الثوار والمزايدين.. بين الصامدين إلى آخر الطريق والقابلين بالحلول الوسطى.

7. استفاق الجميع على حقيقة أن الإسلاميين هم البديل في حالة الحرية والديمقراطية الحقيقية.. ورغم أن الإخوان -الجماعة التي تعيش آخر أيامها ولا تحب أي احتكاك- بذلت ما استطاعت للطمأنة والانسحاب من المشهد إلا أن السعار العلماني لم يرض إلا بالحذف الكامل للإخوان.

 8. باشتداد الصراع انقسم المشهد إلى ثلاث فئات: فلول وعسكر - علمانيين - إسلاميين.. وكان طبيعيا أن يؤول إلى فئتين: إسلاميين ضد تحالف الفلول والعلمانيين والعسكر.

9. وفي الوسط بين كل هؤلاء شباب ثائرون مفتقدون لقراءة المشهد وطبيعته وهم على استعداد لبذل دمائهم دائما في سبيل وطن أفضل.. لكن مثاليتهم تُعجزهم عن الاختيار الأفضل بين حلين، ثم هم غير قادرين على فرض اختيارهم الثالث المثالي.

10. وهنا ظهر إسلاميون آخرون ليس لديهم انهزامية الإخوان على رأسهم رجل المرحلة حازم أبو إسماعيل الذي أعاد المشهد إلى حقيقته: صراع الشعب إسلامي الهوى والمزاج ضد العسكر ومعهم العلمانيون مما أربك الخريطة السابقة تماما، وجعل الإخوان أفضل المتاح من جهة العسكر والخارج..

11. الإخوان لديهم أكثر من مزية هم يدركونها: شعبية واسعة تمكنهم من خوض الانتخابات وتجعلهم طرفا يملك تحقيق الاستقرار.. وهم بذلوا لطمأنة العسكر والخارج ما يجعلهم الأفضل.. ومن الناحية الأخرى كان بقاء النظام القديم (الذي بلغ ذروته بظهور عمر سليمان وشفيق) يعني لهم الذبح.. فتقدموا إلى المنافسة.

12. النخبة العلمانية حيرت العسكر والخارج، هم يتفقون فقط على عداوة الإسلاميين وعلى تفضيل الاستبداد العسكري.. بينما يختلفون في كل شيء.. فكانت كل خطواتهم التي أشاروا بها على العسكر تأتي عليهم بالسلب منذ تأجيل الانتخابات (فاتضحت أطراف الصراع وازداد الإسلاميون قوة وازداد غيرهم تشرذما) مرورا بابتداع نظام القائمة (الذي أتى لهم بالسلفيين وقد كان من المستحيل أن يحصلوا على هذه النسبة بالفردي) وحتى حل مجلس الشعب (فحاز مرسي سلطة التشريع)..

13. هذه النخبة فقدت كل من استمع لها: العسكر، الخارج، الشعب.. وليس لهم أي قيمة خارج البرامج الفضائية تخلى عنهم الخارج ليتعامل مع طرف يملك شيئا، والعسكر قرروا الاحتفاظ بأموالهم وصلاحياتهم ونفوذهم ليتركوا المدنيين بعضهم لبعض، والشعب ذاته منصرف عن برامج الفضائيات إلا قليلا.. (النقاش المباشر بين إسلامي في الشارع وبين الجمهور ينسف في دقائق ما زرعته الفضائيات في شهور.. والانتخابات خير شاهد ودليل)

14. بين نخبة متشرذمة وإسلاميون لم يمارسوا التنظيم وثوار يفتقدون قراءة المشهد واختيار الأنسب وفرض اختيارهم المثالي بقي الإخوان حلا جيدا لكل الأطراف:

- يطمئنون الخارج باستقرار البلاد واستمرار الاتفاقيات ونحو ذلك.

- يطمئنون العسكر باستمرار صلاحياتهم ونفوذهم وأموالهم.

- حل جيد لكثير من الثوار باعتبارهم نقلة حقيقية من الاستبداد العسكري إلى الحكم المدني.. ومن السلطة الدائمة إلى تداول السلطة.

- حل جيد بالنسبة للإسلاميين الذين وإن كانوا لا يثقون كثيرا في الإخوان إلا أن سياط وسجون العسكر والعلمانيين لم تجف من على ظهورهم.. فهم خير من العسكر والعلمانيين.

15. وصل مرسي لكرسي الرئاسة فكان حقا على كل من سبقوا أن يدعموه رغم مخاوف الجميع من الإخوان ومواقف الإخوان من الجميع.. فبين الجميع حالة من عدم الثقة.

- أمريكا تعتمد على نفوذها الواسع الذي يصل إلى الاحتلال في مصر.

- العسكر يملكون السلاح والنفوذ وكثيرا من الأموال.

- الثوار يملكون التضحية والنزول إلى الشارع (وهو العامل الذي يضعف مع الزمن)

- الإسلاميون يؤملون أن يكونوا أقوى وأصلب في ظل نظام أكثر حرية.

16. بقيت المعركة الحقيقية بين النظام السابق والنظام الجديد.. وكلاهما يريد جذب باقي الطوائف في صفه، ومن الطبيعي أن تنقسم الصورة إلى ثلاث مشاهد:

- الإسلاميون وكثير من الثوار وكثير من الشرفاء (ممن يظل اختيار الإخوان أفضل من النظام السابق) والشعب الذي يريد الاستقرار.. وراء مرسي!

- الفلول والعلمانيون وقطاع شعبي قليل خدعه الإعلام وكثير من الثوار والشرفاء (ممن لا يثقون بالإخوان ويحسبون أنهم قادرون على فرض خيارهم الثالث).. ضد مرسي!

وبنظرة بسيطة فإن الطرف الأول أقوى وأوسع بما لا يُقارن بالطرف الثاني.. لكن الطرف الثاني يستعين ببقايا نظام مبارك في القضاء والجيش والمخابرات والشرطة والإعلام ورجال الأعمال.. فهم بهذا أقوى!

الجيش (حتى الآن) يلتزم الصمت، والمخابرات لا أحد يدري موقف المؤسسة الحقيقي حتى الآن وإن ظهر بيقين مواقف لا ندري هل هي معبرة عن الموقف الرسمي أم موقف أجنحة من خلال أدوات إعلامية وميدانية.. وأما الإعلام والقضاء ورجال الأعمال فقد حسموا مواقفهم لصالح نظام مبارك..

ما أميل إليه أن حسم هذه المعركة يتم في الخارج، ويتوقف على جهتي الجيش والمخابرات.. فإما تصعيد للتهيئة للانقلاب كما حدث في تركيا والجزائر ودول أمريكا اللاتينية في أكثر من تجربة.. وإما أن الخارج يفضل بقاء المعتدلين على الفوضى أو "المتشددين" بنحو النموذج الأردوغاني.. لا سيما وأن الخارج يواجه الآن تحديا خطيرا في الصين وروسيا قد تجعله ينصرف مؤقتا عن الشرق الأوسط الغارق في قاع الحضارة.

بالتأكيد لست أدري ما إذا كان الخارج حسم خياره أم لا.. لكن الحسم بالتأكيد متوقف على أنياب الإسلاميين، فإذا وصلت الصورة "إما أن تقبلوا الديمقراطية حتى ولو أتت بالإسلاميين وإما الفوضى" سيكون الحسم باتجاه قبول الديمقراطية.. ولو وصلت الصورة "يمكن التخلص من الإسلاميين بلا قلق كثير" سيكون الحسم باتجاه بقاء نظام مبارك بوجه جديد..

بعض عوامل الصورة تشير إلى قوة الاحتمال الأول، لكن لا يمكن تجاهل عوامل أخرى..

يظل الأمل في أن يفوق البعض من مثاليتهم وأن يدعموا التحول الديمقراطي -ولو بالإسلاميين- على عودة الماضي بكل فساده واستبداده..

بعض هؤلاء ينبغي عليهم أن ينسحبوا من المعركة الحالية لصالح مرسي.. وبعضهم ينبغي عليه فعلا أن يقبل بالاستقلال العسكري الفعلي لفترة باعتباره أكل الميتة.. والطرفان يجمع بينهما أنهم بلا قوة شعبية أو تنظيمية حقيقية لمنافسة الإخوان وفرض بديلهم الثالث حتى وإن كانوا أعلى تضحية وبذلا واستعدادا للموت!

                                                                             نشر في شبكة رصد الإخبارية