** كتب هذا المقال صبيحة يوم الاثنين 30/4/2012 بعد ليلة في اعتصام وزارة الدفاع.
في مصر شباب لا يتردد في التضحية، وسياسيون لا يترددون في قبول الدنية في دينهم ودنياهم بكل أسف..
مشكلة الثورة الآن أن حصادها استقر في جهتين: إعلام موجه يتحكم فيه أصحاب النفوذ والأموال من النظام الفاسد أو من مراكز التوجيه في الخارج، وبرلمان يسيطر عليه إصلاحيون لم يفكروا طول عمرهم في إشعال ثورة فما زالوا يتعاملون بنفسية إصلاحية كانت أخطر على الثورة من نفسية المستبد ذاته!
وفي كل يوم يزيد الخرق ما بين الشباب الثائر من جهة والإعلام والبرلمان من جهة، ولذلك تسيل الدماء تزرع للمستقبل وتصنع خريطة قوة جديدة على الأرض لكنها لا تجد من يحصدها في خريطة السياسة ولا يمضِ بها نحو المستقبل!!
ورغم كل ما أدت إليه السياسة الإصلاحية المتدرجة الهادئة البطيئة من نكبات لا تخطئها العين، إلا أن أحدا لا يريد التفكير في تصحيح المسار ولا يريد أن يقيم المسيرة تقييما موضوعيا منصفا بعيدا عن شماتة الأعداء وثناء الأولياء..
المصريون الذين لم يكونوا على شك قبل عام وشهور من أنهم سيتسلمون دولتهم وحقوقهم كاملة غير منقوصة، صاروا يرون الآن برلمانا هشا كسيحا لا قدرة له على الفعل، ويقال علنا بأنه لن يشكل الحكومة، وإن شكلها فلن يقترب أحد من الوزارات السيادية، وها هي لجنة رئاسية يتحكم بها المجلس العسكري فيمن سيصل إلى الرئاسة..
ببساطة.. الثورة تحولت إلى انقلاب عسكري صريح..
***
لمرة أخرى: الحل في الشارع وفي الميادين..
وهذا الحل –ليس كما يتخيل البعض- متاحا دائما، أبدا، هذا الحل متاح فقط في لحظات الثورة، وكل البشر يثورون ثم يهدأون، واستعمال هذا الحل بعد هدوء الشارع غير مفيد، ولا يجرؤ عليه أحد.. تماما كما كان الحال في عهد المخلوع!
اللحظة الثورية لحظة فارقة وفاصلة وحاسمة، القوة الشعبية ليست موجودة دائما، وليست دائما تحت الطلب.. لا توجد ثورات ديليفري كلما شاء قوم أن يثور الشعب فإنه يثور..
***
قرر البرلمان تعليق جلساته لأسبوع، إنها خطوة ضعيفة جدا ولكنها على المسار الصحيح، ولأنها ضعيفة جدا فقد تأتي بمكسب ضعيف جدا جدا كما تم التصريح بتغيير وزاري محدود (3 وزارات!!!) وتحت نفس قيادة الجنزوري..
كنت أتمنى أن يعقد الدكتور الكتاتني مؤتمرا صحفيا، يصرح فيه بكل ما دار في الكواليس، وبمحاولاتهم الدؤوبة للحفاظ على مكاسب الثورة بأقل قدر من الخسائر حفاظا على الاستقرار والإنتاج وما إلى ذلك، ولكن كل هذا لم يشفع عند المجلس العسكري الذي ما زال يريد سيطرة كاملة على البلاد.. وليعلق عمل البرلمان إلى أجل غير محدود لينزل الأعضاء إلى الشارع معتصمين يبدأون موجة ثورية جديدة.. أتمنى أن يفعل هذا قادة الإخوان والسلفيين.. ليخرجوا أنفسهم من الغرف المغلقة التي يستنزفون فيها وليعودوا بالمعركة إلى الشارع.. الناس أمام سلطة المجلس العسكري مباشرة.
إنكم تملكون من القوة ما لا تقدرون قيمته.. تملكون قوة شباب ثائر لا يتردد في التضحية ولا يبالي هل يعيش أم يموت في سبيل الله، ولكنكم لا تستعملون هذه القوة، بل المؤسف أنكم كنتم من خصومها وعوامل إطفائها في مراحل فاصلة (ترى ماذا لو استثمر الإخوان تيار الثورة في ذكرى 25 يناير والمطالب بتسليم السلطة للبرلمان وانتخابات رئاسية مبكرة، بدل أن يقفوا منه الموقف المخزي "بانديتا"؟!.. ماذا لو كان البرلمان ثوريا بحق هادرا بحق بدلا من أن يمرر قانون انتخابات الرئاسة ويغض الطرف عن قوانين صدرت قبل انعقاده بأيام، وتصبح الثورة فيه وجهة نظر ونسمع عبارات البلطجية والترامادول ونرى البعض يهنئون المنافق القديم المقيم مصطفى بكري؟!!.. في النفس عتاب كبير لا تكفيه السطور)..
"الاستقرار".. هو هدف المجلس العسكري وأمريكا وإسرائيل قبل أن يكون هدف الشعب المصري، ولا ريب أنكم تعرفون هذا، إن المصري المطحون لا يهمه كثيرا أمر الاستقرار بقدر ما يهم أصحاب العروش والكروش والمصالح الاستراتيجية والأمن!
المصري المطحون لا يخسر كثيرا، بينما الآخرون يفقدون العروش وتتغير من بين أيديهم خريطة القوى، فليكن استقرارا كريما أو فلا يكون.. فكم عشنا في الاستقرار المهين فسالت منا الدماء في الطرقات والقطارات والعبارات والسجون، ثم كانت بلادنا منصة صواريخ لأعدائنا يُقتل منها إخواننا، وقبضة حصار يحاصر بها إخواننا، ومؤتمرات مؤامرات تنسج على إخواننا!!
ليكن استقرارا كريما أو لا يكون.. فكم عشنا في الاستقرار المهين حتى صار الواحد فينا لا يأمن على نفسه أن يقتحم بيته، ولا أن يخطف أبوه أو أمه مساومة عليه، ثم لا يجد بعد ذلك لا عملا كريما ولا علاجا كريما ولا معاملة كريمة.. الاستقرار المهين هو الذل بعينه!
فلا يقايضكم أحد بالاستقرار ولا يساومكم عليه، فهم أحوج إليه منا.. وهم بالأصل لا يقايضون إلا لأنهم يعجزون عن تثبيت استقرار حديدي وإقرار سلطة مستبدة، وما هذا إلا لأنها لحظة ثورة.. لحظة فارقة، ما توشك أن تذهب فلا تعود!
الشباب في الشارع مستعدون للموت في مقابل وطن كريم فلا تخذلوهم..
***
لمرة أخرى: تغيير لجنة الانتخابات الرئاسية وإلغاء قراراتها وتغيير المادة 28 ضرورة ثورية.. ليس لمصلحة أحد ولكنها لمصلحة الوطن كله، والساكتون على هذا الآن لأنهم يحسبون أن الأمل ما زال موجودا يقطعون على أنفسهم خط العودة حين تظهر المؤامرة كاملة ويفوز مرشح المجلس العسكري! حينها سيفقدون كل أساس موضوعي أو أخلاقي للمعارضة.. وحينها سيكون قد اكتمل الانقلاب العسكري، ونراكم مرة أخرى بعد نصف قرن!
***
لست حكيما ولا عبقريا والله.. ولكن المسار واضح لمن لا يعميه حب المذهب!
اقرأ:
الثورة والبرلمان بعضهم أولياء بعض
كيف صنعنا من المجلس العسكري فرعونا؟