وُلِد
في الليلة التي قُتل فيها علي بن أبي طالب، فسُمِّي باسمه وكُنِّي بكنيته؛ فصار أبا
الحسن علي بن عبد الله بن عباس[1].
وصفه
المؤرِّخون بأنه أجمل قرشي على وجه الأرض في وقته، وكان طويلًا مفرط الطول، وكان كثير
العبادة حتى لُقِّب بالسَّجَّاد[2]، قال ابن كثير:
كان علي هذا في غاية العبادة والزهادة والعلم والعمل وحُسْن الشكل والعدالة والثقة[3].
وكان
سيدًا شريفًا، وكان مُعَظَّما جدًّا إلى الحدِّ الذي كان إذا قدم مكة حاجًّا أو معتمرًا
عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرام، وهجرت مواضع حلقها، ولزمت مجلس علي بن عبد الله
إعظامًا وإجلالًا وتبجيلًا؛ فإن قعد قعدوا، وإن نهض نهضوا، وإن مشى مشوا جميعًا حوله،
وكان لا يرى لقرشي في المسجد الحرام مجلس ذِكْر يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد
الله من الحرم[4].
وكان
عبد الملك بن مروان يُكرم علي بن عبد الله بن عباس ويُقَدِّمه ويُهدي إليه الهدايا،
بل كان يُجلسه على سرير الحكم معه، وهي منزلة عُليا؛ إلَّا أنه لما عرف أن كُنيته أبا
الحسن، فهو كعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في اسمه وكنيته، طلب منه أن يُغَيِّر
اسمه أو كنيته، فرفض أن يغير اسمه؛ ولكن غَيَّر كنيته إلى أبي محمد، ويُصَرِّح ابن
خلكان بأن هذا لبُغْض عبد الملك بن مروان لعلي بن أبي طالب؛ حتى إنه لم يحتمل سماع
الاسم والكنية معًا[5].
ولا
شَكَّ أن مثل هذا الموقف ساهم في إضافة مزيد من تراكم الثارات في نفوس آل البيت تجاه
الأمويين، وأن عليًّا -فيما نظن- أقدم على تغيير كنيته كارهًا مضطرًا.
لكن
العلاقة بين علي وعبد الملك بن مروان كانت طيبة؛ بل كان لعلي عند عبد الملك قدْرٌ كبير،
حتى إن بعض مَنْ يخشون عبد الملك كان يُجيرهم علي بن عبد الله، كما في حالة عبد الله
بن يزيد القسري ويحيى بن معتوق الهمداني[6]. وكان الإحسان
إلى علي بن عبد الله جزءًا من وصية عبد الملك بن مروان لولده الوليد حين حضره الموت،
قال: "... وانظر ابن عمنا هذا علي بن عبد الله بن عباس، فإنه قد انقطع إلينا بمودته
وهواه ونصيحته، وله نسبٌ وحقٌّ، فصِلْ رحمه واعرف حقَّه"[7].
لكن
العلاقات ساءت بين علي بن عبد الله بن عباس والوليد بن عبد الملك؛ إذ وردت روايات تُفيد
بأن الوليد ضرب علي بن عبد الله بن عباس حين تزوج أم أبيها[8] بنت
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب؛ ذلك أنها كانت مُطَلَّقة عبد الملك بن مروان، ورأى الوليد
في زواجه منها أنه قصد إلى الحطِّ من شأن الخلفاء بتزوُّجه أُمَّهم، فردَّ عليه علي
بن عبد الله بأنه ابن عمها وأراد السفر؛ فتزوجها لئلاَّ يكون عليه حرج في مرافقتها
في السفر[9].
وأقدم
مصادر هذه الرواية هو المبرد في الكامل، وأوردها بلا إسناد، والجزء المؤكد منها هو
تطليق عبد الملك لأم أبيها ثم زواجها من علي بن عبد الله[10]؛ أمَّا
المبررات فتبدو مثيرة للشك؛ ذلك أننا لا نجد ذرية لأم أبيها من عبد الملك في المصادر
التي بأيدينا؛ بل إن ابن سعد لم يذكرها في زوجات عبد الملك[11]؛ مما
يزيد في التأكيد على أنها لم تُنجب من عبد الملك لتكون «أم الخلفاء»، كما أن تَزَوُّج
علي بن عبد الله ليس بالذنب العظيم؛ الذي يستلزم الضرب والجلد فيما نرى، كذلك يبدو
تبرير علي لزواجه منها متهافتًا؛ أفكلما اضطر رجل إلى السفر مع امرأة اضطر إلى الزواج
منها؟! .. وإضافة إلى هذا فإننا نرى علي بن عبد الله قد تزوَّج بالفعل من عائشة بنت
موسى بن طلحة بن عبيد الله[12]، وكانت
قبله زوجة لعبد الملك بن مروان، وأنجبت منه بكار بن عبد الملك[13]، ولم
يَرِدْ شيء بخصوص غضب الوليد بن عبد الملك لهذا الزواج، أو تَخَوُّف علي بن عبد الله
من الزواج منها .. إن كل هذا يدفع إلى القول بأن مبررات العداوة بين عبد الملك وعلي
بن عبد الله -كما جاءت عند المُبَرَّد- بعيدة عن التصديق.
لكن
سوء العلاقات بين علي بن عبد الله بن عباس والوليد يبدو ثابتًا؛ وذلك لأسباب غير هذه
الرواية، ومن أقوى ما يُؤَيِّده أن علي بن عبد الله ترك دمشق وسكن الحميمة، وهي قرية
لا هي بعيدة عن دمشق ولا هي قريبة منها، وقد ورد أن الوليد أخرج عليًّا من دمشق إلى
الحميمة عام 95هـ[14]، فيما
أورد الذهبي أن الذي أخرجه هو هشام بن عبد الملك إذ خافه وأولادَه[15].
وكان
هشام بن عبد الملك يُكرمه ويُقدِّمه ويصله بالأموال كذلك، على الرغم من أنه كان يُواجهه
ويُصارحه بأن أحفاده سَيَقْضون على مُلْك الأمويين، وسيملكون ما تحت أيديهم من البلاد
كما قدمنا لبعض هذا في مقالنا عن "حديث النبوءة".
ومما
كان يزيد من هذه المخاوف أن عليًّا له أكثر من ثلاثين ولدًا؛ منهم أكثر من عشرين ولدًا
ذكرًا غير الإناث[16]، وتُوُفِّيَ
عليٌّ (رحمه الله) 117 هـ، أو 118 هـ، وعمره ثمانٍ وسبعون سنة[17].
صحَّت
مخاوف هشام بن عبد الملك لكن ليس من علي بن عبد الله بن العباس، بل من ولده محمد
بن علي الذي سيؤسس الدعوة العباسية التي ستلد الدولة العباسية التي ستزيل دولة
الأمويين.
نشر في ساسة بوست
[2] ابن
سعد: الطبقات الكبرى 5/ 313، والمبرد: الكامل 2/ 162، وابن عساكر: تاريخ دمشق 43/
38، 39، والذهبي: سير أعلام النبلاء 5/ 252، 284.
[5] المبرد: الكامل
2/ 163، والطبري: تاريخ الطبري 4/ 165، وابن الأثير: الكامل 4/ 55، وابن خلكان: وفيات
الأعيان 3/ 275، وابن كثير: البداية والنهاية 9/ 351. ووضع محمد بن طاهر البرزنجي هذه
الرواية في قسم الضعيف والمسكوت عنه في تاريخ الطبري 9/ 569.
[10] ابن سعد: الطبقات
الكبرى 5/ 312، وابن قتيبة: المعارف ص207، وورد هذا -أيضًا- في كتب المحدثين مما يجعلها
ثابتة، انظر: ابن عساكر: تاريخ دمشق 70/ 203، والمزي: تهذيب الكمال 35/ 326، 327، وابن
حجر: تهذيب التهذيب 12/ 407.
[17] ابن سعد: الطبقات
الكبرى 5/ 313، وابن عساكر: تاريخ دمشق 43/ 38، والذهبي: سير أعلام النبلاء 5/
253.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق