ما زالت مشكلة المصريين - لا سيما الثوريين - مع الرئاسة تنحصر في "انعدام الشفاقية".. وحينها فلا بد من "التخمين" و"الظن".. وحقا "إن بعض الظن إثم".. ولكن بعضه الآخر ليس من الإثم..
الرئيس مرسي في الأيام السابقة لم يحقق الحد الأدنى من الاطمئنان إلى أنه سيكون الرئيس القوي الأمين.. ربما لا نشك في أنه "الأمين" ولكن الشك قائم وعميق في أنه "القوي"..
هذا الشك يستند إلى بعض الوقائع هذه أبرزها:
1. محمد مرسي هو من وقع اتفاقية العار المعروفة بوثيقة الأحزاب عنان والتي كانت طعنة هائلة في ظهر الثورة ولم نتخلص من بعض أثرها إلا بدماء الشباب في محمد محمود!
2. الرئيس محمد مرسي أصدر قرارا بعودة البرلمان فكشر المجلس العسكري عن أنيابه القضائية والإعلامية فإذا بالرئيس مرسي يتراجع في القرار ببساطة لم يتوقعها عدو أو حبيب!
3. الرئيس مرسي لم يستطع الإفراج عن المحاكمين عسكريا والمعتقلين سياسيا بالشكل المتوقع من رئيس قوي.. فدخلت المسألة في طور الدفعات والمسارات القانونية البغيضة!
4. الرئيس مرسي لم يتخذ حتى الآن أي قرارات جوهرية وفارقة تسقط الإعلان الدستوي المكمل (الذي يؤسس لاستقلال عسكري كامل بل ولسيطرة عسكرية دائمة) بل يبدو هذا الملف وكأنه ساقط من اهتمام الرئيس تماما
5. الرئيس مرسي لا يرد على وصلات السب والتحقير اليومية التي تقوم بها أحذية العسكر الإعلامية والتي تفيد أكثر من إفادة ذات دلالة مؤثرة:
أ. الرئيس ضعيف.. وهو بالتالي أمام العسكر وفي الغرف المغلقة أشد ضعفا.
ب. الرئيس قوي ولكنه لا يهتم بهذه السفاسف.. وعليه فلربما يحتاج إلى التذكير بأن "الهيبة" من دعائم الحكم، لا سما بعد ثورة شعبية وفي مواجهة شياطين الدولة العميقة ومنافقيها!
جـ. الرئيس لا يريد أن يتهم بمعاداة الحريات وممارسة الإقصاء.. ربما يصلح هذا في أوقات الاستقرار والقبض الحقيقي على أزمة الأمور، أما إذا كان هذا الانفلات يؤدي إلى الانهيار فإن الله أباح للمضطر شرب الخمر وأكل الميتة!
ثم إن الخوف من الاتهامات الجاهزة ممن لا تنضب عندهم الاتهامات ولا تنفد عندهم الأكاذيب يجعلنا نتوقع أن الرئيس لن يفعل شيئا أبدا، وأن الإعلام هو من يحكمه ويرسم له الطريق.
6. إذا كان الرئيس لا يصارح الشعب فبديهي أن نفهم أن المسارات في الغرف المغلقة واحدة من هذه:
أ. توافق بين الرئيس والعسكر.. وهذا مستبعد بدليل تأخر الحكومة والفريق الرئاسي.. لكنه نظريا يطرح ثلاث احتمالات [الرئيس والعسكر اتفقوا على خيانة الثورة مقابل المصالح - الرئيس مغفل ومخدوع - الرئيس يغافلهم ويخدعهم بطريقة لا ندريها وسنستيقظ يوما لنجده قد حررنا وخدعهم]
ب. توتر العلاقات بين الرئيس والعسكر ولكنها لم تصل إلى الاشتباك فأحد الفريقين أو كلاهما يقدم التنازلات حتى يتم التراضي.. وفي ظل الهجوم الإعلامي القضائي الفلولي على الرئيس فالمتوقع أنه هو من يقدم التنازلات! لأنه ما زال الأضعف في معادلة القوة.
جـ. الرئيس يستند على الدعم الأمريكي الذي يبدو أن تفكيره الاستراتيجي هداه إلى أن الحكم المدني الإسلامي "المعتدل" المقصوص الجناحين من أدوات القوة.. خير من اضطراب وارتباك مع حكم عسكري شائخ غبي يحمل بذور الانهيار!
7. إذا وضعنا أنفسنا مكان المجلس العسكري فسيكون تفكيره واحدا من هذه:
أ. إضاعة المستطاع من الوقت حتى يهدأ الشارع وتزول حالته الثورية وساعتها يزول الضغط الذي أجبرهم على إعلان مرسي رئيسا.. لتبدأ الإطاحة بمرسي والمذبحة العسكرية على غرار 1954.
ب. ضمان الاستقلال المالي والاقتصادي الكامل عن الدولة والسيطرة على القرارات الاستراتيجية والسيادية (عبر مجلس الدفاع الوطني) فيكون لهم مغانم الحكم، وعلى الرؤساء والحكومات مغارمها.. وهم الحكام الحقيقيون على النحو الجزائري والباكستاني والتركي فيما قبل أردوغان.
ربما كان الخيار الثاني هو الأقرب للعقل، وهو الأسهل أيضا في التعامل مع أطراف المشهد: الشعب - أمريكا - الرئيس الإخواني ذو الطابع الإصلاحي والذي لا يمانع أن تستمر رحلة الإصلاح مائة سنة أخرى.. لكن الأزمة في أن ثمة أطرافا أخرى تضغط باتجاه الخيار الأول وهي: شهوة السلطة - النفسية العسكرية المتعجرفة التي لم تكن تقبل بإسلامي في نواديها أو أقاربها فكيف تقبل به رئيسا منافسا وندا - ثم النخب المتغربة التي تفترق في الأشكال وتجتمع على كراهية الإسلاميين والخوف من حرية يمتلكها الشعب المصري فيخرجون من المشهد.. فهؤلاء جميعهم يحرضون وبوضوح على ألا يبقى مرسي رئيسا بعد كتابة الدستور، وجميعهم يرحبون بانقلاب عسكري، وقد كانوا من قبل يدعمون شفيق ويتوسلون للعسكري تعيين لجنة تأسيسية بدلا من لجنة منتخبة.
8. الخلاصة أمام الرئيس مرسي:
أ. الغطاء الأمريكي غير مضمون الصلاحية!
ب. لن ينفعك "احترام القانون" حين يفشل، وحينها سترسم السياط على أجسادنا جميعا "مجرى القانون" الذي سيحترمه كل الكلاب الناطقة به الآن.
جـ. الشعوب لا تثور دائما، ولا تثور بالطلب، ولا تثور كلها [أتمنى أن يصل للرئيس مقال أخي م. معتز عبد الرحمن: رئيس وثلاثة جنود]
د. التواضع لا يعني الضعف.
هـ. إن أعداءك على طبع اليهود "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" وهم لا يتناصرون.. عند الضربة الأولى ستجد من نجا بنفسه ومن انحاز إليك.. فإن "بأسهم بينهم شديد"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق