منذ نحو عشرين سنة شاهدت حلقة للدكتور مصطفى محمود حُفِرت في ذهني رغم حداثة السن وقتها:
لقد ظهر في لندن مرض جلدي غريب عجز الأطباء عن إيجاد الدواء المناسب له، ثم توجه أحدهم إلى الصين حيث سمع بعقار مكون من أعشاب طبيعية يقوم بالمهمة، جربه أكثر من مرة.. وجده فعالا، عاد به إلى لندن..
في لندن انقسم الأطباء ما بين فرح متلهف وجد أخيرا طريقة لإنقاذ المريض وأهله من الآلام الهائلة التي عجزوا أمامها.. وآخرون يصرون على الرفض الكامل لأن استعمال هذا العشب بدون أن يمر في طريق التجارب العلمية لفحص الدواء (تأخذ حوالي ثلاث سنوات) يعد خيانة للعلم وللطريقة العلمية..
ساعتها كان الصراع قائما بين "هل العلم في خدمة الإنسان؟ أم الإنسان في خدمة العلم"..
تذكرت هذا في إطار النقاش القانوني المحتدم الذي خلاصته "هل الشعوب في خدمة القانون؟ أم القانون في خدمة الشعوب؟"
هذا مع ملاحظة الآتي:
1- أن القانون صنعه مستبد مجرم، وأصدره برلمان منتخب بالتزوير، وقضى به قضاة فاسدون لهم تاريخ معروف وجميعهم مُعينون من قبل المستبد، وهم قضوا به بالمخالفة لقانونهم هم وأعرافهم وسوابقهم القانونية، ثم نفذه عسكر مغتصبون للسلطة بلا أي شرعية معتمدين في تنفيذه على قوة السلاح.
2- أن الشعب ثار على المستبد فخلعه، وعطل دستوره، وانتخب برلمانا آخر في انتخابات نزيهة، ورئيسا جديدا في انتخابات نزيهة.
3- أن قرار الرئيس المنتخب يعد تنفيذا للحكم القضائي لا تعديا عليه، غير أن هذا التنفيذ يسلك السبيل المستقيم لا التنفيذ بقوة السلاح.. ولو كان الأمر إليَّ لفكرت في عرض هذا الحكم أصلا على جهة تفسيرية كقسم الفتوى والتشريع ثم على جهة مختصة بالفصل كالقضاء الإداري وفي رواية محكمة النقض.. أي أن الرئيس اعترف بالحكم وقرر تنفيذه.
نعود للقول الذي يتجاوز تفاصيل المعركة وأقنعتها ويعيدها إلى أصلها:
الصراع هو بين الشرعية الشعبية والسلطة العسكرية المستبدة، وهذه الأخيرة تستخدم في هذا عملائها في كافة الجهات القضائية والإعلامية والأمنية.. والمسألة واضحة، وكل الأطراف تعرف خياراتها لكن البعض يتعمد التعقيد والتهويم "والاستهبال" ليرتكب الفعل الحقير المنافي للشرف تحت قناع "قانوني"..
ما الفارق بين من يقول "احترام القانون مهما كان" وبين الذي قال قديما "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"؟؟.. كلاهما يتمسك بالوضع الفاسد الذي يحقق له مصالحه أمام الإصلاح الذي يحقق العدالة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق