لم أكن أتخيل أن كلماتي قد تصل إليكم، غير أني علمت بوصولها بشكل مؤكد حين عدت يوم 18 نوفمبر الماضي لأجد باب بيتي مكسورا، ومحتوياته مقلوبة رأسا على عقب، ثم لم يُسرق منه إلا جهاز لاب توب، وفلاش ميموري فقط.. وأشارت الدلائل إلى أن هاتفي مراقب، ومنه تم تحديد المسكن الجديد الذي لم أكمل فيه شهرا، ولا يكاد يعرفه أحد..
وعليه، فإني أقرب من أي وقت مضى لتصديق أن هذه الكلمات تصل لبعض المهمين المتنفذين!
أيها المجلس العسكري الحاكم..
حين نزل الناس إلى الشارع يوم 25 يناير، وحتى 28 يناير، لم يكن أحد يتوقع الرجوع إلى بيته، بالتأكيد فإن الموت برصاص الشرطة له نفس مذاق الموت برصاص الجيش، تعدد الرصاص والموت واحد، وطعم الشهادة واحد! يغفر الله للشهيد عند أول دفقة من دمه، سواء كان برصاص الشرطة أو الجيش.
ولا شك أنكم علمتم هذا بالمشاهدة في أول نزولكم عصر يوم 28 يناير.. لقد كان موقفكم سديدا –بغض النظر عن دوافعه التي كانت في الكواليس- بعدم ضرب الجماهير.. ترى هل كنتم ساعتها تنطلقون من عقيدتكم القتالية بعدم ضرب الشعب؟ أم كانت تلك محصلة توازن سياسي ما؟.. لا أدري، وإن كان ما جرى في العام الماضي يشكك جدا في أنها نابعة من عقيدة قتالية!
أيها المجلس العسكري:
لماذا فرطت في تلك الفرصة التاريخية التي تجعلكم أبطالا كبارا وعلامة فارقة في التاريخ المصري كله؟ بالله عليكم.. قولوا لماذا؟
لقد كان الشعب ملتفا حولكم، ويريد نسيان كل ما من شأنه أن يخدش موقفكم، ومستعد للتنازل عن كل أخطاء كنتم قد اقترفتموها في أي لحظة من حياتكم، كنا مستعدين أن نصنع منكم أصناما، وربما كنا سنجاهد ألا يقدسكم الناس وألا يرفعوكم إلى مقامات الأنبياء والأولياء.. لماذا ضيعتم هذه الفرصة.. لماذا؟
كل ما كنتم تريدون الحصول عليه كان سيمكنكم الحصول عليه، كل حصانة، كل رفاهية، كل وجاهة اجتماعية، كل شهرة إعلامية، الخلود في كتب التاريخ، مفخرة أبنائكم وأحفادكم طول الدهر.. كل هذا كنتم ستحصلون عليه بتسليم السلطة إلى المدنيين في ستة أشهر!
ستة أشهر فقط.. إنها لفرصة نادرة ثمينة أن تجيد العمل في ستة أشهر في آخر عمرك لتكون بعدها بطل الحاضر والمستقبل، ولتنزل عليكم المدائح والقصائد والأدعية وشكر الناس..
بالله عليكم.. لماذا فرطتم في هذه الفرصة؟ لماذا؟ لماذا؟
والأهم، فرطتم فيها في مقابل ماذا؟ خوفا من فتح ملفات يملكها الخارج مثلا.. لم يكن أحد سيعيرهم اهتماما، ولو أعارهم أحد اهتماما لقدَّر وغفر وصفح وقال: يكفي ما فعلوه في الثورة..
في مقابل سلطة؟ كانت ستأتيكم السلطة نفسها، سلطة الحب والفخار في قلوب الجماهير، والبرلمان، والرئاسة، ستكون الكلمة من أحدكم هي الكلمة النافذة الصادرة من خبير عسكري وطني له مواقفه المشهودة في البطولة والفداء (عسكريا) وفي التقدير الصائب (سياسيا).. وبها كنتم تستطيعون أن تحوزوا بالمودة ما تحاولون حيازة بعضه قسرا.
في مقابل مال؟ ما أحسب حاكما مهما بلغ من قوة كان يستطيع أن يفتح ملفاتكم المالية السابقة أو يحاول تهديد المكاسب القائمة، وكل هذا لدوركم في الثورة، وهو الدور الذي سيرى الناس أنكم تستحقون عليه من التكريم ما لا يستطيعونه..
كان الناس سينسون ولاءكم السابق للمخلوع، ووقوفكم على الحياد يوم معركة الجمال والبغال، وكشوف العذرية، والتعذيب في المتحف والسجون الحربية، والتضييق على الميدان ومنع الطعام والدواء عنه لأيام، والعلاقات المفتوحة مع الأمريكان، والفساد الخاص بالأبناء والأقارب.. وكل تلك الملفات التي انفتحت من حيث لا تحتسبون..
أيها المجلس العسكري:
إن الثورات تُسْرق ولا تُضْرَب، ولقد كنتم تسيرون في طريق سرقتها على أتم حال حتى أخطأتم الخطأ الفادح بالإصرار على مبادئ فوق دستورية، ثم هذا التعامل الغاشم مع اعتصام 18 نوفمبر وأحداث مجلس الوزراء.. فحينئذ تكشف للناس ما كانوا يحاولون تجاهله ولا يريدون تصديقه، ولا شك أن أجهزتكم الأمنية تنقل لكم نبض الشارع بأفضل مما أراه، وهو على كل حال نبض تراجع كثيرا ويوشك فعلا على النفاد!
ولهذا، فمن الغباء حقا الإصرار على وضع خاص في الدستور أو مبادئ فوق دستورية أو مواجهة الشعب مرة أخرى بالضرب سواء في 25 يناير القادم أو ما بعدها، ولو شئتم النصيحة، فإني والله أقولها لوجه الله ولمصلحتكم: سلموا السلطة في أقرب وقت وأسرع وقت، فالمواجهة مع الشعب هي من الأشياء التي لا يملك أحد على الإطلاق توقع نتائجها، بكل ما يحمله هذا من احتمالات انشقاق داخل الجيش أو تدخل أجهزة استخباراتية لتصعيد قيادات وسيطة تحقق مصالحها وتصالح الشعب بالتضحية بكم.. التوترات والاضطرابات لا يمكن لأحد إدراتها، وحدها الأطراف الواضحة هي من تدفع الثمن، ولا مستقبل لأحد في مواجهة شعب في لحظة ثورة!
أيها المجلس العسكري:
كفى ما أنزلته بالشعب من ضحايا، وما أنزلته بنفسك من انهيارات.. وهناك وقت ينفع فيه العلاج الجذري، فإذا فات فسندخل في وقت العلاج الجزئي، فإذا فات وجب على الطبيب التضحية بالعضو المريض ببتره.. فبالله عليكم، لا تضيعوا الوقت، فالشعب باق والسلطة زائلة..
أيها المجلس العسكري:
بالله عليك، استحلفك بالله، أناشدك الله والرحم والوطن..
اعلم أن كل إنسان سيموت، وبعد الموت سيحاسب، وهناك يوم القيامة، وكلكم –أطال الله أعماركم في الخير- في خريف العمر وتنتظرون نداء الله.. فلا تجعلوا أنفسكم كمن خسر آخرته الخالدة بأيام معدودة أمسك فيها بالسلطة.. السلطة زائلة إلى غيركم قطعا وبلا أدنى شك، بحكم قوانين الكون وسنن الحياة.. فاستقبلوا آخرتكم بخير ما تملكون، وبهذا تتركون لأنفسكم سيرة خالدة في الدنيا كذلك!
ردي على تساؤلاك الحائرة المتعجبة :
ردحذفنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ
أحسنت حين نصحت ووعظت وبيّنت ، وأقمت الحجة وأوضحت المخرج
ردحذفليتهم يسمعون فيعقلون فيستجيبون
أو على رقابهم تسري سنة الحياة بأيدينا
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
احسنت حفظك الله
ردحذفختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم
ردحذف