الأربعاء، يونيو 12، 2019

تاريخ الأتراك العثمانيين



§        اسم الكتاب: تاريخ الأتراك العثمانيين
§        المؤلف: إدوارد شيفرد كريسي
§        المترجم: د. أحمد سالم سالم
§        الناشر: جامعة حمد بن خليفة
§        الطبعة: الأولى، 2019م
§        عدد الصفحات: 1219 صفحة

صدر قبل أيام قليلة عن جامعة حمد بن خليفة في الدوحة ترجمة جديدة لسفر من أهم الأسفار في التاريخ العثماني، وهو كتاب "تاريخ الأتراك العثمانيين" للمؤرخ والمستشرق الإنجليزي إدوارد شيفرد كريسي، ذلك السفر الذي تصدى لمهمة ترجمته الدكتور أحمد سالم سالم، الصديق والأخ العزيز، والاسم الصاعد في سماء ترجمة الأعمال الاستشراقية القيمة، وقد قضى في هذا العمل ثلاث سنوات حافلات بالعمل المضني، حتى خرجت هذه الثمرة إلى النور.

ولكي لا يتشعب الحديث فسنجمل الكلام عن كل عنصر من عناصر هذا الموضوع: الكتاب، والمؤلف، والمترجم، والترجمة.

[1] الكتاب

ونبدأ بالكتاب..

يعرف الباحثون في التاريخ العثماني أن المصدر الأوروبي الأهم في كتابة التاريخ العثماني هي موسوعة المؤرخ والدبلوماسي الألماني جوزيف فون هامر (1774 – 1856م)، الذي كان يتقن ثماني لغات من بينها اللغات الشرقية الثلاث الكبرى: العربية والفارسية والتركية، وكان عمله في وزارة الخارجية النمساوية وسفارتها في اسطنبول ثم في بلاط الإمبراطورية النمساوية قد وضع أمامه حشدا من المصادر والوثائق والمشاهدات والروايات التي جمعها في هذه الموسوعة التي حملت اسم "تاريخ الإمبراطورية العثمانية" التي بلغت عشر مجلدات. كان هذا الكتاب منعطفا في التاريخ الأوروبي للدولة العثمانية، وبه صار هامر رائد هذا الباب بين المستشرقين، لكن المشكلة التي تعنينا الآن أن هذه الموسوعة لم تترجم للعربية حتى لحظة كتابة هذه السطور فيما أعلم.

وقد اعتمد كتاب كريسي الذي بين أيدينا على موسوعة هامر، ويمكن اعتباره بكثير من التجوز اختصارا لما جاء فيه، مع إضافات وزيادات لاحقة، لكن مادة الكتاب الأساسية اعتمدت على موسوعة هامر، وهذه أول فائدة كبيرة ينتظرها الباحثون من هذه الترجمة الجديدة.

تمثلت إضافات وزيادات كريسي في اعتماده على مصادر أخرى غير موسوعة هامر، وأهم هذه المصادر أنه كان شاهدا على فترة العشرين سنة التي فصلت بينه وبين هامر، وما وقع فيها من أحداث مؤثرة في التاريخ العثماني عند أواخر القرن التاسع عشر. مع ملاحظة أن تاريخ هامر توقف قبل قرنٍ من تاريخ كريسي.

الفائدة الثانية بالطبع هي هذا الاختصار، لمن لا يُفضِّل المُطَوَّلات. لقد كانت موسوعة هامر تعاني من أنها لم تترجم من الألمانية إلى الإنجليزية بسبب ضخامتها وتخوف الناشرين الإنجليز ألا تجد لها قارئين!

[2] المؤلف

وأما المؤلف فهو قانوني مؤرخ، عاش سحابة حياته في بريطانيا القرن التاسع عشر (1812 – 1878م)، أي في العصر الذهبي للإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، وهو العصر الذهبي للاستشراق الإنجليزي الذي استطاع عبر جيوشه وأساطيله ولحاجة جيوشه وأساطيله أيضا أن يجعل حركة الاستشراق في أوج ازدهارها، درس القانون ثم التاريخ في جامعة كمبريدج ثم صار أستاذا له في جامعة لندن ثم قضى آخر خمسة عشر عاما من حياته تقريبا (1860 – 1875م) في سيلان، وأنتج في حياته الحافلة عددا من المؤلفات في التاريخ والقانون الإنجليزي.

وقد ألقى هذا العصر بظلاله على الكتاب الذي اجتمع فيه ما اجتمع في حركة الاستشراق الاستعمارية، حركة تقدس المجهود البحثي الدؤوب، وتلبس معه روح الحملات الصليبية مع تحسينات معاصرة حديثة أو بتعبير مكسيم رودنسون "زخرفات عصرية"!

ومن هنا جاء الكتاب عملا علميا قيِّمًا، مسكونا بروح صليبية تتفلت من بين العبارات فتطل برأسها أحيانا سافرة وفي أغلب الأحايين متقنعة.

[3] المترجم

وأما المترجم: د. أحمد سالم سالم فهو من الأسماء الصاعدة بقوة في التاريخ العثماني، وقد عرفته من ترجمتين سابقتيْن له، فقد ترجم كتاب المستشرق الإنجليزي الشهير ستانلي لين بول "تاريخ مصر في العصور الوسطى" (2014م)، كما ترجم كتاب المستشرق الإنجليزي الشهير أيضا إدوارد وليم لين "القاهرة في منتصف القرن التاسع عشر" (2017م)، وقد فازت ترجمته لكتاب ستانلي لين بول بجائزة الشيخ حمد للترجمة (2015م) وطبعت خمس طبعات حتى (2017م). ومن قبل هاتين الترجمتين كان قد أصدر كتابه "السيطرة العثمانية على الحوض الغربي للبحر المتوسط في القرن السادس عشر" (2011م) وكتابه "استراتيجية الفتح العثماني" (2012م).

وترجمة أعمال المستشرقين المتقدمين أمر يتهيبه المترجمون عادةً، ذلك أن اتساع قائمة مصادرهم يجعل المترجم الأمين أمام عبء البحث عن النصوص الأصلية في مظانها، وكثير من هؤلاء المستشرقين يستسهلون الإشارة إلى المصادر دون توثيق دقيق في ذلك الزمن. ثم تتمثل الصعوبة الثانية في تطور اللغة الإنجليزية المتسارع بحيث تعد لغة ما قبل مائة عام أو مائتين أشبه بلغة أخرى غير الإنجليزية المعاصرة، وهو عمل يستغرق جهدا مضاعفا في فهم التراكيب والتعبيرات التي صارت مهجورة. وإلى هنا يمكن للمترجم أن يعفي نفسه من أعباء جديدة لكن د. أحمد من مدرسة ترى أن عليها عبء تحقيق النص ومناقشته والتعليق عليه، وهذا يضيف عبئا جديدا على المترجم لكنه يجعل الثمرة النهائية وجبة شهية للقارئين!

لذلك حفلت ترجمات د. أحمد بالحواشي المعينة على فهم النص أو الاستدراك عليه، في غير تطويل وإملال واستكثار بلا معنى كما يفعله بعض من يحبون التباهي والتفاخر بما لا قيمة فيه ولا تعويل عليه.

[4] الترجمة

أضيف إلى صعوبات الترجمة لهذا الكتاب الذي بين أيدينا صعوبة جديدة، إذ أن مسرح الكتاب في أغلبه هو مناطق شرق أوروبا، فلم تعد الترجمة هنا ترجمة لتاريخ مصر أو لشوارع القاهرة وأحيائها، وهو الأمر الذي يسهل على المترجم المصري، لا.. لقد صار الأمر متعلقا بالجغرافيا المعقدة الثرية الحافلة التي شملتها الدولة العثمانية لا سيما مناطق أوروبا الشرقية، وذلك أن المدن في هذه الأنحاء تسمى بأسماء عديدة: عثمانية وبيزنطية ويونانية وأوروبية، بحسب تاريخ المدينة وتقلبات الذين هيمنوا عليها، وأحيانا ما كان المؤلف يمضي وراء هامر في استعماله تسميات وألفاظا دارجة في الألمانية. هنا تبدو عملية الترجمة الدقيقة كعملية فدائية لا يقدم عليها إلا مغامر!

لقد كثر في تعليقات الترجمة التعريف بالأعلام وتحديد مواقع المدن وأحيانا بيان معانيها والمقارنة بين لفظها بالعثمانية وباللغة الأوروبية التي وردت في المتن، وربما كان هذا أثمن وأنفس ما في الترجمة لأنها تضبط خيال القارئ وتمنع الخلط والتشتت أن يصيبه بين كومة الأسماء الكثيرة المنهمرة عليه!

ومن جهة أخرى فقد كان د. أحمد يشعر –كما توحي مقدمته للترجمة- أنه مسؤول عن تقييم تاريخ هامر ومعلوماته باعتباره المرجع الأساسي الذي نهل عنه المؤلف إدوارد شيفرد كريسي كما نقل عنه كثيرون من المؤرخين والباحثين العرب، ومن هاهنا كان يعمل عملا فوق الترجمة وهو اختبار صحة ودقة تاريخ هامر المتغلغل في كتاب كريسي والتعليق عليه. مؤملا أن يتوقف الاعتماد المستسلم على تاريخ هامر.

وثمة استطراد هنا جدير بالإشارة إليه، ففي حركة البحث التركية التاريخية الجديدة صدرت العديد من الدراسات وترجم بعضها إلى العربية، وفي كثير من هذه الدراسات إشارات متعددة لجناية هامر على التاريخ العثماني برغم أهمية كتابه وكونه عمدة في بابه، ولهذا فسيزال كتاب هامر يمثل تحديا للمؤرخين المسلمين حتى يغامر أحدهم بالتفرغ لفحصه والتعليق عليه تفصيلا. لكن الذي يهمنا الإشارة إليه هنا أن العديد من هذه الدعاوي الهامرية وجدت من يلتقطها ويرد عليها ردا سريعا ومختصرا في هذه الترجمة.

نسأل الله تعالى أن يكون هذا الكتاب من العلم النافع الخالص لوجهه الكريم.



هناك تعليق واحد: