لا نزال مع كتاب "التنظيم الخاص حقيقته ودوره في
دعوة الإخوان المسلمين" لمؤرخه والقيادي فيه محمود الصباغ، ضمن سلسلة
"مكتبة الثائر المصري" التي نقدم فيها خلاصات كتب مفيدة من علم
الاجتماع السياسي والتجارب الثورية وغيرها، وهذا هو الجزء الرابع بعد الأجزاء:
الأول، الثاني، الثالث.
نستكمل خلاصات الكتاب على لسان المؤلف:
35.
من أكبر عمليات النظام الخاص: نسف سكة حديد تغذي المعسكر البريطاني في منطقة
القرين بالشرقية، إذ استطاع عشرة من شباب الجامعة تنفيذ عملية نسف الخط، ثم تجهيز
كمين للمهندسين الإنجليز الذين سيأتون لإصلاحه، وقد فعلوها بنجاح وأوقعوا بهم
خسائر كبيرة، ثم استمر ثلاثة منهم في أماكنهم ولم ينسحبوا طبقا للتعليمات لما
شعروا به من شهوة النصر فهاجموا القوات البريطانية التي أتت كمدد جديد وأوقعوا بها
خسائر كبيرة، فتكاثر مدد الجنود الإنجليز وانضم لشباب الإخوان شباب من القرى،
وتعاونت نقطة الشرطة ففتحت الجسر الموصل للبلدة لعرقلة الأمداد البريطانية، وانتهى
الأمر بالانسحاب مع كثافة المدد الإنجليزي واستشهد ثلاثة من شباب النظام الخاص في
الجامعة وأُسِر آخرون. لكن هذه المعركة كانت حديث الصحافة البريطانية التي صارت
تتحدث عن "قوات التحرير المصرية".
36.
ومن عمليات النظام الخاص تفجير مخازن البترول التي يسيطر عليها الإنجليز بجبل
عتاقة بالسويس، وهي العملية التي نفذها رجل واحد بمفرده واستمرت الانفجارات ليومين
لا يستطيع الإنجليز السيطرة عليها، وخرج المنفذ سالما. ومن العمليات: مهاجمة مطار
الدفرسوار ومطار كسفريت لتعطيل الطيران الإنجليزي فنجحت الأولى ولم تنجح الثانية،
واغتيالات لضباط إنجليز ومحاولات اغتيال قادة كبار، ونسف جسور أنشأها الإنجليز
لتأمين خطوط قواتهم، ومهاجمة دوريات إنجليزية وقوافل عسكرية تحمل الجنود بما في
ذلك القطار الحربي المحمل بالأسلحة والذخائر، وفي بعض هذه العمليات نشرت صحافة
الإنجليز أن مستوى العمليات يؤكد وجود قوات ألمانية ويوغسلافية في صفوف المقاومة
المصرية.
37.
كانت تقارير النظام الخاص التي ترصد الإنجليز تؤكد أن ما يقومون به من تحصينات
يؤكد أنهم لا ينوون الجلاء وأن مفاوضاتهم على الجلاء عبثية، ولولا المقاومة
الباسلة لم يخرجوا.
38.
المجاهدون "ما إن خرجوا من معركة فلسطين حتى دخلوا سجون إبراهيم عبد الهادي
لترسم كرابيج زبانيته على أجسامهم نياشين الصبر والثبات على العقيدة، فخرجوا من
سجونهم في أواخر 1951م ليلهبوا ظهور المستعمرين بهذا السيل من عمليات
الفداء".
39.
أما العمليات التي قام بها النظام الخاص وعُرف فيها الفاعل فمنها: اغتيال النقراشي
بعد خيانته العظمى بتمكين الصهاينة في فلسطين وطعن المجاهدين وحلّ الجماعة وشحن
السجون بالصالحين. ومنها محاولة اغتيال خلفه وشبيهه في الإجرام والخيانة إبراهيم
عبد الهادي.
40.
فرَّ أمين الحسيني –مفتي فلسطين- من محاكمات الحلفاء باعتباره كان داعما لهتلر
وحضر إلى القاهرة وأعطاه فاروق حق اللجوء إذ كان بينهما تعاون قديم ضد الإنجليز،
وسمح له بالعمل لنصرة قضية فلسطين ومنع تسليمها لليهود، فاتصلت العلاقة بينه وبين
الإخوان المسلمين لهذا الغرض، وكانت الخطة الأساسية هي تسليح الفلسطينيين ليكونوا
قادرين على مواجهة العصابات اليهودية، وليس ثمة حاجة لمتطوعين إلا بحدود بسيطة ولا
ينبغي أن تدخل الجيوش العربية لفلسطين بل تظل عند الحدود.
وعلى
جهة أخرى أسقط الشعب –والإخوان في طليعته- حكومة إسماعيل صدقي اعتراضا على مشروع
صدقي بيفن الذي يُمَكِّن لوضع الاحتلال، وقبلوا بوزارة النقراشي رغم تاريخه السيئ
لإعلانه خطة قطع التفاوض مع الإنجليز وعرض القضية على الأمم المتحدة، واستفاد
الطرفان من بعضهما، أما الإخوان فقد دعموا الوزارة في مجلس الأمن ضد مناورات الوفد
التي حاولت تعطيله، وأما الوزارة فقد سمحت بالعمل في دعم القضية الفلسطينية على
كافة المستويات بما فيها جمع وشراء وتخزين ونقل السلاح والتدريب عليه، وأُفرج عن
عدد من الإخوان الذين ألقي القبض عليهم أثناء جمع السلاح أو التدرب عليه، وحفظت
الحكومة تحقيقات في بعض عمليات النظام الخاص ضد اليهود، وكنتُ مسؤول جمع السلاح
الباقي من حرب الحلفاء في الصحراء الغربية وإعادة تهيئته للاستخدام مرة أخرى.
41.
نشأت بيني وبين عبد القادر الحسيني –القائد العام للقوات الفلسطينية في 1948- مودة
عميقة إثر تعاوننا ولقرب عقلياتنا ومنازلنا، والصورة المشهورة له إنما هي صورة
أهدانيها ثم نشرتها بعد استشهاده، وكان حلمه تحرير فلسطين ثم إكمال الجهاد لتحرير
بقية البلاد العربية المحتلة.
42.
قرر البنا دخول الإخوان لفلسطين، وأبدى عزمه أن يقود المتطوعين من الإخوان بنفسه،
لكن القرار كان أن يكون الدخول على دفعات، وأن أكون أنا قائد الدفعة الأولى من
المتطوعين الذين بلغوا المائة، وكان فيها الشيخ سيد سابق.
43.
كان التعاون قائما بيننا وبين الحكومة وجيشها، لكنني حينما طلبت خرائط فلسطين من
قائد المخابرات العسكرية لمنطقة سيناء سلمني نسخة من الخرائط الإنجليزية التي لم
تُحدَّث منذ ثلاثين سنة هي عمر الاحتلال الإنجليزي والتي تغير فيها كل شيء تمهيدا
لإقامة الدولة اليهودية.
44.
نقلت إلى المرشد الوضع، وكان اقتراحي الاقتصار على عمليات فدائية موجعة ضد اليهود
طبقا لإمكانياتنا، لكنه كان يأمل في أكثر من هذا، فتقرر أن نضاعف الجهود في جمع
السلاح وتحريض الشباب على الجهاد، فاضطررت للعودة إلى القاهرة لهذا العمل وتولى
قيادة المتطوعين بدلا مني الشيخ محمد فرغلي.
45.
أول معركة خاضها الإخوان كانت ضد مستعمرة دير البلح، ولكنهم لقلة عددهم لم يتمكنوا
من احتلالها، وأسفرت عن استشهاد اثنا عشر وجرح خمسة، ولم يستطع اليهود إلا
الاستغاثة بالإنجليز الذين حضرت دبابتهم ورفعت الراية البيضاء وأوقفت المعركة،
ولكن القائد الإنجليزي لما رأى ما حدث دُهِش وقال: "لقد كنت في فرقة
الكوماندوز البريطانية ولم أشهد جرأة كالتي رأيتها الآن، لو كان معي ثلاثة آلاف من
هؤلاء لفتحت بهم فلسطين"!
وكان من ضمن المتطوعين أب وابنه وابن أخيه، ثلاثة تطوعوا واشتروا سلاحهم على
نفقتهم، وجاهدوا. لكم خسرت الأمة بعدم تطبيق الشريعة، إن الناس في ظل القوانين
الوضعية يتهربون من التجنيد على الرغم من التكاليف الباهظة التي تنفق على الجيوش،
بينما في ظل العقيدة الإسلامية يتدفق الرجال والنساء والأطفال يتسابقون للتطوع
والقتال. إن معارك الإخوان لم تشهد فارًّا واحدا ولا متخاذلا واحدا، ولكنه التنافس
على المهمات الخطيرة والعمليات الفدائية.
46.
لم يقتصر دور الجيوش العربية التي دخلت إلى فلسطين على تعطيل الخطة الناجعة بتسليح
الفلسطينيين أو بعمليات الفدائيين، بل دخلت وأعلنت الهزيمة وقبلت الهدنة فجعلت من
إسرائيل حقيقة واقعة، والأنكى من ذلك أن الجيش المصري كُلِّف باعتقال جميع
المجاهدين من الإخوان، وقررت الحكومة حل الجماعة، واغتالت الإمام حسن البنا.
47.
رأينا بأنفسنا عددا من المعجزات التي وقعت للمجاهدين، وكيف كان الرصاص يتناثر
حولهم لا يصيبهم، بل كيف كان يخترق ملابسهم عند الحواف لكن لا يخترق أجسادهم، هذا
فضلا عن الإنجاز المذهل كأن يقوم عشرون رجلا بما عجزت عنه كتيبة كاملة بمساعدة
الطيران والمدفعية، وفضلا عن القرارات الاستشهادية التي سحقت قوات العدو.
إلى
هنا انتهت المساحة المخصصة، ونواصل المقال القادم إن شاء الله.
نشر في مدونات الجزيرة
جزاكم الله خيرا في الدنيا و الآخرة
ردحذف