كتب يوسف زيدان –على صفحته على الفيس بوك- رسالة يعلق
فيها على خطاب الرئيس محمد مرسي في الهند، وقد ذكر له سبعة أخطاء فادحة الجهل،
وعلق عليها باستعلاء واستخفاف وتحدث بلهجة الواثق التي تغر الصغار والسطحيين، فحصد
آلافا من الإعجابات والمشاركات والتعليقات التي تبكي حال الرئيس المصري الجاهل
ومستشاريه الجهلة.
وقد عجزت أن أشاهد الفيديو لأن الانترنت عندي الآن لا
يسمح بهذا، فقررت تصديق يوسف زيدان ومناقشة ما كتبه من فضائح فاضحة وفدائح فادحة،
وأمور تصيب بالحسرات من مستوى الباحثين في مصر ممن قد شابت رؤوسهم وأشير إليهم
بالبنان، وقد سلكت في هذا الرد توثيق كل معلومة من كتابها ومصدرها ليتأكد منها من
شاء وليسكت من كان لديه بقية من احترام نفس!
وقد كانت لديه الجرأة ليقول بأنه كتب هذا غيرة على مصر
لا أكثر، ولو نطقت مصر لأسمعته ما يكره!
لك الله يا مرسي.. ولك الله يا مصر!!
***
1. نطق اسم البيروني خاطئا فقالها
"البَيْروني"
2. قال بأن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين
أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس
3. قال بأن البيروني اشتغل بالفلسفة وهو لم يشتغل
بالفلسفة
4. قال بأن كتاب جورج سارتون هو "مقدمة فى تاريخ العلم"
والصحيح أنه "دراسة فى تاريخ العلم"
5. قال بأن ابن الهيثم علم الدنيا التشريح والصحيح أنه برز
فى الهندسة و البصريات، وليس له إسهام فى الطب ولا التشريح.
6. قال بأن جابر بن حيّان أسس علم الكيمياء بينما كانت الكيمياء
معروفة من قبله بقرون عند اليونان و الإسكندرانيين والعرب المسلمين.
7. قال بأن ابن خلدون "عرّف علم الاجتماع" وإنما
ابتكر "علم العمران البشرى" الذى رأى بعض الدارسين أنه كان مقدمة لعلم الاجتماع
الذى أسّسه أوجيست كومت و إميل دوركايم و آخرون.
***
فهذه سبعة أخطاء جمعها د. يوسف زيدان للرئيس مرسي.
وإليك الردُّ عليها:
***
1. هل نطق الرئيس اسم "البَيْروني" (بفتح
الباء وتسكين الياء) خطأ؟
إن هذا النطق هو ما أقره جمع العلماء والمؤرخين
والرحالة، منهم: الصفدي (فوات الوفيات 8/91)، وابن حجر (تبصير المنتبه 1/188) والسيوطي
(لب اللباب ص49)، وبامخرمة الحميري (النسبة إلى المواضع والبلدان)، وابن ناصر
الدين القيسي (توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم 1/329)، ووقع كذلك في
إحدى مخطوطات الأنساب للسمعاني بحسب محققه الشيخ عبد الرحمن المعلمي (الأنساب 2/392)،
وبه جزم بعض اللغويين مثل الأب أنستانس ماري الكرملي في (مجلة لغة العرب العراقية
2/258).
فهو إذن ليس خطأ كبيرا ولا فاضحا لا يليق برئيس مصر كما
زعم يوسف زيدان، بل قال به هؤلاء الكبار من قبل وهو مسطور في كتبهم التي وضعنا
توثيقها بأرقام الصفحات عسى أن يقرأها من أراد.
ونحن لا ننفي أن يكون بعض المؤرخين والنسابة قال بأنه
"البِيروني" (بكسر الباء)، ولكن هذا الكلام وضبطه مجاله بين اللغويين
والباحثين، ولا إنكار فيه على غير المتخصص، وليس مطلوبا من رئيس الجمهورية أن يكون
في علامة محققا في اللغة والأنساب وضبط أسماء الرجال والبلدان!
***
2. قال بأن البيروني اكتشف الدورة الدموية الصغرى في حين
أن الذي اكتشف الدورتين الصغرى والكبرى هو ابن النفيس
إن كان قد صحَّ هذا النقل، فهنا الخطأ بالفعل على الرئيس
مرسي ومن كتب له الخطاب، وهو خطأ سيئ للغاية فهذه المعلومة مشهورة بالفعل، خصوصا
وأن إنجاز ابن النفيس مشهور جدا لأنه تعرض للسرقة العلمية ثم كُشِف الستار عنه.
ليكن.. هذا بالفعل خطأ، ودعونا نتابع باقي
"الأخطاء"!!
***
3. هل أخطأ الرئيس مرسي حين قال بأن البيروني اهتم
بالفلسفة؟
لقد وجدنا عمله بالفلسفة ثابتا عند المؤرخين، منهم: ابن
أبي أصيبعة (عيون الأنباء 3/119) وذكر أنه "كان مشتغلاً بالعلوم الحكمية... وكان
معاصر الشيخ الرئيس (ابن سينا)، وبينهما محادثات ومراسلات، وقد وجدت للشيخ الرئيس أجوبة
مسائل سأله عنها أبو الريحان البيروني وهي تحتوي على أمور مفيدة في الحكمة"
وكذلك ابن العبري (تاريخ مختصر الدول ص186) والصفدي (فوات الوفيات 12/251) وابن
فضل الله العمري (مسالك الأبصار 9/475) وعبد الحي بن فخر الدين الحسني (نزهة
الخواطر 1/29)، وعمر رضا كحالة (معجم المؤلفين 8/241) وذكر أنه "تبحر [وليس
مجرد اهتمام] في الحكمة اليونانية والهندية".
ترى ما شعور الأستاذ المتخصص الذي ثبت –ليس فقط جهله-
وإنما ثقته بالجهل ونصيحته به؟!! وماذا يكون الحال إذا كان الباحثون المتخصصون
الذين شابت رؤوسهم في بلادنا بهذا المستوى؟!
***
4. ما اسم كتاب جورج سارتون؟
زعم يوسف زيدان أن كتاب جورج سارتون اسمه "دراسة في
تاريخ العلم" وليس "مقدمة لتاريخ العلم"، ومن الفاضح المؤسف أن
عنوان الكتاب بالإنجليزية هو "Introduction to the History of Science" أي أن الترجمة
الحرفية له هي "مقدمة لتاريخ العلم" كما قال الرئيس مرسي!!
على أنه وبافتراض أن مرسي قد أخطأ في عنوان الكتاب، فما
البأس؟!!
إن الخطأ في عناوين الكتب في المحاضرات العامة، بل وفي
الأبحاث العلمية أحيانا يقع من الباحثين والمتخصصين –نسيانا أو جهلا أو غير ذلك-
ولا ينكر بعضهم على بعض في هذا الأمر التافه، فهو في حق رئيس الجمهورية الذي يلقي
خطابا دبلوماسيا وليس محاضرة علمية أمر أشد تفاهة.. وإن التقاط زيدان لهذا الأمر
دليل على ضغينة نفسية قبل أن يكون أمانة علمية! فكيف وقد اتضح أن الدقة من نصيب
الرئيس والخطأ من نصيب الباحث المتخصص..
يا فضيحة العلم!!
***
5. قال بأن ابن الهيثم علم الدنيا التشريح والصحيح أنه برز
فى الهندسة و البصريات، وليس له إسهام فى الطب ولا التشريح.
هكذا ببساطة قال زيدان "ليس له إسهام في الطب ولا
التشريح"!!
ستدرك حجم الكارثة حين ترى اسم الحسن بن الهيثم قد ذكره
مؤرخ الأطباء ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء"
وقال عنه: "كَانَ خَبِيرا بأصول صناعَة الطِّبّ وقوانينها وأمورها الْكُلية"،
ونقل فيه قول الحسن بن الهيثم عن مؤلفاته التي كان منها كتاب "فِي تَقْوِيم الصِّنَاعَة
الطبية نظمته من جمل وجوامع مَا نظرت فِيهِ من كتب جالينوس وَهُوَ ثَلَاثُونَ كتابا
كِتَابه فِي الْبُرْهَان كِتَابه فِي فرق الطِّبّ كِتَابه فِي الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة
كِتَابه فِي التشريح كِتَابه فِي القوى الطبيعية كِتَابه فِي مَنَافِع الْأَعْضَاء
كِتَابه فِي آراء أبقراط وأفلاطن كِتَابه فِي الْمَنِيّ كِتَابه فِي الصَّوْت كِتَابه
فِي الْعِلَل والأعراض كِتَابه فِي أَصْنَاف الحميات كِتَابه فِي البحران كِتَابه فِي
النبض الْكَبِير كِتَابه فِي الاسطقسات على رَأْي أبقراط كِتَابه فِي المزاج كِتَابه
فِي قوى الْأَدْوِيَة المفردة كِتَابه فِي قوى الْأَدْوِيَة المركبة كِتَابه فِي مَوَاضِع
الْأَعْضَاء الآلية كِتَابه فِي حِيلَة الْبُرْء كِتَابه فِي حفظ الصِّحَّة كِتَابه
فِي جودة الكيموس ورداءته كَلَامه فِي أمراض الْعين كِتَابه فِي أَن قوى النَّفس تَابِعَة
لمزاج الْبدن كِتَابه فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف كِتَابه فِي أَيَّام البحران كِتَابه
فِي الْكَثْرَة كِتَابه فِي اسْتِعْمَال الفصد لشفاء الْأَمْرَاض كِتَابه فِي الذبول
كِتَابه فِي أفضل هيئات الْبدن جمع حنين بن إِسْحَاق من كَلَام جالينوس وَكَلَام أبقراط
فِي الأغذية".
غير أن الأمانة العلمية تقتضي أن نقول بأن بروز الحسن بن
الهيثم لم يكن في الطب والتشريح بل في الهندسة والبصريات فعلا، لكن أإلى حد أن
يقال "ليس له إسهام".. هكذا ببساطة، وبلهجة الواثق المتمكن، فهذا أمر
يخرق القدرة على الاحتمال بالفعل.
ويجب أن نعلم أن "علم الطب" في ذلك الوقت كان
شيئا مختلفا عن "ممارسة الطب"، فمن الممكن أن يكون العالم خبيرا في الطب
دون أن يكون له حظ كبير من ممارسته، وهكذا كان ابن سينا، ومثله كان الحسن بن
الهيثم! كان خبيرا بأصول صناعة الطب وإن لم يمارسه كثيرا.. فهل ثمة من يجرؤ على أن
ينفي إسهام ابن سينا في الطب؟!!!
***
6. نفى يوسف زيدان أن يكون جابر بن حيان مؤسس علم
الكيمياء وقال بأنه كان معروفا قبله لليونانيين والمصريين والعرب والمسلمين
وهنا تدليس وتزييف، فالكيمياء من حيث هي خلط مواد على
بعضها أو توقع نتائج خلط المواد على بعضها كانت بالفعل معروفة، أما الكيمياء من
حيث هي علم قائمة على التجريب والملاحظة والتسجيل فهي من آثار جابر بن حيان وعلماء
المسلمين.
اسمع إلى مؤرخ الحضارة الأمريكي ول ديورانت وهو يقول:
"ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علمًا من العلوم؛ ذلك
أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في
الميدان الذي اقتصر فيه اليونان -على ما نعلم- على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة"
(قصة الحضارة 13/187).
وهذا فيليب حتي يقول: "وكان أعظم ما أسداه العرب إلى
العلم بعد الطب والفلك والرياضيات مآثرهم في علم الكيمياء، الذي لم يزل يحتفظ باسمه
العربي في جميع اللغات الأوربية، ففي دراسة الكيمياء وسواها من العلوم الطبيعية أدخل
العرب التجربة الموضوعية، وهي خطوة تحسينٍ راهنٍ على تأملات اليونان الغامضة... ولجابر
الفضل في أنه أول الكيمياويين الذين نادوا بأهمية البحث التجريبي، وفي أنه خَطَا خطوات
واسعة في سبيل التقدم الكيمياوي من وجهتيه النظرية والعلمية" (العرب تاريخ
موجز ص153، 154)
وبمقل قولهما قال الباحثون الأجانب الذين ما كان لأحدهم
أن ينسب لعمر الخيام شيئا قال به أحد من اليونان قبله، منهم دومينيك سورديل
(الإسلام ص157) وفرناندو بروديل (تاريخ وقواعد الحضارات ص92، 93) ولويس سيديو
(تاريخ العرب العام ص381) وزيجريد هونكه (شمس الله تسطع على الغرب ص401، 402)
وغيرهم.
***
7. وقال زيدان بأن مرسي أخطأ حين قال بأن ابن خلدون
"عرّف علم الاجتماع" وإنما ابتكر "علم العمران البشرى" الذى رأى
بعض الدارسين أنه كان مقدمة لعلم الاجتماع الذى أسّسه أوجيست كومت و إميل دوركايم و
آخرون.
وهذا الأمر ليس إلا خلافا علميا وهو أقرب إلى خلاف
الاصطلاح منه إلى الخلاف الحقيقي، متوقف على تعريف علم الاجتماع والفارق بينه وبين
علم العمران البشري، وما علاقتهما ببعضهما البعض، انفصال وتأثير أم تطوير وامتداد،
وهو أمر ساحته علمية بحتة، ولا يعد الخطأ فيه وسيلة للطعن والاستنكار.
وعلى افتراض صحة قول يوسف زيدان نفسه، فمادام علم
"العمران" مقدمة لعلم الاجتماع، فالقول بأن مؤسسه هو ابن خلدون أمر لا
يبعد عن الحقيقة، أو هو على أكثر الأحوال لا يعد خطأ علميا في خطاب دبلوماسي لرئيس
جمهورية!!
بإمكاننا أن نجعل رئيس الجمهورية تابعا لمذهب عالم
الاجتماع النمساوي الذي قال: "لقد أردنا أن ندلِّلَ على أنه قبل أوجست كونت، بل
قبل فيكو الذي أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعي أوربي، جاء مسلم تقيٌّ، فدرس
الظواهر الاجتماعية بعقل مُتَّزِنٍ، وأتى في هذا الموضوع بآراء عميقة، وإن ما كتبه
هو ما نسمِّيه اليوم علم الاجتماع"!!!
***
من سبعة أخطاء كتبها يوسف زيدان ثبت أن واحدا فقط هو ما
يستحق التعليق، وستة كانت ما بين خطأ فاحش من يوسف زيدان أو أمور تحتمل الأخذ
والرد وفيها خلاف بين أهل التخصص.. فأي ناصح هذا؟ وأي نصيحة تلك؟!!
الحق أن الحقد الذي في قلب يوسف زيدان ظهر في كلامه
فأظهر منه جهلا مريعا، ولعل الرئيس مرسي كان موفقا حين اختار مستشاريه بعناية ولم
يتعثر في أمثال يوسف زيدان ممن يبلغ بهم الحقد هذا المبلغ الدنيء.