وددت في ذكرى وفاة سعد زغلول (23/8/1927) لو
كتبت مقالا مفصلا عنه، ولكن لم يسمح لي الوقت للأسف.. فكتبت هذه المعالم والملامح عملا
بأن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله.
1. كان سعد زغلول سكيرا ومدمنا للقمار، كما سجل
بنفسه في مذكراته.
2. تاريخ سعد زغلول فيما قبل ثورة 1919 هو تاريخ
رجل مخلص للإنجليز، وقد بذل الوفديون وأنصارهم جهدا عظيما لتبرير تحوله المفاجئ من
رجل بارز في خدمة الإنجليز إلى رجل ثورة ضد الإنجليز.
3. وأحسن ما قيل في هذه التبريرات مفاده ومآله
أن الرجل لما فقد المناصب كلها لم يجد منصبا إلا أن يتحول إلى قائد ثورة ليظل في الساحة
السياسية.. لكن هذا المعنى لا يُقال بهذه الصراحة بل يُحاط بالتزيين والزخرفة ونظريات
الإصلاح من داخل النظام ونحوه.
4. كان سعد زغلول وزيرا في عهد الاحتلال وفي
حكومة مصطفى فهمي -الموصوف بأنه إنجليزي أكثر من الإنجليز- بل وتزوج سعد زغلول صفية
بنت مصطفى فهمي هذا، رغم أن سعدا فلاح وأن مصطفى فهمي باشا، ورغم أن فارق السن بينهما
17 سنة.
5. ومعروف مشهور أن سعد زغلول كان صديقا حميما
لكرومر (الحاكم البريطاني) بل كان يعلق صورة كرومر في مكتبه، وكان كرومر معجبا به،
بل إن سعد زغلول كان ضمن الستة الذين أقاموا حفلا لتوديع كرومر (وقد خرج كرومر من مصر
بأثر من الحملة الهائلة التي شنها مصطفى كامل على الإنجليز بعد حادثة دنشواي فرأت بريطانيا
أن تجعله كبش فداء لتهدئة الأجواء).. مع العلم بأن فتحي زغلول (شقيق سعد) كان قاضيا
في محكمة دنشواي وهو الذي كتبت حيثيات الحكم.
[للمزيد عن دنشواي انظر هنا: https://goo.gl/ASo3NM]
6. تولى وزارتين من أهم الوزارات: الحقانية
(العدل) والمعارف (التربية والتعليم).. فكان أداة "وطنية" للتغريب، وساهم
في قص أجنحة الأزهر بإنشاء مدرستين تنتزعان منه شريحة كبرى من خريجيه، فأنشأ مدرسة
القضاء الشرعي التي تنزع من الأزهر خريجيه الذين يعملون كقضاة شرعيين ليكون القضاة
الشرعيون بعدئذ من خريجي هذه المدرسة. وقد حاول الخديوي (عباس حلمي الثاني) أن يمنع
هذا المشروع إلا أن سعدا وقف بوجه الخديوي وقفة عنيفة (بدعم من الإنجليز) فقبل الخديوي
صاغرا.. وكان الأزهر والأوقاف في ذلك الوقت هما الجهتان اللتان تخضعان للخديوي رسميا،
فانتزاع شيء منهما هو انتزاع من مكانته ومقامه.. وكانت هذه المدرسة هي بداية علمنة
القضاء الشرعي.
7. قدم عضو بالجمعية التشريعية اقتراحا لمنع
إنفاق الدولة على الجامعة التي خرَّجت ملحدا (يقصد طه حسين)، وكان ذلك في إطار الصراع
حول الجامعة التي تعتمد النمط الغربي في التدريس، فطلب منه سعد زغلول سحب اقتراحه فأبي،
فهدده سعد بأنه سيوعز إلى أحد الأعضاء أن يقدم اقتراحا بمنع الإنفاق على الأزهر سواء
بسواء فاضطر العضو إلى سحب اقتراحه.. وفي مرة أخرى أراد أحد نواب الوفد أن يثير قضية
كتاب "الشعر الجاهلي" لطه حسين فمنعه سعد زغلول أيضا.
أما ما يورده البعض (ومنهم للأسف الشديد د. محمد
عمارة) من أنه هاجم كتاب علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" فهو إنما
فعل ذلك في إطار المنافسة السياسية، لأن الهوى السياسي لعلي عبد الرازق كان مع الأحرار
الدستوريين -وهو حزب انشق عن الوفد- فكان كل ما يطعن في هذا الحزب أو يضعفه مرغوبا
لسعد.
8. ومما لا يحب الوفديون أن يذكروه هو: كيف لسعد،
إن كان حرا ثائرا ضد الإنجليز، أن يحصل على هذا الكم الهائل من التوقيعات من الناس
في ذلك الوقت.. فالحقيقة أن عملية جمع التوقيعات جرت بدعم من الحكومة (الخاضعة عمليا
للإنجليز) وقد تحرك في سبيل جمعها أعضاء في المجالس المحلية وعمد القرى وأعيان الريف!
وشبيه بهذا الموقف أيضا فوزه في انتخابات الجمعية التشريعية لأول مرة بأكبر عدد من
الأصوات في مساحة ربع القاهرة! وهو لم يكن وقتها إلا وزيرا مفصولا أو مستقيلا من الوزارة
بعد طول خدمة للإنجليز.. مما يجعل تفسير فوزه بانتخابات شعبية نزيهة محط استغراب واستنكار.
9. لم يحقق سعد شيئا في المفاوضات مع الإنجليز
بل إن حصاد عمله هو "تبريد" ثورة 1919 وإدخالها في دهاليز المفاوضات، والمنازعة
مع عدلي يكن (رئيس الحكومة) حول تمثيل مصر في المفاوضات مع الإنجليز، ولم يخجل أتباعه
من الهتاف بأن الاحتلال مع سعد خير من التحرر من طريق عدلي يكن.
10. رضي سعد من الثورة بأن يكون رئيس الحكومة
والزعيم السياسي في البلاد، وسخر الوفد لمنع الثورة ضده، فكان من أول أعماله أن أنشأ
تنظيم اتحاد عمال مصر وجعل عبد الرحمن فهمي (شكرتير الوفد، والشخصية التنظيمية التابعة
له) رئيسا لهذا الاتحاد فتحكم به في شريحة العمال، ليمنعها من التمرد والإضراب!!
ومع هذا طرده الإنجليز من الحكومة بعد مقتل السير
لي ستاك، ولم يستطع فعل شيء ورضي بأن يكون زعيما في الظل من وراء ستار، ثم مات هرما
شائخا فاشلا بعد أن أضاع الثورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق