من أكثر
المعاني ترددا في القرآن الكريم معنى أن الحق واضح وإنما يُعرض عنه الناس تكبرا
عليه وجحودا له..
بل كاد هذا المعنى يكون في كل صفحة، صراحة أو ضمنا..
ومن عجائب القرآن أنه يوقف الإنسان أمام نفسه، وينزع عنه ما يتعذر به من أعذار زائفة.. وأعظم ما يرى الإنسان نفسه في هذا المشهد حين يقع في الكرب.. فحين يموج البحر ويوشك الغرق تنقشع الفلسفات والمماحكات وينفض القلب على نفسه كل الأعذار فيتوجه خالصا لله في لحظة الكرب.. لا يفكر في شيء غيره!!
ولعله لهذا قال نبينا ﷺ "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"..
ومن بديع ما قاله العلماء تعليقا على هذا الحديث رائعة حجة الإسلام الغزالي في إحياء علوم الدين، فقد كانت له نظرة عميقة في آثار الكبر، وذلك قوله:
"وإنما صار (الكبر) حجابا دون الجنة لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها، وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة
والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها، لأنه:
- لا يقدر على أن يحب المؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز
- ولا يقدر
على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز
- ولا يقدر
على ترك الحقد وفيه العز
- ولا يقدر أن
يدوم على الصدق وفيه العز
- ولا يقدر
على ترك الغضب وفيه العز
- ولا يقدر
على كظم الغيظ وفيه العز
- ولا يقدر
على ترك الحسد وفيه العز
- ولا يقدر
على النصح اللطيف وفيه العز
- ولا يقدر
على قبول النصح وفيه العز
- ولا يسلم من
الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز
ولا معنى للتطويل..
فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه"
وللنبي ﷺ تشبيه مرعب في حال الذي يتكبر ويحرص على نفسه.. فقد صوَّر النبي ﷺ صورة مذبحة فظيعة، وهي كالآتي:
ذئبان جائعان أُطْلِقا في غنم.. ففتكا بها
تأمل صورة المذبحة واسرح فيها وحاول أن تتصورها، فتصوُّرها مهم..
ثم ذكر النبي أن الحرص والكبر أشد فتكا في دين المرء من هذين الذئبين الجائعين في الغنم!!
قال ﷺ: "ما ذِئْبان جائعان أُرسلا في غنم، بأفسدَ لها مِن: حرص المرء على المال والشرف لدينه".
وهذا شهر رمضان.. معسكر تدريبي مكثف، يؤمر فيه المرء بالجوع والعطش، ويُستحب له فيه قيام الليل والسهر والتعب، ويطيل الركوع والسجود وهما هيئة الخضوع والتذلل والتعبد، ويرفع يده بالدعاء ويذرف الدموع وتلك هيئة الفقير المحتاج المتوسل!
ويسمع من الآيات ما يغمره بعظمة الله وقدرته وسطوته وهيمنته وجبروته.. فترتج عليه نفسه!
ويسمع منها ما يُزَهِّد في الدنيا ويُحَقِّرها ويقلل منها.. فتصغر الدنيا وما فيها في عينه وقلبه!
ويسمع منها ما يجعله عبدا مثله مثل الناس، لا فضل له عليهم إلا بما يعمل من العمل الصالح.. ويرى فيها انقسام الناس إلى مؤمن وكافر، فتزول حسبة القبائل والعشائر والمناصب والأموال!
ويرى في الآيات مصارع الفراعين والمتكبرين والمتجبرين.. فإذا الذين شادوا القصور ونحتوا الجبال وملؤوا الدنيا أموالا وآثارا قد ذهبوا في عاصفة ريح أو في موجة بحر أو خسفة أرض.. فيرى المرء في نفسه أنه لا يقوم لهذه القوة الجبارة التي تصرف الكون وتدبر الأمر!
هذا شهر رمضان، شهر كثيف العبادة، تخرج منه النفس وقد خشعت لله، فالتاريخ كله يمرّ في سطور، والأقوام المعمرين قد صاروا "أحاديث"، والممالك العظمى قد اندثرت وبادت.. فإذا المرء يعرف من نفسه أنه ليس إلا ذرة عابرة في سحابة الزمن، ونقطة مهملة في فساحة الكون.. وليس له إلا ما يلقى به وجه الله يوم القيامة!
اللهم تقبل منا رمضان.. وأعنا على الاستقامة بعده!
الله عز وجل اساله ان يزيدك من العلم والفضل اللهم آمين
ردحذفما شاء الله عليكم
ردحذفماشاء الله تبارك الله جزاك الله خير
ردحذفماشاء الله تبارك الله جزاك الله خيرا وزادك من فضله
ردحذفالله يحفظك ويرعاك وتكون ذخرا للاسلام والمسلمين
ردحذفحفظك الله ونفع بك واجرى الخير على يديك وزادك علما ونصر بك الاسلام والمسلمين وجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون احسنه وجعلنا من المرحومين والمغفور لهم والعتقاء من النار انه ولي ذلك والقادر عليه.وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.
ردحذفبارك الله فيك يا شيخنا ♥️
ردحذفبارك الله فيك و تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
ردحذف