الأربعاء، أبريل 08، 2020

نجيب ساويرس وأنواع الإجرام

 برزت في الأيام الماضية المفارقة بين رجل الأعمال ابن البلد (مثل العربي) ورجل الأعمال الذي هو ممثل الأجانب في بلادنا وركن من أركان الاحتلال الاقتصادي لنا (مثل ساويرس).

 وحيث أننا في عصر #العسكر، وهم الذين يمثلون الاحتلال السياسي والعسكري لبلادنا، وخط الدفاع الأول عن المصالح الأجنبية، فمن الطبيعي أن البلد كلها تعرف ساويرس وتنظر إليه كنموذج لرجل الأعمال البراق والمثقف راعي الفن والفنون، بينما هم إذا عرفوا نموذج العربي أصلا لم يرفعوه إلى مصاف نخبة الدولة المتألقة التي تحيطها الزخارف والنمارق والمراتب العليا..

 ولا بد للاحتلال العسكري السياسي أن يستعين ويتمكن بمثل هذا الاحتلال الاقتصادي، كما لا بد لهذا الاحتلال الاقتصادي أن ينمو ويحيا في ظل الاحتلال العسكري.. وهو أمرٌ أشهر من أن نحاول التدليل عليه، ذلك أن جميع الأمم ذاقت قصة الاستعمار الغربي نفسها، ولا تزال.

 لكن أثارني حقا ما كنت قرأته للعقاد في كتابه "عالم السدود والقيود"، وهو من أدب السجون، وفيه كتب العقاد مشاهداته في الشهور التسعة التي سُجِن فيها بأثر من كتاباته ضد النظام.. والطريف المثير للتأمل أن العقاد كان على وشك السفر إلى رحلة إلى أوروبا -كممثل عن البرلمان، إذ كان برلمانيا، ضمن وفود برلمانية- ولكنه امتنع عن السفر خشية أن تستغل السلطة خروجه فتحرمه من العودة فيصير منفيا!! ففضَّل البقاء في مصر على البقاء في أوروبا!

 لعلك الآن تندهش، وتستغرب لهذا الغبي الذي فضَّل البقاء في مصر دون أوروبا، مع احتمال السجن والمخاطرة.. لا تندهش عزيزي القارئ، قد كانت مصر تحت حكم الملكية وتحت حكم الاحتلال الإنجليزي أعظم آلاف المرات منها تحت حكم العسكر.. لقد فضَّل العقاد البقاء في مصر لأنه يعرف أن حكم القضاء عليه لن يتجاوز السجن شهورا، وأن حقوق السجين مرعية محفوفة بالقانون.. وإذا قرأتَ هذا الكتاب فستعجب حقا من أن الذي يشتكي منه العقاد في سجنه إنما هو الآن أمنية لأكثر الأحرار في مصر.. وأما مقارنة سجن العقاد بسجون اليوم فمفاجأة أتركها لك إن أحببت.

 بعد هذا الاستطراد أعود لما كنت أريد قوله، وهو أن العقاد كانت له قسمة طريفة للمجرمين، لا أذكر الآن أني قرأتها بهذا الوضوح على الأقل عند غيره، فقد قسَّم المجرمين إلى:

 1. مجرم الاعتداء الذي لا يبالي إيلام غيره

2. مجرم الخسة الذي لا يبالي ما يجلبه على نفسه من العار والمهانة

 فمجرم الاعتداء هو الذي يفخر بأنه اعتدى أو قتل أو آذى غيره، وضرب له مثلا بفتى صعيدي هربت أخته من بيتها والتحقت بدار للبغاء، فتتبعها حتى وصل إليها وناورها ولاطفها حتى تمكن منها فقتلها وقطع رأسها وعاد به إلى بلده..

 ثم ضرب له مثلا آخر بفتى من أبناء الطبقة المتعلمة، ويتحدث الإنجليزية، ولكنه مسجون لأنه كان في تنظيم هدفه السطو على الأغنياء، ولم يكن يرى في هذا أي داع للخجل أو الندم، بل هو مزهو فخور بانتمائه إلى جماعة لها فروع وقرارات ورؤساء أقسام واجتماعات ومداولات!

 وقد التمس العقاد بعض العذر للفتى الأول ولكنه لم يلتمس عذرا لهذا الفتى الثاني، ولعل هذا بأثر من بغض العقاد للشيوعية وأفكارها.. ولعله لكونه من النخبة وقتها وإن لم يكن غنيا.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه عندما تقرأ مثل هذه السيرة، خصوصا في ظل ما نحن فيه الآن من أغنياء يمثلون طليعة الاحتلال الأجنبي للبلد، هو: أليس هذا شبيها بحال الفتى الصعيدي الذي دافع عن شرفه وعرضه؟

 وأما القسم الثاني من المجرمين فهو هذا الخسيس الذي لا يبالي بالعار والمهانة، فهو حقير حتى بين المجرمين، يقولون عنه أنه "نِتِنْ"، وهذا الصنف هو الذي يعتدي على الضعفاء ويسرقهم ويؤذيهم، فجريمته فيها معنى الخسة والوضاعة والدناءة، فقدوا معنى الشرف ومعنى الحياء، وفقدوا الإحساس بالعار.. حتى أنهم إذا فخروا أو التمسوا طريقة للزهو لم يجدوا شيئا يفخرون به إلا وهو دليل على دناءتهم، فهم يفخرون بطرقهم في خداع البسطاء وإيذاء الطيبين والتلاعب بمن لا يفهمون المناورات والألاعيب!

 والآن..

 إذا حاولنا تصنيف ساويرس وأمثاله في قسم من هذيْن القسمين، ففي أيهما يكون؟!

 بل إذا حاولنا تصنيف #السيسي ونظامه العسكري والأمني كله بعناصر جيشه وشرطته ومخابراته وإعلامييه وممثليه.. إلخ!.. ففي أي قسم يكونون؟

 أحسب أن الإجابة واضحة.. ولك أن تتخيل حال بلد صار أحقر من فيها هو حاكمها، وأدنى من فيها هم نخبتها، لا يتوحشون إلا على الضعفاء والبسطاء والفقراء، بينما هم في الخارج أذلاء مخانيث..

 حتى إثيوبيا تجاهر بمنع مياه النيل ولا يجد المخنث حلا إلا السكوت أو المناشدة، بينما هو وحش دموي متغول على شعبه وأبناء بلده!

 عنصر الجيش والشرطة والمخابرات هو أذل الناس أمام الذي يعلوه في الرتبة، وهو أطغى الناس وأحقرهم أمام الأضعف منه!

 حتى الممثلة التي يُخرجها المنتج في ظل الوباء لكي تواصل تمثيل مسلسلات رمضان تفعل وهي صاغرة.. بينما هي تمارس كل ألوان القرف والترفع على عموم نساء البلد وفقرائه باعتبارهم "بيئة"!!

 وقس على هذا.. وتأمل!

 ثم تأمل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق