الجمعة، يوليو 05، 2019

نزيفنا المستمر وقادتنا الراحلون


رحم الله الرئيس الشهيد محمد مرسي، نحسبه شهيدا والله حسيبه، مات أسيرا مظلوما محروما، فعسى الله أن يجزيه أجر الصابرين الثابتين.

كان رحمه الله مثالا في الثبات والصلابة، أرادوه أن يستسلم ويتنحى فأبى، وبإبائه هذا تغيرت صورة المشهد في مصر وفي سائر العالم الإسلامي، فلو أنه أطاعهم لما أرادوه لكانت الثورة كالموءودة التي قتلها والدها وصاحبها، ولما وجدت أحدا يتعلق بها ويدافع عنها ويبذل لها، ثم لوجد لنفسه ووجد من خلفه جيوشا من المبررين الذين يخونون الله ورسوله والمؤمنين ويخونون أماناتهم ويطمسون معالم الدين ويهذبونه ليكون بردا وسلاما للظالمين المجرمين.

لو تنازل مرسي لكان كل ثائر وكل متمسك بالثورة من بعده إرهابيا متطرفا منبوذا، ولو تنازل لبقيت صورة العسكر في مصر كأنهم حماة رأي الشعب والعاملون لصالحه، ولكان الغطاء قائما مسدولا على أنظمة الإمارات والسعودية. وقفة مرسي جعلت الثورة حقا شعبيا وإسلاميا، وجعلته رئيسا شرعيا مظلوما، وجعلت الخائن انقلابيا يبحث في كل خطاب عن مسوغات تثبيت شرعيته، وجعلت العسكر يظهرون على حقيقتهم: أبناء السفاح الذين وضعهم المحتل ورباهم على عينه ونصَّبهم في البلاد ليحلبوها له، لا دين ولا شرف ولا حتى أخلاق الجاهلية!

ثم لست أنسى في هذا المقام الأسير البصير الذي مهد الطريق لمرسي وللرئيس الإسلامي، أعني به الحبيب الغالي حازم صلاح أبو إسماعيل، فمن قبله كان الإسلاميون مجتمعون على ترك السلطة للعلمانيين وإنما يبحثون عن أيهم أقل سوءا، ثم بجهده وما أثاره من الوعي والحماسة وما رفعه من السقوف والطموحات والحدود تمهَّد الطريق للإسلاميين ليترشحوا، ثم وقعت الثمرة في يد مرسي، وقد كان مثالا في الإخلاص لها وإن لم يكن مثالا في استثمارها والحفاظ عليها.

يستحق الرئيس الشهيد مدحا كثيرا لصلابته ووقفته، ولكن بقي ما ينبغي أن نستفيد منه..

ونبدأ من السؤال البسيط: أيهما خير للأمة، أن يموت الرئيس هذه الميتة أم أن يموت في قصره بعد أن تستتب له الأمور؟!

ما أحسب أن عاقلا يشك في أن ميتته في قصره، بعد أن تستتب له الأمور هي الخير للأمة. ولكن دون ذلك حرب ضارية مع الفاسدين في العسكر والمخابرات والشرطة، وحرب ضارية مع أنظمة السعودية والخليج والأردن، وحرب ضارية مع إسرائيل والغرب والأمريكان.. حروب بكل معنى الكلمة: النفسية والقتالية، ومحاولات انقلاب واغتيال وتفجيرات وفوضى واضطرابات.. كل هذا لكي لا يتمكن مرسي من تحرير مصر ولكي لا يتمكن الشعب المسلم من امتلاك إرادته وإنتاج غذائه ودوائه وسلاحه.

حروب تحتاج اليقظة والجسارة والذكاء والسياسة والمبادرة ولا يكفي فيها مجرد النبل والإخلاص والصلابة والثبات والاستقامة.

حروب تحتاج تجييش الأمة وتثوير طاقتها وتحويل الشعوب إلى كتائب فعالة، وآخر ما ينفع في هذه الحروب محاولة إرضاء النخب السياسية والشخصيات اللزجة الباردة الثرثارة على الشاشات أو في الصحافة والإعلام.

هل تحررت أمة بغير هذا الثمن؟!

هل نجح مؤسس دولة في بناء دولته وهو يسترضي خصومه السياسيين أو يهتم بآراء المثقفين الباردين الثرثارين الذين غرقوا في الجدل وتبطلوا عن العمل؟!

لقد امتلأ القرآن خطابا وجدالا وإقناعا وهداية، ثم لم يؤمن به إلا الأفذاذ المخلصون، فأما إذا تحول القرآن إلى أمة تتدفق منها الكتائب فتفتح الفتوح، فقد دخل الناس في دين الله أفواجا، ليس قهرا ولا إجبارا، وإنما النصر يزيح الغشاوة عن العيون وينسف أوهام الباطل!

والذين يستطيعون تحويل الأفكار إلى عمل نادرون، أولئك هم الأبطال المؤسسون الذين يؤسسون الدول ويصنعون النهوض ويقبضون على لحظة الزمن حتى يحولونها إلى صالحهم، أولئك الذين يستطيعون استثارة الهمم وحشد الأتباع وصناعة الطليعة وامتلاك الشوكة وخوض حروب المغالبة.

وأولئك لا يموتون في الزنازين..

أولئك يموتون في مقرات الحكم أو على الأقل في ساحات الحرب..

هل كان خيرا للأمة أن يُقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة أو بعدها، فيكون مثالا في الزهد والصبر والتضحية، أم الخير أن يموت في فراشه بعد أن أسس لهذه الأمة حكما ونظاما؟!

نحن من أمة هذا النبي.. وبه أُمِرْنا أن نقتدي ونتأسى!

لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان أبو بكر أكثر من صاحب، كان حارسه الخاص، يمضي أمامه حينا وخلفه حينا وعن يمينه حينا وعن شماله حينا، يدخل قبله الغار ويؤمن له المأوى.. وهذه هجرة بعد خطة محكمة للإفلات من محاولة الاغتيال، ومحاولات المطاردة.

ولما تسامع الأنصار بقدومه خرجوا في السلاح يستقبلونه! وظل للنبي حرسه الخاص في الليل والنهار حتى نزل قول الله تعالى (والله يعصمك من الناس) فصرف النبي حرسه.

وكان الصحابة يهلكون أنفسهم ويقاتلون حتى الموت كي لا يصل إلى النبي سهم ولا رمح ولا سيف! فإما قُتِل الصحابي وإما ذهب من جسده عضو أو أعضاء حماية ودفعا عن رسول الله.

وحال الدول اختصرتها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فالجاهلية لا تقبل أدنى مراتب التسفيه والتحقير لنظامها الحاكم: السياسي والاجتماعي والثقافي، فيُنزلون العذاب على الدعاة والمستجيبين لهم. فإن لم يستطيعوا صرفهم عن دعوتهم وفكرتهم وانتشارهم عادوا مرة أخرى لحديث المناورة والخداع والتخدير، ثم لحديث الإغراء والمساومات، فإن لم يفلحوا في هذا كله أنزلوا أشد ما يستطيعون من العذاب والبلاء والحصار ولو كان فيه هدم لقيمهم ونظامهم هم.

ثم يبذلون قصارى جهدهم لكي لا تتحول الدعوة إلى دولة، ولا يقوم لها كيان، فدون ذلك اغتيالات وانقلابات! [وهذه لحظة الهجرة إلى المدينة]

فإذا صارت الدعوة دولة بدأت مرحلة الحروب، الحروب الصغيرة المحدودة أولا [وهذه لحظة بدر].. فإن فشلت وأخفقت تجمعت أحلاف الجاهلية لتستأصل هذه الدولة ولا تسمح لها بالوجود [وهذه لحظة الخندق].

فإن أخفقت بدأ حديث المعاهدات والهدنة والاعتراف الدولي [وهذه لحظة الحديبية].

لا تعطي الجاهلية شيئا من نفسها ولا تسمح يدها بشيء تتنازل عنه، إنما يُنزع منها انتزاعا.. وعند لحظة المعاهدات والاعتراف الدولي يبدأ انقلاب ميزان القوى الحقيقي في حركة التاريخ..

لكن الذي يهمنا هنا أن هذه الرحلة الطويلة حافلة بفصول الأسى والكفاح والعذاب والتضحية والفداء والحروب ومحاولات الاغتيال والانقلابات والخيانات، ولا يجتازها إلا قائد موهوب كان دائما على أهبة الاستعداد، يستطيع تجييش الطاقات من حوله ونفث الروح في أنصاره وأخذ زمام المبادرة من أعدائه ويجيد صناعة الأحلاف وتسكين الأعداء واختيار وقت المعارك.

لذلك قال القائل: الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله..

وقد صدق، فإن أمتنا تقدم يوميا شهداء في سبيل الله ولا يكافئ تضحياتها قادة موهوبون يستطيعون مكافأة هذه التضحيات بمكاسب.

لهذا فالحرب بين الحق والباطل هي في واحدة من أهم وجوهها حرب على القادة، الذي يسبق إلى تصفية قادة الآخر يملك زمام المعركة زمنا طويلا، وقد صار التخلص من القيادات فرع من فروع العلوم الأمنية وله دراساته المتخصصة في التخلص من القيادات وأنتج معادلات لحساب تأثير اغتيال الشخصية المستهدفة (وهنا ينصح بقراءة: تقييم برامج الاغتيالات النوعية التي أصدرتها المخابرات الأمريكية، دليل الجيش الأمريكي لمكافحة التمرد الذي أصدرته لجنة مشتركة من عدة وزارات ومؤسسات أمريكية، كتاب: فعالية قطع رأس القيادة للباحث باتريك جونستون، كتاب: انهض واقتله أولا للصحفي الإسرائيلي رونين بيرجمان.. وهذا الأخير نقدمه مختصرا ومترجما كهدية لهذا العدد من مجلة كلمة حق).

إن تأمين القيادات والكفاءات المسلمة واجب في المرتبة الأولى، وهو في زمن الندرة أوجب، وفي زمن الاستضعاف أوجب وأوجب.

نشر في مجلة كلمة حق 

هناك 3 تعليقات:

  1. اشهد ب انه كان على حق لكنه كان يخاف من المواجهة وما حدث ف نوفمبر وديسمبر ٢٠١٣ دليل ع ذالك... انا ادرك جيدا انه كان يريد تحرير القدس لكنه لم يكن يمتلك اليات فعل ذالك ف مشكله الاخوان ان الاولويه عندهم بصحاب الدين وهو شى جميل جدا لكن اذا كانت حركه اجتماعيه والا ف السياسه تختلف.. بالاختصار هم على حق لكن يجب تغيير اليه تحقيق الاهداف لديهم.. اعذرنى ع لغتى ف انا طالب مصرى يحاول التحدث بالفصحى 😂 (اتمنى الرد ع كلامى)

    ردحذف
  2. غير معرف3:27 ص

    اين مرسي من تحرير القدس وهو لم يحرر نفسه من العقيدة الباطلة ؟ اليس هو من يقول ليس بين الاسلام والمسيحية فرق في الاعتقاد ؟ نعوذ بالله من الضلال.

    ردحذف
  3. غير معرف1:41 م

    نرجو ان يصل المقال لاكبر عدد ممكن من المسلمين مهمومين بنهوض بالامة

    ردحذف