كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!!
فيما قبل الثورة كانت أشد لحظاتي مرارة يوم أن أخذوا كاميليا
شحاتة وسلموها لكنيسة شنودة لعنه الله، ما صعقني حينها هو تخاذل المشايخ، ما كنت أحسب
أبدا أنهم سيتخاذلون عن نصرة امرأة خطط لها أن تُخطف من قلب الأزهر الشريف وبالتحديد
من غرفة إشهار الإسلام فيه..
كان الأمر يختلف -قليلا- عن حادثة وفاء قسطنطين أو ماري عبد
الله أو طبيبتي الفيوم أو غيرهن ممن سُلِّمْنَ إلى الكنيسة، ذلك أن كاميليا وصلت بالفعل
إلى غرفة إشهار الإسلام غير أن العمة التي ارتداها رمة ما إن رأى الاسم حتى تذكر الورقة
التي أرسلها له أمن الدولة فأوقف إجراءات استخراج شهادة إشهار الإسلام (تأخير الكافر
عن الإسلام كفر عند العلماء وكبيرة عند بعضهم)، ثم طوردت كاميليا ورفيقها الشيخ أبو
يحيى حتى قبض عليهما، ولا أحد يدري إلى الآن أين هي؟
كان من المتخاذلين ساعتها الإخوان.. وهي صفحة سوداء من صفحاتهم،
إذ لم يريدوا أن يُتَّهموا بإثارة الفتنة الطائفية خصوصا وانتخابات برلمان 2010 على
الأبواب..
ساعتها راسلت بعض المشايخ وحادثت بعضهم، وكانت الردود في
عمومها سلبية، فكدت في هذه الأيام أن أصاب بالجنون.. الجنون بمعنى الكلمة.. الجنون
الذي يمنعك من النوم ومن التركيز ومن تذوق الطعام ومن الثبات في الصلاة.. شعور أتمنى
ألا يمر به أحد من الأحباب.
كنت أتساءل: ماذا تفعلون إذن؟ لماذا تدعون إلى الله وتجوبون
البلاد والمدن والقرى وتكتبون وتخطبون وتنفقون الأموال وتتعرضون للمتاعب إذا كنتم تفرطون
في ثمرة الدعوة بكل بساطة؟!!
ما نفعكم إذا كنتم تدعون إلى الله فإن استجاب لكم أحد أسلمتموه
وخذلتموه وتركتموه في أيدي الكافرين ليفتنوه عن دينه؟
ومن ذا الذي سيجرؤ على الإسلام بعدئذ إذا كان هذا مصير من
يسلم؟!
ثم ألا ينبغي أن نفكر مرة أخرى في حكم هذا الحاكم وهؤلاء
الجنود الذين يُسلمون المسلمين إلى الكفار مرة أخرى؟!
***
منذ تلك الأيام صرت أكثر تقبلا لعجائب من هذا النوع، لم يعد
الأمر غريبا على حسي ووجداني، وبرغم كل السخط كنت متفهما أن يحجم كثير منهم عن مساندة
الثورة، فالثورة عمل مجهول لا أحد يتوقع آثاره ولا نهايته ولا مستقبله (وليس هذا بعذر
لأن كل مستقبل بغير مبارك أفضل مما كنا فيه، لكن أتفهم أن يكون عذرا عند البعض).
إنما الذي جدد هذه المشاعر ما صنعه البعض في هذا الانقلاب..
فهذا الذي لم يكن أحد ليجهل ما الذي يعنيه إسقاط مرسي من الكوارث، ولو أن بعضهم كان
يجهل ويظن أن إسقاط مرسي أفضل من بقائه فهذا لا يستحق أساسا أن يسمع له لأنه -في أحسن
الأحوال- مختل عقليا.
ومثل هذا حين يقود الناس أو يسمع له الناس كمثل القائل:
أعمى يقود بصيرا لا أبا لكمو .. قد ضلّ من كانت العميان تهديه
أما الذي يعلم ويدعم، أو يعلم ويرضى، أو يعلم ويسكت.. فهذا
كيف نبحث له عن عذر؟!!
ها قد صار لنا نحو ثلاثة أشهر على الانقلاب، بدا فيها للأعمى
ما لم يكن باديا له قبلها، فعلم ما لم يكن يعلم، وظهر لمن بحث عن مكاسب ونصيب أنه لم
يتلقى سوى الصفعات المتتالية المهينة.
والدعوة التي بذلتم فيها أعماركم صارت تسرق منكم أمام أعينكم،
فلا فضائيات ولا مساجد ولا منابر.. ولا حتى احترام!!
ومنذ قليل شاهدت فيديو لعائلات في المنوفية تفكر في التنصر
لكي تحظى بحماية الكنيسة من بطش الدولة، ولن أفكر في لومهم قبل أن ألوم من أوصلنا إلى
هذه الحال.
لن أحدثكم عن المقاتل والمظالم والانتهاكات التي رآها الجميع،
أحدثكم عن كراسيكم المهددة.. نعم، كراسي المساجد التي ارتضيتم أن تكون أول الدعوة وآخرها،
فالسعي لها هو الجهاد والجلوس عليها هو التمكين.. حتى هذه الكراسي والمنابر تؤخذ منكم.
حتى الناس الذين أنفقتم أعماركم في جذبهم للدين صاروا أسرى
يتلاعب بهم العلمانيون حتى بغضوهم في الدين وأهله وجعلوا كثيرا منهم يغني "تسلم
الأيادي" للمجرم السفاح قاتل الراكعين الساجدين.
فيم أنفقتم حياتكم؟! ولماذا؟!
إن لم تدافعوا عن دينكم فدافعوا حتى عن مقامكم، عن أنفسكم،
عن أجيال ظلت تسمع لكم سنين عددا، منهم من قُتِل ومنهم من أُسِر ومنهم من انتهك عرضه،
ومنهم من لا زال تحت السياط يذوق بأسا كنت شركاء فيه..
لماذا أنفقتم حياتكم في أمر إذا كنتم على استعداد للتخلي
عنه وتسليمه بكل بساطة، وأحيانا: بكل سعادة؟!!!
صدق الله:
"كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق