بُعيد تخرجي من
الجامعة، كنت في زيارة لصديق ثري من أصحاب الشركات التي يعمل بها موظفون، فوجئت أن
كافة الموظفين من البنات، ليس معه بعد ذلك إلا شاب أو اثنين للأعمال التي لا
يستطيعها البنات!
صديقي هذا متدين، لا أشك فيه، والبنات في شركته كذلك، وملتزمات بالحجاب الشرعي.. لكن هذا الانهيار في التوازن، وانعدام المساواة :) دفعني لسؤاله: ما هذا يا فلان؟ أليس في البلد شباب؟
نطق بلسان المنطق الاقتصادي البحت، وقال بلسان الحكيم ونصف الناصح: ها قد تخرجت، وستعرف حين تدخل سوق العمل أن البنت أفضل كموظفة في كل شيء: بداية من الالتزام بالعمل وحتى الراتب! فالبنت يكفيها الراتب الذي تنفق به على نفسها، أما الشاب فهو يريد الإنفاق على نفسه وعلى أهله ثم يريد تكوين بيت جديد!!
كلمته تلك كانت كلمة كاشفة، وحكيمة حقا، ولا زلت أتذكرها كواحدة من مفاتيح فهم الحياة في عصرنا الحديث!
في بيئة غير متدينة، وصاحب شركة غير متدين، تتمتع البنت -التي لن تكون متدينة أيضا- بمزية أخرى إضافية، وهي الجاذبية.. فصاحب الشركة يهمه أن يجتذب الزبائن، والفتاة الجذابة من أهم هذه الوسائل!!
هذا كله وفقا للمنطق الاقتصادي المادي البحت!
فإذا وضعنا شهوة البشر فوق هذا، فلا شك أن وجود البنت أفضل وأشهى للرجل من وجود الشاب!
في رحلتي منذ التخرج وحتى الآن، وعلى قدر ما رأيت في الأماكن التي عملت فيها، أو من خلال تجربة الأصدقاء، أشهد بحكمة صاحبنا السابق..
فالمرأة في عملها عموما تتفوق على الشاب..
فهي مطيعة وتكاد تنفذ حرفيا ما يُطلب منها وتجتهد فيه، والشاب فيه مشاغبة وتمرد وعناد..
وهي تنتبه وتسعى وتحرص على رضا المدير بدافع الإخلاص للعمل، والشاب لا يفعل ذلك إلا إن كان طامحا في منفعة أو مصلحة أو إيمانا بالعمل نفسه..
والفتاة حريصة على عملها أكثر من الشاب الذي هو على الحقيقة حريص على الترقي والنمو لا على العمل نفسه..
وهي منظمة، صبورة ومتفانية أكثر من الشاب..
وإذا وقع منها الخطأ أو وقع الخلاف استقبلت غضبة المدير بصبر وهدوء، أو حتى بغضب مكتوم، وربما خرجت تبكي أو ذهبت تشكو.. بينما الشاب لا تؤمن غضبته ولا تصرفه!!
(وبطبيعة الحال فهذا هو المشهد العام، ولا بد من استثناءات)
ماذا يعني هذا؟!
إن هذا الكلام السابق ليس مدحا لعمل المرأة.. بل هو كاشف عن ظاهرة نحتاج أن نتأمل فيها جيدا!!
لقد استنفدت المرأة طبائعها ووسائل أنوثتها في العمل ومع المدير، بينما نفس هذه المرأة قد اكتسبت نوعا من الخشونة والتمرد والجفاء على زوجها وفي بيتها!!
إن أصحاب العمل يوظفون المرأة لأنها تقوم في العمل بالدور الذي يناسب أن تقوم به في بيتها، إنها مطيعة وصبورة ومنظمة وحكيمة في معالجة مواقف الغضب أو تلافيها.. والمرأة حين استهلكت هذا الرصيد في العمل، وجد الرجل في بيته صورة أخرى لامرأة مرهقة مكدودة في أحسن الأحوال، ولامرأة متمردة وخشنة في كثير منها.
وهذا كله إذا استبعدنا -مؤقتا- الفساد الاجتماعي الذي يحصل للمرأة والرجل كليهما من الاختلاط والتباسط، وإذا استبعدنا كذلك الأعمال التي تطلب من المرأة جاذبيتها كأنثى، وإذا استبعدنا الأطماع التي تتحرك في قلوب الرجال والرؤساء والمدراء تجاه المرأة!!
أعرف مسبقا ماذا سيُقال: الظروف الاقتصادية الضاغطة، الحاجة إلى العمل لمساعدة الزواج، الحاجة إلى العمل خوفا من غدر الزوج وغدر الزمان، ضرورة عمل المرأة في مجالات مثل طب النساء وتعليم البنات... إلخ إلخ!
كل هذا حق، وكل هذا أعرفه، وكل هذا يكون عذرا مقبولا..
نعم، مجتمعاتنا انحرفت عن الإسلام كثيرا، وقلت فيها الرجولة، وتعيش ضغطا اقتصاديا صعبا، وتفرض علينا مطالب كثيرة، وفي الأعمال ما لا تقوم به إلا المرأة..
لهذا كله، فخطابي هنا متوجه بالأساس إلى المرأة التي تستطيع الاستغناء عن العمل، نحن لو وصلنا إلى قناعة تقول بأن تفرغ المرأة لبيتها وزوجها هو الأصل والواجب، وأن خروجها إلى العمل هو الاستثناء والاضطرار.. لو وصلنا إلى هذه القناعة فقد انحلت ثلاثة أرباع المشكلات!
الخروج إلى العمل هو استهلاك للمرأة واستغلال لها أكثر من كونه تحريرا أو تمكينا لها، كما يشيع ذلك في الثقافة المعاصرة.
وعمل المرأة هذا مثير لمفاسد اجتماعية ونفسية ضخمة، فوق آثاره الاقتصادية السيئة أيضا.. والواقع أن كثيرا من النساء اللاتي خرجن لمساعدة الزوج، قد استهلكت راتبها في الملابس والمواصلات وضرورات الوظيفة، فلو أنها حسبت متجردة ما تنفقه من الأموال والمجهود والوقت، في مقابل ما يضيع على زوجها وأولادها من رعايتها لهم، لرأت أن الخسارة في العمل لا في التفرغ للبيت والزوج!
تصحيح الأوضاع المعاصرة موضوع كبير وضخم ولا شك، وتدخل فيه السياسة مع القوانين مع الاقتصاد مع الوضع العالمي.. ولكن الركيزة الأساسية التي نناقشها الآن هي: هل عمل المرأة هو الأصل أم هو الاستثناء؟!
هل تدري.. لو أن
المجتمع اتفق على أن عمل المرأة هو الاستثناء، فلم تعمل في المجتمع إلا امرأة
مضطرة، لوجدتَ سلوكا اجتماعيا واقتصاديا مختلفا تماما.. ففي هذا المجتمع ستجد
المرأة العاملة كل التعاطف، ستُكرم في المواصلات، ستُقدم في الطوابير، ستُمنح أكثر
مما تريد في البيع والشراء.. لأن المجتمع يعرف أنها لم تعمل إلا مضطرة!
أما هذه المجتمعات التي تعمل فيها المرأة، لأن هذه هي المساواة، وهذا هو التحرر والتمكين، فإنها تجد بالمقابل جفاء وخشونة من الرجال.. فلماذا يقوم رجل لامرأة من كرسيه في المواصلات طالما أن المرأة مثل الرجل؟ ولماذا يكرمها في بيع أو شراء طالما أنها تكسب مثله وتنفق مثله وتوفر مثله؟ بل لماذا لا يخادعها ويسرقها ويحتال على أموالها طالما أنها قوية متحررة مستقلة؟
وفي مجتمعات يضعف فيها الدين: لماذا لا يعمل استغلال جمالها بل وعلى إفراغ شهوته معها، طالما أنها حرة ومتحررة ومتمكنة، وتستعمل هي أيضا أنوثتها لتكون أكثر جاذبية وفتنة؟!
سيتغير السلوك الاجتماعي كله إن كان عمل المرأة هو الاستثناء والضرورة.. ولكن الفساد كله هو في انتشار وعي وثقافة ترى أن عمل المرأة هو الأصل الذي يجب أن تسعى إليه وتحرص عليه، بل هو معنى النجاح في الحياة، بل هو الذي يترتب عليه أن المرأة المتفرغة لبيتها وزوجها تشعر بالضغط الاجتماعي وتشعر أن عمرها يضيع هباء وأنها "لا تعمل" شيئا!!
ونسأل الله لنا ولكم وللمسلمين عودة إلى دينه الحنيف، وإلى النظام الإسلامي الذي لا تبقى فيه امرأة بلا رعاية، ولا تكلف امرأة أن تنفق على نفسها أو على أولادها، بل هذه كلها هي مسؤولية الرجال، فإن لم يكن للمرأة رجال، فهي مسؤولية القاضي والأمير والسلطان!
ولهذا حديث آخر..