في هذا اليوم
(21 سبتمبر) تمر بنا عدد من الذكريات المثيرة للشؤون والشجون!!
1. تشير بعض
المصادر إلى أن هذا اليوم هو اليوم الذي وصل فيه نبينا صلى الله عليه وسلم إلى
قباء، أي أنه يوم بدء الدولة الإسلامية، وهو ذكرى حدث الهجرة النبوية المشرفة التي
هي أخطر لحظة في تاريخ الإسلام، بها صارت الدعوة دولة، وصار المسلمون أمة، وبها
انطلقت حضارتهم العظيمة.. وربما يختلف التاريخ يوما أو يومين بحسب الخلل الذي يقع
في حساب التوافق بين التواريخ الهجرية والميلادية.
2. وفي مثل هذا
اليوم من عام 717م، توفي الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وهو واحد من أولئك
الخلفاء الذين لم يطل بهم العمر ولم تطل لهم مدة الخلافة ولكنه ترك إنجازات
عظيمة..
فقد توفي وهو في
الخامسة والأربعين، ومدة خلافته سنتان وثمانية أشهر..
ولكنه كان بداية
التصحيح العظيم في مسار بني أمية، إذ ابتدأ خلافته بعزل ولاة الحجاج ورجاله، وقرب
إليه الصالحين كرجاء بن حيوة وعمر بن عبد العزيز، وهو الذي عهد بالخلافة من بعده
لعمر بن عبد العزيز -أفضل خلفاء بني أمية بعد معاوية رضي الله عنه- وظن البعض من
صلاحه واعتدال الزمان في أيامه أنه المهدي.
ومن أعظم مآثره
أنه عزم على فتح القسطنطينية، وجهز لها جيشا ضخما أنفق فيه كل موارد الدولة، وجعل
قيادته لابنه ولأخيه، ونقل مقره إلى مرج دابق لتكون مركز عمليات متقدم لمتابعة
الفتح، ثم أقسم بالله ليفتحن القسطنطينية أو ليموتن قبل ذلك.. وقد وفى بقسمه، فقد
عاجله الموت وما يزال المسلمون في حصار القسطنطينية، في واحدة من أقوى المحاولات
التي بذلها المسلمون لفتح القسطنطينية.
3. وفي مثل هذا
اليوم من عام 1556 توفي شارل الخامس ملك إسبانيا الشنيع، وهو الذي يعده الإسبان من
أعظم ملوكهم إذ كان أقوى ملوك أوروبا في وقته، وكان سيد العالم الكاثوليكي.
والمهتمون
بتاريخ الأندلس يعرفون هذا الإمبراطور جيدا، كيف لا وقد كان صاحب أكبر عملية تنصير
للمسلمين الأندلسيين، وقد غدر بالعهود التي بذلها بعدم تنصيرهم أو طردهم، وقد حكم
سبعا وثلاثين سنة كانت جحيما على الأندلسيين، وازدهرت فيها محاكم التفتيش الرهيبة
الرعيبة.. واستطاع أن يفلت من هزيمة محققة على يد السلطان العثماني سليمان
القانوني عند أسوار فيينا! وكان هو وسليمان القانوني أعظم ملوك ذلك العصر، ويتوقع
المؤرخون أن لو تأخر أو تقدم زمن أحدهما عن الآخر لكان التاريخ قد تحول مجراه
حتما!
ولا تقتصر شناعة
هذا الملك على ما نزل بالمسلمين في الأندلس أو في الشمال الإفريقي، بل إن الأسطول
الإسباني كان يتوحش على طول السواحل الإفريقية -فضلا عن السواحل الأمريكية التي
كانت عالما جديدا آنذاك- والتي كانت، أي السواحل الإفريقية، حافلة بالممالك
المسلمة التي أدخلها هذا الإمبراطور في عصر الإذلال والاستعباد.. وهو العصر الذي
يسمونه تهذبا وتلطفا عصر الكشوف الجغرافية، ويستحق أن يسمى بجدارة عصر التوحش
الأوروبي!!
4. وفي مثل هذا
اليوم من عام (1840) وُلِد السلطان العثماني مراد الخامس.. وهو السلطان الذي لم
يبق في السلطنة إلا تسعين يوما، ثم قيل بأنه يعاني من الجنون، فعُزِل واختير بعده
أخوه السلطان العثماني الشهير عبد الحميد الثاني.
ويعد عصر مراد
الخامس عصرا تراجع فيه قوة السلاطين، إذ قُتِل قبله عمه السلطان عبد العزيز،
ونُصِّب هو بعد انقلاب من رجال الدولة النافذين، ثم عُزِل كذلك بأمرهم، فكاد نفوذ
السلاطين يذهب تماما لولا أن أخاه الذي بعده -عبد الحميد الثاني- أمسك بتلابيب
التاريخ، وأجَّل هذا المسار ثلاثين سنة أخرى!
5. ومن عجائب
القدر أن عبد الحميد الثاني وُلِد في نفس يوم مولد أخيه، (21 سبتمبر أيضا) لكن بعد
عامين من ولادته (في 1842)، وهو السلطان المشهور، الذي حاول تجديد الخلافة، وهو
آخر السلاطين الأقوياء من بني عثمان، ويعد الانقلاب عليه في 1909 هو النهاية
الفعلية للدولة العثمانية الإسلامية، وهو بداية دخول الدولة العثمانية في العلمنة
والتتريك واتباع الغرب عن قناعة ورغبة من رجال الدولة لا عن اضطرار أو بنية
الاقتباس من التقدم الغربي.
وعبد الحميد
الثاني أشهر من أن يُتَكَلَّم عنه في هذه السطور، ولكن يمكن القول بأنه آخر خلفاء
المسلمين على الحقيقة، ومن ذلك الوقت لم يعد للمسلمين خليفة يفكر في أمرهم
وشؤونهم، ولم يعد للمسلمين مركز قوة يدافع عنهم أو يستندون إليه.
6. وفي مثل هذا
اليوم من عام (1866) وُلد المؤرخ البريطاني الشهير هربرت جورج ويلز، وهو أديب
وعالم اجتماع، وعرف بكتابه موجز تاريخ العالم، وفيه أنصف التاريخ الإسلامي في عدد
من المواضع، منها
قوله عن الفتوحات الإسلامية: "أعجب قصص
الفتوح التي مرت على مسرح تاريخ الجنس البشري"
وقوله عن التراث
الإسلامي "لقد قذفت المقادير بالذكاء العربي في طول العالم وعرضه بصورة أسرع
وأروع مما فعلت بالعقل اليوناني قبل ذلك بألف سنة خلت، لذا عظمت إلى أقصى حد
الاستثارة الفكرية التي أحدثها وجودها للعالم أجمع غربي بلاد الصين، كما اشتد
تمزيق الأفكار القديمة وتطور أخرى جديدة ... كان العلم يثب على قدميه وثبا في كل
موضع وطئته قدم الفاتح العربي"
7. وفي مثل هذا
اليوم من عام (1911) توفي البطل الإسلامي العربي الكبير، أحمد عرابي، زعيم الثورة
العرابية، وآخر قائد للجيش المصري ينحاز للشعب ضد الاستبداد والاحتلال.. وهو زعيم
الثورة التي أثبتت لأول مرة أن الأنظمة المحلية العميلة تستند في وجودها وبقائها
إلى القوى الأجنبية، ولهذا نزل الإنجليز بأنفسهم لاحتلال مصر لكي لا تنجح ثورة
عرابي..
كان عرابي زعيما
على طول العالم الإسلامي وعرضه، وكان المسلمون في الهند والمغرب يتابعون أخباره
وقت أن لم يكن ثمة وسيلة إعلام إلا صحيفة رسمية وحيدة، وصحف محلية نادرة في مصر
فحسب.. وكان الناس إذا لقوه في منفاه يقبلون يده ويلمسون ثيابه.. لقد كان زعيما
تخوفت فرنسا أن يجدد نجاحه من جديد عصر الأبطال المسلمين القدامى كصلاح الدين
الأيوبي.
ولولا بعض
الأخطاء التي وقعت منه لطبيعة كونه جنديا في الدولة الحديثة والجيش الحديث، لما
استطاعت بريطانيا أن تحتل مصر.. وهو أمر فصلناه في مقالات سابقة يمكن الرجوع
إليها.
8. وفي مثل هذا
اليوم من عام (1916م) استطاعت قوات ما تسمى بـ "الثورة العربية"
المدعومة بقوات الإنجليز أن تهزم الحامية العثمانية في الطائف.. ليبدأ في عالمنا
العربي عصر دول التجزئة والتفتيت.. حيث أسماء وألقاب الملوك والأمراء وأصحاب
الفخامة والجلالة والسمو، وهم لا يساوون في السياسة العالمية حمل بعير!!
لقد فضل الشريف
حسين وقواته المدعومة إنجليزيا أن تكون الحجاز ومدنها المقدسة تحت الهيمنة
البريطانية ولا أن تكون تحت الحكم العثماني.. ثم لم تلبث بريطانيا أن أسلمتهم لعبد
العزيز فاكتسحهم، ولم يبق لهم من الملك إلا قطعة في صحراء الأردن، ثم مات الشريف
حسين منفيا في قبرص، كأنه جندي مخطئ معاقب ولم يكن ذات يوم حليفا ينادون بألفاظ
التعظيم والإجلال!!
ومن عجائب القدر
أن هذا اليوم نفسه (21 سبتمبر) من عام 1970 شهد بدء القمة العربية في القاهرة
لمحاولة معالجة أحداث أيلول الأسود، حين هجمت القوات الأردنية على الفلسطينيين..
وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه قمة الطائف (1989م) لتحل مشكلة الحرب الأهلية
اللبنانية..
ولا تزال هذه
الملفات عالقة حتى الآن.. فلا نحن بقيت لنا خلافة جامعة، ولا هذه الدول استطاعت أن
تنفع نفسها ولا أن تحل نزاعا بين شعوبها.. وإنما ظل بأسهم بينهم شديدا، وظلوا
عبيدا عند القوى الأجنبية التي تحتلبهم وتستنزف أموالهم ومواردهم وبلادهم!!
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفالسلام عليكم، تحية طيبة لك أستاذ محمد،
ردحذفوودت أن أسألك عن كتب موثوقة تنصح بها عن التاريخ القديم للعرب والعربية حتى فجر الإسلام؟
وجزيتم عنا خيراً.
فتح الله عليك أستاذ
ردحذف