هذه الساعات الأخيرة من رمضان.. ساعاتٌ وينفضُّ السوق..
سوق الرحمات الكبير..
وتلك هي ساعات أمثالنا ممن يرجو أن يلحق بركب المقبولين
والعتقاء رغم ضعفه ووهنه وسوء بضاعته..
تلك هي ساعاتنا وفرصتنا، فإن أهل الهمة والسبق والنشاط
قد حصلوا على العتق في الأيام الأولى، ومن كان أدنى منهم همة فقد أدركه فضل الله
في الأيام الوسطى.. وأما أمثالنا ممن يأتي على عرج وعلى عوج وعلى مهل فإننا نطمع
فيما بقي من الرحمة التي نهل منها السابقون..
قد جعل الله آخر رمضان أفضله لتشتد فيه الهمم، وما
أحسبها إلا همم المتبطلين المقصرين.. أولئك الذين لم تنهض همتهم ولا أعمالهم
لتقتنص الفضل الوافر من أيامه الأولى..
ثم من يدري..
من يدري، هل نستطيع أن نعبد الله في رمضان مرة أخرى أم
لا..
فلعله الموت يأتينا فلا نرى شمس رمضان ولا غروبها أبدا..
وكم في القبور الآن من يتمنى لو أنه اغتنم ساعة أخيرة من رمضانه الأخير! إذن لتغير
مصيره الأبدي كله..
ترى ما قدر حسرة امرئ في قبره يتذكر ساعة أخيرة من
رمضانه الأخيرة فرَّط فيها واستعجل على نفسه لهو العيد وعبثه.. أكاد أراه يتقطع من
الغيظ والغضب على نفسه وعلى ما فرطت..
فها نحن في تلك الفرصة.. فلنغتنم ما استطعنا!
ثم من يدري..
من يدري لعله يصيبنا مرض فيحرمنا من الصيام أو القيام أو
لذة تلاوة القرآن.. وكم على سرير المرض الآن من يتمنى لحظة قيام أو ساعة صيام أو
تلاوة صفحة من كتاب الله..
كم من مريض يمر عليه رمضان وهو في غيبوبة لا يشعر به، أو
يشعر به ولا يستطيع أن يؤدي العبادة فيه، فيجول بخاطره رمضانه الأخير الذي كان فيه
يصوم ويصلي ويتلو.. فكيف تكون أشواق هذا ليعود لما كان فيه؟ وكيف هي أحزانه أن عجز
عن عادته في رمضان؟!
ثم من يدري..
من يدري، ونحن أبناء الأمة المستضعفة المضطهدة التي
تتقلب أحوالها وتضطرب أيامها، وتأتيها الكوارث على غير حساب.. من يدري كيف سيكون
حالنا في رمضان القادم؟!
نسأل الله السلامة والعافية والعزة والنصر.. ولكن!
كم من مسلم كان سليما معافى في رمضان سابق جاء عليه هذا
وهو قد فقد جارحة: عينا أو لسانا أو يدا أو رجلا..
كم من مسلم كان حرا طليقا فإذا به اليوم أسير، أسير لا
يملك أن يعبد الله في رمضان، بل هو في حكم سجانه الطاغية الذي يتفنن في إيذائه..
كم من مسلم كان في بلده وأهله هو اليوم مغترب في بلاد
كفر لا يسمع فيها الأذان ولا يجد حوله صلاة تراويح..
لا أتحدث هنا عن أجر هؤلاء، فإن الله يكتب لعباده أجر
عمل اعتادوه وعجزوا عنه، إنما الحديث عن الفرصة المفقودة.. الفرصة التي يعجزون عن
إدراكها بعد أن ذاقوا حلاوتها.
تلك الفرصة ما زلنا نحن فيها، ولا تزال أمامنا منها
ساعات.. ساعات قد تكون الأخيرة!
أكثرنا اليوم يختم القرآن.. وفي أجزاء القرآن الأخيرة
آيات ذات أثر عميق، كأنها آيات تنبه العبد إلى أحوال نهايته..
مثلا:
- في سورة الحديد تقرأ: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما
نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم
وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات
لعلكم تعقلون)
هذه الآية تقول ألم يحن الوقت بعد كل هذا القرآن الذي
تلوته أن يخشع قلبك لذكر الله.. هل سيطول عليك أمد ترك كتاب الله فيقسو قلبك؟ هكذا
فعل الذين أوتوا الكتاب قديما، لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم.. اعلموا أن الله
يحيي القلوب بعد قسوتها كما يحيي الأرض بعد موتها!
- في سورة الحشر تقرأ (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من
خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)
ربما تتلو القرآن وأنت غافل عن المعنى فتأتي هذه الآية
لتكشف لك حجم الأزمة التي أنت فيها.. إن هذا القرآن الذي توشك على ختمه لو كان قد
نزل على جبل لكان الآن قد خشع وتصدع من خشيته لله.. ألم يحدث هذا لقلبك بعد؟!
تحاول أن تستوعب المعنى من جديد، تقرأ الآية التي تسبقها
لتفهم السياق، فإذا أنت أمام قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم
أنفسهم، أولئك هم الفاسقون)..
لا تترك كتاب الله، فتنسى الله، وحين تنسى الله فستذهب
منك نفسك، تضيع وتتوه في أودية الدنيا، والدنيا كثيرة الأودية كثيفة المسالك
والمهالك.. لا يمسك نفسه فيها إلا من تعلق بحبل الله وذكره.
- في سورة المنافقين والتغابن تقرأ نفس المعنى في آيات مختلفة:
(يا أيها الذين آمنوا لا تُلْهِكُم أموالكم ولا أولادكم
عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) [المنافقون]
(يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم
فاحذروهم، وإن تعفو وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم * إنما أموالكم وأولادكم
فتنة والله عنده أجر عظيم) [التغابن]
وقع في قلبي أنها تحذير من العودة بعد رمضان إلى مشاغل
الأهل والولد حتى ليغفل المرء بها عن ذكر الله الذي كان يمارسه في رمضان..
والوصية التي تتلو كلا الآيتين، وصية إنفاق.. يبدو أن
الإنفاق هو العمل الذي يحفظ النفس من هذا التيه والضياع، وهو العمل الذي يربطها
بالله رباطا وثيقا.. اقرأ لكن بقلبك:
(وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت
فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّق وأكن من الصالحين)
(فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا، وأنفقوا خيرا
لأنفسكم. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه
لكم ويغفر لكم، والله شكور حليم) [التغابن]
- في آخر سور القرآن تكثر وبشكل عجيب ومثير للدهشة كلمة "تذكرة"..
فمن بين 7 مرات ذكرت فيها هذه اللفظة كانت 5 منها في السور الأخيرة، مع معاني
لاذعة قوية كأنها تمسك بتلابيب الإنسان أن يتذكر ولا ينسى، وألا يعود بعد ختمه
القرآن إلى ما كان فيه كأنه لم يقرأه ولم يمر به..
اسمع:
في سورة الحاقة بعد ذكر إغراق قوم نوح (لنجعلها لكم
تذكرة وتَعِيَها أذنٌ واعية)
في سورة المزمل بعد ذكر فرعون ومشهد القيامة (إن هذه
تذكرة، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)
في سورة المدثر يوصف القرآن بأنه تذكرة بعد ذكر النافرين
منه الهاربين من معانيه (كلا إنه تذكرة، فمن شاء ذكره)
في سورة الإنسان (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه
سبيلا)
وفي سورة عبس (كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره)
وهكذا خمس وصايا تتركز في نهاية القرآن تقول للمرء: تذكر
ولا تنسى..
كأن القرآن يعرف أن كثيرا من قارئيه سيودعه بعد رمضان..
فهو يذكرهم وينبههم، تنبيه الحريص الشفوق..
ومن ذا يدري.. لعله الوداع النهائي.. فترى كم واحد منا
ستكون تلك آخر ختماته في حياته!
اللهم، يا ذا الفضل الواسع، يا من كتبت على نفسك
الرحمة.. اشمل عبادك الضعفاء برحمتك وإن لم يكونوا أهلا لها.. ولئن كان عبادك
كثير، فلا رب لنا سواك.. أنت الغني عنا ونحن الفقراء إليك.. خذ بأيدينا ونواصينا
إليك، أخذ الكرام عليك.. واجعلنا من المقبولين..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
جميل جداً ها قد مرت ايام رمضان الفضيلة فاما المخلصين فهم من يتابعون عبادتهم حتى اخر نفس وليس في شهر معين ويحاولون قد المستطاع نهي النفس عن الهوى جزاك الله خيرا مقال جداً مذهل بوركت جهودك
ردحذفالسلام عليكم ورحمه الله وبركاته أ محمد بعد اذنك ممكن اتواصل مع حضرتك
ردحذفجزاك الله خيرا أ.محمد الله يردك الى بلدك سالما غانما منصورا وكل رفاقك الا ان نصر الله قريب
حذفامانى حسن
ردحذفجزاكم الله خيرا أ محمد
اللهم بارك رائع جدا جدا جدا
ولو تكرمت ممكن اتواصل مع حضرتك ضرورى
حذفجزاك الله يا اخي عنا خير الجزاء
حذفوجعلك ذخرا لهذه الامةورفعك مع عليين.
بارك الله فيك وحفظك وجزاك خيرا
ردحذففتح الله عليكم وزادكم
ردحذفجزاك الله خيراً يا استاذ محمد
ردحذفالله يجزيكم الخير
ردحذفاللهم آمين يارب العالمين..بارك الله فيكم و جزاكم عنا خير الجزاء
ردحذفشكر الله لكم هذه التذكرة و جعلها في ميزان حسناتك إنه ولي ذلك و القادر عليه
ردحذفجزاك الله خيرا وأسكنك الفردوس الاعلى
ردحذفجزاك الله خيرا
ردحذفجزاك الله عنا كل خير
ردحذفجزاك الله خيرا اخي الكريم. والله اني احبك في الله. وياتي فؤادي راحه لرؤياك
ردحذفجزاكم الله خيرا وتقبل منكم ومني
ردحذفاللهم فقِّهني في الدين واجعله حُجَّة لي لا عليَّ اللهم آمين 🤲🏻
ردحذفاللهم إن لم تعتق رقبتي في نهاية رمضان الذي نحن فيها لأكونن من الخاسرين
ردحذفكلام لامس القلب ف يارب نسأل أن يلامس قرآن صميم القلب ويحركه بالقول والفعل آمين يارب العالمين
ردحذفرغم القيام ورغم قراءة القرآن ورغم الصدقات وكل الاعمال الصالحة الا ان الإنسان يحس بالتقصير في حق هذا الشهر الكريم... نسأل الله القبول ونسأله سبحانه وتعالى التقوى وإن بشملنا في مغفرته وإن يكتب لنا الايمان والاحتساب وأن يثبتنا في باقي الايام على نهج هذا الشهر الفضيل كما نساله تعالى أن يبارك في استاذنا وشيخنا محمد الهامي ويرزقه ما الح فيه على الله من الدعاء في هذا الشهر الفضيل وأن يحفظ ذريته ويجعله نصرا و لهذه الأمة وبحفظه من كيد الكائدين ومكر الماكرين ويغلبه على القوم الكافرين
ردحذفاللهم أمين يارب العالمين.
حذفهذا رابط المقال على برنامج الصوت SoundCloud
ردحذفListen to الساعات الاخيرة-[مقال للاستاذ محمد الهامي].mp3 by شاهين on #SoundCloud
https://on.soundcloud.com/rLCx4
Listen to الساعات الاخيرة-[مقال للاستاذ محمد الهامي].mp3 by شاهين on #SoundCloud
ردحذفhttps://on.soundcloud.com/rLCx4
اللهم استرنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض
ردحذفمقالة الساعات اخيرة لمست قلبي جزاءك الله وبارك فيك يا استاذ محمد الهامي.
ردحذفكلام من ذهب نفع الله بكم
ردحذفالله يحفضك ياشيخنا الفاضل
ردحذفجزاكم الله خير الجزاء على هذه التذكرة ..
ردحذفتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
اللهم آمين يارب العالمين وإياك
ردحذفبارك الله فيكم وجزاكم خيرًا ونفع بكم وزادكم من فضله
ردحذفبارك الله فيكم
ردحذف