الأربعاء، أبريل 20، 2016

حزب العدالة والتنمية .. المؤسسون

اقرأ أولا:


لم يكن أردوغان وحده بطبيعة الحال، بل بلغ عدد الموقعين على عريضة تأسيس الحزب 71 عضوا، ثم انضم إليهم في اليوم نفسه 53 نائبا بالبرلمان ليصير عددهم 124 عضوا[1].

كان على رأس المؤسسين صديق أردوغان ورفيق دربه عبد الله غُل، وهو أكبر من أردوغان بأربع سنوات، وُلِد (29 أكتوبر 1950م) في قيصري، من محافظات وسط الأناضول، ذات الطابع التقليدي الشرقي الإسلامي، لأسرة متدينة ومهتمة بالسياسة إذ كان أبوه مرشحا برلمانيا عن حزب السلامة الوطني (1973م) فتأثر مبكرا بزعامة نجم الدين أربكان، ودرس بمدارس الأئمة والخطباء في المرحلة الثانوية، ثم تخرج من كلية الاقتصاد جامعة اسطنبول (1972م)، وحصل على الماجستير، وكانت رسالته للدكتوراه عن "تطور العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعالم الإسلامي" (1978م)، وعمل في بنك التنمية الإسلامي بجدة كخبير اقتصادي (1983 – 1991م). انخرط في السياسة منذ بدأ أربكان في نشاطه السياسي (1969م)، واعتقل بعيد الانقلاب العسكري (1980م)، وانتخب عضوا عن حزب الرفاه لمحافظة قيصرى (1991م)، وصار عضوا في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان في ذات الوقت الذي تولى فيه منصب العلاقات الدولية لحزب الرفاه (1995 – 2000م)، ثم وزير دولة للشئون الخارجية في حكومة أربكان القصيرة (1996 – 1997م)، وانتقل إلى حزب الفضيلة من بعد ما أغلق حزب الرفاه ثم خسر في الانتخابات الداخلية أمام رجائي قوطان، ثم أغلق حزب الفضيلة، فانشق مع مجموعته عن أربكان وأسسوا حزب العدالة والتنمية، وبخلاف الأثر المباشر لنجم الدين أربكان، فلقد تأثر جول بالشاعر والأديب الإسلامي الكبير نجيب فاضل والمفكر والأديب التركي المعروف جميل مريتش[2] وأستاذ الاقتصاد د. نوزت يالجين طاش الذي منحه الدكتوراه في الاقتصاد، ورجل الاقتصاد د. صباح الدين زعيم[3].

وهو –بذلك- يشبه صاحبه من عدة وجوه، فكلاهما من البيئة الجغرافية والطبقة الاجتماعية التي تمثل نقيضا لما أريد لتركيا بل إن عجلة تركيا التحديثية جعلتهم من ضحايا تلك السياسات، ثم دراستهما في مدارس الأئمة والخطباء، ثم التقاؤهما في المناخ الفكري والحركي الإسلامي ضمن حركة الفكر الوطني، ثم دراستهما الاقتصاد، ثم الخلاف مع أربكان.

وبالإضافة إلى أردوغان وجُل حوت أسماء المؤسسين شخصيات أخرى، برز منها العديد في المناصب الحكومية التي قام بأمرها حزب العدالة والتنمية، من أهمهم:

- بولنت أرينتش؛ وهو شخصية ذات ثقل وظلت موضع تجاذب بين فريق أربكان وفريق أردوغان لحظة تأسيس الحزب[4]، وله خلفية نقشبندية[5]، وُلد في بورصة (1948م) وينحدر من اللاجئين الذين قدموا من كريت في أواخر عصر الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ودرس الثانوية في مانيسا، وتخرج في كلية الحقوق جامعة أنقرة (1970م)، ثم عاد إلى مانيسا وعمل محاميا فيها، كان نائبا في البرلمان عن حزب الرفاه عن مانيسا (1955م)، وانتقل بعد إغلاقه إلى حزب الفضيلة، ومع الشقاق الحادث انحاز في النهاية إلى حزب العدالة والتنمية، وكان وقتها في الثالثة والخمسين من عمره، وفاز في انتخابات البرلمان (2002م) عن حزب العدالة والتنمية، وشغل فيما بعد منصب نائب رئيس الوزراء والمتحدث الرسمي للحكومة التركية.

- علي بابا جان: الذي تولى ملف الاقتصاد في بداية الحزب، وكان حينئذ في الرابعة والثلاثين من عمره، وقام بجولاته الخارجية لصالح هذا الملف، وهو مهندس صناعي، وُلِد في أنقرة (1967م) وتخرج في جامعة أنقرة محققا المركز الأول على دفعته (1985م) وحصل على بكالوريوس الهندسة الصناعية (1989م) من جامعة الشرق الأوسط للتقنية بتفوق، ثم حصل على منحة فدرس وحاز الماجستير (1992م) في إدارة الأعمال والتسويق من أمريكا وعمل بها لعامين في شركة تقدم استشارات لكبار المسؤولين التنفيذيين في البنوك، ثم عاد إلى تركيا (1994م) وأسس شركة نسيج، وكان مستشارا لرئيس بلدية أنقرة (1994م)، وكان رئيس البلدية وقتئذ من حزب الرفاه، ثم ودخل عالم السياسة كمؤسس لحزب العدالة والتنمية، وانتخب في برلمان (2002م) عن حزب العدالة والتنمية، وصار أصغر وزير (35 عاما) إذ تولى وزارة الاقتصاد والخارجية، وكان المسؤول المفاوض في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

- حلمي جولار؛ وهو مهندس بقسم المعادن، وُلِد (1946م) في مدينة أوردو التي تقع على ساحل البحر الأسود في شمال شرق البلاد، وتشتهر المدينة بصناعة البندق وبمناطق جذب سياحية، وتخرج في قسم التعدين من جامعة الشرق الأوسط للتقنية، عمل مهندسا في الشركة التركية لصناعة الطيران وقاد فريق عمل في بحوث الفضاء، وكان في سن الخامسة والخمسين لحظة تأسيس الحزب، وصار بعدئذ وزير الطاقة وكان مسؤولا عن إعداد المشاريع في فترة تأسيس الحزب وكانوا قد أعدوا 300 مشروع قبل الانطلاقة، وخطط لبناء ثلاث محطات طاقة نووية مع الاستثمار في الطاقة الكهرومائية بالإضافة إلى تنمية قطاع التعدين[6].

على أنه لا ينبغي بحال أن يُغفل اسم رجل آخر في مرحلة التأسيس، وإن خلت منه قائمة المؤسسين، ذلك هو أحمد داود أوغلو الذي يُلقب بمهندس سياسات العدالة والتنمية، فهو بمثابة "المؤسس الفكري" للرؤية التركية، وقد كان حاضرا منذ البداية وإن لم يكن في صدارة المشهد. وإذا ذُكِر حزب العدالة والتنمية فإنه يُثير في الذهن أسماء هؤلاء الثلاثة: أردوغان، عبد الله جل، أحمد داود أوغلو.

وهو مفكر استراتيجي وأستاذ للعلاقات الدولية، وُلِد (26 فبراير 1959م) في بلدة تاشكينت عند قمة جبال طوروس وهي تابعة لمحافظة قونية، درس الثانوية في اسطنبول، ثم تخرج في كلية الاقتصاد وكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، حصل على الماجستير في الإدارة العامة وعلى الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة البوسفور، ودرَّس في تركيا بجامعة بوغاز ايتشي وفي الأكاديميات العسكرية وفي الجامعة الإسلامية العالية في ماليزيا، وهو يتقن أربع لغات: التركية والإنجليزية والألمانية والعربية، وقد تعرف على عبد الله جُل في الثمانينات، وعُيِّنَ مستشارا خاصا لرئيس الوزراء أردوغان للشؤون الخارجية (2002م)[7]، فهو –إذن- كصاحبيه في الانتماء الاجتماعي وفي الدراسة وفي رؤية مستقبل تركيا ودورها وهويتها، إلا أنه يفارقهما في الخلفية السياسية والعمل الحزبي.

ولداود أوغلو عدد من المؤلفات أهمها ثلاثة: الفلسفة السياسية، العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية، العمق الاستراتيجي:

فأما كتابه "الفلسفة السياسية" فيتحدث عن التناقض الجوهري بين النظامين الإسلامي والغربي في السياسة، وكيف أن تناقض العقائد والتصور العام للوجود انعكس على النظم السياسية فأنشأت اختلافا أساسيا لا يمكن تجاوزه بين النموذجين، إذ لا يمكن التقاء العلمانية مع الإسلام، كما ويستحيل في الإسلام نشوء "قاعدة علمانية للمعرفة البشرية"[8]، ثم رصد خمسة مظاهر لهذا التناقض في النظام السياسي. ولقد كان في كتابه هذا أقرب شيء إلى الإسلاميين العرب الموصوفين بالراديكالية والتطرف، حتى ليكاد يكون سيد قطب التركي، إلا أنه افترق عن سيد قطب في اتساع معرفته بالفلسفات الغربية وفي هدوء عباراته وألفاظه.

وأما كتابه العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية فيحمل على الفلسفة الغربية التي تنتج كل حين نظريتها عن "نهاية التاريخ" التي يتكثف فيها الغرور الغربي الذي يظن أن ما وصل إليه هو كلمة النهاية التي تطوى بعدها صحيفة التقدم الإنساني، ويذهب إلى القول بأن أزمة الفلسفة الغربية كامنة في القيم التي تعتنقها، ولهذا فلم يقدم التقدم العلمي أو الرفاه الاقتصادي العدل للبشرية ولا حتى الأمان للإنسان الغربي نفسه، كذلك فإن انهيار الاتحاد السوفيتي لا يعني نهاية التاريخ بل يعني مجرد تحول في المراكز الحضارية التي تشهد محاولات لتحول آخر من الأطلسي (كمحور الحضارة الغربية) إلى قلب أوروبا في إطار المحاولة الأوروبية للاتحاد ويبدو كذلك أن تحولا آخر يلوح في الأفق وهو المحور الآسيوي حيث الصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا. غير أن هذا التحول نحو الشرق ليس مهما إلا بقدر ما تقدمه الفلسفة التي يطرحها هذا المحور. ثم يخلص إلى القول بأن المرشح الوحيد لإحداث تحول حضاري حقيقي هو الإسلام الذي يملك من القيم والمبادئ ما يُمَكِّنه من طرح رؤية جديدة ومنظومة مؤسسات وعلاقات قائمة على مبادئ وقيم وأخلاق مطلقة لا تملك معها أن تنشئ من المؤسسات والسياسات ما ينتهكها.

وأما كتابه "العمق الاستراتيجي" وهو أهم كتبه، والذي يعده الكثيرون أهم أدبيات حزب العدالة والتنمية، فينصب على إعادة تعريف موقع تركيا ودورها في العالم، وكيف أنها لا تملك –طبقا لنظريته في العمق الاستراتيجي- سوى أن تكون قوة عالمية بحكم موقعها الجغرافي وتاريخها العريق وثقلها الثقافي شرط أن تتصالح مع هويتها وتعيد وصل ما انقطع من العلاقات العثمانية بمجالها الحيوي الذي هو عمقها الاستراتيجي، وهو يقرر أن أي نظرية استراتيجية تكون عديمة الكفاءة إذا طرحت "تناقضات في موضوعي الهوية والوعي التاريخي باعتبارهما عامليْن أساسييْن في ضعف الاستعداد النفسي"[9].

وفيما بعد سيعمل داود أوغلو مستشارا لأردوغان ثم سفيرا ثم وزيرا للخارجية، وحينئذ سيتحول كتابه "العمق الاستراتيجي" من "أحلام أكاديمي مسلم" إلى برنامج للتطبيق[10]، فيتوسع النفوذ التركي في الشرق العربي والآسيوي وفي الشمال الروسي وفي الغرب البلقاني مما صنع أمام التركي مساحة فضاء واسعة للحركة والاندماج مع العالم أسهمت في رسم "جغرافيا جديدة تفقد فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الموقع المركزي على الخريطة"[11]، ومن اللافت للنظر أن أوغلو كان أقرب إلى أوزال في تفكيره منه إلى أربكان؛ وذلك أن أربكان كان يريد تحويل علاقات تركيا من الغرب إلى الشرق بينما تقوم رؤية أوغلو على تمتين العلاقات بالغرب والشرق معا لتكون علاقات تركيا متوازنة لا مائلة نحو الغرب[12]. في سنوات قادمة سيصعد أوغلو إلى موقع رئيس الوزراء ولكن في مناخ مضطرب متلاطم بعد ثورات وانقلابات وحروب أهلية عربية تقلب الأمور كلها رأسا على عقب. إلا أن الثابت الذي سيستمر هو الحرص التركي على لعب دور فاعل في الإقليم والعالم، وهو ما يناقض مباشرة وتماما العقيدة الكمالية التي تريد دولة واحدة قوية في الداخل وتعتزل مشاكل الإقليم أو الخارج! وما ظنه البعض يوما ما مجرد "أحلام أكاديمي مسلم" صار الآن توقعات استراتيجية منتظرة ضمن صورة العالم في القرن الحادي والعشرين[13].

نشر في تركيا بوست



[1] بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص323.
[2] ويشبهه البعض بطه حسين في العالم العربي، لأنه مفكر وأديب ومترجم ويتقن الفرنسية، وقد أنجز هذا برغم فقدان بصره.
[3] بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص298 وما بعدها؛ http://www.abdullahgul.gen.tr
[4] بسلي وأوزباي: قصة زعيم ص318، 319.
[5] Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 14.
[6] AK parti website: http://www.akparti.org.tr
[7] كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص250؛ AK parti website: http://www.akparti.org.tr
[8] أحمد داود أوغلو: الفلسفة السياسية ص17.
[9] أحمد داود أوغلو: العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل (الدوحة وبيروت، مركز الجزيرة للدراسات والدار العربية للعلوم ناشرون، 2011م) ص82.
[10] Rabasa, Larrabee: The Rise of Political Islam, p. 75.
[11] كِرِم أوكْتِم: الأمة الغاضبة ص255.
[12] Ömer Taspinar: Turkey’s Middle East Policies, p. 14; Aydin, Çakır: Political Islam in Turkey, p. 3.
[13] George Friedman: The Next 100 Years: A Forecast for the 21st Century, (New York, Double day, 2009), p. 144-8, 152.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق