الاثنين، سبتمبر 05، 2022

عكرمة صبري: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بصدد إعادة النظر في فتوى زيارة بيت المقدس

 

الشيخ عكرمة صبري في حوار خاص لمجلة أنصار النبي ﷺ

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بصدد إعادة النظر في فتوى زيارة بيت المقدس

·        الهدم حدث يومي في بيت المقدس، ففي كل يوم يُهدم بيت وبيوت

·        ما يحدث للأقصى الآن أشد من حريق 1969 لكن بأشكال أخرى

·        أهم ما نحتاجه الآن هو المجهود الإعلامي ودعم المؤسسات المقدسية لمواصلة الصمود

 

حاوره: محمد إلهامي

في زيارته الحالية لاسطنبول، وضمن عدد من الفعاليات الإسلامية التي شارك فيها الشيخ عكرمة صبري مفتي بيت المقدس، كان لنا في مجلة "أنصار النبي ﷺ" حظًّا في إجراء هذا الحوار الخاص معه.

- فضيلة شيخنا الكريم، حمدا لله على السلامة، لا شك أنكم من مشاهير هذه الأمة وأعلامها، ولكن لا بأس أن نأخذ منكم تعريفا مختصرا بمسيرتكم العلمية ومسيرتكم في نصرة الأقصى.

بسم الله الرحمن الرحيم، بالنسبة إلى السيرة الذاتية فهي مثبتة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن أحب أعطي فكرة عابرة، فلقد نشأت في أسرة علمية توارثت العلم الشرعي جيلا بعد جيل، وبحمد الله فأجدادي علماء، ووالدي هو الشيخ سعيد صبري قاضي القدس الشرعي وخطيب المسجد الأقصى المبارك ثم أتيت وتوليت الخطابة بالإضافة إلى أنني كنت مفتيا والآن أنا رئيس الهيئة الإسلامية العليا التي تعتبر أعلى مؤسسة دينية بالقدس، وأحد أبنائي ورث العلم الشرعي، وهو الآن بروفيسور بالشريعة الإسلامية، أقصد د. عروة صبري، فهو الآن عميد كلية القرآن وعميد كلية الدعوة وأصول الدين، أي عميد الكليتين في جامعة القدس، وثلاثة من أحفادي درسوا شريعة أيضا، أحدهم طالب دكتوراة والثاني في الماجستير والثالث درس البكالوريوس. توليت عدة مواقع، فبدأت حياتي معلما لأنني أحب مهنة التعليم وأعتبرها أسمى وأشرف مهنة إنسانية، والله قد فتح علي في الحياة والعلم من كل جانب من خلال التعليم فأصبحت مدير مدرسة ثم مديرا عاما للوعظ والإرشاد ثم مفتيا ورئيسا لهيئة العلماء والدعاة.

- زوجكم د. نائلة أيضا لها حظ من العلم الشرعي!

- وزوجتي د. نائلة والدها أيضا شيخ وأخوها شيخ كذلك، وألَّفت كتابا في التفسير "المبصر" في أحد عشر مجلدا وهو أول تفسير تكتبه امرأة، بالإضافة إلى كتاب "كواكب النساء".

- نعرف أيضا أن زوجكم د. نائلة كانت أول امرأة ترتدي الثوب الشرعي الإسلامي في القدس، فكانت بذلك بذرة الصحوة الإسلامية النسائية!

- نعم، وكانت إذا سارت في الشارع نظر إليها الناس نظرة غريبة ويسألونها: من أين أتيتِ؟ وابنة من أنت؟ ومن أي بلدة؟.. ولكن الحمد لله، هيأ الله الآن الآلاف بل عشرات الآلاف بل مئات الآلاف الآن ممن يلبسون اللباس الشرعي والحجاب.

- كان لكم تصريح قبل أيام قليلة في ذكرى حريق المسجد الأقصى قلتَ فيه إن حريق الأقصى ما زال مستمرا حتى الآن، بل إن ما يحصل الآن هو أشد من الحريق ولكن بشكل آخر.. فلو تعطينا فكرة عن ما يحدث الآن في المسجد الأقصى.

- ما يحصل الآن في المسجد الأقصى من تجاوزات واعتداءات إسرائيلية أستطيع أن ألخصها بثلاثة أشكال أو ثلاث صور؛ الصورة الأولى: الاقتحامات المتكررة من قبل اليهود، إذ يقتحمون بحراسة مشددة، فيدخلونه بالحراب والأسلحة، ولا يجرؤ أي يهودي أن يقتحم الأقصى بدون حراسة، حتى في الأزقة وشوارع القدس، لا يجرؤ أي يهودي أن يتجول إلا بالسلاح والحراسة. الصورة الثانية: الحفريات المستمرة أسفل الأقصى والتي ينفذونها لزعمهم بأنهم يبحثون عن آثارهم تحت الأقصى، وما وجدوا حجرا واحدا له علاقة بالتاريخ العبري القديم، وما وجدوه من الآثار الإسلامية التي تصادفهم أثناء الحفريات فإنهم يدمرونه، يخربونه. والصورة الثالثة: سياسة الإبعادات، إبعادات الشباب عن الأقصى، وذلك أنهم يعترضون اقتحامات اليهود للمسجد، فتقوم الشرطة الإسرائيلية بإلقاء القبض عليهم وإصدار قرارها بإبعادهم عن الأقصى، ولا توجد دولة في العالم تتخذ سياسة الإبعاد عن أماكن العبادة، إلا سلطة الاحتلال، لأنها سلطة محتلة وتطمع في الاستيلاء على المسجد الأقصى.

- نحن في مجلة أنصار النبي صلى الله عليه وسلم نهتم بكل ما من شأنه نصرة النبي، ومن أوجب هذه الواجبات نصرة المسرى، الذي أسري بالنبي ﷺ إليه، فإذا أردتم أن تحدثوا أنصار النبي ﷺ في كل مكان، ماذا يمكن لهم أن يفعلوا لمواجهة هذا الذي يحدث بمسرى النبي ﷺ؟

- نقول إن مسرى النبي ﷺ هو أمانة في أعناق جميع المسلمين، وهو جزء من عقيدتهم، بقرار من رب العالمين من فوق سبع سموات، ليس بقرار من مجلس الأمن أو هيئة الأمم، وبالتالي فإن المسلم في فلسطين ليس له في الأقصى أكثر من أي مسلم في العالم، ولا بد أن نطرح القضية على أساس كونها قضية إسلامية عقدية وليست قضية فلسطينية محددة، وبالتالي فنحن نركز على موضوع الإعلام، ونشكر وسائل الإعلام وبخاصة الفضائيات التي تنقل الأحداث التي تحصل في القدس والأقصى أولا بأول، وهذا لم يكن سابقا، ونعتبر أن الإعلام طريقة ووسيلة سليمة إيجابية لنصرة قضيتنا، قضية المسلمين. فلا بد من الإعلام ونشر الثقافة والرواية الإسلامية المبنية على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبعدة لغات، ليس بالعربية فقط، لدحض الرواية الإسرائيلية الباطلة المزورة التي تنتشر في العالم كله، فنحن أحق منهم في أن ننشر حقنا الشرعي المستند إلى قرار الله سبحانه وتعالى.

- وبخلاف الواجب الإعلامي، ماذا يمكن للمسلمين خارج القدس لنصرة المقدسيين؟

- نعم، يمكنهم ذلك من خلال دعم المؤسسات المقدسية، فإذا دعمت هذه المؤسسات المقدسية، فإنه دعم للمقدسيين أنفسهم، وهذا يساعدهم على الصمود والثبات والحفاظ على المقدسات والأقصى وعلى أماكن سكناهم، لأنه يهمنا نحن أن نثبت المقدسيين ليستطيعوا الدفاع عن الأقصى، فإن تم تهجير هؤلاء، فمن الذي يدافع عن الأقصى ويسعى في عمارته؟!

- ما أهم المؤسسات المقدسية التي تنصح المسلمين بدعمها ودعم أعمالها؟

- لدينا: الهيئة الإسلامية العليا، هيئة العلماء والدعاة، مدارس ورياض الأقصى الإسلامية، جمعية المحبة لرعاية الأيتام، مبرة الرحمة للمسنين.. هذه مؤسسات ترعى شرائح مختلفة من المجتمع بداية من الأطفال وحتى المسنين، بالإضافة إلى المستشفيات، وجامعة القدس بما فيها كلية القرآن والدعوة وأصول الدين. هذه المؤسسات لا بد أن نبحث عن حساباتها، فمعظم حسابات هذه المؤسسات خارج فلسطين ليسهل جمع التبرعات لها.

- ثمة قضايا شائكة نحب أن نسمع رأي د. عكرمة فيها، ومن أهمها قضية: زيارة المسجد الأقصى.. يختلف الناس في ذلك، فبعضهم يقول إنها نوع من التطبيع، وبعضهم يقول: إنها صورة من دعم المقدسيين.

- ما من اجتماع ولا لقاء إلا وأثير معي هذا السؤال واختلف فيه الناس بين لا ونعم، ونعم ولا، على كل حال، أعرف أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سيعيد النظر في الفتوى المتعلقة بزيارة المسجد الأقصى، وإعادة النظر في الفتوى ليس غريبا، والإمام الشافعي له مذهبين كما هو معروف، وفي الواقع فقد تأخرت إعادة النظر في هذه القضية، وأنا عضو في اللجنة التحضيرية لهذا الموضوع، وكذلك أخونا الشيخ نواف التكروري (رئيس هيئة علماء فلسطين بالخارج) وكذلك الشيخ محمد الصغير، أظنه أيضا إن لم يكن عضوا في هذه اللجنة فهو متتبع للموضوع.

- ولكن ما هي وجهة نظركم في المسألة؟

- لا أستطيع أن أعطي رأيا الآن، حتى نصل إلى رأي موحد، فثمة تفاوت في الآراء، فالفتوى قائمة لا شك، لكن يجب أن نضع لها ضوابط جديدة.

- بعض الناس يقول: في ظل وجود تطبيع قائم بالفعل، وقد استقر أمرها، فهل يمكن الاستفادة من هذا التطبيع، وإن كنا لا نرضاه، في زيارة بيت المقدس ودعم المقدسيين، مثلما يحصل مثلا في حال الوفود التركية، فتركيا لها علاقة قديمة بإسرائيل، والوفود الشعبية التركية تذهب إلى بيت المقدس، وقد تكون هذه من الحسنات القليلة التي يمكن جَنْيُها من موجة التطبيع الحالية.

- نحن نرفض الزيارة الرسمية، هذا المبدأ ثابت منذ 1967، ولا نقاش فيه، فأي زيارة رسمية من أي إنسان مرفوضة، فهؤلاء الذين جاءوا من دول التطبيع، أغلبهم يأتي مع الأسف لزيارة إسرائيل، ولو أن بعضا منهم يجيئ كزائرين إلى الأقصى فلن يعترضهم أحد، وبعض الناس يأتي للسلام علي في صلاة الجمعة ويخبرني أنه من الأردن أو من مصر، فماذا أقول له؟ أقول: أهلا وسهلا. وليس من اللائق أن أقول له: لماذا أتيت؟ لا يمكن هذا، فمن استطاع أن يصل بأي طريقة وصل، وواجبي أن أرحب به على كل حال، إني أحب أن يأتينا المسلمون، أما كيف جاء هو وكيف وصل، فهذا شأنه! ومن ثم فنحن يهمنا ألا تكون الزيارة –سلفا- زيارة رسمية. ثم بعد ذلك ثمة ضوابط أخرى.

- بالنسبة لما يقوم به بعض المسلمين من إنشاء جامعات ومعاهد وأكاديميات عبر الانترنت، ويجعلون ضمن برامجها مواد لدراسة تاريخ بيت المقدس والتعريف به؟ هل تجدون لها أثرا عندكم؟ وبماذا توصي هذه المعاهد والجامعات لخدمة بيت المقدس؟

- نحن مع أي إعلام وأي تعليم يشرح القضية الفلسطينية، بأي طريقة كانت، عبر التقنيات القديمة أو الحديثة، وعبر استثمار الوسائل الحديثة، فنحن معها؟

- بالنسبة للأوضاع القانونية للمقدسيين، هل لديهم القدرة للاعتراض على قرارات الإبعاد وما شابه؟

- لا.. نحن لا نعترف بإسرائيل ولا بمحاكمها، وهذه المحاكم مرتبطة بأوامر عسكرية، ولا أمل في اللجوء إلى هذه المحاكم، ومجرد اللجوء إليها يعني الاعتراف بها، وأصبحت ملزما بما يصدر عنها، ولن يصدر عنها شيء في صالحنا أبدا.

- فيما يخص عمليات الهدم وإخلاء البيوت مثلما كان في حي الشيخ جراح وغيره، هل هذه الموجة معرضة للزيادة؟

- نعم، تزداد.. في بيت المقدس، الهدم هو حدث يومي، فكل يوم ثمة بيوت تُهدم، فالناس تضطر للبناء بدون رخصة لأن الإسرائيليين يرفضون إعطاء رخصة للمباني، والأعداد تزداد، فالمقدسيون كانوا سبعين ألفا في عام 1967، وهم الآن أربعمائة وسبعون ألفا، أي أنهم تضاعفوا سبع مرات!

- يطرح البعض أن المؤسسات الرسمية التي لها حق الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس، تشكو من أن الاحتلال الإسرائيلي يحجم عملها تحجيما كبيرا، ويمنعها، فيقول بعض الناس أنه قد يكون من الإحراج السياسي للاحتلال والضغط عليه أن تعلن هذه المؤسسات انسحابها ورفع يدها من الإشراف على المقدسات الإسلامية، وهو ما يجعل عبء الإشراف على هذه المؤسسات موضوعا على كاهل الإسرائيليين.. ما رأيكم في هذا؟

- بالنسبة للأقصى، فإن الوقف الإسلامي له حصانته، ولا نسمح أبدا بتدخل اليهود في أعماله، وإذا تدخلوا فنحن نعترض على ذلك، أما المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية فإسرائيل تمنع نشاطها، وأي نشاط تلاحظه إسرائيل يتبع السلطة الفلسطينية فإنها تلاحقه، وأما بالنسبة للمؤسسات الأردنية التي لها إشراف على المقدسات فلا تزال تتابع عملها ضمن الاتفاقية المعروفة، وهذه إذا أعلنت سحب يدها أو إشرافها فلن يمثل هذا ضغطا على إسرائيل، بل هي فرصة ممتازة لهم، وأحب ما على إسرائيل أن تسحب الأردن يدها لتضع إسرائيل يدها على هذه المقدسات.

- كلمة أخيرة لمجلة أنصار النبي  ومتابعيها

- نحن نثمن جهود هذه المجلة والقائمين عليها لنصرة سيدنا محمد ﷺ، هذا النبي العظيم الذي رفع الله من شأنه، هذا النبي العظيم الذي أم الأنبياء والمرسلين في ليلة الإسراء والمعراج، هذا النبي العظيم الذي يرفع لواءه يوم القيامة فيكون جميع الأنبياء والمرسلين تحت لوائه، فهذا النبي نحن أنصاره، وكل مسلم هو نصير لنبيه ﷺ، ونسأل الله أن يثيبكم على أعمالكم ثوابا كبيرا.

- بارك الله فيكم شيخنا الكريم، أحسن الله إليكم

- وفيكم بارك الله، شكر الله لكم.

نشر في مجلة أنصار النبي ﷺ، سبتمبر 2022م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق