§
الكتاب: موجز
تاريخ الإسلام
§
المؤلف: كارين
أرمسترونج
§
المترجم: أسامة
شفيع السيد
§
الناشر: منتدى
العلاقات العربية والدولية
§
سنة النشر:
2021
§
عدد الصفحات: 239
وهي الوفاة
التي هزَّت أوساط الشباب والباحثين في مصر، فلقد كان د. أسامة ممن تعقد عليه
الآمال، وكان كما وُصِف بحق "نابغة الشباب"، وقد كان على مستوى رفيع من
الأخلاق يناظر ما هو عليه من التميز العلمي.
وهذه الترجمة
-وقد أتيح لي الاطلاع عليها قبل صدور الكتاب بأشهر- دليل صدق، وذلك أنها لغة سلسة
سهلة مع كونها رصينة عالية، لا تصدر إلا عن ذائقة أديب، وفير الحصيلة من الأمثلة
والتراكيب العربية.
ويشعر المرء
إذ يقرأ الكتاب أن المترجم -رحمه الله- كان منشطرا بين الدقة العلمية وأمانة النقل
التي يلتزم بها الباحث، وبين التصرف في التركيب الذي يقتضيه تحويل المعنى إلى
اللفظ العربي، لذلك كثيرا ما كتب العبارة ثم فتح قوسا كتب فيه [حرفيا: كذا]، يشير
إلى الفارق بين الترجمة الحرفية وبين اللفظ الذي سبكه للتعبير عن المعنى.
والإقدام على
ترجمة كتاب لكارين أرمسترونج فيه روح التحدي، وذلك أنها من أشهر اللذين تترجم
كتبهم إلى العربية، بل قد تعددت ترجمة الكتاب الواحد لها مثل كتابها "سيرة
النبي محمد" وهو هو نفسه "محمد نبي لزماننا"، وكذا كتابها
"معارك في سبيل الله" وهو نفسه "النزعات الأصولية في اليهودية والمسيحية
والإسلام".. وغيرها.
كذلك فقد سبق
إلى ترجمة كتب كارين أرمسترونج عريقون في الترجمة مثل محمد عناني الذي ترجم كتبها
"سيرة النبي محمد"، وكتابها "القدس: مدينة واحدة وعقائد ثلاث"
وكتابها "معارك في سبيل الله".. وكذلك محمد الجورا الذي ترجم
"الإسلام في مرآة الغرب" و"النزعات الأصولية" و"الله
والإنسان". وللصديق الشاب المترجم الواعد أسامة غاوجي تجربة في الترجمة لها،
حيث ترجم كتاب "حقول الدم: الدين وتاريخ العنف".
وهذه العوامل
تثير إحجام المترجم عادة لأن المقارنة حاضرة، ولكن د. أسامة -رحمه الله- كان على
قدر التحدي، مع أنه يصف نفسه في سيرته الذاتية بأن إتقانه للإنجليزية جيد لا أكثر،
بينما هو أقدر على الترجمة من الفرنسية.
أجمل ما في
هذا الكتاب أنه سلس مختصر، يأخذ بعضه بزمام بعض حتى نهايته، وهذا ما دفع المترجم
إلى الإقبال على نقله إلى العربية، مع أنه صدر لأول مرة في عام 2000 أي قبل عشرين
سنة! وهي عشرون سنة تدفقت بالأحداث التي تصب بشدة في صلب الكتاب.
وبرأيي فإن
هذا الكتاب هو أضعف كتب أرمسترونج، وتكمن قيمته في أنه يفسر تصور الكاتبة عن
الإسلام أو عن الأديان عموما، وهو التصور الذي يتوقف أمامه القارئ لكتب أرمسترونج،
لا سيما: سيرة النبي محمد، والقدس، والله لماذا..
لئن كان كتاب
سيرة النبي محمد مشبعا برائحة مونتجمري وات، فأشعر أن هذا الكتاب مشبع برائحة
مارشال هودجسون. أقول: أشعر، لأنها صرَّحت بنقلها عن مونتجمري في بداية كتابها
"سيرة النبي محمد" وكنتُ قد قرأت كتابي مونتجمري "محمد في
مكة" و"محمد في المدينة" فصدَّق الخبر النظر.. ولكنها لم تصرح في
هذا الكتاب بنقلها عن هودجسون كما أني لم أُنْهِ بعد كتابه "مغامرة
الإسلام" فيظل كلامي في مجال الظن والحدس.
للكاتبة قصة
في الانتقال من الرهبانية المسيحية إلى الخروج من دائرة الأديان والنظر إليها نظرا
موضوعيا كما يفعل العلماني، لكنها مع ذلك شديدة التعلق بالروحانية والروحانيات، بل
كانت بداية قصتها مع الإسلام الروحانيةُ التي شعرت بها في زيارة إلى سمرقند.
ولهذا، فمجمل
أفكارها الرئيسية، وهي التي دارت عليها كتبها، تتلخص في أن الأديان ضرورة
للإنسانية، وأن الإنسان لا غنى له عن الروحانيات والأخلاق التي توفرها الدين، وأن
كل ما تقوله العلمانية عن العنف الديني وتاريخه الدموي قد فعلته العلمانية بأعتى
وأوسع وأشرس مما فعله تاريخ الدين، بل إن العلمانية -مع ذلك- خربت حياة الإنسان
الروحية وأظلمت علاقاته الاجتماعية!
ولهذا، فهي
بقدر ما تدافع عن الإسلام أمام الصورة المشوهة التي صنعها الغرب، فهي تريد من
الإسلام أن ينسجم مع تصورها للروحانية.. ويفلت منها الزمام تماما حين تعالج مسائل
السياسة والجهاد والنبوة، إنها تريد من الدين أن يكون الرائحة الجميلة التي تعبق
الحياة الإنسانية، بشرط أن تبقى رائحة غازية، أو عطرا سائلا.. ويصيبها التوتر إذا
كان الدين شيئا صلبا له رأي وتوجه وطريقة لإدارة الحياة.. هنا تحاول بقوة أن تفسر
"تصلب الدين" بأوضاع اجتماعية واقتصادية وتاريخية!!
إنها ذات وجه
مشرق فيما يخص الدفاع عن الإسلام مقابل التشويه الغربي له، وتحسن للغاية في تذكير
الغرب بما أعطاه الإسلام للإنسانية من إنجاز حضاري ومن روحانية، وفي تذكيره بما
اقترفته المسيحية والعلمانية من جرائم وخطايا عبر تاريخها، وفي تذكيره بأن هذه
الجرائم والخطايا لها نصيب قوي في نشأة "التطرف" (أو: الأصولية)،
فالأصولية هي ردة فعل الأديان وأهلها على الحداثة العلمانية، وهي موجودة في كل
الأديان.. فلماذا تتخوفون من الإسلام وحده؟
ولكنها ذات
وجه آخر حين تتحدث عن ضرورة أن ينتج المسلمون أفكارا إسلامية جديدة تتكيف مع
الحداثة ومع المجتمع الصناعي (ففي تصورها أنه دين مناسب للمجتمعات الزراعية)، وهي
تنزع أيضا إلى إدانة ما تراه تطرفا وإرهابا حتى لو أنها ساقت الظروف التي أنتجته
وأثارته.
ولهذا كله فهي
حفية بنموذج ابن عربي، وجلال الدين الرومي، وإلى حد ما بالغزالي.. وتنفر من نماذج
ابن تيمية وسيد قطب، بل تنفر من الفقهاء الذين تراهم حوَّلوا الدين إلى مؤسسة
دينية ظاهرية حرفية افتقدت الروح.
وهي ترى في
عصور التفكك الإسلامي (ما بعد العصر العباسي الثاني) روحا أقرب إلى الإسلام من
عصور الوحدة (الدولة العثمانية مثلا)، وذلك لأن الدين في تلك الفترات كان شأنا
شخصيا أو شأنا شعبيا أو شأنا يرعاه العلماء، بينما كان حاضرا بقوة في بلاط الدولة
وسياستها كما هو في العصر العثماني.
لقد كان أفضل
فصول كتابها هذا "موجز تاريخ الإسلام" هو الفصل الأخير، وهو الفصل الذي
تحدثت فيه عن الهجوم الاستعماري الغربي على العالم الإسلامي، وردة الفعل
الإسلامية.. لقد كان هذا الفصل أقرب إلى أفكارها وأبحاثها وعالمها الذي تفهمه..
بينما كثرت أخطاؤها في الفصول الأولى التي تتناول التاريخ.
ومع أن
المترجم د. أسامة -رحمه الله- أمسك أعصابه كثيرا في التعليق على أخطائها إلا أنه
اضطر اضطرارا لكي يعلق على أخطاء شديدة الوضوح، فقد زعمت أن العدالة الاجتماعية في
الإسلام أهم من الاعتقاد بالله. وأن الأنبياء كانوا يبنون رسالاتهم على الموروثات
الجاهلية لأقوامهم. وأن الفتوحات كانت بغرض الغنيمة أو تحت ضغط الحاجة الاقتصادية.
وأن الإسلام لم يهتم بنقد العقائد الأخرى بل اهتم بنقد السلوك الفاسد فحسب.
ولما نالت
المؤلفة شيئا من التصوف لم يطق د. أسامة صبرا، فقد كان متصوفا، وانطلق قلمه في
تعليق طويل، هو أطول ما في الكتاب من اعتراضاته عليها.
وفي الكتاب
أخطاء أخرى واضحة تجاوز المترجم التعليق عليها، مثل: زعمها أن المسلمين أحجموا عن
استكمال الفتوح في أوروبا لأنهم اكتشفوا فقرها وبرودة جوها وضعف غنائمها (ص68)،
وهي في هذا متأثرة بنظرة جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب" وجاك
ريسلر في كتابه "الحضارة العربية". وزعمها أن حرب الأمين والمأمون دليل
على سيطرة الروح العلمانية على القصر العباسي (ص79). وقد فهمت من فعل المؤرخين
المسلمين -كالطبري- بإيرادهم جميع الروايات أنهم يضعونها كلها في مرتبة واحدة من
الأهمية رغم تضاربها (ص100) وهذا هو عكس مقصودهم تماما، وإلا لما اهتموا
بالإسناد!!. وزعمت أيضا أن المغول كانوا يتخذون من ثقافة الشعوب التي احتلوها ما
يبنون عليه سياستهم (ص112) وهذا أمر ظاهر الخطأ.
كما فيه أخطاء
من جهة المعلومات المشهورة كقولها إن آخر خلفاء بني أمية هو "المنصور"
الثاني (ص71) والواقع أنه "مروان" ولم يلقب بالمنصور. أو أن بيبرس هو
الذي انتصر في عين جالوت (ص111) والمشهور أنه قطز.
ويكفي هذا في
باب ضرب المثال.
ومع هذا، فيجب
القول أن في الكتاب نظرات جميلة، وتعليقات ذكية، وتحليلات جيدة، وسلاسة في
الانتقال بين الأفكار، وإنصاف للإسلام وتاريخه.
ولكنه -مع
هذا- لا يقارن في الجودة بأشباهه من الكتب الغربية ككتاب تاريخ الشعوب الإسلامية
لكارل بروكلمان أو تاريخ المجتمعات الإسلامية للابيدوس أو تاريخ الشعوب العربية
لألبرت حوراني.. فهذه الكتب أجود كثيرا جدا.
وإن محاولة
الإقدام على تلخيص تاريخ أمة وحضارة هي محاولة كبيرة يتهيبها المتخصص الذي شاب
شعره في هذا الباب وحده، ولا أدري لم استسهلت المؤلفة ذلك.. فهي لم تكتف بالتاريخ
السياسي -وإن غلب هذا على كتابها- بل خاضت في التاريخ الفكري الفلسفي والصوفي
والفقهي والمذهبي أيضا.. فكانت تأتي بالعجائب كحال من يتكلم في غير فنه.
حين تقول الكاتبة في مؤلفها هذا أن الأنبياء يبنون دياناتهم على موروثات اقوامهم فهي تأخذ كذلك من أفكار غوستاف لوبون في مؤلفه عن تاريخ الأديان المسمى ب (حياة الحقائق)
ردحذف