لا زلنا مع الكتاب الثالث في "مكتبة الثائر المصري"، كتاب
"حقيقة النظام الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين" لمؤرخ النظام
الخاص والقيادي فيه محمود الصباغ، والذي بدأناه في المقال الماضي.
7. لقد برأت المحكمة
المتهمين في قضية النظام الخاص، وجاء في كلامها ما يثبت نبل أهدافه في التحرير
والمقاومة بدليل ما شهد به قادة الجيش المصري من بسالتهم في فلسطين، فجمع الأسلحة
والتدرب عليها ووجود كتب وخطط ووثائق عسكرية مما هو ضرورة لازمة لتحقيق أهداف
الجماعة المنشورة في أدبياتهم. بل إن رئيس المحكمة لما أنهى القضية استقال من
القضاء وانضم للإخوان، كذلك قال عضو اليمين عن الإخوان بعد المحاكمة "كنت
أحاكمهم والآن أنا منهم".
8. حاول النظام الخاص
إحراق أوراق قضية السيارة الجيب، ولم يكن البنا على علم بهذه العملية التي فشلت،
إذ اكتشفت القنبلة (وهي حارقة لا تدميرية) قبل انفجارها، والحمد لله أن العملية لم
تنجح فظلَّت أوراق القضية شاهدة على عظمة النظام الخاص كما قضت به المحكمة. ولقد
كان اكتشاف السيارة الجيب وبعض الوثائق الأخرى أمرًا قَدَريا لا لمهارة من الشرطة،
كأن الله أراد أن يكشف للناس ما عليه الإخوان من نبل وسمو وبسالة، وكيف أن ما
يدانون به هو الشرف الكبير.
9. أول ما يلتزم به
العضو المرشح للانضمام لهذا النظام الخاص هو السرية التامة، ويُختبر صدقه بأن
يُكلف بشراء مسدس خاص به من ماله، ولا إعذار ولا استثناء في هذا التكليف، وفي أول
جلسة يُسأل عن أنشطته ويُنصح بالإقلاع عن المكيفات ويُسأل عن حالته الصحية، ثم
يتعرض لجلسات أخرى تهدف إلى تحقيق اليقين بالمهمة والثقة بالقيادة والسمع والطاعة
وتلقين مهارات التغطية والهروب من المواقف الحرجة ويكلف بكتابة وصيته، ثم يكلف
بمهمة في مكان بعيد يؤديها تحت مراقبة لا يعرفها، ثم يكلف بمهمة أخرى مدروسة، ثم
مهمة يعدل عنها في اللحظة الأخيرة، ثم يختبر بعد هذا كله صلاحيته ليكون مرشحا
للعمل في النظام الخاص، فمن اجتاز هذه المراحل أرسل إلى القاهرة ليبايع ويعلم
حينها أن كل ما فات كان اختبارا فقط. وقد كانت لحظة البيعة هي أسعد لحظة في حياتي
كلها.
10. يُعدُّ ويُدَرَّب عضوُ النظام الخاص عبر أربعة
مراحل، كل مرحلة مدتها خمسة عشر أسبوعا، وفي كل مرحلة ينبغي أن يكتسب مهارات
قتالية واستخبارية وفكرية وروحية، وتركز لائحة التنظيم على مسألة تشرب القيم
الروحية وأداء تكاليفها، ومن لم يكن متعلما كان على المتعلمين أن يدرسوه ويعلموه
الكتب المطلوب استيعابها.
11. تتلخص تلك المهارات في تحقيق القوة البدنية
بتمارين ورياضات كالملاكمة والمصارعة والسباحة والتجديف، وتعلم السلاح، وقيادة الخيول
والجمال والمركبات التي تبدأ من الدراجة ثم الموتوسكيل ثم المراكب الشراعية
والسيارة، والقدرة على رسم الخرائط واستعمال البوصلة وتقدير المسافات ودراسة
المناطق، والقدرة جمع المعلومات وتحليلها وكتابة التقارير، وتعلم الإسعافات.
12. الخيانة أو إفشاء أي أسرار بحسن نية أو سوء
نية يعرض صاحبه للإعدام مهما كانت منزلته.
13. الشورى في هذا النظام معلمة لا ملزمة، والجنود
مكلفون بالطاعة، والقائد مكلف بالاستشارة، والمسؤولية بين الأعضاء تضامنية، أي
أنهم جميعا مسؤولون عما يقع في محيطهم من تصرفات سيئة تضر بالمجموعة أو العمل أو
النظام كله.
14. تكاليف البيعة هي: تقوى االله في السر والعلن،
والصلاة والخشوع والجماعة في المسجد، والتهجد والدعاء والاستغفار للفرد وللجماعة وللقيادة،
وتلاوة ورد الاستغفار والقرآن والكتمان والصمت والجزاء والطاعة للقيادة ولأمراء الجماعات
والتذكير بالموثق على مواصلة الجهاد لينتصر الإسلام ويسود القرآن أو الاستشهاد.
15. كانت قيادة التنظيم الخاص خمسة: عبد الرحمن
السندي، مصطفى مشهور، محمود الصباغ، أحمد زكي حسن، أحمد محمد حسنين. وكان ثمة خمسة
آخرون من رجال الدعوة العامة ولكنهم مؤتمنون على سر وجود تنظيم خاص للجماعة، وهم
يحضرون اجتماعات قيادته أحيانا أو يُستشارون في الأمور التي تتسع عن نطاق النظام،
وأولئك هم: صالح عشماوي، محمد خميس حميدة، الشيخ محمد فرغلي، عبد العزيز كامل،
محمود عساف (وهذا الأخير كان لفترة عام مسؤولا عن جهاز المعلومات في النظام الخاص،
ثم صار مسؤول المعلومات الخاصة بالمرشد حسن البنا وحلقة وصل في شأن المعلومات بينه
وبين جهاز المعلومات في النظام الخاص).
16. لا يترشح للعضوية إلا من مرَّ بالتجارب
والاختبارات، ولا يقبل الترشيح بداية إلا بأسباب واضحة وتقارير وافية عن المرشح،
ويكفي أن يكون به ميل لأي حزب آخر ليرفض الترشيح، بينما الذي يؤمن بالفكرة ولو كان
ذا عاهة يمكن أن يكون عضوا ويشارك بما يناسبه. والفرد إذا ترقى وصار أميرا لم يُعف
من مسؤولياته كفرد بل تزيد مسؤولياته كأمير.
17. لم يقتصر تفكير النظام الخاص على مجرد استعمال
السلاح بل سعى في تصنيعه أيضا، وقد صنع وطور عددا من المتفجرات والساعات الزمنية
المؤقتة للانفجار واستخدمت بقوة وفاعلية ضد الصهاينة والإنجليز، وأمددنا بها الشهيد
عبد القادر الحسيني في حربه ضد اليهود. بل وأنشأنا مصنعا للبلاط ظاهريا ولكنه كان
عمليا ينتج هذه القنابل المبتكرة وكان كل عماله من أعضاء النظام الخاص، فكان
تمويلا وغطاءا في نفس الوقت. وقد كانت أودية الجبال البعيدة الآمنة ساحات للتدريب
على استعمال السلاح.
18. لقد شهد بما أنجزه النظام الخاص للإخوان من
مساعدة ودعم ومشاركة في جهاد اليهود والإنجليز كل من: مفتي فلسطين أمين الحسيني،
وقادة حرب فلسطين في الجيش المصري: اللواء فؤاد صادق واللواء أحمد المواوي، وسجلوا
شهاداتهم هذه في المحكمة التي نظرت قضية السيارة الجيب.
19. جاء في شهادة أمين الحسيني أن البنا عزم على
تجهيز عشرة آلا شاب مسلح بعدما رأى أن الأنظمة تريد تسليم فلسطين لليهود بلا حرب،
وأنه إن لم تسلحهم الحكومة (التي كانت تعلن دعمها لفلسطين) فسيجعل كل شعبة من شعب
الإخوان تتكفل بتسليح شبابها. وجاء فيها أيضا: أن النقراشي منع جمع السلاح ووعده
بإرسال السلاح من طرف الحكومة إلى الحدود، ولكنه حنث بوعده، بل واستولت الحكومة
على ما لدى الهيئة العربية العليا من المتاع.
20. في شهادة أمين الحسيني: الخطة التي كان مقررة
ألا تتدخل الجيوش العربية بل يكون التعويل على أهل فلسطين للدفاع عن بلادهم على أن
تجهزهم الدول العربية وتدربهم وتحصن قراهم، وتسمح للمتطوعين بالدخول، بينما تظل
الجيوش لا تجاوز الحدود. لكن هذا لم يحدث لأن "غرض أعداء قضية فلسطين كان
إبعاد العناصر المؤمنة والمستميتة في القتال".
21. اللواء أحمد فؤاد صادق: كان الإخوان جنودا
أبطالا أدوا واجبهم على أحسن ما يكون، يعتمد عليهم في الأحوال التي تستدعي بطولة
خاصة، في كل مرة قاموا ببطولات طالبت لأجلها بنياشين لهم، لم يؤثر قرار الحل على
روحهم المعنوية، وعند الخطر كنت أقدمهم لأنهم أحسن العناصر.
22. اللواء أحمد المواوي: كانت روحهم المعنوية
عالية، دائما يطلبون ألغاما لنسف وتلغيم طرق المستوطنات، المسألة مسألة روح لا
مسألة ضباط، الإخوان كانوا أكثر فئات المتطوعين.
إلى هنا انتهت المساحة المخصصة فنستكمل في المقال
القادم بعون الله.
نشر في مدونات الجزيرة