السبت، يوليو 26، 2014

لبس عباس ثياب المناضلين!



هذه هي المرة الأولى التي تقاتل فيها إسرائيل كيانا حقيقيا مستقلا.. غزة!

ولهذا كان خالد مشعل صادقا حين فسر أزمة نتنياهو بأنه دخل غزة أعمى، وكانت عادته أن يدخلها بصيرا بعيون العملاء، فأولئك العملاء هم سبب النكبات، وهم الذين مهدوا لإسرائيل في كافة حروبها السابقة، منذ 1948 وحتى هذه الحرب، فلما استقلت غزة بشكل حقيقي بحسم المقاومة وفككت شبكات التجسس وضعت إسرائيل في موقف هو الأول من نوعه! ومن يطالع تاريخ الحروب مع إسرائيل يجد عجبا، فلك أن تعلم أن الطائرات المصرية كانت مصفوفة إلى جوار بعضها تنتظر الضرب حتى صرح قائد السرب بأن ما فعله "يفوق أكثر أحلامه جنونا"، ولك أن تعلم أن جنديا سوريا تعطلت دبابته بعد أن أتاه الأمر بالانسحاب فأراد أن يغطي انسحابه فأدار فوهة الدبابة وأطلق قذيفة واحدة تجاه الجيش الإسرائيلي، فأخَّر بهذا سقوط القنيطرة تسع ساعات، حتى لقد أُعْلِن عن سقوطها من الإذاعة السورية قبل أن تسقط!

لنعد إلى غزة حيث العزة..

السعي السياسي المحموم يدل على إن إسرائيل لا تنوي تطويل المعركة تبعا للمفاجآت، بل تريد إنهاءها بأي شكل، ثم تتفرغ للمرحلة الجديدة من الحرب "نزع سلاح المقاومة" أملا منها أنها إذا نجحت في هذه المهمة عادت للحرب من جديد!

ولكن كيف؟!

لم يطل الوقت لنخمن، فقد جاءنا الخبر اليقين، إذ ارتدى محمود عباس ثياب المناضلين، وهتف عريقات –فارس المفاوضات- هتاف المجاهدين، وخرج علينا ياسر عبد ربه يحدثنا بلسان الثائرين، وإن دسَّ في حديثه كلاما عن الميت المقبور المدعو "منظمة التحرير الفلسطينية" كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني!

فهل هي توبة جماعية جديدة نزلت على ساحة رام الله؟! فما بال التنسيق الأمني "المقدس" قائم على قدم وساق، حتى لقد قمعوا المظاهرات المساندة لغزة؟!

الواقع –كما يبدو- أن إسرائيل فتشت في سجل عملائها فوجدته فارغا إلا من جماعة رام الله، فلم تجد غيرهم لتسند إليه مهمة ارتداء ثوب المقاومة لضربها من الداخل، ولا يُستبعد أن تُقدم إسرائيل على تنازلات تبيض بها وجوههم من قبيل تجميد مؤقت للاستيطان أو دفعة أخرى للمفاوضات أو إفراج عن مساجين جنائيين فيُسَوَّق هذا على أنه "تحرير أسرى".. أو أي شيء آخر، فجراب الحاوي زاخر!

وفي حين تخلو جماعة رام الله من أي مؤهل لممارسة دور النضال والكفاح، فإن الرهان قائم على تغيير هذه الصورة من خلال ضغط إعلامي مسنود بتنازلات إسرائيلية وهمية، وكدت أقول لا مانع من إحياء المذبوح على أيديهم "كتائب شهداء الأقصى" لولا أني رأيت بالفعل أنها قد أعيدت "إعلاميا" من خلال بيان ألقاه ثلاثة ملثمين!
المعضلة الآن: هي كيف نخرج من هذه الحرب؟ وكيف نجبر حماس على القبول بالمبادرة المصرية، التي قد نسميها بعد قليل الهدنة الإنسانية؟!

هذا هو الدور الذي استجلب لنا كيري وبان كي مون ووفود دبلوماسية ظهرت في حياتنا فجأة تنتقل من الدوحة إلى اسطنبول إلى القاهرة، تحاول إنقاذ إسرائيل، والوصول لوقف إطلاق نار بلا مكاسب سياسية!

حماس صامدة حتى الآن تؤكد أنها لن توقف الحرب إلا برفع الحصار، وإنجازاتها على الأرض تؤيدها، وإن كان الثمن المبذول غاليا من دماء المدنيين الذين لا يجد الإسرائيليون غيرهم ليقتلوهم فيحققوا بهم نصرا وهميا نفسيا يغطون به خيبتهم الثقيلة وأزمتهم الخانقة.

نسأل الله أن تكون القيادة السياسية للمقاومة على مستوى القيادة العسكرية، ذكاء وصمودا وقوة، فوراءها بعد حرب غزة حرب أخرى مع جماعة رام الله في ملف "الشرعية/ المتحدث باسم الشعب الفلسطيني/ سلطة واحدة وسلاح واحد/ ... إلخ".

فهذا هو الجهاد الأكبر!

وصدق المتنبي:
وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ .. فعلى أي جانبيك تميل

على أن مجرد الصمود في معارك الأرض ومعارك السياسة مكسب ضخم، والوقت الآن في صالحنا لا في صالحهم، إذ أن انتصار غزة هذا سيفجر –ولأول مرة في التاريخ الإسرائيلي- الصراعات البينية في مجتمعهم الذي لم يعد يجد حربا ليخوضها، فدول الجوار إما عملاء وإما أبطال لا تُكسر شوكتهم، وهم كما قال ربنا تبارك وتعالى (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)، فإذا سُدَّ عليهم باب تصريف الخلافات الداخلية في الحروب الخارجية فقد انفتح عليهم باب المنازعات والمشاكسات ليظهر البأس الشديد.

وفق الله المجاهدين ورزق بلاد العرب أمثالهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق