الاثنين، يونيو 19، 2006

كـدت أغـرق !!

فى أول مرة لنزولى البحر طوال حياتى المديدة ( 23 سنة ) كدت أغرق .. أو هذا ما ظننته غرقا ، لكن موجة أتت فنجحت فى ضرب اتزانى الذى اختل من فوره لأجدنى عاجزا عن السيطرة على نفسى ، ولا أكاد أحاول الوقوف حتى يرتفع وجهى عن سطح الماء ( حيث كنت على أطراف البحر طبعا ) حتى تأتى موجة أخرى فتضرب اتزانى من جديد ، فما أكاد آخذ نفسا حتى أعاود الوقوف إلا ويتدفق الماء إلى فمى بطعمه المالح فيزيدنى اضطرابا وحيرة واختناقا ، وهكذا .. تستمر الدائرة المفرغة تولد فى النفس رعبا من الغرق فوق ما تولده من اختناق متزايد .

ورغم كل ما أعرفه عن الغرق نظريا ، وعن كيفية حدوثه علميا .. وتخيلاتى التى حاولت أن أتخيل فيها أنى أغرق وبم سأشعر وقتها ، إلا أن الواقع شئ آخر تماما .. تماما كالفرق بين أن ترى فيلما مرعبا ، وبين أن تكون أنت فى قصة حقيقة مرعبة .

وحين خرجت من البحر بعد تمكنى من استعادة توازنى بمساعدات من أصدقائى ممن حولى ، داهمنى فى اللحظة شعور الغارقين فى عبارة الموت المعروفة باسم السلام 98 .

غير أن الفوارق الضخمة بين حالتى وحالتهم ، تجعل وصفى وشعورى نوعا من عبث الأطفال الذى يشاهده الكبار باستمتاع شديد ..

فقد كنت أداعب أمواج البحر وأنا القريب من الشاطئ إلى الحد الذى إن وقفت فيه فلن يبلغ الماء رأسى أبدا ، وقد كان الوقت هو شمس ما بعد العصر الدافئة اللذيذة ، وكانت الأيام أيام الصيف فيما بعد منتصف شهر يونيو من العام ، وكان حولى جمع غفير من الناس لم أكن أعدم فيهم من يساعد وينتشل ولن أعدم فيهم من سيتسخرج الجثة إن كنت قد غرقت ..

لكنهم ...

داهمهم الغرق فى لحظات ، فانقلبت بهم العبارة فى صقيع الشتاء البارد فى أول فبراير من العام .. فى ظلمة الليل الوحشية من بعد العاشرة مساءا .. فى عمق البحر الذى يمتد أمام أبصارهم بلا نهاية ، فلا يرون شاطئا بل ولا حتى يرون الأمل فى شاطئ .. وهكذا غرقوا .. بل لا بد أن نتذكر أنهم بقوا فى هذا الرعب الهائل والمشهد المفترس مدة 26 ساعة كاملة .

هنا يعجز حتى الخيال عن تصور كيف كانت أحاسيسهم ومشاعرهم وقلقهم فى تلك اللحظات .. بل فى تلك الساعات ، وكيف لم يفكر إنسان فى التحرك إلا بعد 18 ساعة كاملة لإنقاذ هؤلاء الغرقى ، فإن كنت قد استشعرت رعب لحظات لا تتعدى عشر ثوان على أقصى تقدير .. فيا إلهى .. كيف عاشوا تلك المأساة كل هذه الساعات ؟

ترى ، إن أتى هؤلاء الغرقى يريدون القصاص من هؤلاء المجرمين أمام الله تبارك وتعالى ، كم من الحسنات يمكن أن تكون تعويضا لهم عن كل لحظة من تلك اللحظات ؟؟ أو كم من سيئة سيطرحها كل منهم من سيئاته لتضاف على سيئات من أجرموا مقابل كل لحظة من تلك اللحظات ؟؟

وكيف يمكن أن ينام واحد ممن أجرموا قرير العين بعد هذه الجريمة ؟؟ ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ؟ ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ؟؟ ) .

إذا كان سيدنا عمر - رضى الله عنه - والذى نكتشف كل يوم عظمته وسموقه مع كل حاكم يتوالى على هذه الأمة .. إذا كان يخاف من السؤال عن دابة تعثرت فى الطريق عند أطراف ملكه فى العراق ، وتمنى أن يخرج من الحكم كفافا لا له ولا عليه وهو الذى فتح الأرض وغسلها بالإسلام .. فكيف يكون حال هؤلاء عند الله وعند الناس ؟؟؟


16/6/2006

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق