أتفهم أن الفاشلون كثيرين ، والناجحون قليلين
وكل ناجح كان يتمنى أن ينجح فيما لم ينجح فيه
ومع استمرار تقليبى فى أسباب الفشل التى تمنع انطلاق الطاقات وتؤدى إلى الجرائم والكوارث والانهيارات ، وموت البشر ، وتلوث البيئة ، وكل هذا .. مع استمرار التقليب فى اسباب الفشل ، أزعم أنى توصلت إلى صلب المشكلة واصلها العميق .
إنها النفس ..
كل فاشل فى هذه الحياة ، استسلم لما تمليه عليه نفسه من المتعة ، فارتاح إلى الكسل والاتكالية ، وحب الراحة والنوم ، وعشق الفراش الوثير والعيشة الهانئة .... أو استغل طاقة نفسه فى إشباع شهواتها كممارسة الجنس وشرب الخمر والتدخين والمخدرات .
وكل هذه الكوارث التى تؤدى بدورها إلى كوارث أخرى ، وتفتح أبواب الجرائم كالسرقة والقتل والاغتصاب والبلطجة ... إلخ .
والتغلب والسيطرة على شهوات النفس أمر صعب لاشك ، لايمكن الوصول له إلا إذا كان هناك هدف أكبر يملأ على الإنسان تفكيره يجعله يصبر على المشقة التى تعانيها النفس فى التخلى عن متعتها فى سبيل هذا الهدف ، وسواء كان هذا الهدف دنيويا أو اخرويا .. فكما قال الشاعر
إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت فى مرادها الأجسام
***
واقوى شهوات النفس التى تعانى فى التغلب عليها هى الشهوة أو المتعة التى استجابت لها قبلا ، حتى صارت عادة ، فاكتسبت إلى جانب قوة الشهوة قوة العادة .. وإذا كانت إحدى القوتين فقط منيعة الانهيار ، فانضمام القوتين إلى بعضهما شئ آخر تماما .
أعرف كثيرين جدا جدا ، لايطيقون التخلى عن عادة الاستمناء ، ورغم محاولاتهم المتكررة يظل الفشل هو النتيجة النهائية ، كذلك من اعتدوا على التدخين أو المخدرات ، كذلك من اعتادوا على ممارسة الجنس ، كذلك من اعتاد على السرقة .... كل هذه الحالات ، أصبحت فيها المشكلة متفاقمة ، فقد اكتسبت إلى جانب قوة الشهوة ، قوة العادة .
فكرت كثيرا ... هل أصبح هذا هو مصير هؤلاء ؟؟ .. أليس من وسيلة لإنقاذ هؤلاء الذين اعتادوا ؟؟
وكان هذا السؤال منبع حيرتى ، حتى كان رمضان منذ أربعة أعوام .
العجيب أن رمضان حين يأتى تنقلب حياة الناس تماما ، وتسرى بينهم روح جديدة ، يختفون عند الغروب كأن الرض ابتعلتهم ، ينفجرون فى الشوارع لدى صلاة الفجر كأن السماء تسقطهم ، تكثر فى ايديهم المصاحف والمسابح ، تتغير كثيرا من اخلاقهم .. سبحان الله !!
أكثر ما أذهلنى وادهشنى ولفت نظرى ، أن رمضان استطاع أن يحطم أقوى عادة فى حياة الإنسان ، وهى عادة الأكل والشرب .
تكاد لاتوجد فى حياة أى إنسان عادة أقوى من الطعام والشراب ، إنها عادة قوية متأصلة لدرجة أنه يمارسها فى اليوم الواحد ثلاث مرات ، بشكل متكرر ثابت ، لايتغير على طول العام .
فإذا اتى رمضان .. استطاع الناس أن يتغلبوا على أقوى عادة فى حياتهم ، وتنقلب حياتهم ، ليتوقفوا عن الطعام والشراب طول النهار ، ويبدأون فيها لدى المغرب ، ثم يستيقظون فى جوف الليل ليأكلوا .
والاستيقاظ فى جوف الليل هذا ، هو عنصر عجيب آخر .
فالنوم بالليل ، ليس فقط من شهوات النفس ، بل من غرائزها ، بل من ضرورياتها .. وممارسة النوم عادة لا تقل فى الرسوخ لدى الإنسان عن الطعام والشراب لكن ...
أيضا .. استطاع رمضان تحطيمها ، وفعلها الناس بالفعل .
ويمكث الناس على هذا الحال الذى يقلب كل أوضاعهم شهرا كاملا .. ثلاثين يوما .. يكادون لدى اليوم الثلاثين أن يكونوا قد اعتادوا النظام الجديد ، واصبح نظام العام كله ، كأنه ذكريات لا تأثير ولا اثر لها .
****
أليس هذا عجيبا ، بل ومذهلا ؟؟؟
استطاع الإنسان أن يتخلى عن اقوى عاداته رسوخا ( الأكل والشرب والنوم ) فى خلال شهر واحد ، دون أن يموت أو تنهار الدنيا فى عينيه .
إن لهذا دلالة لايجب أن نغفل عنها أبدا : إن الإنسان يستطيع أن يتخلص من أى عادة يعتادها بشرط واحد : لو أراد هو ذلك ، واصر على تنفيذه ، وهذه ليست دلالة نظرية منفصلة عن الواقع ... بل إن التجارب التى تدعمها من الواقع العملى أكثر من أن تحصى ، فكم منن إنسان اقلع عن التدخين ، وترك الاستمناء ، وهجر المخدرات ، وتاب عن الزنا ، وتوقف عن السرقة ، وانتهى عن الفساد ... بل هناك من بدأوا حياة أخرى تخالف حياتهم السابقة تماما .. ولا اوضح من توبة الممثلين والممثلات ، الذين تحولوا من عالم إلى العالم الآخر تماما خلف الكاميرات وبدون المساحيق ، حيث لاشهرة ولا أموال ولاعروض ، ولاحوارات صحفية ، ولامعجبون مبهورون .
ليس هذا فقط ..
بل إن شهر رمضان لايعطى القدرة على الترك فقط ، بل يعطى القدرة على العطاء .. كيف ؟
الغالبية الكاسحة من الصفوف التى تملأ المساجد فى صلاة التراويح ، وتصلى على الأقل أربع أو ثمانية أو عشرين
ركعة ... غالبيتهم العظمى لايقومون الليل فى الأيام العادية إلا قليلا ، بل أجزم أن نسبة 70% منهم على الأقل لايقومون الليل مطلقا ... ورغم ذلك ، يستطيعون أن يصلوا كل هذا الكم من الركعات الذى يشبه القفزة .
يمكنك أن تقول نفس هذا الكلام عن المصحف وقراءة القرآن .
رمضان .. يعتبر ثورة حقيقة فى قلب الأمة المسلمة .
****
شهر رمضان ، يثبت بالفعل أن أى إنسان يستطيع التخلص من أى عادة أو ذنب ، مهما كان قويا ، ومهما اكتسب على قوته قوة العادة .. بشرط أن يريد هو ذلك ويصر عليه ، ويثبت ايضا أن الإنسان يستطيع أن يكتسب أى صفة إن هو أراد ذلك واصر عليه
هذه الرسالة التى يحتويها شهر رمضان ، يجب أن تخترق الآذان لتصل إلى العقول ثم تستقر فى القلوب كحقيقة لاتقبل الشك .
ويجب أن يؤمن كل من استطاع أن يصوم رمضان ، إلى أنه قادر على السيطرة على نفسه بشكل كامل ، وأنه قادر على التخلص من عيوبها وعلى إكسابها مايريد من مزايا.
هذا التخلص من العيوب واكتساب المزايا ، هو أول واقوى أسباب النجاح .. لا اقول فى الآخرة ، بل فى الدنيا
وعلى هذا ، نفهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لو يعلم الناس ما فى رمضان من الخير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان .
28/9/2005
وكل ناجح كان يتمنى أن ينجح فيما لم ينجح فيه
ومع استمرار تقليبى فى أسباب الفشل التى تمنع انطلاق الطاقات وتؤدى إلى الجرائم والكوارث والانهيارات ، وموت البشر ، وتلوث البيئة ، وكل هذا .. مع استمرار التقليب فى اسباب الفشل ، أزعم أنى توصلت إلى صلب المشكلة واصلها العميق .
إنها النفس ..
كل فاشل فى هذه الحياة ، استسلم لما تمليه عليه نفسه من المتعة ، فارتاح إلى الكسل والاتكالية ، وحب الراحة والنوم ، وعشق الفراش الوثير والعيشة الهانئة .... أو استغل طاقة نفسه فى إشباع شهواتها كممارسة الجنس وشرب الخمر والتدخين والمخدرات .
وكل هذه الكوارث التى تؤدى بدورها إلى كوارث أخرى ، وتفتح أبواب الجرائم كالسرقة والقتل والاغتصاب والبلطجة ... إلخ .
والتغلب والسيطرة على شهوات النفس أمر صعب لاشك ، لايمكن الوصول له إلا إذا كان هناك هدف أكبر يملأ على الإنسان تفكيره يجعله يصبر على المشقة التى تعانيها النفس فى التخلى عن متعتها فى سبيل هذا الهدف ، وسواء كان هذا الهدف دنيويا أو اخرويا .. فكما قال الشاعر
إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت فى مرادها الأجسام
***
واقوى شهوات النفس التى تعانى فى التغلب عليها هى الشهوة أو المتعة التى استجابت لها قبلا ، حتى صارت عادة ، فاكتسبت إلى جانب قوة الشهوة قوة العادة .. وإذا كانت إحدى القوتين فقط منيعة الانهيار ، فانضمام القوتين إلى بعضهما شئ آخر تماما .
أعرف كثيرين جدا جدا ، لايطيقون التخلى عن عادة الاستمناء ، ورغم محاولاتهم المتكررة يظل الفشل هو النتيجة النهائية ، كذلك من اعتدوا على التدخين أو المخدرات ، كذلك من اعتادوا على ممارسة الجنس ، كذلك من اعتاد على السرقة .... كل هذه الحالات ، أصبحت فيها المشكلة متفاقمة ، فقد اكتسبت إلى جانب قوة الشهوة ، قوة العادة .
فكرت كثيرا ... هل أصبح هذا هو مصير هؤلاء ؟؟ .. أليس من وسيلة لإنقاذ هؤلاء الذين اعتادوا ؟؟
وكان هذا السؤال منبع حيرتى ، حتى كان رمضان منذ أربعة أعوام .
العجيب أن رمضان حين يأتى تنقلب حياة الناس تماما ، وتسرى بينهم روح جديدة ، يختفون عند الغروب كأن الرض ابتعلتهم ، ينفجرون فى الشوارع لدى صلاة الفجر كأن السماء تسقطهم ، تكثر فى ايديهم المصاحف والمسابح ، تتغير كثيرا من اخلاقهم .. سبحان الله !!
أكثر ما أذهلنى وادهشنى ولفت نظرى ، أن رمضان استطاع أن يحطم أقوى عادة فى حياة الإنسان ، وهى عادة الأكل والشرب .
تكاد لاتوجد فى حياة أى إنسان عادة أقوى من الطعام والشراب ، إنها عادة قوية متأصلة لدرجة أنه يمارسها فى اليوم الواحد ثلاث مرات ، بشكل متكرر ثابت ، لايتغير على طول العام .
فإذا اتى رمضان .. استطاع الناس أن يتغلبوا على أقوى عادة فى حياتهم ، وتنقلب حياتهم ، ليتوقفوا عن الطعام والشراب طول النهار ، ويبدأون فيها لدى المغرب ، ثم يستيقظون فى جوف الليل ليأكلوا .
والاستيقاظ فى جوف الليل هذا ، هو عنصر عجيب آخر .
فالنوم بالليل ، ليس فقط من شهوات النفس ، بل من غرائزها ، بل من ضرورياتها .. وممارسة النوم عادة لا تقل فى الرسوخ لدى الإنسان عن الطعام والشراب لكن ...
أيضا .. استطاع رمضان تحطيمها ، وفعلها الناس بالفعل .
ويمكث الناس على هذا الحال الذى يقلب كل أوضاعهم شهرا كاملا .. ثلاثين يوما .. يكادون لدى اليوم الثلاثين أن يكونوا قد اعتادوا النظام الجديد ، واصبح نظام العام كله ، كأنه ذكريات لا تأثير ولا اثر لها .
****
أليس هذا عجيبا ، بل ومذهلا ؟؟؟
استطاع الإنسان أن يتخلى عن اقوى عاداته رسوخا ( الأكل والشرب والنوم ) فى خلال شهر واحد ، دون أن يموت أو تنهار الدنيا فى عينيه .
إن لهذا دلالة لايجب أن نغفل عنها أبدا : إن الإنسان يستطيع أن يتخلص من أى عادة يعتادها بشرط واحد : لو أراد هو ذلك ، واصر على تنفيذه ، وهذه ليست دلالة نظرية منفصلة عن الواقع ... بل إن التجارب التى تدعمها من الواقع العملى أكثر من أن تحصى ، فكم منن إنسان اقلع عن التدخين ، وترك الاستمناء ، وهجر المخدرات ، وتاب عن الزنا ، وتوقف عن السرقة ، وانتهى عن الفساد ... بل هناك من بدأوا حياة أخرى تخالف حياتهم السابقة تماما .. ولا اوضح من توبة الممثلين والممثلات ، الذين تحولوا من عالم إلى العالم الآخر تماما خلف الكاميرات وبدون المساحيق ، حيث لاشهرة ولا أموال ولاعروض ، ولاحوارات صحفية ، ولامعجبون مبهورون .
ليس هذا فقط ..
بل إن شهر رمضان لايعطى القدرة على الترك فقط ، بل يعطى القدرة على العطاء .. كيف ؟
الغالبية الكاسحة من الصفوف التى تملأ المساجد فى صلاة التراويح ، وتصلى على الأقل أربع أو ثمانية أو عشرين
ركعة ... غالبيتهم العظمى لايقومون الليل فى الأيام العادية إلا قليلا ، بل أجزم أن نسبة 70% منهم على الأقل لايقومون الليل مطلقا ... ورغم ذلك ، يستطيعون أن يصلوا كل هذا الكم من الركعات الذى يشبه القفزة .
يمكنك أن تقول نفس هذا الكلام عن المصحف وقراءة القرآن .
رمضان .. يعتبر ثورة حقيقة فى قلب الأمة المسلمة .
****
شهر رمضان ، يثبت بالفعل أن أى إنسان يستطيع التخلص من أى عادة أو ذنب ، مهما كان قويا ، ومهما اكتسب على قوته قوة العادة .. بشرط أن يريد هو ذلك ويصر عليه ، ويثبت ايضا أن الإنسان يستطيع أن يكتسب أى صفة إن هو أراد ذلك واصر عليه
هذه الرسالة التى يحتويها شهر رمضان ، يجب أن تخترق الآذان لتصل إلى العقول ثم تستقر فى القلوب كحقيقة لاتقبل الشك .
ويجب أن يؤمن كل من استطاع أن يصوم رمضان ، إلى أنه قادر على السيطرة على نفسه بشكل كامل ، وأنه قادر على التخلص من عيوبها وعلى إكسابها مايريد من مزايا.
هذا التخلص من العيوب واكتساب المزايا ، هو أول واقوى أسباب النجاح .. لا اقول فى الآخرة ، بل فى الدنيا
وعلى هذا ، نفهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لو يعلم الناس ما فى رمضان من الخير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان .
28/9/2005