الاثنين، أغسطس 22، 2011

عشت لحظة إنزال العلم!

حتى لحظة كتابة هذه السطور لا تزال الفرحة تغالب العقل..

لقد نزل العلم الصهيوني من على النيل، وبدا كأن النيل أشرق في قلب الليل، وهدرت الحناجر بالتكبير والصيحات والتهليل، وكادت الفرحة تذهب ببعض العقول، فالشعب ما يزال لا يصدق أنه استطاع إنزال العلم وإزالة شيء من العار الذي كلله نحو أربعين سنة!

أفاضت كل وسائل الإعلام في الوصف والتحليل ما يجعل من واجبي الآن أن أنقل بعض المشاهد الفرعية التي لم ينتبه لها أحد.

1. تعلقت الأبصار بأحمد الشحات، وقد انتبهت له وهو في الطابق الثالث من المبنى، وإني لأشهد أن هذا الشعب –كما سائر الأمة الإسلامية المباركة- هو إسلامي لحما ودما وروحا وعقلا، لقد تعلقت الأبصار بأحمد الشحات وتعلقت القلوب بالله، واستمر الدعاء والتضرع لله أن يحميه وينجيه، وكلما بدا أنه تمكن من تسلق طابق كلما ارتفع التكبير والتهليل، وارتفعت الدعوات.. إذا سقط أحمد فلم يكن يملك له أحد شيئا، لأن أسفل العمارة التي يتسلقها محاصر تماما بقوات الأمن والجماهير ممنوعة من الوصول إلى هذه النقطة تماما.. وقد رأيت كثيرا ممن حولي يدعون ودموعهم تنهمر، لا سيما من النساء والفتيات، حتى فعلها البطل! البطل حقا.. وكان موقفا عرفت فيه كيف أن واحدا فقط قد يغير من معادلة المشهد كله، ولهذا أقول لكل قارئ: لا تحتقر نفسك أو مجهودك.

2. ما لم يصوره الإعلام هو لحظة السجود الجماعي التي سجدها الناس في لحظتين: لحظة إنزال العلم الإسرائيلي، ولحظة خروج أحمد الشحات سالما على الأعناق.. هكذا يعبر المصريون عن فرحتهم، ولا عزاء لمن يريد أن ينزعهم من انتمائهم!

2. كان الحصار الأمني المحكم للسفارة يجعل كل الطرق أمام إنزال العلم مسدودة، فلم يجد الشباب إلا تسليط الألعاب النارية على العلم وكلهم أمل في إحراقه بمثل هذه الوسيلة البدائية، ولو على سبيل الرمز، وعلى طول المحاولات غير الناجحة (العلم على ارتفاع 22 طابق) لم يفقد الشباب إصرارهم، بل لما أُنزل العلم، ظلوا حتى الصباح يصوبون هذه الألعاب نحو السفارة، كأنما لا يريدون أن يهنأ أحد فيها بلحظة هدوء.

3. أذهلتني فتاة في الثلاثينيات، تبدو من إحدى المناطق الشعبية، في غاية البساطة، ظلت تهتف: "اتنحى النهار ده.. اتنحى النهار ده"، وهي تقصد المخلوع غير المأسوف عليه.. هذا الهتاف العبقري الذي اعتبر إنزال العلم هو لحظة التنحي الحقيقي لحسني مبارك يكشف كيف أن ضمير هذه الأمة يحتوي على وعي هائل يستطيع التعبير عنه في بساطة لا يدركها أصحاب التحليل والتنظير القابعون على الفضائيات!

4. بعض الناس كادت عقولهم تطير من الفرحة، شاب وقف في منتصف الطريق وهو يصرخ لكل سيارة عابرة: أنزلنا العلم.. المصريون فعلوها.. أنزلنا العلم.. أنزلنا العلم! هذا الشاب الذي وُلِد وعاش في ظل السلام والصداقة مع إسرائيل يعبر اليوم عن حقيقة معدنه، ويثبت أن زرع الأعضاء الغريبة والثقافات الغريبة قسرا إنما هي عملية فاشلة، تنفق فيها الأموال والمجهودات ثم لا تصل إلى شيء.. مصداقا لقول الله تعالى (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يُغلبون، والذين كفروا إلى جهنم يُحشرون).

حاولت أن أضع نفسي مكان الإسرائيلي، الذي ينظر من علٍ إلى هذه الجموع التي تنطق بكراهيته وتريد طرده، بعد أربعين سنة من السلام المفروض عليهم والمحروس بالقهر والكبت والاستبداد، فلم أر ما يعبر عن شعوره غير "الحسرة" الواردة في الآية.. فإنا وإياه على انتظار ما بعدها (ثم يُغلبون)!

5. على أن هذا الشاب وغيره يعبر عن الطاقات المكبوتة التي لم يُتح لها من قبل أن تنطق.. وطوال الليل وحتى الصباح كان الشباب يتذكرون كيف أن أحدا لم يكن يستطيع من قبل أن يتفوه بلفظ أمام السفارة وإلا كان مصيره القتل أو الاعتقال بلا رحمة ولا أمل في الخروج.. إن الاستبداد يعيش على قتل الإنسان، وعلى سحق طاقاته، وأكثر ما يخشى الاستبداد أن تنطلق هذه الطاقات من النفوس، فإنها تزلزل عرشه.. ورحم الله عبد الرحمن الكواكبي في رائعته الخالدة "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" فقد شرح هذا المعنى في خير عبارة!

6. إن من يحكموننا لا يستحقوننا.. والشعوب دائما متقدمة في مواقفها على من يحكمها، ولعل بشائر الثورات العربية تكون تباشير فجر التغيير الذي يؤول إلى أن تحكم هذه الأمة نفسها بنفسها، وأن تختار من يحكمها ليعبر عنها تعبيرا حقيقيا، وعليه: فلا بد لكل مخلص من السعي في استكمال الثورات، وإنه حقا كما قيل: للثائر فرحتان يفرحهما: فرحة عند سقوط الطاغوت، وفرحة عند استكمال التحول إلى دولة العدل والحرية!

7. "الاحتلال دائما غبي، لأنه لم ينتصر محتل على الشعب أبدا".. من كان عند السفارة يعلم أن إسرائيل لا مستقبل لها.. والعاقل فيهم هو من سيفكر في الهروب من هذه المعركة الخاسرة!

8. على كل فرحتنا بما حدث من الشعب عند السفارة، إلا أن هذا لا يعمينا عن أشياء أخرى مهمة: الطرد الرسمي للسفير الإسرائيلي من مصر، المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، الثوار الليبيون الذين يوشكون على حسم المعركة، الثوار السوريون الذين يقدمون المثل المذهل الأسطوري ويكتبون التاريخ حقا، الثوار اليمنيون الذين صمدوا صمود أهل الإيمان "الإيمان يماني والحكمة يمانية".

***

(ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون)

نشر في: مفكرة الإسلام

هناك 3 تعليقات:

  1. بارك الله فيك.. لا فض فوك.

    ردحذف
  2. غير معرف11:28 ص

    بارك الله فيك.. لا فض فوك.

    ردحذف
  3. غير معرف12:05 م

    ماشاء الله .. مقال رائع .. يصف حالة ايمانية فريدة لدى الشعب المصري .. لذا لن تهنأ يوما اسرائيل و تظن انها قد سيست شعبنا الكريم

    ردحذف