منذ أكثر من مائة عام ونحن نقرأ في كتب أعلامنا أنهم يكتبون في حال الإحباط واليأس وأنهم يأملون في الجيل القادم، فما يلبث الجيل القادم أن يكتب للجيل الذي يليه مستبشرا به بعد أن يكون قد فقد الأمل في جيله.. فهل حين نبلغ أراذل العمر سنعيد كتابة هذا الكلام، أم أن ثوراتنا العربية ستكون الكاسرة لهذه الدائرة؟؟
اقتبست فقرات هذا المقال من كلام كتبه رجل مات منذ نحو مائة عام، فكأنه يسدي النصائح للثورات العربية الآن!! وهذا يعني أنها مائة عام من الغفلة والسذاجة التي سمحت بأن تسرق ثمرات الجهاد والتضحيات والدماء والأموال التي بذلت في ميادين الدعوة والجهاد والنضال المديد الذي لم يتوقف في أمتنا منذ قرنين يصح أن نسميهما "عصر الاحتلال والاستبداد".
وقد دهشت لقراءة ما كتبه الرجل الذي كأنما أماته الله مائة عام ثم بعثه! فاقتبست منه ما يمكن أن نسميه "نصائح المرحلة".
***
لا تثق في أعوان المستبد:
"إن العقل والتاريخ والعيان يشهد بأن الوزير الأعظم المستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة، ثم من دونه من الوزراء يكونون دونه لؤما، وهكذا تكون مراتب لؤمهم حسب مراتبهم في التشريفات... المستبد حريص على ظلم الناس، وهو محتاج لعصابة تعينه، فهل يُجَوِّز العقل أن ينتخب لعصابته من يشك فيه أنه لا يوافقه على مراده؟ كلا، هل ينتخب وزيرا له من السوقة لم تسبق له تعرية ولا معرفة ما انطوى عليه؟ كلا. وهل يمكن أن يكون متخلقا بالخير حقيقة وبالشر ظاهرا فيخدع المستبد بأعماله وهو وهو الذي أعزه بكلمة ويعزله بكلمة؟ كلا. المستبد لا يجهل أن الناس أعداؤه لظلمه، فهل يأمن على بابه من لا يثق به أنه أظلم منه وأبعد منه عن أعدائه؟ كلا".
"إن كل رجال عهد الاستبداد لا خلاق لهم ولا حمية ولا يرجى منهم خير مطلقا... فإنهم لا يستصنعون إلا الأسافل الأراذل، ولا يميلون لغير المتملقين المنافقين كما هو شأن صاحبهم المستبد الأكبر، ومنها أنه قد يوجد منهم من لا يتنزل لقليل الرشوة ولكن لالا يوجد فيهم من يأبى أكثرها، ومنها أن ليس فيهم غير المستبيح مشاركة المستبد في امتصاص دم الأمة ذلك بأخذهم العطايا الكبيرة والرواتي الباهظة التي تعادل بضع أضعاف ما تسمح به الإدارة العادلة لأمثالهم"
"لا يذكر التاريخ أن الزمان أوجد نادرا بعض وزراء ندموا على ما فرطوا فتابوا وأنابوا ورجعوا لصف الأمة واستعدوا للكفارة المسيحية أو الشهادة الإسلامية"
***
طبيعة الثورات في الشرق:
"الشرقي يهتمُّ في شأن ظالمه إلى أن يزول عنه ظلمه، ثمَّ لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه، فيقع في الظلم ثانيةً، فيعيد الكرّة ويعود الظلم إلى ما لا نهاية، فأولئك الباطنية في (تاريخ) الإسلام: فتكوا بمئات الأمراء على غير طائل، كأنَّهم لم يسمعوا بالحكمة النبوية: "لا يُلدَغ المرء من جُحرٍ مرتين"، ولا بالحكمة القرآنية (إنَّ الله يحبُّ المتَّقين). أما الغربي إذا أخذ على يد ظالمه فلا يفلته حتى يشلَّها، بل حتى يقطعها ويكوي مقطعها".
"الشرقي سريع التصديق، والغربي ينفي ولا يثبت حتى يرى ويلمس. الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأنَّ شرفه كلّه مستودَعٌ فيها، والغربي أكثر ما يغار على حريته واستقلاله! الشرقي حريصٌ على الدين والرياء فيه، والغربي حريصٌ على القوة والعزّ والمزيد فيهما".
***
رحم الله عبد الرحمن الكواكبي، الذي كتب هذه الفقرات في كتابه الأشهر "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، وهو كتاب عظيم فريد لا مثيل له ولا يقاربه فضلا عن أن ينافسه كتاب آخر في بابه، ولولا بضعة فقرات فيه لبلغ الكمال، ولكن سبحان من اختص نفسه بالكمال دون الناس!
وقد مات الكواكبي عام 1902م، وقد كتب في المقدمة عن كتابه: "وجعلته هديةً مني للنّاشئة العربية المباركة الأبية المعقودة آمال الأمة بيُمْنِ نواصيهم"..
اللهم إنا نعوذ بك من أن نكتب للشباب عن الاستبداد مرة أخرى!
نشر في شبكة رصد الإخبارية
سلمت يداك وقلمت اخى الحبيب وزادك الله علما ونفعنا الله واياك بما تقولك وتكتب
ردحذف