السبت، أغسطس 20، 2011

الإسلاميون أمل الوطن!

في اللحظات الفارقة يجب أن نضع أنفسنا أمام الحقائق..

الوضع في مصر الآن جد مقلق، والمسؤولية تقع على عاتق الإسلاميين بشكل أساسي لأكثر من سبب؛ منها أنهم القوة الحقيقية الوحيدة في مصر، ومنها أن مبارك إن كان انتصر على الثورة وأخمدها لكانوا هم أول ضحاياها، وهو الحال نفسه إن فشلت هذه الثورة، وساعتها سيكون الذي تغير هو اسم المستبد فحسب، وعلى المستبد الجديد أن يسحق الإسلاميين مرة أخرى ليستقر له كرسي الحكم.

لا مجال لأنصاف الثورات، إما انتقال ديمقراطي يدخل بالبلاد في مرحلة جديدة، وإما انتكاسة جديدة تصاف إلى رصيد ثوراتنا المسروقة وأعمارنا المسحوقة وأمتنا التي تدفع الثمن من دمائها وأموالها وأبنائها ومقدساتها.

***

خاطرة رمضانية لاحت لي قبل سنوات تقول الآتي:

لقد امتن الله على هذه الأمة أن جعل لها مواسم خير تنقلب فيها حياتها، وذلك كي لا يحدث لهم ما أصاب بني إسرائيل، فبنو إسرائيل لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم، قال تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون).

وفي هذه المواسم نفحات ربانية تستطيع غسل القلوب وإحيائها كما تحيا الأرض الميتة (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قد بيَّنَّا لكم الآيات لعلكم تعقلون).

هذه النفحات عبر عنها الحديث الشريف (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).. ذلك أن الصلوات بمثابة التوقف اليومي من بين الحياة المادية المرهقة فتحفظ حياة الإنسان من سيطرة المادية القاسية وتفك ارتباطه بالدنيا، وكذلك الجمعة التي تعد وقفة أسبوعية، وكذلك رمضان الذي يعد وقفة سنوية طويلة نوعا ما، يستهدف أن يخرج الإنسان به من ذنوبه كلها ليدخل عاما جديدا بروح جديدة!

بهذه المواسم حفظ الله لهذه الأمة حيويتها وتجددها، ومنعها من الدخول في طول الأمد الذي يقسو به القلب، وتنكسر فيه النفس!

***

لقد كانت مصيبة بني إسرائيل عظيمة جدا، فأولئك القوم قد انكسرت نفوسهم وأرواحهم من ظلم فرعون وقهره حتى ما عادوا يملكون الأمل ولا الثقة في النفس ولا يفكرون في المقاومة، وقد كان هذا يغري فرعون بالمزيد والمزيد.. حتى إنه لما قتل أبناءهم استسلموا لهذا فلم يثوروا ولم يقاوموا بل قدموا أبناءهم للذبح، وكانت حسرة القلب أهون عليهم من مقاومة الظلم.

على أن القصة لم تنته هاهنا، بل ما زالت فصولها تأتي بالأعاجيب..

لقد ظهر موسى محررا منتظرا وقائدا مخلصا ورجلا كبيرا وقف في مواجهة فرعون، فلم يؤمن معه إلا مجموعة من الشباب الذين لم تهزم نفوسهم طول الحياة في الظلم وكانوا على استعداد لمواجهة الخوف (فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم).

ثم كانت ذروة الدهشة حين أنجاهم الله بمعجزة خارقة رهيبة هائلة، لقد انشق لهم البحر جسرا صلبا من تلقاء نفسه حتى عبروا ثم عاد إلى طبيعته المائية فأغرق فرعون وجيشه، وكل هذا أمام عيونهم المبصرة، لقد كانت لحظة كونية كبرى إذ تتغير قوانين الدنيا ليغرق الجبار الأعظم في الأرض، ولتنهار أسطورة فرعون الذي حكم البلاد أكثر من ستين سنة فبدا وكأنه لا يموت ولا يهلك ولا ينهار حتى قال (أنا ربكم الأعلى).

إلا أن النفوس التي طال عليها أمد القهر والظلم والخوف وتعظيم غير الله، ما كادوا يخرجون من هذا المشهد الهائل حتى عبروا على قوم يعبدون أصناما من البقر، فقالوا.. وأمسك قلبك (قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة).

وكل علامات الدهشة والذهول لا تكفي لتفسير الموقف، إنهم يطلبون صنما يعبدونه وهم الذين رأوا معجزة كونية صارخة قبل قليل!! وعلى رغم أن موسى قد نهرهم إلا أنه ما كاد يتركهم للقاء ربه حتى عاد إليهم فوجدهم قد صنعوا عجلا وعبدوه!! وقد عبدوه عبادة مخلص له متمسك به حتى كادوا أن يقتلوا هارون (نائب موسى- عليهما السلام) في سبيل عبادة العجل!!

هذا هو ما يفعله طول الأمد!! تنتصر النفس على العقل، وتنهزم الروح أمام العادة، ومهما ظهرت المعجزات والخوارق فإن القناعات العقلية تظل على حالها كأنما لم تر معجزة قط!!

***

نعوذ بالله أن نكون كبني إسرائيل، ولكن.. هل طال علينا أمد الظلم والقهر والسجون والمعتقلات؟ فصرنا لا نستطيع التفكير والتفاعل مع جو الانفتاح!

أين الروح الثورية الإسلامية، وهم أحق بها وأهلها؟

ولماذا يمتلك الإسلاميون هذه الطاقة البشرية الهائلة التي تربت على التضيحة والفداء بل والشهادة في سبيل الله، ثم هم لا يصنعون شيئا، ولا يزالون في خانة المنتظر المترقب المتمني.. ولا أحب أن أقول في خانة المفعول به؟؟

لو أن شابا من حركات الثورة مثل 6 إبريل أو غيرها كان يمتلك تحريك الطاقة البشرية التي يملكها الإسلاميون لكان هو رئيس مصر بلا منافس ولا منازع، غير أنهم يملكون طاقة ثورية تخونها الطاقة البشرية، فيم يملك الإسلاميون طاقة بشرية تعوزها طاقة ثورية!

لست أحب أن أرمي قيادات العمل الإسلامي بما يسوء، وأعلم أن فيهم من يستحق، غير أن خلوّ هذه القيادات من الشباب شيء مؤسف، وهو يوحي بأن طول الأمد قد يكون ترك آثارا في النفس والروح تمنع من استثمار الحالة الثورية والتقاط اللحظة الراهنة للدخول بالبلاد إلى تحول ديمقراطي حقيقي يمتلك الشعب فيه حرية التعيين والمحاسبة والعزل!

ما زال يسيطر عليهم الخوف من الإعلام والرد عليه وتفويت الفرص على من يريد بهم شرا، وما زال يرعبهم ألفاظ "الصدام والمواجهة" وما زالوا ينفرون من محاولات "تريد الوقيعة بين الجيش والإسلاميين".. ولو أنهم أبصروا لعلموا أنها ليست مؤامرة ولا محاولة وقيعة.. بل إن الذي يحدث الآن يثبت أنهم يُدفعون نحو القبول بما هو مطروح وإلا فالتهديد بالعودة إلى السجون والمعتقلات قائم مطروح!

يجب أن ننطلق من أن هذا العهد القديم كان وانتهى، وأن دون رجوعه مرة أخرى أن نذهب جميعا شهداء، وأن إقرار الحرية في هذا الوطن قصة حياة أو موت، وإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا! وأن احتمال العودة إلى السلطة التي تملك أكثر مما يجب فتتجاوز في الحكم والحق إلى البغي والجور هو احتمال مستحيل إلا أن نفنى من هذه الدنيا!

إن واجب الوطن والأمة بل والإنسانية تقتضي أن تخرج مصر من مرحلة التيه والظلام والظلم هذه إلى مرحلة الحرية والعدل واحترام الحقوق، وهذا الواجب هو مقدمة كل الواجبات الأخرى، أو هو واجب الوقت، والتنازل عنه يعني انتهاء الأمل والقدرة لهذا الجيل وانتظار نصف قرن آخر يكون قد طال الأمد فيها مرة أخرى على الأبناء والأحفاد.

إن حياتنا الحقيقية ليست في هذه الدنيا.. بل هي في الآخرة، ولا حاجة بنا إلى حياة نؤثر فيها الهدوء حتى تسال الدماء في السجون والمعتقلات والحروب المزاجية كما حدث في عهد عبد الناصر، وهو العهد الذي جدد الظلام ستين سنة حتى ظهر شباب لم تعتد نفوسهم طول أمد الظلم فثاروا.. هؤلاء الشباب لا طاقة بهم وحدهم على إحداث هذا التغير، وما لم تنزل الحركة الإسلامية بثقلها وراء مطالب الحرية وإنجاز مهمات الثورة فهو العار الكبير الكبير الكبير!!

***

(وكأيِّن من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)

(الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)

نشر في: شبكة رصد الإخبارية

هناك 3 تعليقات:

  1. غير معرف12:44 م

    جزاك الله خيرا على ما خطت به يمينك .. مقال يحتاج إلى التأمل والاعتبار.
    اسمح لي أن أنبه إلى خطئين لاحظتهما في اقتباسك من القرآن فأرجوا تصحيحهما، أولا في قوله تعالى ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ) إذ كتبتها ( وملئه ) بالإفراد
    ثانيا في قوله تعالى ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون ) إذ كتبتها (وكم من نبي)

    جزاك الله خيرا

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا كثيرا، تم التصحيح.. وهو درس في أن المرء يجب ألا يعتمد على حفظه بشكل أساسي.

    ردحذف
  3. جزاك الله خيرا على المقال الرائع

    ردحذف