لماذا يجب أن تشارك في جمعة الانتصار والاستمرار؟
كانت المرحلة الماضية واضحة، المعسكرات واضحة، والفاعلون معروفون، ويمكن ببساطة متابعة مسار الأحداث وتوجهات الأطراف المختلفة ونواياها من خلال التصريحات. إنما المثير للقلق في هذه اللحظة أن كل الأحداث تجري في الدهاليز والكواليس والأروقة الغامضة، لا تصريحات، لا مؤتمرات صحفية، لا قدرة على الأسئلة والاستفسار.. فقط بيانات عسكرية تُلقَى من الحين إلى الآخر تثير بعض اطمئنان وبعض أسئلة، ثم لا نجد شيئا.
في عالم السياسة لا مجال للنوايا الحسنة والوعود الخالية من ضمانات، وبديهي أن الذين فرطوا في أرواحهم وأعضائهم لم يفعلوا هذا من أجل تغيير جزئي أو شكلي، وما لم تكن الأمور في العلن أمام الناس فيصعب على أحد إقناعهم بأنها تجري على ما يُرام.
إن من حقائق الحياة أن الذين يديرون البلاد الآن بشر، وهم معرضون للخطأ، لا سيما وهم عسكريون يعترفون –بشجاعة يُحَيَّوْن عليها- بأنهم لا يستطيعون إدارة البلاد.. وحيث كان هذا معروفا، فإن إدارتهم لهذه المرحلة الانتقالية الخطيرة دون رقابة شعبية غير مطمئن.
من حقائق الحياة أيضا أن الخارج لا يكتفي بالمشاهدة، ولا شك في أنه داخل على الخط بما يخدم مصالحه، لكن.. إلى أي مدى هو داخل على الخط؟ وإلى أين يريدالاحتفاظ بمصالحه التي كان عليها في النظام السابق؟ .. لا أحد يدري!
أين أركان النظام السابق؟ بل أين رئيسه المخلوع نفسه؟
لا حديث عن عمر سليمان أو صفوت الشريف أو زكريا عزمي، الثلاثي القوي في بنية النظام السابق.. لا نعرف بالتحديد أين حسني مبارك ولا ماذا يفعل في شرم الشيخ.
لماذا هذا الصمت المطبق تجاه إلغاء قانون الطواريء، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتغيير الحكومة التي هي من أولاد النظام السابق.. صمت مطبق أمام هذه المطالب يثير القلق.
الحديث الدائر والاعتذارات التي يُبديها أذيال النظام السابق وكأنهم أخطأوا في تلويث ثيابنا ببعض الآيس كريم أو عصير المانجو، إنها خطايا بحجم الدماء التي سالت بتحريضهم والأرواح التي ذهبت، وآلاف من الآمال والأحلام تم اغتيالها عن عمد وبسبق الإصرار والترصد وبكل الإخلاص في نفاق النظام السابق.. ثم يرفعون شعار "ليس وقت تصفية الحسابات".. بالعكس، إن مجرد وجود هؤلاء في العهد الجديد يمثل خطرا عليه.
لا يخالطنا شك في أن الجيش اتخذ قرارا شريفا وشجاعا ووطنيا سيكتبه له التاريخ، حين رفض قرارات الرئاسة بضرب المتظاهرين، وأنه لولا هذا القرار لسالت الدماء بغزارة ولكان نجاح الثورة محل شك.. ونحن نعرف أن جيوشا أخرى انحازت للنظم فضاعت بها البلاد، لا ننسى مثال سوريا ولا الجزائر .. ويبدو أن الأمر يتكرر اليوم في البحرين وعلى وشك التكرر في ليبيا.. لا يمكن أن ننسى هذا الموقف العظيم والفارق والتاريخي للجيش المصري.
لكن بالمقابل: فإنه لا يخالطنا شك أيضا في أن أذيال النظام القديم لا تقف متفرجة، ونحن لا ندري الآن ماذا يفعلون، والحق أنه إن صح وجود مبارك داخل مصر فإن هذا مؤشر في غاية الخطر على الثورة، لأن مجرد وجوده يشير إلى أنه يشعر بالاطمئنان ويأمن من الملاحقة، وهذا في حد ذاته يشير إلى أن نظامه ما زال يعمل، أو ما زال لديه الأمل في الاستمرار.. لا سيما حين تأتي الأخبار بأن الخارج تلقى طلبات لتجميد أموال مسؤولين مصريين ليس من بينهم مبارك، ماذا يعني هذا؟
على آية حال.. لا أحب أن أبدو تشاؤميا كما أكره أن أكون حالما أو واهما، لكن التشاؤم أفضل حتى يثبت أننا كنا متشائمين، فهو خير من أن نكتشف أننا خُدِعْنا.
من حقائق الحياة أن القوة هي الحكم، مهما كانت هذه الحقيقة لا تعجب الحقوقيين والقانونيين والمثاليين، ولئن لم تكن القوة في خدمة القانون فلا قانون يمكنه أن يحكم بين الناس.. وهذه الثورة خير دليل على هذا، فلم تتحقق ذرة من إصلاحات إلا تحت ضغط القوة الشعبية.. حتى "سيد قراره" لم يكن يريد التفريط في عضو واحد قبل أيام، فلما رأى القوة الشعبية ظل يتقهقر حتى انتهى تماما، والحمد لله رب العالمين.
لهذا.. نحن نثق في القوة الشعبية، ثم في قوة الجيش، لكن باقي اللاعبين لا نثق فيهم، لا نثق بالخارج ولا بأذيال النظام وأجهزته (تذكروا أننا لا نعرف شيئا عن المخابرات والحرس الجمهوري وأمن الدولة.. أين يقف هؤلاء الآن، وماذا يفعلون؟).. ولا نريد –بل ولا ينبغي- أن تغيب القوة الشعبية عن الساحة في هذه اللحظة بالذات.
إن المشاركة في تظاهرة الجمعة المليونية الاحتفالية ضرورة حقيقية، وهي الآن أشد ضرورة، لأنها الاختبار الأول الذي سيثبت ما إذا كانت الجماهير يمكنها أن تنخدع باختفاء صورة حسني مبارك مع بقاء نظامه أم أنها تعي أنها أطلقت ثورة لتبني نظاما جديدا نظيفا؟
وعليه فينبغي أن تنزل غدا إلى ميدان التحرير في الجمعة المليونية:
إذا كنت تثق في الجيش فأنت تساعده ضد اللاعبين الآخرين على الساحة، فالجيش يحتاج في هذه المرحلة إلى القوة الشعبية التي تسانده.
إذا كنت لا تثق في الجيش فهذا أدعى لوجود القوة الشعبية، وهي الضمانة الوحيدة لإنجاح هذه الثورة والمانع لأن يفكر أحد في الالتفاف عليها وإجهاضها.
إذا كنت واثقا في انهيار النظام البائد فاخرج لكي تستكمل طريقك نحو بناء المشهد الجميل الذي نتمناه جميعا.
إذا لم تكن واثقا من انهيار النظام البائد فعليك أن تخرج، وتواصل الخروج، حتى تثق في انهياره.
إذا كنت ترى أن الثورة نجحت فاخرج لكي تحتفل بالنصر.
إذا لم تكن ترى أن الثورة نجحت فاخرج، وواصل الخروج، حتى يتبين لك أنها نجحت.
-------------
* لا تعطيل لحال البلد لأن يوم الجمعة إجازة رسمية.. فلا خوف من مسيرة الجمعة.
* ينبغي الحذر من دخول عناصر تابعة للنظام السابق (أمن دولة – بلطجية – مخابرات - ...) وصناعة اضطرابات تؤثر في المسيرة أو حتى تؤدي لوقوع ضحايا، في محاولة لجر الجيش نحو ضرب التظاهرات، أو لأهداف أبعد وأخطر.. والمشكلة الآن أنه لا حواجز ولا لجان حراسة مما سَيُصَعِّب مهمة التأمين. نسأل الله أن يضل الظالمين وأن يهدي الثائرين إلى معالجة لهذه المشكلة.
* إذا لم تخرج فلا عذر لك إن لم تواصل الدعاء.. فالدعاء سلاح المؤمن، وكل ما في هذه الدنيا يسير بقدر الله وتدبير الله ورعاية الله..
* اللهم لا ملجأ إلا إليك.. يارب.. يارب.. يارب..
لم تترك عذر لاحد
ردحذفمحكم وسلس ومنطقي
باختصار
Brilliant
مقال مهم جدا انا وصلتله من تويتر وشيرته علي تويتر برضه
ردحذف