رأى رجلٌ رسول الله ﷺ يقبِّل الحسن بن علي، فاستغرب قائلا: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتْ منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله ﷺ وقال: من لا يرحم، لا يُرْحَم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن قوما من الأعراب قدموا على رسول الله ﷺ فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقال ﷺ: نعم. فقالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال ﷺ: وما أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة؟!
تأمل كيف جعل رسول الله ﷺ القبلة للطفل دليل وجود الرحمة، وجعل انتفاءها دليل على القسوة ونزع الرحمة؟!
كيف يكون الحال إذن لمن كان يعتقل الأطفال ويعذبهم ويقصفهم بالبراميل المتفجرة وبالكيماوي؟!!
لقد وفَّر لنا عصر الفيديو وسرعة التواصل هذا أن نرى من الحقائق ما كنّا سنكذبه إذا سمعنا به!
لقد رأيتُ من انهال على رأس طفل مسلم بالجرافة في بورما حتى هشَّمها، بعدما هشَّم أمامه رأس أبيه!!
ورأيت من أمسك بطفلين فعلقهما في سلك ثم شنقهما، كأنه يمارس عملا روتينيا!
ورأيت من عرَّى طفلا فانهال عليه ضربا، لا لشيء إلا لأنه مسلم يريد تطهير الأرض منه!! ويرى في هذا قياما بحق دينه عليه!!
رأيت أطفال المسلمين في تركستان، والصيني ينهال عليهم بالضرب الوحشي، وأشدُّ من محنة الطفل حين يُضرب، محنته حين يتلفت حوله، يبحث عن ملاذ أو نصير فلا يجد!!.. نظرة الفزع والبحث عن الحل أشد هولا من ألم الضرب!!
رأيت جنودا صينيين ينتزعون طفلا من أبيه، والأب قد انحبس صوته، وكُتِمت أنفاسه، وسالت دموعه تحكي قهرة قلبه، وهو يتمسك بالطفل، يعرف أنه لن يراه مرة أخرى!!
وهذا الذي يجري في الصين، يجري مثله في كندا والسويد وغيرها من بلاد أوروبا، لكنه يجري هناك مزخرفا بغطاء قانوني، ودعاوى براقة، فيتحقق معنى السبي تحت لفظ "حماية الطفل" من أبويه!!
كم رأينا أطفال سوريا وهم يصارعون الحياة يريدون أن يلتقطوا من الهواء هواء، بعدما قصفهم بشار بالقنابل الكيماوية!! وكم رأينا منهم من تمزقت أشلاؤه، أو انهار السقف عليه فكسر رأسه أو قطع ذراعه!!
بعض المنظمات تتحدث عن أعداد مهولة وثَّقتها لعدد الأطفال المعتقلين في سوريا، مات منهم تحت التعذيب 173 طفلا في آخر إحصائية اطلعت عليها.. هل تتخيل أن 173 طفلا ماتوا من التعذيب؟!!
في مصر، يُعتقل الأطفال مع أمهاتهم.. ويغيبون في السجون سنينا، وبعضهم حتى الآن لا يعرف له مصير!! فبينما الأطفال في الدفء والنعيم، يعيش الأطفال في الزنازين الباردة!!
كم مرة استُعْمِل الأطفال لتعذيب أمهاتهم في مصر، وفي سوريا، وفي سائر بلاد الطغيان.. القصص في هذا تحتاج فريقا من المؤرخين!!
وها نحن الآن نرى أطفال سوريا في المخيمات، التي سقطت تحت ضغط الثلوج.. وقد كان حكام العرب قبل أسبوعين قد أنفقوا مئات الملايين في فرقعة الألعاب النارية، وحفلات الرقص في رأس السنة!!
الثلوج التي تكاد تفتُّ في عظام من يرى المشهد عبر الشاشة، كيف تراها تفعل فيمن لا يحميهم منها خيمة ولا غطاء، ولا يملكون أمامها إلا الثوب القليل الرقيق؟!
يا لهف قلبي على طفل أصابه المرض، وانقطعت به السبل، كيف يشعر؟! بل كيف يشعر أبوه وأمه وهم يرونه يذهب نَفَسًا نَفَسًا، وأمتهم المتخمة بالأموال تغفل عنهم وتنفقها في الخمر والسكر واللهو والغفلة؟!
حتى التبرعات التي جمعها لهم بعض الشباب من خلال وسائل التواصل، بخلوا عليهم بتوصيلها، وسلموها للأمم المتحدة، التي قررت أن تأخذ نصفها لرواتب موظفيها وميزانيات مكاتبها، ثم ستبعث لهم نصفها الآخر في "الشهور القادمة".. والمعنى في بطن الشاعر!!
إنها أيام الأندلس من جديد..
أيام محاكم التفتيش، وموجات التنصير والتهجير، حين كانوا يُجبرون على تعميد أطفالهم، ثم يُجبرون على تركهم حين يطردونهم!!
وهي أيامنا في كل أندلس، في البلقان والقوقاز عند سقوط الخلافة العثمانية، وفي بلاد الترك في زمن الشيوعية، وفي إفريقيا أيام عصر الاستعمار!!
كان السيد الأبيض يتخذ أطفالنا عبيدا، يتلاعب بهم، فيمددهم ليضع عليهم قدمه، أو ينصبهم ليمسكوا له عصاه، وكان يتخذهم حقلا للتجارب، يجرب عليهم العقاقير والأدوية.. أو كان يستخدمهم لإخضاع آبائهم وأمهاتهم، فكم ضرب السيدُ الأبيضُ رأسَ طفل في صخرة أمام أمه، وكم قطع يد طفل لأن أباه لم يأتِ بحصته الواجبة عليه من الصمغ!!
(ابحث في جوجل عن قطع الأيدي في الكونغو)
تلك الصفحات التي كنا نقرؤها في الكتب فنتخيلها بخيالنا، ثم حملتها إلينا الرسوم والصور حتى رأيناها بعيوننا، ثم ما لبث الزمان حتى أرانا إياها صوتا وصورة، فنحن نسمع ونرى صراخهم وموتهم.. لقد كان الخيال أهون من كل حقيقة!!
إنه الزمن الذي أزداد فيه إيمانا بأننا المسلمين، رحمة الله للعالمين، وأن العالم قد خسر كثيرا كثيرا كثيرا بانحطاط المسلمين!
إن كان الذي لا يُقَبِّل الصغار رجلا قد نزع الله الرحمة من قلبه.. فكيف يبلغ هؤلاء من الغلظة والقسوة والشناعة؟!
إن حقوق الحيوان في الإسلام ( انظر بعضه هنا: https://bit.ly/3rGg1Oj ) يتصاغر أمامها حق الإنسان في عالمنا التعيس هذا!!
وأعظم ما لدينا أن هذه الحقوق ليست حبرا على روق، وليست قرارات مؤتمر، ولا حتى مجرد قوانين تعتمد على قوة السلطة وعلى نزاهة القضاء، بل هو دين، دينٌ يدافع عنه المجتمع المسلم، فبه يرجو الجنة، وبه ينجو من النار!
ولذا لا تجد مصدرا تاريخيا ذا قيمة يمكن أن يروي شيئا عن مذابح ارتكبها المسلمون بحق الأطفال، يوم كانوا في علو وحضارة، بل لقد سجَّل المؤرخون من غير المسلمين أن العبد في بلادنا كان خيرا من الحر في بلادهم (انظر بعض ذلك هنا: https://bit.ly/3IrjOG4 )
لا يحضرني ختام
مناسب لهذا الكلام.. يكفي أنني أدفقه لأشعر ببعض الراحة.. الخلاصة: هذا العالم
يحتاج إلى الإسلام، على الأقل، لإنقاذ نفسه من هذا التوحش المتكاثر الذي يتفجر في
كل مكان ولا يرحم حتى الأطفال!!