-
الكتاب: التجربة النهضوية التركية: كيف قاد حزب العدالة والتنمية
تركيا إلى التقدم؟
-
المؤلف: محمد زاهد جُل
-
دار النشر: مركز نماء للبحوث والدراسات - السعودية
-
سنة النشر: 2013م
-
عدد الصفحات: 240
رغم مُضِيّ ثلاثة عشر عاما على بدء تجربة أردوغان وحزبه
"العدالة والتنمية" في تركيا، وبرغم ما أسفرت عنه هذه التجربة من تغير
كبير في تركيا: سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ومن تغير في المشهد السياسي في الشرق
الأوسط، وبرغم ما حققه أردوغان من شعبية عالية في الأوساط العربية.. برغم كل هذا
إلا أن الكتب المتوفرة عن هذه التجربة في لغة العرب قليلة للغاية، وأقل منها تلك
التي كتبها أتراك في رصد وتقييم هذه التجربة.
من هنا يأخذ هذا الكتاب الذي بين أيدينا أهميته، إذ
مؤلفه باحث تركي يتقن العربية، وهو مقرب من حزب العدالة والتنمية، فهو إن لم يكن أحد
المساهمين في التجربة ولو بقدر قليل فإنه في الحد الأدنى شاهد عيان عليها، فيكون
لروايته قيمة إضافية.
ويزيد في أهمية الكتاب أن مؤلفه صرَّح في مقدمته بأنه
قَصَد إلى تأليفه لأن "مرحلة الربيع العربي نفسها تحتاج إلى الدراسات العميقة
التي تفهم التجربة النهضوية التركية في كافة مجالاتها"، إذ أن أسباب إخفاقات
المحاولات العربية إنما كان "لافتقاده الرؤية المتكاملة للمشروع النهضوي،
ولافتقاره إلى إخوة صادقين يشاركونه المعاناة والرغبة الصادقة بتحقيق نهضته دون
طمع ولا خداع ولا غدر ولا دوافع استعمارية ولا هيمنة امبريالية ولا عولمة مستعلية
ولا شركات عابرة للقارات متوحشة، وإنما بأخوة مؤكدة ومصالح مشتركة ومنافع
متبادلة".
ولمحاولة تحقيق هذا الهدف قَسَّم المؤلف كتابه إلى تمهيد
وأربعة فصول وخاتمة.
يستعرض التمهيد لما سَمَّاه المؤلف "مفتاح
النهضة التركية"، ويقصد به "الهوية الإسلامية" للشعب التركي، إذ هي
المفتاح الذي أصرت التجربة العلمانية التركية على اطراحه بل ومحاربته ففشلت دائما
في صناعة نهضة، فما من نهضة لشعب إلا وكانت "الهوية" حاضرة فيها. ولقد
كان حزب العدالة والتنمية مستوعبا لهذا المعنى كما كان وريث المحاولات الإسلامية
الممتدة عبر القرن السابق.
ويستعرض الفصل الأول الأسس الفكرية للنهضة التركية،
وهو فصل تاريخي يلقي الضوء سريعا على تجربة الإصلاح التركية منذ أواخر العصر
العثماني وتأسيس الجمهورية، ومختصر هذا الفصل أن الدولة العثمانية ثبت ضعفها
وفشلها في أواخر عمرها ولم يكن من بديل عن إصلاحات جذرية إلا أن الذي انتصر في
النهاية هم العلمانيون فأسسوا الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وبهذا التأسيس
نبتت مشكلات الهوية في المجالات كافة؛ ففي باب السياسة والدستور تفاقمت إشكاليات
الديمقراطية والأحزاب –كوسيلة تمثيل شعبي- مما جعل الديمقراطية نفسها موضع صراع
كبير بين الشعب وبين الدولة، يختار الشعب من يمثله فيقوم الجيش بانقلابات عسكرية
تعيد الدورة من جديد. كما تفاقمت مشكلة العلاقة بين الدين والدولة، ومن منهما
يسيطر على مساحة الآخر أو يهيمن على مساحات التداخل بينهما، وقد أثمر كل هذا
إشكاليات اقتصادية، فالاقتصاد جزء من السياسة التي هي رؤية شاملة، كما أثمر مشكلات
في التعامل مع العرقيات والطوائف التركية التي انعكست آثارها على انسجام الشعب
التركي وحقوق الإنسان.
كما يستعرض الفصل الثاني الرؤية التربوية والتعليمية
للنهضة التركية، وكيف أدرك حزب العدالة والتنمية أن التعليم جزء لا يتجزأ من
الهوية ومن أسباب التنمية، وهو حين أدرك هذا فإنه استدرك فشل العثمانيين حين لم
يستطيعوا إنتاج إصلاحات تتلافى سقوطهم وفشل العلمانيين حين اعتنقوا الهوية
الأوروبية وأنزلوا تطبيقاتها على التربية والتعليم، ثم إنه أكمل مسيرة المحاولات
الإسلامية لمقاومة العلمانية منذ عدنان مندريس معتقدا أن التعليم هو ركن أساسي في
صناعة الإنسان التركي الذي هو محور النهضة المنشودة.. وطفقت باقي المباحث تستعرض فقرات
من برنامج الحزب في شأن التعليم، كما استعرضت بالأرقام إنجاز الحزب في مجال
التربية والتعليم: المدارس والجامعات والبحث العلمي.
وفي الفصل الثالث حديث عن النهضة الاقتصادية
التركية، وشمل هذا الفصل الإنجازات الاجتماعية والقانونية القضائية أيضا، وقد
احتشد هذا الفصل كذلك بوصف رؤية الحزب لهذه المجالات وبإنجازاته –مدعومة بالأرقام-
في هذه الأبواب، مع التأكيد في كل باب على استيعاب الحزب لموقع تركيا وإمكاناتها
الاقتصادية وما تستطيع أن تقوم به من استثمار لتاريخها وجغرافيتها وثقافتها في
صناعة النهضة.
ويتناول الفصل الرابع العلاقات الدبلوماسية والسياسة
الخارجية التركية، وكيف أن تركيا وضعت نفسها في الحضن الأوروبي تماما منذ
تأسيس الجمهورية، وكانت أوروبا تحتاجها –لموقعها الفريد- لتكون ضمن خطوطها
الدفاعية الأمامية ضد الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو مما جعل انضمامها إلى حلف
الناتو وعلاقتها بإسرائيل تحصيل حاصل. إلا أن أوروبا أعرضت عن تركيا بعد انهيار
الاتحاد السوفيتي ولم تعد ترحب باقترابها، ومن ثم كانت رؤية حزب العدالة والتنمية
تعتمد على فتح العمق الجغرافي والإسلامي لنفسها، لتكون ذات بيئة إقليمية آمنة،
ولتكون موضع اعتماد وركن أساس في استقرار المنطقة، مع تطويع سياستها الخارجية
لتناسب البيئة السياسية المتغيرة. وأفرد المؤلف مبحثا في هذا الفصل لرصد تأثير
التجربة التركية على العالم العربي، وهو من أفضل مباحث الكتاب وأطولها، ورأى أن
التجربة التركية تفيد العرب في تقديم نموذج لحكم يجمع بين الإسلام والمعاصرة، إلا
أن هذا النموذج تعترضه ثلاثة مخاطر: خطر الصراع الداخلي: بين الإسلاميين
والعلمانيين وبين الأقليات غير المسلمة خصوصا والثورات لا تتحمل الاختلافات
والشقاقات وتحتاج إلى الاتفاق، وخطر الفراغ الدستوري الذي هو ضرورة ديمقراطية
والتي لم يستطع أردوغان –كما يقول المؤلف- أن يحسمه رغم تسع سنوات من حكمه، وخطر
التخويف الدولي الآتي من العالم الغربي.
ثم تأتي الخاتمة لتطرح سؤال "كيف يمكن الاستفادة
عربيا من التجربة التركية" وفيها نصائح عامة مجملة تتركز في خمسة؛ الأول:
امتلاك رؤية واضحة تعتمد على جعل الشعب فوق السياسيين لا تابعا خاضعا لهم،
والثاني: أن السلطة خدمة لا مغنم وأن يكون هذا بالعمل والإنجاز لا بالشعارات،
والثالث: محاسبة المسؤول عما أنجزه مما وعد به وجعل هذا شرطا لبقائه في السلطة،
والرابع: العمل المؤسسي وفق خطط مدروسة لا العمل العشوائي، والخامس: وصول النهضة
إلى كل أنحاء الوطن لا تركزها في منطقة بعينها أو في طبقة بعينها.
لقد كُتِب هذا الكتاب في أواخر عام 2012، حين كان الربيع
العربي في واحدة من أفضل لحظاته، تبدو الثورات جميعها سائرة في طريق النجاح، وقد
تولى حكم مصر رئيس إسلامي لا يخفي رغبته في اقتفاء التجربة التركية.. ولا ريب أنه
لو كتب الآن في ظل الخريف العربي –بعد سلسلة الانقلابات- وربما الخريف التركي أيضا
بعد الأزمات التي حاصرت أردوغان لكان سيكون على منوال آخر.
وهنا أول ما نأخذه على الكتاب: أنه أراد تقديم تجربة
نجحت في ظل استقرار سياسي، وداخل نظام الدولة الحديثة ومؤسساتها ليكون دليلا
لتجارب ثورية تقوم بالأساس على كسر هذه النظم التي لم تسمح ولا بعشر معشار ما سمحت
به العلمانية التركية طوال تاريخ الجمهورية.
إلا أن المأخذ الأهم الذي ننقد به الكتاب هو أنه لم يقدم
حتى هذه التجربة..
لا ريب أن تقييم المرء لكتاب إنما يعتمد في الأساس على توقعاته
منه، فإن جاء محققا لتوقعاته مجيبا عن إشكاليته أو كان أعلى منها كان المرء منبهرا،
وإن كان دون ذلك كان القارئ محبطا.. ولقد كنت مع هذا الكتاب من المحبطين!
فالكاتب باحث مقرب من حزب العدالة والتنمية، وعلى اطلاع بما
لا يطلع عليه العامة من الدهاليز، وكنت أتوقع أن يأتي تحليله للتجربة التركية عميقا
ومهموما بالمفاصل والخطوات المهمة والكبرى.. إلا أن هذا لم يكن.
لقد كانت المساحة الأطول مرصودة لسرد إنجازات حزب العدالة
والتنمية في كافة المجالات، فتحول معظم الكتاب إلى نشرة إخبارية أو تقريرا حكوميا عن
الإنجازات، لأنه مجرد سرد للبرنامج ثم سرد للأرقام.. لذلك فمن أراد أن يقرأ "حصاد"
التجربة التركية فسيجد في هذا الكتاب بغيته.. لكن من أراد أن يفهم ما وراء هذه النجاحات
فسيعود محبطا لأن سر النهضات ليس في نصوص البرامج ولا في ظواهر الأرقام. وحتى ما
كان في الكتاب من التاريخ أو من أثر التجربة التركية على العالم العربي كان الكلام
عنه سريعا ومختصرا وإن كان لا يخلو من عمق ورصانة. وجاءت الخاتمة بنصائح نظرية وسريعة
أيضا يمكن لكل صحفي أو متابع أن يكتب مثلها، فهي أقل من المنتظر من رجل مقرب من الحزب
ويعرف دهاليزه.
إن الكتاب في مجمله دعائي لا تحليلي، وهذه المشكلة أقابلها
للمرة الثانية في كتاب تركي يعرض للتجربة التركية (الكتاب الأول كان: رجب طيب أردوغان:قصة زعيم) مما يحمل على الظن بأن
الأتراك أنفسهم غير واثقين في استقرار نجاحهم ولذلك يسيطر عليهم التسويق له بدلا من
تقديمه كتجربة يستفاد منها.. وهذا الكتاب يعترف أن المعركة الديمقراطية لم تنته بعد
حتى بعد تسع سنوات من التصدر للحكم.
ومن العيوب الخطيرة للكتاب، وهو عيب كذلك في كتاب قصة زعيم،
هو تجنبهم التام للحديث عن الخارج وتأثيراته في التجربة التركية، إنهم يسوقونها كتجربة
محلية بحتة قامت ونجحت لمجرد قدرتها على التعامل مع الشعب.. وهذا الخطاب هو خطاب صحفي
دعائي، بينما في ساحة السياسة يكون العامل الخارجي أقوى بكثير من العامل الداخلي، خصوصا
في منطقتنا الإسلامية الواقعة تحت الهيمنة الغربية منذ قرن على الأقل. ولئن شئنا
إنضاجا حقيقيا للفكر الحركي الإسلامي فلا بد من أن يُعرض هذا الباب في التجربة
بأمانة وعدل رغم خشية التشنيع عليه ممن يزايدون أو لا يفهمون طبائع الحكم والسياسة
وموازين القوى.
ومن المدهش في هذا الكتاب: الاعتماد على مصادر عربية لا
تركية، فالكاتب تركي ومقرب من الحزب وسياسته، إلا أنه ينقل عن المصادر العربية
التي كتبت عن الشأن التركي! حتى المصادر التركية ككتاب داود أوغلو "العمق
الاستراتيجي" ينقل عن ترجمته العربية لا عن الأصل التركي، وهي مسألة غريبة
جدا، إذ لا يحتاج العرب أن يقرأوا في شأن التجربة التركية أقوال المحللين
والدارسين العرب، وإلا فإن هذا مبذول سهل المنال، إنما يطلبون عند التركي بضاعة لا
يجدونها عند العربي، لكن الذي حدث هو أننا ذهبنا إلى الكتاب فوجدنا بضاعتنا رُدَّت
إلينا!
نشر في تركيا بوست