1. لم
تدر "عصابة الدستورية" أن منح حق التصويت لأعضاء الجيش والشرطة سيصب في النهاية
لصالح الإسلاميين. ذلك أن الجيش والشرطة في مصر لم يتحول إلى جماعة وظيفية منفصلة عن
المجتمع (إلا قطاعات محدودة + القيادات) مثلما هو الحال في الممثلين والإعلاميين، أو
مثلما هو الحال في جيوش أخرى.
كانت
تركيبة مبارك تسمح للقيادات العليا بالمدى الواسع من الفساد والاكتساب منه فيما يظل
الجسم الرئيسي للأجهزة مندرج ضمن عموم الشعب، تشمله ذات المعاناة وتشيع فيه ذات الأفكار.
لهذا
يمكن للجندي أن يقتل بالأمر النظامي العسكري، لكنه لو منح الفرصة للاختيار الحر فليس
اختياره متفقا مع الأمر العسكري بالضرورة، بل ربما على العكس تماما.
وإن
تأثير القيادات الكارهة للإسلاميين لن يبلغ في أحسن الأحوال أكثر مما فعله الإعلام
بعموم الناس.. وقد فشل الجميع حتى الآن في إسقاط شعبية الإسلاميين، تدل على هذا نتائج
الانتخابات التي لم تتغير نتيجتها حتى هذه اللحظة.
(أحب
أن أذكركم أن تصويت الشرطيين كان أحد الأسباب التي لجأ إليها دحلان وأبو مازن لضمان
اكتساح فتح للانتخابات التشريعية 2006، ثم انتهت الانتخابات إلى اكتساح حمساوي غير
متوقع.. وبعد أن فكرت حماس في محمود الزهار وزيرا للداخلية فوجئت بأن اختيار الشرطيين
"وكلهم فتحاوية" كان متجها إلى سعيد صيام، فعدلت إلى اختيار سعيد صيام وزيرا
للداخلية)
2. المثير
للتأمل أن الوحيد الذي فهم هذا -في طائفة المحللين والسياسيين- هو عبد الفتاح السيسي..
(بشكل عام تعجبني العقلية المخابراتية حتى لو كرهت مسارها) ولذا فقد كان الأكثر حسما
في أن الجيش المصري لن يُسَيَّس.
لئن
أحسنت به الظن فهو رجل يفهم طبيعة المرحلة ويفهم أن دخول السياسة إلى الجيش في هذه
اللحظة كفيل بتدميره وبجعله ألعوبة في يد الإعلام -ومن ورائه أجهزة المخابرات- والأحزاب
السياسية مما سيضرب تماسك الجيش ككيان محترف منضبط ويغرقه في السيولة الفكرية والسياسية..
أي أن الجيش سيتفكك من تلقاء نفسه إلى حزبيات وأجنحة متصارعة، وستدخل على الخط -تحت
عنوان الدعاية الانتخابية- أجهزة المخابرات لتجنيد الجواسيس والتواصل الحر مع القطاعات
المختلفة.
[وهذا
بالأمر بالمناسبة قد يدخل فيه الخشية من "أسلمة الجيش" فالإسلاميون أقرب
المتنافسين السياسيين لقلوب الناس، وخطابهم النابع من الدين هو الأكثر وصولا
للقلوب والعقول. بعبارة أخرى: فإن حكم الدستورية هذا –إذا نُفِّذ- قد يكون أول
خطوات "أسلمة" الجيش بالفعل! وتحويله إلى جيش عقائدي.. وهكذا تكون عصابة
الدستورية كمن صنع كارثته بنفسه، وكذلك الله يضل الظالمين ولا يصلح عمل المفسدين]
ولئن
أسأت به الظن فهو رجل يحرص على أن يبقى الوحيد الذي يمتلك كيانا عسكريا مسلحا منضبطا
غير مخترق ولا سبيل إلى اختراقه، ليكون هو الرجل الأقوى الأوحد في مصر.. فكلهم يستجديه
ويرجو رضاه وهو يلاعب الجميع ويبقى الأقوى.. أي هو حريص على نقل الجيش لأن يكون
جماعة وظيفية (على النحو الباكستاني).
(الجماعة
الوظيفية، بحسب تعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري، هي: جماعة يستوردها المجتمع من خارجه
أو يجنِّدها من داخله، تُعرَّف في ضوء وظيفتها، لا في ضوء إنسانيتها الكاملة، ويَكِل
المجتمع إليها وظائفَ لا يضطلع بها عادةً أعضاءُ المجتمع، إما لأنها مُشينة، أو متميِّزة
وتتطلب خبرة خاصة، أو أمنية وعسكرية، أو لأنها تتطلب الحياد الكامل (أي: بلا
مشاعر، غير إنساني). ويتسم أعضاء الجماعة الوظيفية بالحياد، وبأن علاقتهم بالمجتمع
علاقة نفعية تعاقدية، وهم عادةً عناصرُ حركية لا ارتباطَ لها ولا انتماء، تعيش في حالة
اغتراب عن المجتمع، وأعضاء الجماعة الوظيفية عادةً من حَمَلة الفكر العلماني الشامل)
لن نفهم
السيسي -على وجه اليقين- إلا بعد سنوات، حيث يتضح المسار العام.. أما الآن، فكل تصرف
قد يُحمل على وجه من الوجوه.
3. لكن
ما الموقف المجرد من حق الشرطة والعسكر في التصويت؟
إن القدر
القليل الذي أعرفه من الفقه والتاريخ يقول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) استشار الجميع،
حتى من أسلم حديثا، وأن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وهو يرتب اختيار الخليفة
الثالث استشار كل الناس حتى الصبيان والعبيد والموالي غير العرب في المدينة، وكل من
مرّ بالمدينة.. ولا أعرف أن طائفة استثنيت من الاستشارة أو الاختيار في عهد النبي والخلافة
الراشدة.
فلا
وجه -فيما أعلم وأحسب- لاستثناء العسكريين من التصويت لاختيار الرئيس أو ممثليهم في
المجالس النيابية.
4. إذن
لماذا غضب الناس من حكم الدستورية؟
أولا:
لأن الشعور العام فهم -عن حق- أنها محاولة فلولية من أحذية مبارك القضائية لوضع كل
ما يمكن من عراقيل أمام أغلبية إسلامية في الانتخابات القادمة.. والشعور العام يفهم
أن الجيش والشرطة أميل إلى الفلول ومبارك من الإسلاميين (وهو الشعور الذي لا يمكن الحكم
على صحته أو دقته كما في النقطة رقم 1)
ثانيا:
لأننا قريبو عهد بحكم العسكر، والوطن بحاجة للتعافي من التدخل العسكري في الشأن السياسي.
ثالثا:
لأنها بدعة جديدة، وكل جديد مثير للمخاوف خصوصا إن صدر عن مجرمين معروفة ميولهم وتوجهاتهم،
أو نبت في وقت مضطرب كالمرحلة الانتقالية الحالية.